سبب نزول "ولا تحسبن الله غافلا".. الظالم لن يفلت من العقاب
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
يرجع سبب نزول قوله تعالى "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون" إلى أنّ المؤمنين كانوا مستضعفين في بداية الدعوة فكانوا يتزعزعون في بعض الأحيان فيقولون إن صاحبكم يعدنا بفتح بلاد الروم وكسرى ونحن لا نأمن على أنفسنا دخول الحمام وهذا كان في غزوة الخندق التي مرت على المسلمين بأوقات عصيبة صعبة فزلزلت الأنفس الضعيفة فيها.
ويذكر المفسرين للآية الكريمة «ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ، إنّما يُؤخّرهُم ليومٍ تَشْخَصُ فيهِ الأبصارُ»، أن المُخَاطَب في هذه الآية الكريمة هو النبي صلى الله عليه وسلم والخطاب عامٌّ لجميع الأمة؛ أي: لا تظننّ – يا محمد – أنّ ربّك ساهٍ عمّا يفعله المشركون من قومك، بل هو عالمٌ بهم، وبأعمالهم محصيها عليهم ليجزيهم بها.
كما تؤكد الآية أنّ تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم؛ بل سُنّة الله في إمهال العُصَاة مدّة، وفي الصحيحين أنّ النبيّ – عليه الصلاة والسلام – قال : "إنّ الله ليملي للظالم؛ حتى إذا أخذه لم يفلته؛ ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد" قال ميمون بن مهران : "هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم".
وجاءت هذه الآية شفاء لقلوب المؤمنين الموحّدين، وجبرًا لخواطر المكلومين في زمن كُثر فيه الظلم والعدوان، وتداعتْ علينا أذلّ وأحقر أمم الأرض! وإنّ المرء لتخنقه العَبَرات، وتحرقه الزفرات والآهات، حتى يكاد يموت كمداً وهَمّاً لما يحدث للمسلمين في بقاع الأرض؛ فيسمع هذه الآية فتكون بلسماً شافياً لتذكره أنّ حقه لن يضيع، وأنه سوف يقتصّ ممّن اعتدى عليه وظلمه، وأنّ الظالم مهما أفلتْ من العقاب في الدنيا؛ فإنّ جرائمه مسجّلة عند مَن لا تخفى عليه خافية، ولا يغفل عن شيء، فسبحان مَن حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده مُحرّماً، وانتصر لعباده المظلومين ولو بعد حين.
ويؤكد القرآن الكريم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض ومطلع على كل أعمالهم الشر والخير ولكن رحمته ومغفرته وسعت كل شي، وتشير الآية الكريمة 42 من سورة إبراهيم إلى أن الله تعالى لا يغفل عن أعمال الظالمين وأفعالهم التي يقومون بها من ظلم في أرض الله.
دعوة المظلوم مستجابةوورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» فإن الله تعالى يستجيب لدعوة المظلوم حتى وإن كان كافرا، ولايوجد تعارض بين الحديث الشريف السابق وبين قول الله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ»، و الآية تبين أن الله تعالى قد يملى للظالم ولا يأخذ حق المظلوم منه فى الدنيا وإنما يؤخر العقاب له فى الآخرة.
والله تعالى يستجيب من المظلوم لو كان فاجرًا، ويقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بَعَثَ معاذًا إلى اليمن وقال له: «اتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وينتصر الله للمظلوم حتى لغير المسلمين، كما أن علماء الإسلام يقولون إن الكافر العادل خير من المسلم الظالم.
«وقد يعاقب الله تعالى الظالم فى الدنيا ويريه جزاء ظلمه للناس أو أكله لأموالهم وغيره من أنواع الظلم»، فالله عز وجل ينوع فى عقاب الظالمين فقد يأخذ منهم حق المظلوم فى الدنيا وقد يؤخره إلى يوم القيامة فلا يوجد تعارض بين الآية والحديث
وورد عن العلماء أن هناك حالة واحدة لا يستجيب الله تعالى فيها دعاء المظلوم، فهناك دعوة لمظلوم لا تُستجاب، فهناك مظلوما يدعو ولا يستجيب الله سبحانه وتعالى له، وهو الذي تسبب في ظلم نفسه عندما رفض أمر الله ولم يكتب "حقه" الدين فأكله مدينه
وذلك لأن الله تعالى أمر بكتابة الدين فرفض الامتثال لأوامره تعالى، مستشهدًا بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» الآية 282 من سورة البقرة
قراءة المظلوم سورة يس على الظالمرسول الله -صلى الله عليه وسلم - علمنا الإحسان إلى الناس في حال أحسنوا، وعدم ظلمهم في حالة الإساءة، ويجب على المسلم ألا يُسيء استخدام الأذكار والأوراد في إيذاء الغير، ولا يجوز للمظلوم أن يقرأ سورة يس بنية إيذاء من ظلمه
ولا مانع من قراءة سورة يس بنية أن يرفع الله تعالى عنه الظلم، ويفرج كربه، وليس كما يعتقد بعض الناس بالإيذاء بسورة يس، وإنما بنية أن ييسر الله تعالى له استرداد حقه ممن ظلمه
كما أن الله لم يخلق العباد ليعذبهم، مشيرا إلى أن الله يعفو عن الذنوب التى بينه وبين العباد، أما الحقوق التى بين العباد وبعضهم فلا يعفو عنها إلا إذا عفا صاحب الحق والمظلوم عن حقه، والحقوق التى بين العباد لابد للعبد أن يسامح فيها عن حقه فإن لم يسامح فعلى المخطئ أن يبادر بإرجاع الحق لصاحبه إن كان ماديا أو الاعتذار عنه إن كان شيئا معنويا
ويطلب المظلوم من الله يوم القيامة أن يرد إليه حقه من ظالمه، فيقول الله عز وجل، للعبد المظلوم: «انظر إلى هذه الدور والقصور، فيقول له: «هي لك إن عفوت عن أخيك» فيقول عفوت عنه، فيقول خذه وأدخل به الجنة»، والظلم ينقسم إلى 3 أقسام، الأول: ظلم العبد فيما يتعلق بجانب الله، وهو الشرك وهذا أعظمها، والثاني: ظلم العبد لنفسه، والثالث: ظلم العبد لإخوانه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سبب نزول العذاب دعوة المظلوم أن الله تعالى صلى الله علیه سورة یس
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الاستغفار والصلاة على النبي ولا اله الا الله طريق المسلم للثبات
قال الدكتور علي جمعة ، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، إن سفيانُ بنُ عبدِ اللهِ جاء إلى النبيِّ ﷺ فقال له: يا رسولَ الله، تشعَّب بنا الإسلامُ، فقل لي في الإسلامِ قولًا لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال ﷺ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ».وجاءه شخصٌ آخر فقال: يا رسولَ الله ﷺ، أريد شيئًا لا أسأل أحدًا بعدك عنه، يَجتمع لي به أمرُ الإسلام، فقال ﷺ: «لا يزال لسانُكَ رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللهِ».
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إذًا الذي يُساعِد على الالتزام بالدين وأوامرِ الله تعالى هو الذِّكر. يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}؛ أي: ولذِكرُ الله أكبرُ من كلِّ شيء، ومن ذلك الصلاةُ نفسُها.
عندما يبدأ الإنسانُ بذِكرِ الله كثيرًا، يبدأ بما يُسمِّيه أهلُ الله «الأساس»، وهو أن يقول: «أستغفرُ الله» أو «أستغفرُ الله العظيم» مائةَ مرة، ثم يُصلِّي على النبي ﷺ بأي صيغةٍ مائةَ مرة، ثم يقول «لا إله إلا الله» مائةَ مرة؛ بهذا الترتيب: الاستغفار، ثم الصلاة على النبي ﷺ، وهو الواسطة بين الحقِّ والخلق، صاحبُ الوحيَيْنِ: الكتابِ والسُّنَّة، النبيُّ المرسَل صلى الله عليه وآله وسلم الذي ارتضاه الله لنا، فنُكثِر من الصلاة والسلام عليه؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
ثم بعد ذلك نذكر كلمةَ التوحيد؛ قال النبي ﷺ: «خيرُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله».
هذه هي حقيقةُ الكون، وهذه هي مُلخَّصات الإسلام، وهذه هي حقيقةُ الدين، وهذه هي حقيقةُ الإنسان: أنَّه لا إله – خلقه ورزقه وأحياه وأماته – إلا اللهُ سبحانه ربُّ السماواتِ والأرضِ وربُّ العرشِ العظيم.
نقول – صباحًا ومساءً – هذه المئات الثلاثة:
مائةَ مرة «أستغفرُ الله»، ومائةَ مرة «الصلاةُ على النبي ﷺ»، ومائةَ مرة «لا إله إلا الله».
والليلُ يبدأ من الغروب إلى الفجر، والصبحُ أو النهارُ أو «اليومُ» يبدأ من أذانِ الفجر إلى أذانِ المغرب؛ قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، فالليلُ يدخل بأذانِ المغرب، وقال تعالى: {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ}، فهذا هو ابتداءُ النهار.
علينا إذن أن نذكر الله كثيرًا، وأقلُّ ما يُسمَّى «ذكرًا كثيرًا» هو هذه المئاتُ الثلاثة التي تُشِير إليها الآيةُ الكريمةُ في الاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ¤ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ¤ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
إذًا الإنسانُ في مسيرتِه إلى الله يبدأ خطوةً خطوة؛ فقد قيل: «إنَّ المنبِتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى»؛ أي إنَّ مَن أحبَّ أن يُسرِعَ جدًّا بمشقَّةٍ على نفسِه، يُتعِب راحلتَه – الجمل – وفي الوقتِ نفسِه لا يقطع مسافةً تُذكَر؛ فعَلينا بالهُوَيْنَى.
ومَن يشعر بالتقصير، فهذا شعورٌ طيِّب، لكن ينبغي ألا نجعله يُعطِّلنا عن الاستمرار، ولا أن يُحدِث في نفوسِنا شيئًا من الإحباط، بل يكون باعثًا على مزيدٍ من الإقبال على الله بذكرِه وطاعتِه.