شفق نيوز:
2025-12-12@20:32:14 GMT

الديمقراطية القلقة بين السلطة والمجتمعات المضغوطة!

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

الديمقراطية القلقة بين السلطة والمجتمعات المضغوطة!

  تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.

ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات. 

  وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة. 

   لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة. 

  وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف. 

  وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم. 

  إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي  كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي

إقرأ أيضاً:

مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف

اختتمت "نهوض وتنمية المرأة" مشروع "لها ومعها" وسط إشادة واسعة من الشخصيات العامة والشركاء
السفارة البريطانية بالقاهرة تعلن استمرار شراكتها مع جمعية نهوض وتنمية المرأة في مواجهة العنف ضد المرأة
"أنا شخصيتي اتغيرت بعد جلسات مشروع لها ومعها… بقى عندي جرأة وكرامة. بيتي بقى هادي بعد ما جوزي بطل يضربني… ولادي بقوا يحترموا بعض واتعلمت إن البنت زي الولد… حميت بنتي من أضرار الختان… حافظت على صحتها ومجوزتهاش بدري… بقيت أمشي في الشارع من غير خوف… اتعلمت أقول لأ وأواجه اللي يتحرش بيا… بقيت قيادية في بيتي وجيراني… وخدت قرار الشغل بعد ما كان جوزي رافضه".

بهذه الكلمات المؤثرة افتتحت نور الهدى، إحدى المستفيدات من مشروع لها ومعها، المؤتمر الختامي للمشروع الذي نظمته جمعية نهوض وتنمية المرأة بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، بحضور ممثلين من  المؤسسات الدولية والسفارات والمجالس القومية والجمعيات الأهلية ولفيف من الشخصيات العامة والإعلاميين.

و أشاد الحضور بتجارب المستفيدات، مؤكدين أن ما تحقق يعكس أثرًا حقيقيًا وملموسًا في حياة الأسر والمجتمعات، ويبرهن على أهمية استمرار هذه البرامج في دعم النساء والفتيات الأكثر احتياجًا.

ما الذي حاول «لها ومعها» تغييره؟
 

وقالت الدكتورة إيمان بيبرس، رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، إن مشروع «لها ومعها» ركز على توعية السيدات والفتيات بحقوقهن، وتقديم دعم نفسي لهنّ، وإشراك الرجال، مشيرة إلى أن كثيرًا من مستفيدات المشروع أصبحن قيادات طبيعية ينقلن ما تعلمنه لغيرهن داخل مجتمعاتهن، بما يضمن استمرار أثر المشروع.

الأرقام… ترجمة حقيقية للأثر
 

وخلال المؤتمر، أعلنت "بيبرس" نجاح المشروع في الوصول إلى 2،538 مستفيد/ة بشكل مباشر، و17،766 مستفيد/ة بشكل غير مباشر، من خلال العمل مع 21 جمعية أهلية شريكة في 46 منطقة بثلاث محافظات: القاهرة والفيوم والأقصر.
وأكدت اعتزاز الجمعية بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، مشيرة إلى أن المشروع يُعد من التجارب المهمة، خاصة كونه أول تعاون للجمعية في محافظة الأقصر، بما ساهم في توسيع نطاق العمل في المناطق المهمشة.

"شراكة تتجاوز الإنجاز لاستمرار الدعم"
 

من جهتها، أكدت ريتشل جيل، السكرتيرة الأولى للتنمية بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن الجهود المبذولة في مشروع «لها ومعها» والوصول إلى عدد كبير من المستفيدات تخطى العدد المستهدف يمثل إنجازًا كبيرًا يستحق الدعم والاستمرار والتوسع، مشددةً على أن مناهضة العنف ضد المرأة تعد أولوية أساسية للسفارة البريطانية.

كما أوضحت حنين شاهين، مستشارة العنف القائم على النوع الاجتماعي ومديرة برنامج ISF  بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن هذا ليس ختام لمشروع، بل هو انتهاء المرحلة الأولية منه، مشيرةً إلى أنه سيتم الاعتماد على جمعية نهوض وتنمية المرأة لاستكمال العمل في مواجهة العنف ضد المرأة.

ومن حانب آخر، أكد المؤتمر على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أداة فاعلة لحماية المرأة، حيث تحدث الدكتور/ رؤوف رشدي، استشاري الصحة الإنجابية وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، عن أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمان للسيدات والفتيات، مشيرًا إلى اطلاقه لمبادرة تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في منع حوادث التحرش المرتبطة بوسائل النقل الذكي.

شهادات حية ومعرض في ختام مؤتمر «لها ومعها»
وشهد المؤتمر عدد من الشهادات الحية للمستفيدات، عكست التغيير الحقيقي الذي أحدثه المشروع في حياتهنّ وعلاقتهنّ مع أبنائهنّ وأزواجهنّ، إلى جانب تنظيم معرض لمنتجات المستفيدات، اللاتي تدربنّ عليها ضمن خدمات المشروع لتكون نواه لتمكينهنّ اقتصاديًا من خلال عمل مشروعات تدر عليهنّ وعلى أسرهن دخلًا.

وفي ختام المؤتمر، قدمت الدكتورة  إيمان بيبرس درع جمعية نهوض وتنمية المرأة إلى السفارة البريطانية بالقاهرة، تقديرًا لشراكتها الفاعلة في مشروع "لها ومعها".

"نهوض وتنمية المرأة" IMG_4274 IMG_4276 IMG_4275 IMG_4277

مقالات مشابهة

  • 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
  • مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
  • صندوق تحيا مصر يطلق قافلة حماية اجتماعية تستهدف 20 ألف أسرة | صور
  • زمن الخوف الفني.. كيف أصبحت صناعة الإبداع رهينة الرقابة الذاتية وصوت الجمهور الغاضب؟
  • من همس متقطع إلى صوت يصل إلى الجميع.. رحلة شفاء من التأتأة بالكتابة
  • المُنتخب الاردني والتغيرات النفس اجتماعية في مجتمعنا الاردني الشاب..
  • الوجوه المتعددة للبذاءة (2)
  • السريري: بيان المفوضية خطوة مهمة نحو انتخابات أبريل والسلطة التشريعية أوفت بالتزاماتها
  • جهود موسعة لصندوق مكافحة الإدمان في تعزيز الوعي والوقاية داخل الجامعات والمجتمعات
  • بعد حالات الاعتداء على الطلاب.. استشاري حماية اجتماعية ينصح باختبارات مهمة