لماذا لا نكون واقعيين ؟
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
آخر تحديث: 27 نونبر 2023 - 9:30 صبقلم:كامل سلمان أكثر مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والعسكرية وحتى التأريخية سببها هو عدم الواقعية في التصرف والسلوك . وعدم الواقعية يعني شيء واحد هو القصور العقلي لفهم الذات واستيعاب المحيط ، ولكن توارثناها بهذا الشكل وسنحافظ عليها لأننا لا نرقى أن نكون واقعيين ، نظهر أنفسنا امام الناس كأننا أنبياء ولسنا كذلك ، نظهر أنفسنا شجعان ولسنا كذلك ، نظهر أنفسنا اغنياء ولسنا كذلك .
نظهر أنفسنا أتقياء وسعداء ولسنا كذلك ، توارثناها اجتماعياً بهذا الشكل ، وللأسف سنستمر معها لأننا مجتمعات غير مؤهلة أن تكون واقعية ، عدم الواقعية تضع الإنسان بأحراج شديد ، تخيلوا إن احدهم لا يقوى على الوقوف على رجليه لضعفه ومرضه يذهب ليتحدى أحد أبطال الملاكمة ليثبت للناس أنه الأقوى ولم يحسب أنه سينفضح لاحقاً ومن الدقائق الأولى للنزال . ولكن مشكلتنا ليست عند هذا الحد ، بل المشكلة مع سياسينا وقادتنا في جميع دول المنطقة ، حماس تهاجم إسرائيل وهي تعلم أن إسرائيل قادرة أن تمحي حماس ومن خلق حماس . لكنها تفعل ذلك ظناً منها أنها ستغير الواقع و لأن قادتها يريدون ذلك كواحدة من أسرار بقاءهم في اعلى هرم السلطة فعندما يأتيهم الرد العاصف من إسرائيل يتوسلون وقف اطلاق النار أو الهدنة ، المليشيات في العراق تعلن نفسها مقاومة إسلامية ضد أمريكا ولا يريدون القول بأنهم حفنة من العملاء لتنفيذ أوامر إيرانية ، لا يقولون ذلك لأن العمالة للأجنبي خزي وعار لا يستطيعون البوح به ، وإلا هل من المعقول أن يصبح الشيعة الذين عاشوا طوال تأريخهم يبكون بسبب المظلومية ثم فجأة أصبحوا مقاومين أشداء وضد من ؟ ضد من رفع عنهم الظلم . أين كانت مقاومتهم مع من كانوا يشكون مظلوميتهم منه . لا يريدون الاعتراف لأنهم غير واقعيين . . يهرعون إلى عقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية أي على مستوى الرؤساء للرد على أي عدوان غاشم يمس الأمة الإسلامية ، من هي الدول الإسلامية ؟ هي تلك الدول التي تتنازع فيما بينها على مدار الساعة ، أما أن تكون صراعاتها سياسية أو مذهبية أو عسكرية أو من أجل أمتار من الارض أو من أجل المياه ، فلم تجد دولتين إسلاميتين متجاورتين على وفاق ، هؤلاء يريدون أن يتوحدوا ضد عدو غاشم ، ياله من غباء وقصور عقل ، هؤلاء عندما يجتمعون فأنهم في قرارة أنفسهم يحضرون حفلة تنكرية . يطالبون الناس بمقاطعة المنتجات الغربية دعماً للقضية الفلسطينية ، يقاطعون استيراد الألبان والأجبان أما السيارات والكومبيوترات والانترنيت والفيسبوك وأجهزة النقال وما يحتاجونه من معدات وأسلحة فأنها معفية من المقاطعة والعلاقات الدبلوماسية والتجارية والرياضية وغيرها معفية ، بهذه العقلية غير الواقعية يدفعون الناس للمواجهة ، يخادعون الناس ويخدعون أنفسهم لأنهم غير واقعيين . نحن لا نكتفي أن نكون غير واقعيين بل نحارب من يريد ان يكون واقعياً من بيننا ، وقد يكون وجوده بيننا عار لا يحتمل . فيجب أن يفهم الإنسان الواقعي أنه يعيش في المجتمع الخطأ . الواقعية هي قمة الوعي والإدراك وفهم الذات ولا يصل إلى هذه المرحلة إلا من عرف نفسه وأستوعب الحياة بكل أبعادها ، فليس من السهل أن تصبح واقعياً مع هذا الجهل الساري في عقول الناس . الجهالة هي من تقود الحياة عندنا وهي من تقرر مصير شعوبنا . فذلك الواعظ الذي يعتلي المنابر ويحث الناس على القتال ويطالب الناس بالتحمل والصبر الجميل ، هو لا يقاتل ولا يتحمل شغف العيش ولا يصبر دقيقة واحدة على العوز ، وهو من يملىء جيبه بالدولارات و أن لسانه السليط قد قبض الثمن مقدماً ولا يهمه أحوال الناس لأنه لم يعرف معنى الواقعية في حياته ، ولو أراد أن يصبح واقعياً لما أستطاع أن يصعد المنابر . وأخيراً نتساءل هل هناك من بارقة أمل لنصبح في يوم من الأيام واقعيين ؟ الجواب أكيد سيكون لا ، لأن ذلك يعني التخلي عن جميع موروثاتنا الوهمية .
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الخشمان في قراءة سياسية عميقة: في لحظة إعادة ترتيب العالم… هل نعيد ترتيب أنفسنا؟
صراحة نيوز- في مشهد دولي متقلب يتسم بإعادة صياغة غير معلنة لموازين القوة، وانهيار تدريجي للنظام العالمي الذي حكم العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، أطلق النائب الكابتن زهير محمد الخشمان تحذيرًا وطنيًا من الطراز الرفيع، داعيًا إلى مراجعة داخلية شاملة لموقع الأردن في خريطة العالم الجديد، وتقديم مشروع دولة قادر على مراكمة القوة بدل استهلاكها.
في مقاله المعنون “في لحظة إعادة ترتيب العالم… هل نعيد ترتيب أنفسنا؟”، لا يكتفي الخشمان بتوصيف التحولات الجارية، بل يضع إصبعه على الجرح السياسي والاقتصادي الداخلي، محذرًا من أن من لا يسارع إلى التغيير بإرادته، سيُجبر على التأقلم مع قواعد لم يصنعها.
العالم يكتب تاريخه من جديد… بصمت
يرى الخشمان أن ما يجري لا يمكن اعتباره اضطرابًا سياسيًا مؤقتًا، بل هو “تفكيك للنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وإعادة تركيب لنظام جديد يُفرض دون إعلان، ويتشكل خارج جدران الأمم المتحدة أو المؤسسات التقليدية”.
التحول، بحسب المقال، لا يأتي من جبهة واحدة، بل من كل الاتجاهات: من تراجع مركزية القرار في واشنطن، إلى تصاعد دور بكين، مرورًا بحروب بالوكالة وانكشاف هشاشة اقتصادات عظمى، وانتهاءً بتغير جوهري في أدوات النفوذ من الجيوش إلى البيانات، ومن الحدود إلى التشريعات العابرة لها.
الأردن… صوت متزن في زمن الصخب
وفي خضم هذا التغير، يبرز موقع الأردن كاستثناء في منطقة تعاني من التشظي، حيث يؤكد الخشمان أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لم يكن في موقع الانفعال أو المسايرة، بل انتهج سياسة متزنة، “هادئة حينًا، حازمة حينًا، لكنها دائمًا واعية.”
وفي إشادة واضحة بدور الملك، يقول الخشمان: “جلالة الملك، في كل المحافل الدولية، لم يكن فقط من يتحدث باسم الأردن، بل من يمثّل ضمير الإقليم حين يغيب التوازن، وصوت الاعتدال حين ترتفع الضوضاء.”
التحولات الخارجية تتطلب إعادة ترتيب الداخل
لكن هذا الحضور الخارجي، كما يشير الخشمان، لا يمكن الحفاظ عليه دون قاعدة داخلية صلبة. فالمكانة السياسية لا تصمد دون دعم اقتصادي، والقرار المستقل لا يُحمى إلا ببنية وطنية متماسكة، والوزن الإقليمي لا يُحفظ دون جبهة داخلية موحدة.
ويقولها بوضوح: المطلوب اليوم ليس مشروع حكومة، بل مشروع دولة، تتحول فيه الحكومة إلى أداة تنفيذ حقيقية، ويكون فيه البرلمان شريكًا رقابيًا وتشريعيًا فعالًا، ويتحول فيه المواطن من متلقٍ سلبي إلى عنصر منتج وشريك في القرار.
نهاية مرحلة وبداية أخرى… هل نختار أن نكون؟
وفي لحظة تشبه ما قبل التقسيمات الكبرى في التاريخ، يحذر الخشمان من التباطؤ أو الرضى بإدارة الأزمة. ويتساءل: “هل سنبقى نستهلك طاقتنا في إدارة الملفات القديمة؟ أم سنفتح صفحة جديدة عنوانها: مشروع وطني اقتصادي سيادي عصري، يواكب العالم ويتقدم عليه لا يتخلف عنه؟”
إنها لحظة لا تحتمل المجاملة ولا التسويف. ومن لا يشارك في كتابة قواعد العالم الجديد – كما يشير الخشمان – “سيُكتب عليه أن يتعايش مع نتائجه، دون رأي، ولا مكان.”
رسالة سياسية مغلفة بلغة وطنية جامعة
ما بين سطور المقال، يظهر جليًا أن الخشمان لا يسعى انتقاد تقليدي، بل إلى بناء أرضية سياسية جديدة، عنوانها أن الأردن يستحق أكثر من إدارة الملفات… يستحق مشروعًا وطنيًا نابعًا من ذاته، يلتف حول قيادته، ويستثمر في قدراته، ويتجاوز انقساماته، ليكون في قلب الحدث العالمي، لا على هامشه.
وختمه القوي يضع خلاصة الموقف الوطني:
“وبقيادة جلالة الملك، ووعي الدولة، وتكامل حقيقي بين السلطات، وشعب يعرف قدر وطنه… بإمكاننا أن لا نكون ضحية العالم الجديد، بل أحد عناوينه.