الجزيرة:
2025-12-14@10:41:24 GMT

حقوق الإنسان في مهب الحرب على غزة

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

حقوق الإنسان في مهب الحرب على غزة

تكشف الحرب الحالية التي يشنّها الكيان الإسرائيلي على غزة عن حالة غير مسبوقة فيما يتعلّق بوضع حقوق الإنسان. ولا تسعفنا هنا العبارات القانونية التقليدية مثل "المساس" أو "الانتهاك" لوصف درجة الاعتداء عليها. لقد وصل هذا "المساس" إلى درجة الإهدار الكامل للحقوق الإنسانية.

وبينما تقف المنظومة الدولية بهياكلها وأجهزتها القضائية عاجزةً عن ردع هذه الجرائم وملاحقة مُرتكبيها، فإن التساؤل يُطرح في كل مرة تتكرر فيها هذه الجرائم حول ما إذا كانت السياسة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب تقوم فعلا على أسسٍ أخلاقية مجرّدة لا تميّز بين جنس الضّحايا والجناة ولا دينهم أو عرقهم، أم أنها ليست في الواقع سوى إحدى تجليّات منطق القوة الذي فرضته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتسعى لتوظيفها بشكل انتقائي كوسيلة ضغط وهيمنة في علاقاتها مع بقيّة الدّول.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4حقوقية أميركية: طوفان الأقصى نقطة تحول لصالح القضية الفلسطينيةlist 2 of 4مرصد حقوقي: حرب التجويع الإسرائيلية على غزة بلغت ذروتهاlist 3 of 4المفوضية الأممية لحقوق الإنسان: إسرائيل ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بغزةlist 4 of 4مفوض حقوق الإنسان يصل الشرق الأوسط لبحث الحرب بغزةend of list

لا يسع المحلّل القانوني إلا أن يُصاب بالإحباط من حالة الانتهاك الجسيم لمبادئ القانون الدولي الإنساني في غزة أمام صمت المجتمع الدولي وعجز مؤسّساته عن ردع جرائم الاحتلال الإسرائيلي. إنه الإحباط الذي دفع مدير مكتب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الاستقالة من منصبه في سابقة كشفت زيف الخطاب الغربي عن حقوق الإنسان، وعرّت منظومته القانونية التي تُصاب بالعمى هنا وتُبصر هناك.


إهدار الاحتلال حقوق الإنسان في غزة بالجُملة

لم يترك الاحتلال الإسرائيلي جريمة واحدة من الجرائم التي نصّ عليها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية، ولا تلك التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف الأربع، ولا أية جريمة أخرى نص عليها ميثاقٌ أو عرفٌ دولي قديم أو حديث، إلا وارتكبها. فقد مارس جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، والتهجير القسري، واستهدف المستشفيات والمرافق الصّحية ودور العبادة، وقطع إمدادات الماء والكهرباء، وقصف المناطق التي أعلن هو نفسه بأنها "آمنة"، ناهيك عن استهداف الصحافيين وطواقم الإسعاف وشاحنات الإغاثة.

وفي مواجهة هذه الجرائم، تقف كل منظومة المجتمع الدولي التي يزعم بأنه أسّسها على احترامِ حقوق الإنسان عاجزةً أمام حرب إبادة جماعيةٍ يصفها الكيان المحتل وداعموه من الدّول الغربية بأنها "حربٌ عادلة"، و"دفاعٌ مشروع عن النفس"، ومع كل ضربة يوجهها جيش الاحتلال لقطاع غزة، تسقط قيم ومبادئ القانون الدولي الإنساني، ولن ينهي الاحتلال حربه الشعواء على غزة إلا وستكون المنظومة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان قد فقدت كل مصداقيتها وصارت بلا معنى.

إن وصف ما يحدث لحقوق الإنسان في غزة بأنه إهدارٌ للحقوق، وليس مجرّد مساسٍ بها أو انتهاك لها، إنما تبررّه حالة الاعتداء المُتعمّد والممنهج والجسيم الذي يستهدف الحقوق الأساسية لعدد كبير من المدنيين. إنه إعلانٌ صريح عن طريق القوة بأن الكيان الإسرائيلي لا يعترف بالصّفة الإنسانية للفلسطينيين، وبأنهم بالنتيجة مُجرّدون من أيّة حقوق تُمنح لهم بوصفهم بشرا. ولذلك، فإن جيش الاحتلال لا يهدر حقّ الإنسان من خلال الاستهداف المباشر بالقصف العشوائي والعنيف الذي يشكّل إبادةً جماعية فحسب، بل إنه يستهدف أيضا ما يمكن أن يقوم عليه الحق في الحياة للناجين، فهو يمنع عنهم مقومات الحياة الأساسية، كالغذاء، والماء، والرعاية الصحية عبر قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف التي تقلّ الجرحى، وكل ما من شأنه أن يساعد في حفظ الأرواح أو إنقاذها وإسعافها.

إن الحرب التي يفوق عدد ضحاياها من المدنيين 10 آلاف شهيد بينهم ما يقارب 4200 طفل لا يمكن أن تكون حرباً عادلة، كما أن الحرب التي ينجم عنها تهجير قسري لأكثر من مليون إنسان من مساكنهم في شمال قطاع غزة إلى مناطق غير آمنة لا يمكن أن تكون دفاعاً مشروعاً عن النفس، ولا يمكن وصف هذه الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان سوى أنها جرائم حرب وفقاً لما ينص عليه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية.

هكذا، تؤكّد الحرب على غزة مرة أخرى جدية أطروحة القائلين إن منظومة حقوق الإنسان كما يتبناها الغرب لا تقوم على أيّ أساس أخلاقي مجرد، وإنما على أساس معايير انتقائية وتمييزية مزدوجة، وهذا ما يجعل من مطالبات الدّول الغربية باحترام حقوق الإنسان ورقة ضغط ومساومة ضدّ الأنظمة المعادية لها. وتدعم هذا الرأي سرعة استجابة هذه المنظومة لما يُعتقَد أنها جرائم حرب ارتكبتها روسيا في حربها على أوكرانيا وتخاذلها أمام الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال في غزة.


فشل منظومة العدالة الجنائية في مواجهة جرائم الاحتلال 

ينطلق نظام روما الأساسي المتعلّق بالمحكمة الجنائية الدولية من التأكيد على أن الدّول الأطراف تضع في الاعتبار بأن "ملايين الأطفال والنّساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزّت ضمير الإنسانية بقوة"، ولذلك تُعرب هذه الدّول عن عزمها على "وضعِ حدّ لإفلات مُرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم"، وهكذا يتولّد الانطباع بأن هذه العبارات تنطبق تماماً على وضع الحرب في غزة حالياً، ويتأكّد هذا الانطباع عندما نستعرض نص المادة الخامسة من النظام الأساسي التي تحدّد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهي: جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان.

وفيما يتعلّق بجرائم الحرب تحديدا، فإن المادة الثامنة في فقرتها (أ) نصّت على أن من بين هذه الجرائم: تعمّد توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية، وتعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي تلك المواقع التي لا تشكّل أهدافاً عسكرية، وكذلك تعمد شنّ هجماتٍ ضد موظفين مُستخدمَين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدَمة في مهمّة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السّلام. وأيضاً تعمّد شن هجومٍ مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضررٍ واسع النّطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة. والأهم من ذلك كلّه، أن هذه المادة اعتبرت بأن من جرائم الحرب تعمّد مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت.


لن يأخذ رجل القانون إذاً وقتا طويلا في الاستنتاج بأن الجرائم المنصوص عليها في النّصوص السّابقة تنطبق بدقة على ما يقوم به جيش الاحتلال في غزة، كما أن تقديم أدلة على هذه الجرائم لا يحتاج إلى تحقيقٍ مطول ولا إلى جمع أدلة، فالجرائم موثقة بالصورة وتُرتكَب يومياً منذ أزيد من شهر، وقد زار المدعي العام للمحكمة الجنائية معبر رفح وعبّر عن "فزعه" من رؤية "جثث الأطفال والصّغار وهي مملوءة بالتراب"، لكن جثث الأطفال التي فاق عددها 4 آلاف لم تكن كافية بالنسبة له ليفتح تحقيقاً في جرائم الاحتلال التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرةً، بينما شرع على الفور وبعد مرور 4 أيامٍ فقط على نشوب الحرب في أوكرانيا في فتح تحقيق حول جرائم حرب مُحتملة ارتكبتها روسيا.

ختاماً، يمكن القول إن المنظومة الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان صُمّمت بطريقة تجعلها مجرّد مبادئ معلّقة في الهواء، ولن يستطيع سوى الأقوى الوصول إليها وتطبيقها على أرض الواقع. إن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة تعيد طرح ذلك التساؤل الفلسفي التقليدي حول ما إذا كانت مبادئ القانون الدولي تعبّر عن قانون القوة أم عن قوة القانون، وأيا كانت الإجابة، فإنه لا يمكن التعويل على المؤسّسات الدولية الرسمية ولا على آليات العدالة الجنائية الدولية في ردع جرائم الكيان المحتل المتكررة. لكن، قد يشكّل الرأي العام العالمي الذي خرج في مظاهرات حاشدة في كبرى العواصم الغربية مستنكرا هذه الجرائم عنصر القوة المفقود الذي بإمكانه أن يفرض تطبيق مبادئ القانون الإنساني في الحرب على غزة بنفس الدرجة والفعالية التي طُبّقت فيها على الحرب في أوكرانيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة جرائم الاحتلال حقوق الإنسان هذه الجرائم جرائم الحرب على غزة لا یمکن التی ت فی غزة

إقرأ أيضاً:

السب والضرب وتلفيق الاتهامات.. ثلاث جرائم قد تهدم حياة زوجية وتسقط حقوق الزوج

تتكرر في محاكم الأسرة قصص زوجات يلجأن للقضاء بعد أن تتحول الحياة الزوجية إلى ساحة عنف لفظي وجسدي وتشهير إلكتروني واتهامات كيدية، وفي الوقت الذي تبحث فيه الزوجة عن الأمان، تضع القوانين إطار واضح لحماية سمعتها وكرامتها وحقها في إنهاء الزواج إذا ثبت الضرر.


وخلال السطور التالية نرصد موقف القانون من استخدام بعض الأزواج وسائل التواصل الاجتماعي لسب الزوجات والتشهير بسمعتهم.

السب والقذف والتشهير الإلكتروني.. تشويه السمعة جريمة مشددة
 

وفقاً لمصطفي محمود المحامي المختص بقانون الأحوال الشخصية فأن حالات سب الزوج لزوجته أو التشهير بها عبر مواقع التواصل من أكثر الجرائم التي تشهدها ساحات محاكم الأسرة مؤخرا، وبحسب قانون العقوبات فإنه يجرم السب والقذف، وإذا وقعت الجريمة عبر الإنترنت، فيطبق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بعتباره ظرفا مشددا، وتصل العقوبة إلى الحبس، وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، أو العقوبتين معا.


وتابع المحامي يعتبر التشهير الإلكتروني من أخطر صور الإيذاء لأنه ينتشر على نطاق واسع ويؤثر مباشرة على سمعة الزوجة وحياتها الاجتماعية.

الضرب والاعتداء الجسدي.. دليل حاسم في قضايا الخلع والطلاق للضرر
 

وأشار المختص بقانون الأحوال الشخصية إن محاكم الأسرة تتعامل بجدية مع وقائع العنف الزوجي، خاصة إذا دعمته الزوجة بـ محاضر رسمية، تقارير طبية حديثة، أو شهادات تفيد بالاعتداء الجسدي، ويعد الضرب وفق قانون الأحوال الشخصية ضررًا كافيا لطلب التطليق للضرر أو الخلع دون إلزام الزوجة باستمرار العلاقة، لأنه يمس الأمان والكرامة، وهما أساس استمرار الزواج.

ويؤكد محمود أن وجود دليل مادي مثل التقرير الطبي يجعل الحكم بالخلع أو الطلاق أسرع، لأن المحكمة تتحقق من استحالة استمرار العشرة.

الاتهامات الكيدية والبلاغات المصطنعة.. جريمة بلاغ كاذب
 

وأضاف المحامي المختص بقانون الأحوال الشخصية أن بعض الأزواج يلجأ – كما تشير العديد من القضايا – إلى تلفيق اتهامات للزوجة لإجبارها على التنازل أو لإضعاف موقفها القانوني وهذا السلوك يعد جريمة قائمة بذاتها تسمى البلاغ الكاذب وتصل عقوبته إلى الحبس إذا ثبت أن الزوج قدم بلاغا يعلم عدم صحته وبسوء نية للإضرار بالزوجة.

إثبات خيانة الزوج وتأثيرها على الحكم في الطلاق للضرر
 

وأضاف مصطفى محمود المحامي يجوز للزوجة استخدام الرسائل، الصور، التسجيلات، محاضر الشرطة أو شهادة الشهود لإثبات خيانة الزوج أو ارتباطاته غير الشرعية بشرط ألا يتم الحصول على الأدلة بشكل غير قانوني، وفي حال ثبوت الخيانة أو العلاقات غير المشروعة، يعتبر ذلك ضررا قويا ومباشرا تستند إليه المحكمة للحكم بـ الطلاق للضرر.

 




مقالات مشابهة

  • المجلس القومي لحقوق الإنسان يطلق تقريره السنوي الثامن عشر
  • جوتيريش: الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان ترقى إلى جرائم حرب
  • انطلاق النسخة الثامنة من معرض “حقوق الإنسان اليوم وكل يوم” في الزرقاء
  • حقوق الإنسان: قمع تظاهرات الشرش في البصرة يدفع نحو تعليق عمل الحكومة
  • كاتب سعودي يطالب بإحالة جرائم الإنتقالي بحضرموت إلى الجنائية الدولية
  • في يوم حقوق الإنسان.. رسائل حب وإنسانية تتصدر ندوة دار الكتب
  • السب والضرب وتلفيق الاتهامات.. ثلاث جرائم قد تهدم حياة زوجية وتسقط حقوق الزوج
  • مستقبل وطن : الجمهورية الجديدة تعزز حقوق الإنسان برؤية شاملة
  • الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يجددان دعمهما لـ«حقوق الإنسان» في ليبيا
  • كلمة رئيس الجهاز بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان