في عالمنا الرقمي سريع التطور، تشتبك مجالات الفن والتكنولوجيا مع الواقع أكثر من أي وقت مضى، حتى إن الواقع الافتراضي "في آر" (VR) والواقع المعزز "إيه آر" (AR) تحولا بسرعة إلى وسائط قوية بيد الفنانين والمبدعين، للتعبير عن رؤاهم بطريقة تساعدهم على التفاعل مع الجماهير على مستوى جديد تمامًا.

نظرة عابرة على هذا العالم المثير، كفيلة بأن تكشف لنا مدى تأثير هذه التقنيات التفاعلية على الفن المعاصر، وعلى الكيفية التي تتعامل بها المتاحف ومعارض الفن مع تلك التقنيات سريعة الانتشار والتي وصلت لعالم الفن الفلسطيني.

الواقع المعزز

يشير الواقع المعزز (Augmented Reality)، المختصر عادة بـ"إيه آر" (AR)، إلى التكنولوجيا التي تضيف محتوى رقميًا إضافيًا إلى العالم الحقيقي. سواء كان ذلك من خلال تطبيقات الهواتف الذكية أو نظارات "إيه آر"، أو نظارات الواقع الافتراضي، فقد اكتشف الفنانون طرقًا مبتكرة لإنشاء تجارب فنية تفاعلية وديناميكية في عالم الفن، ففتحت تكنولوجيا الواقع الافتراضي الباب على مصراعيه أمامهم للقفز إلى أقصى حدود الإبداع.

دفع الفن المعاصر حدود التعبير إلى خارج السياق التقليدي بسبب الواقع المعزز والذي يتميز بقدرته على دمج العناصر الفعلية والرقمية فصار بمثابة "كنفاس" أو قماش حديث ومن نوع خاص للفنانين. الاحتمالات لا تنتهي في هذا الإطار، تخيل المشي في مدينة متخيلة أو حتى واقعية ورؤية جدارية في الشارع تتحول إلى حياة، بل وتتفاعل مع مرورك بجانبها. بل تخيل الدخول إلى صالة فنية تفاعلية حيث تتفاعل الأعمال الفنية مع وجودك في القاعة.

مثالٌ بسيط، تخيل نفسك في قاعة في معرض فني أو متحف، تعرض لوحة "تفتح اللوز" التي رسمها فان جوخ، فتضمك اللوحة، وتصبح جزءا منها، ويتساقط اللوز على رأسك ومن حولك! هذا الاندماج بين الواقع واللمسة الخيالية التي تعزز حضوره وتجعله أكثر حيوية وديناميكية ليست فقط تكنولوجيا حديثة ولكن أيضًا ساحرة، لهذا السبب، يعتنق الفن المعاصر أدوات وتكنولوجيا الواقع المعزز "إيه آر" كعصا سحرية يمكنها التعبير عن الذات كما لم يحدث من قبل.

لوحة تفتح اللوز للفنان فان جوخ (متحف فان جوخ)  خيالات العالم الافتراضي

أما الواقع الافتراضي (Virtual Reality)، والمعروف اختصارًا باسم "في آر" (VR)، فيوفر بدوره تجربة غامرة بالكامل، حيث يتم نقل المشاهدين إلى بيئات رقمية تمامًا، فهو لا يحسن من الواقع أو يغير من تفاصيله ليعززه ويجعله أكثر ثراءً كما في الـ"إيه آر"، بل يختلق عالما مغايرا من محض الخيال، لا أساس له البتة في أرض الواقع.

هذه التكنولوجيا غيّرت عالم الفن، حيث أتاحت للفنانين إمكانية إنشاء عوالم كاملة يمكن استكشافها والتفاعل معها، فصار خيالا حميدًا للهروب من حمى وأمراض الواقع.

الآن، أنت لا تدخل متحفا أو معرضا فنيا، لتعيش داخل لوحة فان جوخ الحقيقية للحظات معدودة بطريقة وأسلوب أكثر ثراء مما كان عليه الحال من قبل، بل تخلق عالما بأسره، وليكن كوكبًا كاملًا، ولتملأه بما تشاء وكيفما تشاء، كل خيالاتك وأوهامك، الآن صارت حقائق يمكن أن تسكنها، بعدما كانت هي مَن يسكُنك، فقط ارتدِ إحدى نظارات العالم الافتراضي واهرب.

معارض الفن والمتاحف في العصر الرقمي

تكيفت معارض الفن والمتاحف على إثر تلك القفزة الهائلة التي يفرضها علينا العصر الرقمي. وقد أدى ظهور ما يعرف بفن العالم الافتراضي "في آر" وفن الواقع المعزز "إيه آر"، إلى تغيير المشهد الفني وحتى حدود المساحات الجغرافية التقليدية للمعارض والمتاحف، إذ جعلت الجولات الافتراضية والتجارب الغامرة الفن متاحًا للجمهور العالمي دون الحاجة للسفر أو الانتقال، ولم تعد متاحف الفن والعروض الفنية مقتصرة على المواقع الجغرافية الآن بل صارت متاحة من المنزل. وبالطبع، سمح هذا التغيير للفنانين والجماهير بالتواصل عبر الحدود بطرق لم يسبق لها مثيل.

على سبيل المثال، دخل متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، وهو واحد من أشهر المتاحف المعروفة بالحفاظ على الفنون من مختلف العصور وعرضها، إلى عالم الواقع المعزز والواقع الافتراضي، فلم يعد مقتصرًا على جدران المبنى المادية بل صار الآن متاحًا من أي مكان في العالم.

يمكن للزوار حاليًا، بمساعدة تكنولوجيا الواقع المعزز، فهم الأعمال الفنية بشكل أعمق، في حين يسمح لهم الواقع الافتراضي باستكشاف الفترات التاريخية والتفاعل مع الفن بطريقة لم تكن ممكنة من قبل، وكأنهم موجودون داخل المبنى ويختبرون بأنفسهم ساحات العرض بطريقة تفتح أبوابًا جديدة للتعليم والمشاركة.

رجل يرتدي نظارات الواقع الافتراضي (شترستوك) التأثير العالمي

انغمس المجتمع العالمي للفن في الواقع المعزز والواقع الافتراضي كأدوات مبتكرة للتعبير الفني واختصار المسافات بين القارات والثقافات، ومع استمرار الفنانين في تجربة هذه التقنيات، فإننا بصدد اختبار أبعاد جديدة للفن والتجارب الإبداعية وحتى قدرة الخيال البشري على خلق عوالم مغايرة.

وانتقل الفن، الذي كان مقيدًا سابقًا بالمباني المادية للمتاحف والمعارض والحدود الجغرافية للدول والبلاد، الآن إلى عالم رقمي يتسع للجميع، بينما استفادت المتاحف والمعارض الفنية من إمكانات التكنولوجيا للوصول إلى جمهور أوسع.

يُمكن القول أنه توجد الآن بوابتان عملاقتان في عالم الفن، الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، تقود كل بوابة على حدة إلى عالم غير مسبوق من الفن والإبداع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الواقع الافتراضی الواقع المعزز عالم الفن فان جوخ

إقرأ أيضاً:

تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح

تقرير أميركي: هل يشهد قطاع النفط الليبي انتعاشًا حقيقيًا أم مجرد موجة عابرة؟

ليبيا – تساءل تقرير تحليلي نشرته مجلة “إنيرجي بوليسي” الأميركية عمّا إذا كانت ليبيا تمر بمرحلة إحياء حقيقي لقطاع النفط، أم أن المؤشرات الحالية تعكس انتعاشًا ظرفيًا لا يزال مرهونًا بعوامل سياسية واقتصادية حساسة.

جولة التراخيص وإمكانية عودة ليبيا كلاعب رئيسي
التقرير الذي تابعته وترجمت أهم ما ورد فيه صحيفة المرصد أوضح أن جولة التراخيص الجديدة لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز تسلط الضوء على فرصة قوية لانتعاش القطاع، وعلى تجدد اهتمام الشركات العالمية بالبلاد رغم المخاطر المعقدة. وبين التقرير أن نجاح خطط التوسع في الإنتاج يعتمد على استمرار الحد الأدنى من التوافق بين الحكومتين المتنافستين، إضافة إلى الصفقات التي تُعقد لضمان موافقة الوسطاء السياسيين المؤثرين.

أهداف 2030 ودور ليبيا داخل “أوبك+”
ووفقًا للتقرير، فإن نمو الإنتاج الليبي يشكل عنصرًا محوريًا في تحقيق هدف العام 2030 بالوصول إلى مليوني برميل يوميًا، وهو هدف يرتبط مباشرة بمكانة ليبيا داخل منظمة “أوبك+”. وذكّر التقرير بالدور التاريخي للنفط الليبي في الأسواق العالمية، بعد أن ساهم خام البلاد الخفيف الحلو في خلق فائض عالمي بالستينيات جعل منها لبرهة سادس أكبر منتج عالمي.

الانتعاش الحالي وحدوده الواقعية
وأشار التقرير إلى أن ليبيا تراجعت بشكل كبير بعد أحداث 2011، إلا أنها قد تسجل هذا العام متوسط إنتاج يصل إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، وهو أداء يُعد الأفضل منذ سنوات. وأكد أن هذا الانتعاش قائم بالكامل تقريبًا على الأصول القائمة، فيما يبقى نجاح المشاريع الجديدة عاملًا حاسمًا في تحديد المسار المستقبلي.

تحديات النمو وسرعة الاستكشاف
وبيّن التقرير أن عمليات الاستكشاف في الجولة الجديدة قد لا تتقدم بالسرعة الكافية لإحداث تأثير جوهري قبل 2030، ما يجعل تحقيق هدف المليوني برميل يوميًا مرهونًا بتطوير الاكتشافات الحالية، ومعالجة الأعطال الفنية، وتعزيز الحقول الناضجة، وإصلاح مشكلات البنية التحتية والطاقة.

تحولات الشركات الدولية وشروط ليبيا التعاقدية
وأرجع التقرير الزخم الجديد إلى تداخل عوامل دولية، من بينها توجه شركات النفط العالمية للبحث عن استثمارات خارج الولايات المتحدة بعد نضوج قطاع النفط الصخري، وعودة شركات أوروبية كبرى مثل “شل” و”بريتيش بتروليوم” إلى تطوير النفط والغاز بعد أن كانت تميل نحو مشاريع غير هيدروكربونية. كما أشار إلى تحسن شروط ليبيا التعاقدية التي كانت في السابق غير جاذبة، حيث اعتمدت نماذج تشبه ما هو متبع في العراق.

مخاطر السياسة واستقرار الاستثمار
وتطرق التقرير إلى قدرة ليبيا على زيادة الإنتاج دون إشعال حرب أسعار، رغم إدراك الشركات لتعقيدات الوضع السياسي. وخلص إلى أن نجاح الجولة الحالية مرتبط بتقدير الشركات لاحتمالات التقارب بين طرابلس وبنغازي، وبمدى فعالية الوساطة الخارجية، لا سيما التركية، في خلق بيئة مستقرة نسبيًا للاستثمار والعمل.

ترجمة المرصد – خاص

مقالات مشابهة

  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • أخبار التكنولوجيا| تحديث جديد في إنستجرام يكشف عن عالم خوارزميتك المخفي.. قائمة أفضل الهواتف في العالم 2025
  • تحديث One UI 8.5 من سامسونج.. ميزات جديدة تجعل تجربتك أفضل
  • تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • محمد بن راشد يعلن فوز عالم مصري بجائزة نوابغ العرب
  • بعد تخفيض الفائدة الأمريكية.. مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025
  • العداء الإثيوبي.. والصبر المصرى
  • بين الواقع والطموح.. التاريخ يمنح السعودية الأفضلية أمام فلسطين قبل موقعة كأس العرب
  • الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا