ذكرى “توشكا باب المندب”.. 14 ديسمبر 2015 عندما تحولت غرفة قيادة العدوان إلى محرقة
تاريخ النشر: 15th, December 2025 GMT
يمانيون | تقرير
يتجدد في الرابع عشر من ديسمبر من كل عام حضور واحدة من أكثر الضربات إيلامًا وتأثيرًا في مسار العدوان على اليمن، ضربة لم تُقرأ في سياقها الزمني فقط، بل في أبعادها الاستراتيجية والسياسية والنفسية.
ففي مثل هذا اليوم من العام 2015، لم يكن إطلاق صاروخ “توشكا” حدثًا عسكريًا اعتياديًا، بل إعلانًا عمليًا عن انتقال اليمن من مرحلة امتصاص الضربات إلى مرحلة كسر المعادلات، ومن الدفاع المحدود إلى الردع المؤثر.
جاءت ضربة “توشكا باب المندب” في لحظة كان تحالف العدوان يراهن فيها على السيطرة السريعة على الساحل الغربي، وفرض واقع ميداني جديد يتيح له التحكم بأحد أهم الممرات البحرية في العالم.
غير أن الصاروخ اليمني قلب تلك الرهانات، وأثبت أن الجغرافيا التي ظنها الغزاة آمنة ومحصنة يمكن أن تتحول في لحظة إلى نقطة انهيار كبرى.
الهدف والزمان والمكان.. ضربة محسوبة لا مصادفة عسكرية
بعد منتصف ليل الاثنين، وفي توقيت دقيق، أطلقت القوة الصاروخية اليمنية صاروخًا باليستيًا من نوع “توشكا” باتجاه مركز قيادة وعمليات متقدم لتحالف العدوان في منطقة “شعب الجن” بباب المندب.
اختيار الهدف لم يكن عشوائيًا، بل جاء بعد رصد استخباراتي دقيق لطبيعة الموقع وأهميته، بوصفه غرفة إدارة عمليات تُنسّق التحركات الميدانية، وتضم قيادات رفيعة متعددة الجنسيات.
الموقع المستهدف كان يمثل عقدة القيادة والسيطرة لتحركات قوات العدوان في باب المندب وذُباب ومحيط العُمري، ما يجعل تدميره ضربة مباشرة لعقل العمليات، لا لأطرافها فقط.
من هنا، اكتسبت العملية طابعًا استراتيجيًا واضحًا، وأكدت أن اليمن لم يعد يضرب تجمعات ثانوية، بل مراكز القرار الميداني نفسه.
خسائر القيادة قبل العتاد.. ضربة في الرأس لا في الأطراف
أسفرت الضربة عن خسائر بشرية وعسكرية جسيمة، شكّلت صدمة داخل معسكر العدوان.
وبحسب مصادر مطلعة، وما أقرّت به تقارير إعلامية عربية ودولية آنذاك، قُتل في العملية عدد من أبرز قادة العدوان، في مقدمتهم قائد القوات السعودية في اليمن العقيد الركن عبدالله بن محمد السهيان، وقائد وحدات الجيش الإماراتي العاملة ضمن التحالف سلطان محمد علي الكتبي، إلى جانب ضباط أجانب ومرتزقة، بينهم عناصر من شركة “بلاك ووتر” الأمريكية.
لم تقتصر الخسائر على القيادات، بل شملت تدمير ثلاث طائرات أباتشي، وأكثر من أربعين آلية عسكرية، وعددًا من العربات والمصفحات المدرعة، بينها آليات متطورة تابعة لشركة “بلاك ووتر”.
وتشير التقديرات إلى سقوط ما بين 160 و180 قتيلًا، غالبيتهم من المرتزقة المحليين والأجانب، فيما تؤكد معطيات لاحقة أن ما أُعلن رسميًا لا يمثل سوى جزء من حجم الخسائر الفعلية، في ظل وجود قيادات إضافية لم يُكشف عن مصيرها.
تعدد الجنسيات.. سقوط رواية “التحالف العربي”
كشفت ضربة “توشكا باب المندب” زيف السردية التي حاول العدوان تسويقها عن “تحالف عربي لدعم الشرعية”.
فقد أظهرت طبيعة الموقع المستهدف، وقوائم القتلى، وتعدد الجنسيات الموجودة في غرفة عمليات واحدة، أن الحرب على اليمن كانت مشروعًا دوليًا تقوده الولايات المتحدة، ويشارك فيه الكيان الصهيوني من خلف الستار، إلى جانب السعودية والإمارات، ومرتزقة دوليين، وتنظيمات تكفيرية، وأدوات محلية.
في ذلك الخندق، امتزج الدم الأمريكي بالسعودي والإماراتي، ودم مرتزقة بلاك ووتر بدم التكفيريين، لأن الجميع كان يتحرك ضمن مشروع واحد واتجاه واحد.
هذا الامتزاج لم يكن استثناءً، بل القاعدة الحقيقية لطبيعة العدوان، التي جمعت كل أدوات الحرب غير النظيفة في نقطة واحدة، فجاء الرد اليمني بحجم المشروع ذاته.
الصدمة الإعلامية والسياسية.. فشل التكتم وانكشاف المستور
أحدثت الضربة ارتباكًا واسعًا داخل غرف القرار في الرياض وأبوظبي، ووضعت التحالف أمام مأزق إعلامي وسياسي غير مسبوق.
فشلت محاولات التكتم، واضطر إعلام العدوان، تحت ضغط الوقائع وتسريبات الميدان، إلى الاعتراف بجزء من الخسائر.
وتصدّر خبر العملية عناوين وكالات عالمية كبرى، من بينها “رويترز” ووكالة الصحافة الفرنسية و”سي إن إن” و”بي بي سي”، التي وصفت الهجوم بأنه واحد من أكثر الهجمات دموية التي تعرّضت لها قوات التحالف منذ بدء العدوان على اليمن.
هذا الاعتراف الدولي، وإن جاء بصيغة مقتضبة، شكّل ضربة إضافية للتحالف، لأنه أكد أن ما جرى لم يكن حادثًا محدودًا، بل تحولًا نوعيًا في ميزان القوة.
كما كشف عجز الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عن احتواء تداعيات الضربة أو تقديم غطاء سياسي وإعلامي كافٍ لحلفائهما.
التداعيات المعنوية.. جرح لم يندمل
انعكست ضربة “توشكا باب المندب” بوضوح على معنويات قوات العدوان، وخلقت حالة من القلق الدائم في صفوفه، خصوصًا في المواقع المتقدمة والحساسة.
ولم يكن مستغربًا، في هذا السياق، أن تلجأ الإمارات لاحقًا إلى استحداث ما يسمى “يوم الشهيد”، في محاولة لترميم جرح عسكري ومعنوي عميق خلّفته تلك الضربة، ولإعادة إنتاج رواية داخلية تخفف من وقع الهزيمة.
في المقابل، عززت العملية من ثقة اليمنيين بقدرتهم على الصمود والمبادرة، ورسّخت قناعة بأن كلفة العدوان يمكن أن تكون باهظة على الغزاة، مهما بلغ حجم تفوقهم التسليحي والدعم الدولي الذي يحظون به.
توشكا كآية تحول.. من الرد المحدود إلى الردع المفتوح
رمزيًا واستراتيجيًا، شكّل “توشكا باب المندب” نقطة انطلاق لمسار جديد في تطوير القدرات العسكرية اليمنية.
لم يعد الصاروخ مجرد سلاح، بل أصبح عنوانًا لمرحلة كاملة من الردع، مهّدت للكشف لاحقًا عن صواريخ معدلة محليًا، مثل “قاهر1”، وصولًا إلى مراحل أكثر تقدمًا نقلت المواجهة إلى عمق دول تحالف العدوان، وما بعدها.
أثبتت هذه الضربة، وما تلاها، أن ما كان يراهن عليه العدو من “محدودية القدرات” لم يكن سوى أوهام، وأن اليمن قادر، بإمكاناته الذاتية وإرادته الصلبة، على فرض معادلات جديدة، وكسر الخطوط الحمراء التي حاول التحالف رسمها.
ختاماً.. ذكرى مفتوحة ومسار مستمر
بعد عشر سنوات، لا تزال ضربة “توشكا باب المندب” حاضرة بقوة في الذاكرة الوطنية، وفي حسابات العدو على حد سواء.
لم تكن مجرد ضربة صاروخية ناجحة، بل صفعة استراتيجية كشفت حقيقة من اجتمعوا في خندق واحد لمشروع واحد، وأسقطت وهم التفوق والحصانة.
ومع استمرار الصمود وتطور القدرات، تؤكد هذه الذكرى أن اليمن لم يغلق صفحة الرد، وأن مسار التحولات التي أذن الله بها ماضٍ دون توقف، مهما تبدلت الوجوه أو تعددت التحالفات.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: لم یکن
إقرأ أيضاً:
في حضرة الجبال.. كيف تحولت متسلقة مغربية إلى أسطورة عالمية؟
وفي حلقة جديدة من بودكاست "مغارب"، الذي يقدمه محمد الرماش، فتحت بشرى دفاتر تجربتها الشخصية، كاشفة عن رحلة بدأت كهواية بسيطة في الطبيعة، قبل أن تتحول إلى مشروع حياة قادها إلى أعلى قمم العالم، وفي مقدمتها قمة إفرست في الهيمالايا.
ولدت بشرى بيبانو في مدينة الرباط، بعيدا عن الجبال، في بيئة عائلية لا علاقة لها بالرياضة أو المغامرة، غير أن المخيمات الصيفية ورحلات المشي في الطبيعة أيقظت لديها شغفا مبكرا بالاكتشاف والارتحال.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الطريق إلى إيفرست بعيون شابين من جنوب لبنانlist 2 of 4جبال تونج إيلي التركية تفتح مدارسها.. تدريبات شاقة لهواة التسلق قبل صعود القممlist 3 of 4سياحة الأماكن الخطرة.. حينما تكون المجازفة غاية السفرlist 4 of 4كيف تحولت البراكين الثائرة من كوارث طبيعية إلى وجهات سياحية؟end of listتنحدر أصول عائلتها من مراكش، القريبة من الأطلس الكبير، وتقول إن "شيئا ما في الجينات" ربطها بالجبال، رغم أنها لم تعش يوما في المناطق الجبلية، ولم يكن في محيطها من يمارس هذا النوع من الرياضات.
أول احتكاك حقيقي لها بالقمم كان مع جبل توبقال، أعلى قمة في شمال أفريقيا، حين قررت تسلقه دون استعداد يذكر، ومن دون مرشد أو معدات احترافية، في زمن لم تكن فيه رياضات الجبال شائعة في المغرب.
وتستعيد المغامرة المغربية تلك التجربة بوصفها لحظة مفصلية، إذ فتحت لها بابا لم تكن تتخيل العبور منه، وتقول إن الإحساس الذي شعرت به عند بلوغ القمة غيّر نظرتها لذاتها، وأقنعها بأن حدود الإنسان أبعد مما يعتقد.
ورغم أنها كانت تمارس بعض الرياضات مثل الجري والكاراتيه، فإن مسارها الأكاديمي بدا بعيدا تماما عن عالم المغامرة، فقد تخرجت مهندسة دولة في الاتصالات، ثم تابعت دراسات عليا في إدارة الأعمال بكندا، قبل أن تعود للعمل في القطاع العمومي بالمغرب.
متنفس شخصيلكن تسلق الجبال ظل حاضرا في حياة بشرى بيبانو كمتنفس شخصي تستغله في العطل لزيارة القرى النائية وتسلق القمم المغربية إلى أن بدأ الحلم يتوسع تدريجيا، متجاوزا حدود الأطلس نحو القمم العالمية.
وبعد سنوات، قررت خوض أول تجربة خارج المغرب بتسلق جبل كليمنجارو، أعلى قمة في أفريقيا، برفقة زوجها، لتكون تلك الخطوة مدخلا لاكتشاف مشروع "القمم السبع"، الذي يضم أعلى قمة في كل قارة.
وتقول بشرى إن فكرة إفرست كانت مخيفة في البداية، لكنها آمنت بمبدأ التدرج، معتبرة أن الجرأة لا تعني التهور، بل الاستعداد الطويل والصبر على التراكم البطيء للتجربة.
في هذا المسار، اصطدمت بعقبة التمويل، إذ توضح أن تسلق الجبال، خاصة القمم التي تفوق 8 آلاف متر، مشروع مكلف ماديا، يشمل رخص التسلق، واللوجيستيك، والمرشدين، والأكسجين، إضافة إلى تكاليف السفر.
وتكشف أن رخصة تسلق إفرست وحدها تصل إلى 15 ألف دولار، في حين قد تتجاوز كلفة الرحلة كاملة 50 ألف دولار، سواء نجح المتسلق في بلوغ القمة أم لا.
ورغم هذه الصعوبات، واصلت بشرى بيبانو رحلتها، متنقلة بين قمم العالم، ومتلقية دروسا قاسية في الفشل والتراجع، أبرزها تجربتها الأولى في قمة أكونكاغوا بأميركا الجنوبية، حيث اضطرت للعودة بسبب العواصف والرياح العاتية.
اللحظة الأصعبتصف المغامرة المغربية تلك اللحظة بأنها الأصعب في مسيرتها، لكنها كانت أيضا الأكثر تأثيرا، إذ أعادت صياغة علاقتها بالفشل، معتبرة إياه تجربة تعليمية لا هزيمة نهائية، ومقدمة ضرورية للنجاح.
بعد تلك التجربة، أعادت بشرى بناء نفسها جسديا وذهنيا، فركزت على تدريبات القوة وحمل الأثقال، وعلى الإعداد النفسي، قبل أن تعود بعد عامين لتنجح في تسلق القمة نفسها.
وتؤكد أن القوة الذهنية لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية، خصوصا في "منطقة الموت" فوق 8 آلاف متر، حيث يقل الأكسجين وتصبح الهلوسة والانهيار الجسدي احتمالا قائما في كل لحظة.
ومن أكثر اللحظات خطورة في مسيرتها، تتذكر بشرى بيبانو حادثة انزلاقها أثناء الهبوط من قمة إفرست في ممر "هيلاري"، بعد أن فقدت الرؤية جزئيا بسبب الأشعة فوق البنفسجية، لكنها نجت بفضل الحبال ورباطة الجأش.
وعندما سُئلت عن الفكرة التي خطرت ببالها في تلك اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، قالت إن أول ما خطر لها هو أنها قد لا تتمكن من رواية قصتها للناس، وهو ما أثار جدلا حول معنى الأمومة والأنانية.
وتشرح المغامِرة أن الإنسان، في تلك اللحظات القصوى، يتجرد من أدواره الاجتماعية، ويعود إلى جوهره الإنساني، الباحث عن الأثر والبصمة، معتبرة أن الإلهام الذي تزرعه في الآخرين هو رسالتها الأعمق.
أثر حفظ القرآنوتربط المتسلقة المغربية بين تسلق الجبال وحفظ القرآن الكريم، الذي أتمته في سن متقدمة، مؤكدة أن التقنيات نفسها من صبر وانضباط وتحديد هدف هي التي قادتها للنجاح في المجالين.
وترى أن الجبال ليست تحديا جسديا فقط، بل تجربة روحية أيضا، تقرب الإنسان من الخالق، وتفتح باب التأمل في عظمة الكون، معتبرة رحلاتها نوعا من العبادة والدعوة الصامتة.
وفي مواجهة الأحكام النمطية عن المرأة المسلمة، تؤكد بشرى أن وجودها في الجبال، بحجابها وهويتها، ساهم في كسر كثير من الصور المسبقة، سواء في الغرب أو في البيئات الجبلية العالمية.
وتختم حديثها بالتأكيد على أن الحكمة في الجبال لا تقل أهمية عن الشجاعة، وأن قرار التراجع أحيانا هو أعلى درجات النضج، لأن الوصول إلى القمة لا يجب أن يكون "بأي ثمن".
وبهذا الوعي، تحولت بشرى بيبانو من مهندسة مغربية إلى رمز عالمي، ومن متسلقة قمم إلى صانعة معنى، تثبت أن الجبال ليست حكرا على أحد، وأن الطريق إلى الأسطورة يبدأ بخطوة شجاعة نحو الذات.
Published On 13/12/202513/12/2025|آخر تحديث: 21:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 21:17 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ
facebooktwitterwhatsappcopylinkحفظ