«موشكا»... أكثر أو أقل وفاء
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
(1)
تنهض «رواية» موشكا الصادرة طبعتها الأولى في بيروت عن دار سؤال 2015م، للكاتب محمد الشحري على استلهام التاريخ والتراث غير المادي لأسطورة لم يجرِ تثبيتها عن طريق الكتابة الإبداعية إلا قليلا عن شجرة اللبان. ويتشكّل نص الرؤية السردية للرواية على عدد من الاستراتيجيات، أهمها:
مقطع شعري افتتاحي من كتاب «المسالك والممالك» لابن خرداذبه يُعد بمثابة إشارة تحفيزية إلى الدخول في فضاء سوسيوثقافي-جغرافي لقبائل «الشحرة» إحدى أقدم القبائل التي سكنت في محافظة ظفار، ويعدون من السكان الأصليين فيها ويقول المقطع الاستراتيجي:
اذهب إلى الشحر ودع عُمان
إلا تجد تمرًا تجد لبانا
ويدلل هذا المقطع على ارتباط قبائل «الشحرة» بتجارة اللبان، وهي شجرة منسوبة إلى جبال ظفار ومن أقدم أنواع التجارة التي عرفتها جنوب شبه الجزيرة العربية في جبال هذه المحافظة، ومثلّت عبر التاريخ أهمية اقتصادية واجتماعية ربطت حضارات العالم القديم.
تضمين المتن السردي للأحداث قصصا من العجائبيات وعالم الغرائبيات، تمظهر ذلك في بناء قصة حول شجرة اللبان مبنية على اتصال بين عالمين يمثل الإنس المكون الأول، ويمثل عالم الجّن المكون الثاني. ويلجأ محمد الشحري لتقديم تفسير للعلاقة الملتبسة الحاصلة ما بين العالمين المتنافرين، بل المتضادين في خصائصهما؛ فيكتب في الرواية مثلا: «الإنس يا ابنتي كانوا إخواننا نعيش حياة واحدة ونتشارك في كل شيء عدا النوق «...»، أما الإنسيون فلهم البقر التي لا نمتلكها لأنها تحمل بين قرونا الشياطين التي تُخيفنا...»
يستند المتن الحكائي للرواية على العديد من مفردات البيئة الجبلية لقبائل «الشحرة» في ظفار، وكشف توظيفها عن عالم متسع بالأغاني وأبيات الشعر، مثل: (النانا والدبرارت، نانا غريم ذي شديدن ويسلمه كره، يهجس بمفلي بعسر يذكره... نانا نانا..) أو الأسماء والنعوت، مثل: (أنشرون، موشكا، حلوت، الدعن أبي فُدون طاحن خصيته، دهق بن جدريت، عنوفان، والساحرة روري..)، أو الأمثال الشعبية الدارجة والأصوات الدالة على الفعل ورد الفعل، مثل: (شنى مشنى ذ تيث، فله مشنى ذ ثيرين، أووهِن، يا وليدِ الفرح، إناه جر...)، أو الأماكن والوظائف، مثل: (المجليل، والراعب)، وأساليب التعاون الاجتماعي بين الناس، مثل: (الشتر، السنابيق)، ويعاضد هذا كله حكايات أسطورية صغرى لتتصل اتصالا مع جوهر المتن الرئيس، من ذلك التعضيد مثلا هذه الفقرة الدالة: «لم يكن القدر تعيسا مع بعل صعب بل أسعفه الحظ بوجود حصانه سليل الجواد الأبلق المرفوع نسبا ومكانة في صحائف الملوك، حين رسم تقرّبا للإله الجنوبي -سين-، والمنقوش بالدماء والعسل واللُحُوم، على جدران الكهوف والمغارات...»
يلتصق متن الرواية مع الوثيقة، ويتمظهر ذلك في مقبوس للمؤلف جاء على لسان حتشبسوت بلغ عدد أسطره (33) سطرًا، تخبرنا الوثيقة التاريخية عن «تاريخ المادة العطرية التي استعملتها إيزيس لخداع جواري الملك الذي سقط عنده الصندوق الذي وُضع فيه أوزيريس، بعد تعرضه للخديعة التي دبرها له لطيفو، بالتعاون مع الملكة الأثيوبية آسو...»
(2)
المسرح فن بصري في المقام الأول. وظاهرة إعداد أو اقتباس عرض مسرحي عن جنس أدبي كالرواية أو القصة القصيرة، أو عن مقالة، أو عن تقرير طبي، أو عن مذكرات شخصية، قضية ارتبطت بالمسرح منذ تاريخ طويل. يكتب صاحب (معجم المصطلحات المسرحية)، الناقد المسرحي (د. أحمد بلخيري) حول الاقتباس ما يلي: «إن الاقتباس، خلافا للترجمة أو التحيين، له حرية كبيرة: فهو لا يخشى تعديل معنى الأثر الفني الأصلي جذريا بحيث يجعله يقول العكس. إن الاقتباس هو إعادة كتابة النص من جديد. هذا التطبيق المسرحي أخذ بعين الاعتبار أهمية الدراماتورج من أجل إعداد الفرجة».
بالتحرك من فضاء رواية «موشكا» التي ألفها محمد الشحري إلى فضاء الاقتباس أو الإعداد يخوض المخرج (يوسف البلوشي) مغامرته المسرحية الجديدة المتميزة. تمظهر ذلك من خلال مشاركة فرقة (مزون المسرحية الأهلية) بتقديم عرض مسرحي فرجوي بصري أثار دهشة الجمهور وأسئلتهم وإعجابهم، حيث مثّل عرض «موشكا» وزارة الثقافة والرياضة والشباب في الدورة الرابعة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح التي انعقدت في الفترة (10-18 أكتوبر 2023م) على مسرح الرشيد.
ينتقل عالم الرواية إلى عالم وخصائص العرض المسرحي. ويحكي العرض الذي أعده الكاتب المسرحي (نعيم نور) ودققه لغويا محمد المشيخي، وصمم السيناريو والإخراج المبدع يوسف البلوشي، وأدى الممثلون التالية أسماؤهم أدوارًا لافتة للانتباه، وهم: (عبدالحكيم الصالحي/ ملك الجان، ونادية عبيد/ موشكا، والصلت السيابي/ محضيلول، وأحمد الشبيبي/ مساعد ملك الجان، وعمير البلوشي/ غدير، وزينب البلوشية/ عشيبة)، أما المكياج فصممته الفنانة (عزيزة البلوشية) وغيرهم؛ كمجموعة جوقة الراقصين، والغناء الشعبي، وعازف آلة القربة (خليفة مطر)، ومصممو الديكور، والإكسسوارات، والأزياء، والموسيقى والمؤثرات الصوتية.
بالانتقال إلى محاولة الكاتب نعيم نور إعداد الرواية يجري وضع هذا الملخص على (البانفليت) الموزع للجمهور: «موشكا... من الأساطير العمانية الخالدة المتناقلة عبر الأجيال أسطورة شجرة اللبان. تحكي عن امرأة من بني الخفاء وقعت في عشق إنسي وتحملّت وحدها وزر الخطيئة لأنها خانت عهدهم وأعرافهم فعاقبت نفسها بأن تتحول إلى شجرة تجرحها السكاكين لتخرج من جذعها لبانًا سعت الممالك والحضارات للحصول عليه وإحراقه في الأماكن المقدسة في بلاد الرافدين ومصر والشام وأوروبا والهند وبلاد فارس؛ اللبان الذي يقال عنه مُخ الآلهة». وكان من الممكن الاستغناء عن هذه الفقرة لقيامها بكشف أحداث العرض بمجانية كبيرة. وإذا تحركنا على فضاء الخشبة لا شك في أن الجمهور قد أمتعه العرض الذي ترّشح لثلاث جوائز دون الحصول على أي جائزة! وبالرغم من ذلك، فيمكن تسجيل بعض النقاط التي ترفع من جمالية العرض مع أخذ بعض الانتباه: -
استطاعت الممثلة نادية عبيد التي قام عليها العرض كله أن تجذب إليها إعجاب الجميع، لما تمتعت به من رشاقة وأناقة في الأداء. لكن حاجتها مع المخرج الذكي يوسف البلوشي، إلى المزيد من التدريب المُتقن الخاص بأدائها وهي في السجن، قد أرهق جسدها، وكانت عين المتفرج ومشاعره تتأذى في كل مرة يسقط جسدها ثم يرتفع فيرتمي على الأرض بعنف وقسوة غير مبررتين إخراجيا.
لا شك في أن الممثل عبدالحكيم الصالحي المتعدد الأداء في كثير من الأعمال الفنية، يتمتع بطاقة عالية في التقمص والتلوّن الجسدي والصوتي، وفي هذا العرض لم يكن الصالحي في أحسن أداءاته المسرحية، سعى باجتهاد إلى التخلّص من تقديم نمطية الأداء لشخصية يلعب فيها دور (ملك الجن)، عبر حركات إيقاعية مرسومة، ولكن، إذا تجاوزنا وقوعه في الخطابية التي وقع فيها في بعض المواضع، ثم عدم وصول كلماته إلى مسامعنا بجلاء، يُلقي بالكرة مجددا على يدي المخرج.
في تقديري أن موشكا كجنية كان عليها أن تقع في غرام رجل يتمتع بهيئة تتسم بالتضخيم والمبالغة والقوة، على عكس غرامها بشاب بنيته عادية، فالصراع ما بين طاقتين مختلفتين أو خاصيتين متضادتين، في شأن مثل شأن موشكا وتكوينها، يكون أقرب إلى عالم عجائبيات ألف ليلة وليلة، وهذا ما جعل الممثل الذي قدم شخصية غدير، الضعيف البنية، والرقيق المشاعر، أقل درجة في الإقناع، فمرات وقوفه أمام موشكا، كان يبدو ضحية لا عاشقا، ضئيلا وهشّا، فأكلته موشكا بأدائها الجسدي. ويبدو أن التزام المعد بالرواية في بعض المواضع، قد جعله يكتفي التركيز على ربط علاقة الحب بين الجنية والإنسي مُغلبا في هذا الموضع البنية الخطابية للحكاية على بنية المبالغة في الإدهاش والتحليق مع التخييل الغرائبي، وهذا ما يؤكد عليه النقد إن الغرائبية في العرض الطقسي، تقوم على الانزياحات المتعددة المستويات.
من مظاهر السينوغرافيا في «موشكا»، أنها قالت أشياء متناغمة، بعضها أثار الجدل، وبعضها الآخر صفق له الحضور. ولا يصعب القول إن المزج الموسيقي للآلات مع أصوات الممثلين (المجاميع ونادية عبيد) استطاعوا خلق منعطف جمالي أخاذ، جاء توزيعه على مفاصل العرض مدروسا جيدا، ويُمكن كذلك تسجيل ملمح أكثر جذبًا، تبلور في استخدام بعض مفردات اللغة الشحرية للرواية، ونطقها بلسانها الأصلي، ثم لجوء الممثل إلى قولها باللغة الفصحى حتى يتسنى للجمهور استيعابها.
سيظل العرض المسرحي «موشكا» للمخرج يوسف البلوشي، وللممثلة الصاعدة نادية عبيد، من العروض المدهشة، لاحتفاله بالمسرح في لحظة الطقس، وتجلي الخفي بلغة أنطونان أَرْطُو، وسيكون أيضا عرضا أكثر أو أقل وفاء للرواية وللطقس معا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
يرى بنيامين نتنياهو في العلاقة مع الولايات المتحدة أساسًا لوجود إسرائيل، لكنها اليوم تُظهر وجهها الحقيقي: صفقة مصلحية باردة تحكمها التوترات والخداع المتبادل.
فرغم تصاعد الحرب في غزة وتزايد الضغوط الدولية، تُبدي إدارة دونالد ترامب دعمًا واضحًا لإسرائيل، لكنه مشروط بلغة دبلوماسية دقيقة. في المقابل، يوظف نتنياهو هذا الدعم لتعزيز موقفه السياسي داخليًا، متجاوزًا القيود الأميركية عبر قنوات غير رسمية.
التحالف الذي وُصف يومًا بـ"الأبدي" بات أشبه بحبل مشدود فوق هاوية سياسية وأخلاقية. نتنياهو يراهن على ترامب للبقاء في الحكم، بينما يحسب ترامب خطواته بعناية لتجنّب اندلاع حرب إقليمية غير محسوبة. السؤال الآن: كيف انتقل هذا التحالف من شراكة أيديولوجية إلى سوق مفتوح للمصالح؟ وما حدود هذا الدعم وسط أزمات نتنياهو المتعددة؟
من تحالف الأيديولوجيا إلى مناورة المصالحقدّم نتنياهو نفسه دائمًا كأقرب الحلفاء لواشنطن، لكنه لم يتردّد في معارضة إداراتها حين تعارضت مصالحه معها. خطابه الشهير أمام الكونغرس عام 2015 ضد الاتفاق النووي مع إيران كان تحديًا صريحًا، أكد أن أولوياته تنبع من أجندته الخاصة، لا من توافق إستراتيجي عميق.
وبالمقابل في ولايته الأولى، وفّر له ترامب دعمًا نادرًا: نقل السفارة إلى القدس، والخروج من الاتفاق النووي، واتفاقيات تطبيع عززت صورته كقائد "صنع التاريخ".
إعلانولكن ما بدا حينها تحالفًا استثنائيًا، يكشف اليوم عن هشاشته. في عام 2025، لم يعد ترامب يمنح دعمه دون شروط، بل بات الدعم تكتيكيًا ومحسوبًا، أقرب إلى عقد مؤقت من كونه شراكة راسخة.
صحيفة هآرتس اختزلت الموقف في تحليل لاذع: "إسرائيل لم تعد الحليف المدلل، بل أصبحت شريكًا مزعجًا ينبغي احتواؤه". هذا التوصيف لا يعكس فقط تغيرًا في المزاج الأميركي، بل يُظهر انقلابًا في موازين القوة: من دولة تتلقى التفويض، إلى زعيم يُراقب من خلف الزجاج.
يستمرّ ترامب في دعم إسرائيل، مدفوعًا بعوامل داخلية وخارجية. داخليًا، يعتمد على قاعدته الإنجيلية التي ترى في إسرائيل تجسيدًا دينيًا وسياسيًا.
أما خارجيًا، فيهدف إلى الحفاظ على صورة الردع الأميركي في المنطقة واحتواء نفوذ إيران، لا سيما في ظلّ تراجع التدخل العسكري الأميركي في الساحات الإقليمية. لكنه، وعلى عكس ولايته الأولى، بات أكثر حذرًا.
التصعيد في غزة أو سوريا قد يُدخل واشنطن في مواجهة مفتوحة لا تصبّ في مصلحته الإستراتيجية، ولا في ميزان الاقتصاد الأميركي المتأرجح. ولهذا، تأتي بياناته بلغة مزدوجة: تصريح الخارجية الأميركية في 6 مايو/ أيار حول العمليات في رفح دعا إسرائيل إلى "احترام القانون الدولي والتمييز بين الأهداف"، وهي جملة تُقرأ على أنها تحذير دبلوماسي مغطى بكلمات مجاملة.
في الظاهر، لا تزال إسرائيل مدعومة، لكن في العمق، بدأت واشنطن تضع حدودًا لما يمكن التسامح معه.
كيف حاول نتنياهو التحايل على واشنطن؟ومع تآكل الثقة بين الطرفين، عاد نتنياهو إلى أساليبه القديمة: التأثير غير المباشر عبر الدوائر المقربة من الإدارة، دون المرور بالقنوات الرسمية.
من أبرز تلك المحاولات، علاقته بمايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق الذي كان يُعرف بـ"صوت إسرائيل" داخل البيت الأبيض. تسريبات Axios كشفت أن نتنياهو أرسل إليه تحليلات مباشرة حول الوضع الإيراني، وكذلك حول الحالة الميدانية في القطاع، متجاوزًا الإدارة الأميركية.
إعلانالهدف كان الضغط من خلف الكواليس لتعديل موقف واشنطن، لكن إقالة والتز في وقت لاحق أنهت تلك القناة الحيوية، وأظهرت أن واشنطن بدأت تُغلق أبواب التأثير غير المشروع.
هذه الخطوات تُظهر ليس فقط هشاشة موقف نتنياهو، بل أيضًا أسلوبه السياسي المعتمد على الالتفاف والمراوغة، ولو على حساب الأعراف الدبلوماسية التي طالما تغنّى بها.
دعم مستمر، لكن دون تفويض مطلقالدعم الأميركي مستمر، لكنه تغير في جوهره. صحيح أن الطائرات والسلاح والمواقف العلنية ما زالت تُرسل إلى إسرائيل، لكن الفيتو الأميركي لم يعد حاضرًا بنفس الحزم في مجلس الأمن، كما لم تبذل إدارة ترامب جهدًا كبيرًا لإجهاض مشروع القرار الأممي الداعي لوقف إطلاق النار.
في الوقت ذاته، تُعبّر واشنطن عن فتور واضح تجاه العمليات البرية في رفح، بل وتُسرب امتعاضها بطرق محسوبة.
مجلة "فورين أفيرز" وصفت الحالة بكلمات لا تحتمل اللبس:
"الولايات المتحدة لا تزال تدعم إسرائيل، لكنها سئمت من نتنياهو".
هذا الموقف يضع نتنياهو أمام معضلة غير مسبوقة: الدعم موجود، لكنه لا يكفي لنصر واضح، ولا يمنع الانهيار الداخلي.
قلق داخلي في إسرائيل: عندما تصبح واشنطن مرآةً لفشل القيادةتزداد المعادلة تعقيدًا حين ننظر إلى الداخل الإسرائيلي، حيث تُتابع النخب السياسية هذه العلاقة بقلق واضح. أحزاب الوسط واليسار ترى في تراجع الحماس الأميركي فرصة لتقييد نتنياهو، بينما يتخوف اليمين من أن يفقد الغطاء الأميركي في لحظة حرجة. الانقسام داخل معسكره ذاته واضح: جزء يريد كسر التبعية لأميركا، وجزء يرى أن ترامب هو الحصن الأخير.
استطلاع معهد "متفيم" (أبريل/ نيسان 2025) أظهر أن 62% من الإسرائيليين يعتقدون أن علاقة نتنياهو المتوترة بواشنطن تضر بصورة إسرائيل عالميًا. هذا لا يعكس فقط أزمة دبلوماسية، بل انكشافًا داخليًا لرجل يستند إلى تحالف هشّ لتبرير استمراره.
بيبي على الحافة: مناورة البقاء بين التصعيد والاسترضاءنتنياهو يعرف أن شرعيته مرتبطة بإحداث تغيير محسوس، قبل أن يفقد الغطاء الأميركي الترامبي المحتمل، أو قبل أن يتفكك الائتلاف عند أول تنازل.
إعلانهو يراهن على "انتصار محسوب" قبل أكتوبر/ تشرين الأول. لكن الزمن يعمل ضده، فهو يعرف أن دفع العلاقة مع واشنطن إلى نقطة اللاعودة سيعني: احتمال توقّف الإمداد العسكري، أو على الأقل التلويح به، تراجع الثقة العالمية في "الردع الأميركي" لإسرائيل وتسارع انفكاك الدول العربية المطبّعة، التي تعتمد على الغطاء الأميركي كضامن لتوازناتها.
في ظل هذا المشهد، يصبح نتنياهو كمن يتمسّك بحبل أميركي يشدّه من الجهتين. لا يستطيع تركه لأنه ضمانته الوحيدة للبقاء، لكنه لا يريد أن يخضع لقيوده، لأن تلك القيود تهدد بسقوطه. لهذا، يلجأ إلى سياسة المراوحة: تصعيد محسوب لكسب شعبية، وتهدئة مدروسة لامتصاص الضغوط الأميركية.
إنها إستراتيجية البقاء على الحافة: لا انتصار يُحسم، ولا هزيمة يُعترف بها. وبين التصعيد والمراوغة، يدفع الجميع الثمن: الفلسطينيون أولًا، لكن أيضًا المؤسسة الإسرائيلية التي تفقد ما تبقى من ثقة العالم بها.
وفي الختام، نتنياهو الحليف الذي لا يُوثق بهلم تعد علاقة نتنياهو بواشنطن قائمة على قيم مشتركة أو مصير موحّد، بل تحولت إلى صفقة يومية تُدار وفق حسابات تكتيكية دقيقة. إدارة ترامب تُبقي على الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل، لكنها لا تُخفي فقدانها للثقة بنتنياهو. أما هو، فلا يكفّ عن التلويح بالتحالف، بينما يناور من خلف الكواليس.
قد يتمكن من تجاوز أزمة غزة مؤقتًا، لكنه يترك وراءه علاقة مضطربة مع البيت الأبيض، وسمعة دولية متدهورة، وشعبًا إسرائيليًا يزداد تململًا من حروبه ومراوغاته.
في ولاية ترامب الثانية، لا مكان للصداقة الدائمة، بل للمصالح المتغيرة حسب التوقيت. أما نتنياهو، هذا الحليف المربك، فيدرك جيدًا أن الحبل الأميركي الذي يستند إليه، قد يتحول في أية لحظة إلى مشنقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline