الفاتيكان: حل الدولتين القابل للتطبيق هو الحل الوحيد للسلام
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
أكد أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بارولين، اليوم /الجمعة/ أن موقف الكرسي الرسولي حول القضية الفلسطينية هو "شعبان ودولتان كحل وحيد للسلام".
وقال الكاردينال بارولين في تصريحات صحفي على هامش حدث أقيم في مقر بلدية روما إن "حل الشعبين والدولتين كان دائما ولا يزال يمثل موقف الكرسي الرسولي تجاه إسرائيل وفلسطين"، فضلا عن أنه "الحل الوحيد القابل للتطبيق الذي يمكنه أن يضمن مستقبل السلام والتقارب الهادئ، من خلال الحوار المباشر بين الطرفين"، وفق ما أوردته وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء.
وطالب بارولين من العالم "أن ينظر بشكل خاص إلى الأطفال ضحايا هذا الصراع الجديد".
وردا على أسئلة الصحفيين، أكد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان مجددا، "استعداد الكرسي الرسولي الكامل للمساهمة في حل سلمي للشرق الأوسط المطبوع بالتوترات والعنف"، وقال: "سنبذل كل ما بوسعنا، والبابا مستعد جدا لذلك".
وذكر أن "في الوقت الحالي لا توجد فسحات كبيرة لوساطة الكرسي الرسولي"، لكن، "هناك احتمال من خلال حضور الكنيسة المحلية، ومن خلال البطريركية اللاتينية في القدس أن يكون هناك بعض الحوار وتبادل الرسائل، وعلى هذا الجانب نحن نحاول أن نفعل شيئا ما".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الفاتيكان القضية الفلسطينية دولتان السلام الکرسی الرسولی
إقرأ أيضاً:
الوهمان.. "إسرائيل الكبرى" و"حل الدولتين"
عبدالنبي الشعلة **
هل نحنُ أمام حرب أوهام أم أمام وجه آخر من وجوه الحروب النفسية؟ فحتى الإسرائيليين أنفسهم، بما في ذلك أكثر التيارات تطرفًا، يدركون استحالة تحقيق مقولة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"، لأنَّها في جوهرها ليست إلا خُرافة توراتية أُعيد استدعاؤها واستخدامها كغطاء ديني مُؤقّت لخدمة أهداف سياسية واستيطانية بحتة.
وإذا كان الإسرائيليون قد وظّفوا هذا الشعار كسلاح في معارك الحرب النفسية بهدف إنهاك العرب وقتل إرادتهم وشلّ عزيمتهم، فإنهم- للأسف- نجحوا في ذلك أيّما نجاح. فقد تحوّل هذا الوهم إلى فكرة راسخة تتردّد في الخطاب العربي وكأنَّها حقيقة قدرية، فأصبح الخوف منها أشبه بظلّ ثقيل يسكن الوعي الجمعي، حتى صار العرب ضحايا لوهم صنعه غيرهم، لكنهم هم الذين احتضنوه وسمحوا له بأن يستقر في عقولهم ووجدانهم. وما ترتّب على ذلك من شلل نفسي وسقوط معنوي كان أحد العوامل التي مهّدت لهزائم كبرى، أبرزها الهزيمة القاسية في حرب 1967.
وهنا مكمن الخطر؛ أن يتحوَّل الوهم إلى بوصلة، والخرافة إلى حقيقة، والتهويل إلى قدر. وقد نبّه كبار الفلاسفة والحكماء إلى أنَّ الإنسان قد يصنع سجنه بنفسه حين يستسلم لفكرة لا أصل لها. قال أفلاطون: "الناس سجناء أوهامهم"، وقال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال: "ما نصدّقه هو ما يصنع حقيقتنا". أما جورج برنارد شو فذهب أبعد حين قال: "العقل يخلق الحقيقة، حتى لو كانت وهمًا". وهكذا، كثيرًا ما تهزم الشعوب نفسها قبل أن يُهزم جيشها.
إنَّ خرافة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل" لم يقتنع بها مؤسسو إسرائيل الكبار أنفسهم. فحاييم وَايزمان وديفيد بن غوريون قبِلا قرار الأمم المُتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين، الذي منح اليهود 57% فقط من الأرض، ولم يُطالبا بالنيل أو الفرات.
وفي حرب عام 1956 وصلت القوات الإسرائيلية إلى ضفاف قناة السويس، أي على بُعد أقل من 150 كيلومتر من نهر النيل، لكنها انسحبت بالكامل بعد ذلك إلى حدود 1948. والشيء نفسه تكرر في حرب 1967 حين بقيت إسرائيل على الضفة الشرقية للقناة لست سنوات قبل أن تعود إلى حدودها المعترف بها بعد هزيمتها في حرب أكتوبر 1973 وبموجب اتفاقية السلام مع مصر، وهي حدود لم تشمل يومًا نهر النيل. كما اعترفت إسرائيل والتزمت دوليًا بحدودها مع الأردن في معاهدة وادي عربة عام 1995، وهو اعتراف قاطع يُسقط أي زعم إقليمي توسعي تجاه الشرق.
والأهم من ذلك أنَّ إسرائيل، بكل قوتها العسكرية والتكنولوجية ودعم الولايات المتحدة، عجزت عن السيطرة على قطاع غزة المحاصر الصغير ذي الـ2.5 مليون نسمة طوال أكثر من عامين من القتال المُستمر منذ 7 أكتوبر 2023. فكيف يمكن لدولة يقطنها 7.2 مليون يهودي فقط، ويشاركهم داخلها 2.1 مليون عربي فلسطيني، أن تسيطر على أراضٍ تمتد بين وادي النيل والفرات يسكنها أكثر من 150 مليون شخص؟
إن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تدرك هذه الحقائق جيدًا، وهو ما يفسر الخلاف الواسع داخل إسرائيل حول هذه الخرافة، واعتبارها مجرد شعار يلوّح به المتطرفون بعد هزات نفسية كبرى مثل أحداث 7 أكتوبر 2023. والمفارقة أن العرب، بخضوعهم النفسي لهذا الوهم واستعدادهم لتصديقه، أسهموا في تغذيته وإعطائه حجمًا أكبر مما يحتمل، حتى أصبح مادة تعبئة وتجييش داخل التيار الإسرائيلي الأكثر تشددًا وتطرفًا.
أما الوهم الآخر فهو "حل الدولتين"، بالصيغة التي يفهمها العرب والفلسطينيون: دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة تكون القدس الشرقية عاصمتها. لقد أصبح هذا الحل، الذي كان ممكنًا في تسعينات القرن الماضي، شبه مستحيل اليوم لأسباب أربعة واضحة:
أولًا: إسرائيل ترفض الفكرة بشكل قاطع، وقد تمكنت حكومة نتنياهو المتطرفة من تحويل المجتمع الإسرائيلي ضدها حتى صارت نسبة الرافضين لها من الإسرائيليين تتجاوز 80% بعد 7 أكتوبر 2023.
ثانيًا: الأحداث الدامية في غزة منذ أكتوبر 2023 وانهيار مؤسساتها وانقسامها الداخلي جعل مستقبل القطاع مجهولًا، بينما تقضم إسرائيل الضفة الغربية يوميًا. فقد تجاوز عدد المستوطنين فيها الآن 800 ألف، وانتزاعهم بات مستحيلًا سياسيًا وعمليًا.
ثالثًا: الجانب الفلسطيني نفسه يعاني فراغًا قياديًا خطيرًا. فحماس- أو ما تبقى منها- مرفوضة دوليًا وغير مُؤهلة للدخول في أي مفاوضات بسبب رفضها المبدئي لبقاء إسرائيل. أما السلطة الفلسطينية فقد فقدت الشرعية والفاعلية والثقة حتى لدى جزء كبير من شعبها.
رابعًا: لا توجد إرادة دولية لفرض حل عادل. الولايات المتحدة وحدها تملك القدرة على الضغط، لكنها لن تفعل، وخاصة في ظل إدارة دونالد ترامب التي لا تمتلك تصورًا سياسيًا ولا خطة فعلية؛ بل تُظهر ميلًا واضحًا لقبول الضم إذا فرضته إسرائيل أمرًا واقعًا.
وفي العالم العربي، لم يبق فيما يبدو إلّا السعودية التي تمتلك القدرة السياسية الفعلية على التأثير في القرار الأمريكي، لكنها لن تتحرك منفردة دون استراتيجية عربية موحَّدة.
إن التمسك بالأوهام- "إسرائيل الكبرى" من جهة و"حل الدولتين" من جهة أخرى- لم يعد خيارًا؛ فالفلسطينيون والعرب يحتاجون اليوم إلى إعادة تقييم جذرية لمقاربتهم للصراع، وإلى تبني خيارات واقعية قابلة للتطبيق، بعيدًا عن العواطف والشعارات والآمال التي تجاوزها الزمن، مع التخلي عن أدوات وسياسات ثبت عدم جدواها وفشلها عبر عقود.
لقد أدركنا جميعًا وتوصَّلنا إلى قناعة، قد يصعب على البعض مِنَّا الإقرار بها، بأن الطريق إلى حل هذه القضية والحصول على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لن يكون من خلال ساحات القتال؛ بل يكمن في حلّ سياسي عادل لا يمُر عبر الشعارات؛ بل عبر الدبلوماسية، والتفاوض، وتوحيد الموقف العربي، وإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي، وخلق قوة ضغط حقيقية تستطيع أن تفرض مقاربة جديدة أكثر واقعية وأقرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
** كاتب بحريني
رابط مختصر