البوابة نيوز:
2025-07-06@14:12:49 GMT

ثقافة التبرير (1-2)

تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT

 

الشيطان والحسد، مبرران اجتماعيان مصريان جاهزان، لتبرير جزء كبير من مشاكلنا الاجتماعية، وجزء أكبر من قصورنا في أداء واجباتنا. مبرران جاهزان للهروب بعيدًا عن جذور مشاكلنا، بحثًا عن حلها، والتمسك بقشورها، التي لا تساعدنا على الحل، بقدر ما تساعد في التبرير، للحفاظ على ماء وجوهنا. ولأؤكد مدى عمق ذلك في الوعي الشعبي، سأحكي لكم حكاية "البغل الذي دخل الإبريق"، التي تحكي عن رجل وزوجته.

الرجل كان فلاحًا يكد في عمله، لإطعام زوجته، ذات الجمال الفائق، والتي كانت راضية وسعيدة مع زوجها الفلاح الفقير. كان الزوجان يعيشان في هناءة وسرور. يعمل الفلاح طوال اليوم، ليعود مساء لبيته، فيجد زوجته في انتظاره، بإبريق الماء ليغسل يديه وقدميه، ثم يتناول عشاءه، الذي قامت بإعداده خصيصًا له. ظل الزوجان على هذا الحال مدة من الزمن، لم ينغص أحد عليهما حياتهما، حتى اقتحم عمدة القرية حياتهما، الذي أعجبه جمال الزوجة، واستكثر على ذلك   الفلاح المعدم أن تكون له زوجة بمثل هذا الجمال. بدأ العمدة يتقرب من السيدة، ويتودد إليها، وما كان من الزوجة إلا أن قامت بصده أكثر من مرة. بدأ يزيد من إغرائه لها، قائلًا لها: "كيف بمثلك، ذات الجمال الفاتن، يقبل بالحياة مع مثل هذا الرجل الفقير؟ فأنت تستحقين من يجعلك أميرة". مثل هذا الكلام بدأ يترك أثره في نفس السيدة، مما انعكس على طريقة معاملتها لزوجها المسكين، فيعود مجهدًا ومرهقًا، فلا يجد إبريقًا ولا ماءً ولا طعامًا، بل لا يجد اهتمامًا به من زوجته، التي بدأت مرحلة من التمرد على حياتها معه، مدعية المرض تارة، وعدم القدرة على مواصلة العيش مع زوجها تارة أخرى. كان الزوج صبورًا في رد فعله، وفي تحمله لظروف زوجته، ظنًا منه في بداية الأمر أنها مريضة، ولما طال الأمر ورأى تمرد الزوجة على استكمال الحياة معه، فتذكر لها معاملتها الطيبة، وطلب منها الراحة، حتى فاجأته بطلبها الطلاق منه. حاول الزوج جاهدًا إثناءها عن قرارها، ولكنها أصرت،  وانتهى الأمر بطلاق الزوج لزوجته. في مساء أحد الأيام اجتمع أهل القرية، محاولين إثناء الزوج عن الطلاق، محاولة منهم للصلح بين الزوج وزوجته. حاول أحد الجالسين أن يبرر ما حدث، قائلا: "دي ساعة شيطان"، فانفجر الزوج قائلًا: لا تظلموا الشيطان، فهو برئ من هذه المشكلة، فالشيطان الحقيقي هو العمدة، الذي ظل يحاول مع زوجته حتى جعلها تتمرد على حياتهما الهادئة. بعد أن انصرف الحاضرون، خلد الزوج إلى النوم، فلما راح في نوم عميق، جاءه الشيطان في منامه، مرتديًا ثوبًا أبيض، على هيئة الملائكة، وقال للزوج: لقد برأتني مع أهل قريتك، وأعدك بأن أعيد زوجتك إليك.  ولكنني أطلب منك طلبًا، أنك في الصباح ستجدني بغلًا قويًا مربوطًا أمام منزلك، خذني إلى السوق، واعرضني للبيع، وكلما جاءك تاجر ارفع في سعري، حتى يأتيك هذا العمدة فقم ببيعي له. بالفعل فعل الفلاح الفقير ذلك، وباع البغل/ الشيطان له بسعر غالٍ جدا. عاد العمدة مختالًا وفرحًا، لأنه اشترى البغل الذي عجز التجار عن شرائه، وقرر أن يعد حفلًا لزواجه من تلك السيدة التي طلقها من زوجها، واحتفالًا بهذا البغل. دعا العمدة جمعًا كبيرًا من الناس، وصمم أن يخدمهم بنفسه، بأن يصب لهم الماء من الإبريق بعد تناولهم الطعام. في هذه اللحظة كان العمدة يربط البغل في مكان قريب من مقر الاحتفال. فجأة وجد العمدة البغل يصغر أمامه حتى صار صغيرًا جدًا، لدرجة أنه قفز في الإبريق، واختفى بداخله. هنا صاح العمدة قائلًا: البغل دخل الإبريق، فظنه الناس يمزح، فراح يكررها مرات عدة، فاعتقد الناس أنه فقد عقله وصار مجنونًا. أصر أبناؤه على إدخاله مستشفى الأمراض العقلية، فتراجعت الزوجة المتمردة عن قرارها في الزواج به. وعاد الشيطان إلى الفلاح ليلًا وأخبره أنه نفذ وعده له، لأنه الوحيد الذي رآه يتحدث بكلام طيب عنه. وفي النهاية عادت الزوجة إلى زوجها الأول، بعد أن أدركت خطأ بتمردها على حياتها. إلى هنا تنتهي هذه الحكاية الشعبية المصرية، ولكن ما علاقة هذه الحكاية، وما علاقة الشيطان، وكذلك الحسد، بموضوعنا "ثقافة التبرير؟".. هذا هو موضوع مقالنا المقبل بإذن الله.

* أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب، جامعة القاهرة

 

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

طهران تقود ثقافة الانتصار بعقلية المستقبل

 

أخيراً، أعترف الكيان الصهيوني بانكساره وطالب بوقف لإطلاق النار بينه وبين إيران، وما دفع بنيامين نتنياهو إلى هذا الطلب بواعز أمريكي هو حجم الخسائر داخل كيانه الاستيطاني وعدم رغبة البيت الأبيض باتساع المواجهة في المنطقة.

المجتمع الاستيطاني الصهيوني كان خلال الأيام الماضية ضحية مصطلح البروباغندا الإعلامية الصهيو/ غربية، وصدق إمكانية القضاء على «الخطر الوجودي الإيراني»، لكن اتساع دائرة الدمار في الكيان الصهيوني دفع المؤسسة الأمنية والسياسية للضغط على رئيس الحكومة من أجل التراجع والطلب بوقف إطلاق النار.

هدف الكيان الصهيوني تبدل مع بدء المواجهة العسكرية وهو لم يعد مجرد ضرب المنشآت النووية، فهو يدرك أن هذا هدف بعيد المنال رغم اغتيال العلماء وتخريب الموارد. كما أن تحجيم القوة الصاروخية والقدرة الصناعية الإيرانية لن ينجح أيضًا.

ولكن الهدف الحقيقي «للصهيو أمريكي» هو الاقتصاد الإيراني: قطاع الطاقة، والصناعات البتروكيمياوية، والغازية، والفولاذ وغيرها – وهي مفاصل قوة الدولة الإيرانية ومصادر تماسكها. ولذلك فإن نتنياهو، ومن يشاركه أمريكيًا وأوروبيًا، سعوا إلى إسقاط النظام السياسي في طهران واستبداله بنظام جديد عميل لهم.

ولكن ما أربك هذا المخطط هو إدراك الإيرانيين، بمن فيهم المعارضون الوطنيون في الداخل والخارج، أن بلادهم أصبحت هدفًا لحرب شاملة تهدد وجودهم، واقتصادهم، ومستقبل أجيالهم. لذا فإنهم أكدوا على أن التماسك الداخلي في ظل العدوان قد يعزز بدل أن يتفكك، وهو ما أفرغ استراتيجية «التمرد الداخلي» الذي سعى إليها أعداء إيران من مضمونها.

ينظر البعض لمفهوم «النصر» بشكل سطحي كمجرد تحقيق هدف مادي محدد دون النظر للسياق والملابسات المحيطة به. لكن هناك رؤية أعمق ينبغي أن تأخذ في الاعتبار معايير نسبية لتقييم النتيجة المادية، وكذلك البعد المعنوي المتمثل في تجسيد قيم العزيمة والمثابرة.

ينبغي علينا إذن أن ننظر لمفهوم النصر الإيراني في هذه الجولة بعمق، من خلال منظوريه المادي – حسب معايير نسبية وليست مطلقة – فضلا عن المنظور المعنوي.

ولكن من صنع الانتصار المزدوج، ومن دافع عن الهزيمة وتضرر منها؟

التاريخ وحده سيجيب عن كل الأسئلة التي تطرح وستطرح الآن وفي المستقبل، والتاريخ وحده سيسجل الحقيقة كما هي وسيفرز الناس، بين الذين صمدوا وتصدوا بشجاعة دفاعًا عن بلادهم، وأولئك الخونة الذين غدروا وطعنوا بوطنهم في الظهر قبل وخلال العدوان، وتحالفوا مع أعدائهم وتجار الموت والدمار والحروب. ‏

قريبًا ستفتح صفحات التاريخ.. ولن يمر وقت حتى نقرأ الحقائق كما هي دون «رُتوش» أو تحريف أو تزوير، ألسنا في زمن التزوير والزيف والأكاذيب الإعلامية، الغربية والعربية؟ ‏

اليوم يحق للشعب الإيراني المجاهرة بمشاعر الفخر والعزة والكرامة رغم الخسائر البشرية والمادية، وهو يتذكر بطولات جيشه الذي سجل بدمائه الزكية وبصبره وجهاده أنصع صورة في التاريخ الحديث والمعاصر، فهو لم يقهر جيشًا ­ قيل عنه لا يُقهر­ بل واجه قوة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية أيضًا واجبرها على إعادة قراءة الوقائع على الأرض بعيدًا عن الأوهام والأحلام. ‏

النصر العسكري الإيراني على أهميته البالغة في الجولة الأولى، ليس إلاّ الشق الميداني المباشر من النصر الكبير عندما تبدأ هذه الدولة الإقليمية العظمى في الاستمرار ببناء دولة ذات ثوابت سيادية واجتماعية واقتصادية ومستقبلية، بناء الدولة أو إعادة بناءها أمر في غاية الصعوبة، وببساطة لكي تبني دولة يجب أن تفكر بعقل المنتصر، وعقل المنتصر دائما مشغول بالبناء والمحتوى والتقدم للأمام، وليس مشغولا بالأوهام أو لوم الذات أو التقليل من شأن ذاته أو الخضوع للإملاءات، بل هو موجه داخليًا لتحقيق الانتصارات تلو الانتصارات، فهو مشغول طول الوقت بالانتصار للمستقبل.

أما الشق الثاني الذي قد يفوقه أهمية، فهو الشق السياسي والمتمثل في تراجع المشروع الأمريكي الخطير المعدّ في كواليس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والدولة العميقة، والمعروف باسم مشروع «الشرق الأوسط الجديد». ‏

ليست هذه استنتاجاتنا وتحليلاتنا، بل هي اعترافات صريحة من قبل المهزومين أنفسهم.‏ فالإعلام الصهيوني، كما الأمريكي، اعترف بالفشل علنًا، وكل من يكابر ويرفض سماع هذه الاعترافات فهو كمن يغمض عينيه ويسير نحو المجهول. ‏

وهنا يمكننا التأكيد على الهزيمة العسكرية التي اصابت الكيان الصهيوني وجيشها من جهة، والهزيمة السياسية للإدارة الأمريكية التي لها نصيب من الهزيمة العسكرية، هي من كان يمنع أي قرار بوقف إطلاق النار بوهم أن «إسرائيل» ستنتصر، وهي التي نقلت الأسلحة الذكية والغبية والمحرّمة دولياً، لظنها أن الكيان الصهيوني قادر على أن يكون القابلة القانونية لتوليد «الشرق الأوسط الجديد» من رحم الدمار والموت والدم في فلسطين ولبنان وسوريا. ‏

وبما أن نصف «الهزيمة» كان مزدوجًا (إسرائيليًا وأمريكيًا)، فالنصر الإيراني كان مزدوجًا بدوره ويسجل بأحرف من نور ونار ودم في سِفر التاريخ، وسيظل مفخرة للمنطقة. ‏وغدًا سنرى من نصّب نفسه محامياً للشيطان ورافضًا الاعتراف بنصر إيران وهزيمة العدوان والمشروع الأمريكي­ الصهيوني. ‏وعندما جاء «نصر الله والفتح» لن يعترف أصحاب «ثقافة الهزيمة» به، بل سيعتبروه كارثة ستحل بالمنطقة ‏ «فللمهزوم ثقافته كما للمنتصر ثقافته» كم قال الإمبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس في كتابه الشهير «التأملات».

تقودنا هذه الظاهرة إلى فهم أعمق لكيفية تحول الذاكرة الجماعية الإيرانية خلال العدوان عليها إلى أداة حياة، تُستخدم لإعادة كتابة التاريخ، وصياغة الحاضر، وتوجيه المستقبل، تحت راية “النصر” أو “الشهادة”.

* صحافي وكاتب سوري.

مقالات مشابهة

  • شخص يطالب بالتمكين المشترك لشقة الزوجية مع زوجته بعد عام من الزواج.. تفاصيل
  • رجل يلاحق زوجته باستئناف على حكم تطليقها للضرر ويؤكد: تحايلت للاستيلاء على أموالى
  • آيتان تعدلان قيام الليل وتحفظان من الشيطان .. لا تغفلهما قبل النوم
  • يقتلع عيني زوجته بحثاً عن كنز أسفل منزله
  • شخص يلاحق زوجته بمحكمة الأسرة ويتهمها بالاستيلاء على ملايين الجنيهات.. تفاصيل
  • آخر أحكام الإيجار القديم .. شريف الجعار : لصالحنا .. والدستورية لن تعارض الامتداد| خاص
  • وفاة رئيس شعبة الأجهزة بالغرفة التجارية بالوادي الجديد إثر ازمه قلبيه مفاجئه
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • طهران تقود ثقافة الانتصار بعقلية المستقبل
  • خطيب المسجد النبوي: الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان