الجزيرة:
2025-12-14@22:08:24 GMT

من النهر إلى البحر.. كيف يهز ثوابت السياسة الأميركية؟

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

من النهر إلى البحر.. كيف يهز ثوابت السياسة الأميركية؟

واشنطن – بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، شهدت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المؤيدة للحق الفلسطيني رفع لافتات وترديد شعار "من النهر إلى البحر.. فلسطين ستتحرر" (From the river to the sea, Palestine will be free).

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبح العدوان على قطاع غزة قضية سياسية محلية أميركية بسبب الدور الكبير للإدارة الأميركية الداعمة لإسرائيل، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 6 ملايين أميركي يهودي، وما يقارب العدد ذاته من المسلمين الأميركيين.

وتردد صدى شعار "من النهر إلى البحر" في حرم مئات الجامعات وفي عشرات المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يحتج النشطاء المؤيدون للفلسطينيين على الخسائر المدنية الفادحة لعدوان إسرائيل على قطاع غزة، رغم ما أثاره الشعار من اتهامات بمعاداة السامية أو جدل كبير وعلى نحو متزايد بشأن الصراع وأسبابه الجذرية، وبشأن الموقف الذي يجب أن تتخذه الولايات المتحدة.

وضاعف دخول البيت الأبيض والكونغرس على خط الجدل حول العبارة من الانقسام السياسي، وأصبح الشعار أحد أهم محاور الخلاف بين القوى المؤيدة لفلسطين وتلك المؤيدة لإسرائيل حول ما يعنيه للمنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى سواحل البحر المتوسط.

جغرافية ومعنى العبارة

يعود أصل هذه العبارة إلى عقود مضت، ولها خلفية معقدة أدت إلى تفسيرات مختلفة جذريا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن قبل الأميركيين الذين يدعمونهم.

يقول دوف واكسمان أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إن "السبب في أن هذا المصطلح متنازع عليه بشدة هو أنه يعني أمورا مختلفة لأشخاص مختلفين، حيث نمت التفسيرات المتضاربة نوعا ما مع مرور الوقت".

وتشير دراسات أكاديمية إلى أن عبارة "من النهر إلى البحر" تعود إلى فجر الحركة الوطنية الفلسطينية في أوائل ستينيات القرن العشرين، أي قبل أكثر من نحو ربع قرن من ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واكتسبت العبارة شعبية داخل منظمة التحرير الفلسطينية كدعوة للعودة إلى الحدود الخاضعة للسيطرة البريطانية على فلسطين، حيث عاش اليهود والعرب على حد سواء، قبل إنشاء إسرائيل كدولة يهودية في عام 1948.

في الوقت ذاته، تضمّن البرنامج الأصلي لحزب الليكود، حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والصادر عام 1977، جملة تقول إنه "بين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية"، في إشارة إلى عدم وجود أي حقوق للفلسطينيين في كل أراضي فلسطين التاريخية.

ويقول بيتر بينارت الأستاذ في جامعة مدينة نيويورك إن "معنى العبارة يعتمد على السياق"، وأضاف "إذا كان المعنى من شخص أعرف أن لديه رؤية للمساواة والتحرر المتبادل، فلن أشعر بالتهديد"، لكنها إذا كان من "شخص يريد القضاء على إسرائيل، فالعبارة تشير إلى رؤية للمستقبل من دون دولة يهودية في هذه الحالة".

في حين اعتبر يوسف منير رئيس برنامج فلسطين-إسرائيل في المركز العربي في واشنطن العاصمة، أن مؤيدي فلسطين الذين يستحضرون العبارة "غالبا ما يشيرون إلى حقيقة أن الفلسطينيين، داخل هذا الفضاء، يعيشون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين، لكن الفلسطينيين هم الذين لا يتمتعون بالحرية".

دعوة لمحو إسرائيل

يقول بعض اليهود إن ما قد يكون نداءً بسيطا من أجل الاستقلال الفلسطيني، لا يمكن فصله عن الشعار الذي يستخدمه هؤلاء الراغبون في تدمير ومحو إسرائيل.

وتقول مديرة الشؤون السياسية للجنة اليهودية الأميركية جولي رايمان "ربما يكون صحيحا أن معظم طلاب الجامعات الأميركية، على سبيل المثال، الذين يهتفون من النهر إلى البحر لا يقصدون استحضار فكرة التطهير العرقي هذه، ولا يقصدون الدعوة إلى محو إسرائيل أو تدمير جميع اليهود في تلك الأرض"، وأضافت "لكن لسوء الحظ، فإنهم يرددون هذا المجاز بالضبط".

وجاء في بيان لرابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) "من المهم الإشارة إلى أن المطالبة بالعدالة للفلسطينيين، أو الدعوة إلى دولة فلسطينية، لا ينبغي أن تعني، كما تفترض هذه العبارة البغيضة، إنكار حق دولة إسرائيل في الوجود".

As I said earlier this week, “decolonization”, “from the river to the sea” and similar euphemisms necessarily imply genocide.

Clear calls for extreme violence are against our terms of service and will result in suspension. https://t.co/1fCFo5Lezb

— Elon Musk (@elonmusk) November 17, 2023

أما مالك تطبيق "إكس" إيلون ماسك فقال في تغريدة له: كما قلت في وقت سابق من هذا الأسبوع، فإن "إنهاء الاستعمار" و "من النهر إلى البحر" وعبارات مماثلة أخرى تعني بالضرورة الإبادة الجماعية. الدعوات الواضحة للعنف الشديد تتعارض مع شروط الخدمة الخاصة بنا وستؤدي إلى تجميد حسابات أصحابها.

وقال مايك كينان، وهو طالب بإحدى جامعات واشنطن، للجزيرة نت "أرى أن هذه العبارة لا تعكس أي شيء إلا طلب الحرية للفلسطينيين وتأسيس دولة خاصة بهم إلى جوار دولة إسرائيل".

صرخة لتحرير الشعب الفلسطيني

وبينما يرى اليهود الشعار معاديا للسامية ودعوة لتدمير إسرائيل، يقول العديد من النشطاء الفلسطينيين إنه "صرخة من أجل السلام والمساواة في وجه الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر منذ عقود لملايين الفلسطينيين"، ويرون أن هذه العبارة "تُعد دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي".

كما أخذ النقاش حول ما تعنيه العبارة منحنى جديدا ومثيرا بعدما غردت النائبة ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب، عضوة مجلس النواب عن دائرة بولاية ميشيغان، على منصة إكس "من النهر إلى البحر هي دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت أو الدمار أو الكراهية، يتركز عملي ودعوتي دائما على العدالة والكرامة لجميع الناس بغض النظر عن الدين أو العرق".

From the river to the sea is an aspirational call for freedom, human rights, and peaceful coexistence, not death, destruction, or hate. My work and advocacy is always centered in justice and dignity for all people no matter faith or ethnicity.

— Rashida Tlaib (@RashidaTlaib) November 3, 2023

 

وأصبحت تغريدة النائبة رشيدة طليب هدفا لأنصار إسرائيل بمجلس النواب، واجتمع كل النواب الجمهوريين وكتلة صلبة من الديمقراطيين معا لتوجيه اللوم إلى النائبة، وركزوا على احتضانها ودفاعها عن الشعار الذي وصفوه بأنه غير مقبول.

وبلغ الغضب من هذا الشعار ذروته بتبني مجلس النواب قرارا بتوبيخ النائبة طليب، ومر بأغلبية 234 صوتا مقابل 188، بسبب استخدامها هذه العبارة، وجاء في قرار التوبيخ الرسمي للكونغرس للنائبة أن العبارة "معترف بها على نطاق واسع كدعوة لإبادة جماعية وللعنف لتدمير دولة إسرائيل".

وقد تدخل البيت الأبيض وتبرأ من تصريحات النائبة الديمقراطية طليب، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض روبين باترسون، إنه "عندما يتعلق الأمر بالعبارة التي تم استخدامها -من النهر إلى البحر- فهي مثيرة للانقسام، ويجدها الكثيرون مؤذية ومعادية للسامية، ومن الواضح أننا نرفض رفضا قاطعا تطبيق هذا المصطلح على هذا الصراع".

وردت طليب داخل مجلس النواب بأنها تدعو فقط إلى وقف إطلاق النار، وأضافت "الفلسطينيون يريدون فقط أن يعيشوا حياتهم بحرية وكرامة إنسانية نستحقها جميعا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من النهر إلى البحر هذه العبارة

إقرأ أيضاً:

حجرُ الأحزاب في بركة السياسة

12 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة:

رياض الفرطوسي

من قبل سقوط النظام كان الحزب أشبه بصوتٍ واحدٍ يعلو فوق الجميع: لا يُناقَش، لا يُجاوَر، ولا يُزاحم. المعارضات كانت في المنافي، تُراكم ضوءها على نارٍ صغيرة، تنتظر لحظة العودة. لكن حين انهار الباب الحديدي عام 2003، لم تخرج السياسة بهدوء… بل انفجرت، وانفتح

المشهد حتى كاد يتشظّى من فرط الكثرة.

ظهرت الأحزاب كما لو أن الأرض أفرزتها دفعة واحدة: مئات اللافتات، عشرات الزعامات، وخطابات تتشابه حتى يُظنّ أنها خرجت من ورشةٍ واحدة. وبدلاً من أن تُحدث هذه الكثرة موجة حياةٍ سياسية، صنعت دوامةً بلا اتجاه. كل حزب يحمل هدفاً، وكل هدف يذوب بين الطائفة والهوية والغنيمة.

ثم جاء الشباب… لا كما حلمنا أن يأتوا، لا بوصفهم طلائع تُضيف معنى وتبني فكرة. جاءوا متعبين، يبحثون لا عن مشروعٍ ولا عن دور، بل عن «موقع» أو «فرصة» أو (امتياز). في زمنٍ صارت فيه الأحزاب بواباتٍ للترقي الوظيفي لا للارتقاء الفكري، وفي زمن صار فيه (الانتماء) بطاقةً للعبور أكثر منه إيماناً بمبادئ.

هكذا انقلب المشهد: بدلاً من أن تكون الطلائع الشابة رافعةً تعيد للحزب روحه، صار الحزب هو من يُغذي الأعضاء بالوعود والمغانم، حتى تفَرَّغت الأحزاب من مضمونها التربوي والفكري، وصارت أقرب إلى شبكاتٍ تنظيميةٍ تبحث عن القوة العددية أكثر مما تبحث عن القوة الأخلاقية.

ومع ولادة كل قضية اجتماعية، تولد معها أحزاب جديدة تقدم (رؤى للحل) على الورق، لكنها في العمق تتزاحم على صوتٍ واحد: صوت النفوذ. تاريخ الأحزاب يمتد عبر العصور، سريةً وعلنية، لأنها الوسيلة الأكثر منطقية حين تعجز قوة الفرد عن مواجهة الدولة أو المجتمع أو الخارج. هذا ما نعرفه نظرياً… لكن الواقع العراقي تَفَصَّل بطريقةٍ أخرى.

ففي ظل العراق الجديد، لم تعد الأحزاب فقط كيانات سياسية تُحاول أن تُمثّل جماهيرها. صار بعضها (أحزاباً صغيرة) تُنشئها الأحزاب الكبيرة، كظلالٍ لها: واجهات تُبرقِع المسارات، أو أدوات لتشويش الخريطة، أو إشارات تُوحي بأن هناك «تنوعاً» بينما هو تنسيقٌ مقنّع. لعبةٌ تُؤدى على مسرح كبير، لا يعرف الجمهور تماماً من الذي يكتب النص.

وحين يعجز الحزب عن تمثيل الحقيقة المجتمعية — حين يفشل في صقل طبقته المستهدفة، أو يعجز عن تقديم قراءة ثاقبة للحدث — يذوي حوله الجمهور شيئاً فشيئاً. يبتعد الناس كما يبتعد الطير عن شجرة لم تعد تعطي ظلاً. لا يبقى سوى الهياكل: مقرات بلا فكرة، شعارات بلا روح، ووجوهٌ تُكرر ما لا تؤمن به.

يزداد هذا التآكل حين يتحول الخطاب إلى ازدواجية: قولٌ في العلن و قولٌ آخر في السر، وعندما يتجاور النفاق السياسي مع الجهل الثقافي، في مساحةٍ تتداخل فيها النخب السياسية مع النخب الثقافية دون أن تنتج رؤية مشتركة. إنها مساحةٌ ضبابية لا تُنتج فكراً ولا تفتح أفقاً. وحين نصل إلى الجذر العميق للأزمة، نجد أن تغييب الفرد في ثقافتنا كان عاملاً حاسماً في إجهاض أي تعددية سياسية حقيقية. نحن، بثقل الموروث، لم نمنح الفرد فرصة ليقف مستقلاً، ربّيناه ليكون ظلّ جماعته لا صوته الخاص. وفي اللحظة التي يحاول فيها اتخاذ قرار، تنهض العائلة والعشيرة والطائفة لتعيده إلى (الحظيرة) القديمة. وهكذا ينمو الفرد نصف مكتمل: يتكلم بثقة، لكنه يتصرف بتردد. وفي غياب الفرد الحرّ، تتولد أحزاب بلا روح، هياكل بلا مشروع، وتيارات تذوب عند أول امتحان. فالتعددية تحتاج أناساً أحراراً لا مجموعات تتحرك بدافع العرف والولاء. ولذلك لم تكن التعددية عندنا مشروعاً سياسياً بقدر ما كانت زينة لغوية… بينما التعدد الحقيقي الوحيد الذي نجحنا فيه، وبامتياز مبهر، هو تعدد الزوجات.

اليوم، يبدو العراق كبركةٍ طال سكونها، تحتاج إلى حجرٍ يُلقى فيها لا ليُحدث ضجيجاً عابراً، بل ليوقظ الماء من غفوته الطويلة. حجرٌ لا يُضيف حزباً إلى ازدحام الأحزاب، بل يضيف فكرة إلى جفاف الأفكار؛ حزبٌ يعيد للمثقفين مكانتهم الطبيعية في قيادة المزاج العام، وينهض بالطبقة الوسطى من سباتها، ويصلُ بالشباب إلى المعنى قبل المصلحة، ويُعيد تعريف الولاء باعتباره انتماءً للدولة لا ارتهاناً لسلطاتها العارضة. حزبٌ يمنح السياسة وجهاً يشبه حياة الناس، لا تشبه مقايضات السياسيين.

قد لا يتغيّر شكل الماء عند أول ارتجاجة، لكن ما في القاع سيتحرّك، وسيعرف السكون أن زمنه لم يعد مطلقاً. والعراق، بعد هذه السنوات الثقيلة، يستحق ارتجافةً تعيد إليه نبضه، وتذكّره بأن المعنى يمكن أن يعود… إذا وُجد من يملك الشجاعة ليرمي الحجر.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • قمة ثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية
  • رسائل تهديد للأكاديميين في إسرائيل والموساد توصي بالتخفي
  • دلياني: إسرائيل تواصل إبادة أهالي غزة تحت غطاء وقف إطلاق النار
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • عمرو أديب: إسرائيل دولة مزيفة وبقاءها مشكوك فيه
  • حجرُ الأحزاب في بركة السياسة
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا يطالب إسرائيل بإنهاء قيودها على وصول المساعدات إلى غزة
  • عاجل.. الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار يطالب إسرائيل بالسماح بالوصول الإنساني الكامل إلى غزة
  • الأمم المتحدة تعتمد قرارا يطالب إسرائيل بضمان وصول المساعدات إلى غزة
  • الفائز بمسابقة “يوروفيجن” لعام 2024 يعيد الكأس احتجاجا على مشاركة إسرائيل