منح جائزة البوكر 2023 لرواية الأيرلندي بول لينش “أغنية النبي”
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
نوفمبر 27, 2023آخر تحديث: نوفمبر 27, 2023
المستقلة/- فاز الكاتب الأيرلندي بول لينش بجائزة “بوكر” الأدبية البريطانية العريقة عن روايته “بروفت سونغ” (“أغنية النبي”)، في احتفال أقيم مساء الأحد في لندن.
“بروفيت سونغ” هي خامس رواية لبول لينش الذي رُشّح للمرة الأولى لنيل المكافأة الأدبية العريقة. ويتناول الكتاب قصة قاتمة ومؤلمة لأم في أيرلندا تنحدر نحو نظام استبدادي.
وقال لينش عقب فوزه “لم تكن كتابة هذا العمل سهلة. كان ينتابني شعور بأنّني سأعرّض مسيرتي المهنية للخطر من خلال كتابته، ولكن كان عليّ إنجازه”، مبدياً “سعادة كبيرة بأنّ أيرلندياً يفوز هذه السنة بالجائزة”.
وتُعد جائزة “بوكر” من أبرز المكافآت الأدبية في العالم وتُمنَح لأعمال روائية بالانجليزية، وقد أوصلت إلى الشهرة أسماء لامعة كثيرة في المجال الأدبي، بينهم الفائزون السابقون سلمان رشدي ومارغريت أتوود وهيلاري مانتل.
الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرةولم يُدرج أي من المتأهلين الستة للتصفيات النهائية لهذا العام، وهم أميركيان وأيرلنديان وكندية وكينية، في القائمة المختصرة من قبل، فيما أُدرج اسم واحد منهم فقط في القائمة الطويلة في النسخ السابقة للمسابقة.
ويحصل الفائز على 50 ألف جنيه إسترليني (نحو 63 ألف دولار)، فضلاً عن دفعة معنوية قوية لمسيرته الأدبية. وكان لينش كتب أجزاءً من رواية “بروفيت سونغ” أثناء الحجر الصحي خلال جائحة كوفيد19.
لكنّ الفكرة المقلقة المتمثلة في حظر التجول وانتشار الفيروس كانت طرأت في باله من قبل، على ما أكد خلال مؤتمر صحافي، وقال: “كان من الغريب جداً أن أشهد حدوث ذلك في الواقع”.
وتتناول روايته التغيّرات الجذرية التي تطرأ على حياة إيليش ستاك، وهي أم لأربعة أبناء مقيمة في دبلن خلال مرحلة غير محددة، عندما يختفي زوجها المطلوب من قبل الشرطة السرية الجديدة. ثم تسعى جاهدةً للحفاظ على تماسك عائلتها، في وقت تنحدر بلادها نحو نظام استبدادي.
وبول لينش المولود في ليمريك عام 1977، هو خامس أيرلندي يفوز بجائزة “بوكر”. ويقيم لينش في دبلن ومن بين رواياته “بيوند ذي سي” و”غريس”.
وردا على سؤال في شأن أعمال الشغب التي شهدتها دبلن إثر هجوم بسكين قرب مدرسة، قال لينش إنه شعر “بالذهول”، مشيراً إلى أنّ “هذا النوع من الأجواء حاضر دائماً ولكنّه مستتر”، وشدّد الكاتب على أن العمل “لا يتضمّن أي استشراف” “، لكنّه “يردد أصداء (مع الواقع) للقراء الذين يتعمّقون به”.
وأكدت الروائية الكندية التي ترأست لجنة التحكيم إيسي إدوغيان، أنّ “رواية بروفت سونغ تجسّد المخاوف الاجتماعية والسياسية في عصرنا”، وأشارت إلى أنّ “القراء سيجدونها مؤثرة وحقيقية، وستبقى التحذيرات الواردة فيه في بالهم”.
واختيرت الروايات الست المشاركة في المنافسة النهائية من قائمة طويلة تضم 13 رواية اختيرت من بين 158 عملاً أدبياً منشوراً في المملكة المتحدة أو أيرلندا في الفترة ما بين 1 تشرين الأول/أكتوبر 2022 و30 أيلول/سبتمبر 2023، ضمتها القائمة الأولية.
ومن بين الأعمال التي تنافست أيضاً، الرواية الأولى المؤثرة للكاتبة الكينية شيتنا مارو بعنوان “ويسترن لاين” (“الخط الغربي”)، وهي قصة عن الأسى والعلاقة بين شقيقات تتمحور على فتاة مراهقة تجد معنى لحياتها من خلال رياضة السكواش.
أما رواية “ذي بي ستينغ” (“لدغة النحل”) للمؤلف الأيرلندي بول موراي، فهي ملحمة تراجيدية كوميدية تنظر إلى دور القدر في متاعب إحدى العائلات الإيرلندية.
وتدور أحداث رواية “إي آي سورفايف يو” (“إذا نجوت منك”) للكاتب الأمريكي جوناثان إيسكوفري، حول أفراد عائلة جامايكية وحياتهم الجديدة الفوضوية في ميامي خلال سبعينات القرن العشرين.
وشارك أيضاً في المنافسة المؤلف الأمريكي بول هاردينغ، الذي يروي كتابه “ذي آذر إيدن” (“ذيس آذر إيدن”) المستوحى من أحداث تاريخية، قصة جزيرة أبل، وهو جيب قبالة السواحل الأمريكية يتوافد إليه المهمشون في المجتمع ويختارونه دياراً جديدة لهم، في ظل تضييق متزايد من السلطات.
أما رواية “ستَدي فور أوبيديينس” (“دراسة من أجل الطاعة”) للكندية سارة بيرنشتاين، فتستكشف موضوعي السلطة والشعور بالذنب من خلال قصة امرأة شابة تذهب لتعتني بأخيها الأكبر، وتواجه سلسلة من الأحداث المقلقة.
وفاز بجائزة “بوكر” العام الفائت الكاتب السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا عن روايته “ذي سيفن مونز أوف معالي ألميدا” (“أقمار معالي ألميدا السبعة”). وتستعيد هذه الرواية الماضي الدموي الذي شهدته الجزيرة خلال حربها الأهلية ضمن قالب من الفكاهة السوداء.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: بول لینش
إقرأ أيضاً:
رواية حارة الصوفي.. التأريخ بين قبعة الاستعمار وطربوش الهُوية
في رواية "حارة الصوفي" الصادرة عن دار دون المصرية عام 2024، يقدم الكاتب المصري محمد عبد العال الخطيب (1973) موضوعا تأريخيا شائكا لم يُطرح كثيرا في الرواية العربية، وهو مرحلة ما بعد الثورة المهدية في السودان ووضع السودانيين الذي أُجبروا على الرحيل من السودان والسكن في مصر، وتحديدا في حارة الصوفي، وبذلك يضعنا عنوان العمل قبالة عتبة النص بشكل مباشر.
فعنصر المكان لم يكن مجرد مساحة تحتضن الحدث، بل كان المحرك الأساس له، فحارة الصوفي كانت بؤرة انطلاق وصيحة الديك التي افتتح بها الكاتب روايته لتبدأ قصة "سيرة آخر سلاطين الجنوب" كما يخبرنا العنوان الفرعي للرواية، الذي اكتفى بكلمة "الجنوب" بدلا من "السودان"، إسقاطا مكانيا لوحدانية السودان ومصر.
تطرح الرواية، بدءا من صفحاتها الأولى، قضية التوتر بين المصريين والسودانيين عبر رفض عائلة "قمر" السودانية زواجها بصلاح، أو "سلاطين"، المصري. وبذلك يُسقط الكاتب حقبة سياسية كاملة ظلت عالقة في أذهان السودانيين حتى بعد سنوات من الحرب المصرية، بقيادة بريطانية، على السودان.
هذا التوتر ينتقل لمستويات وشخوص عدة، سواء على الصعيد الاجتماعي، والسياسي، وحتى العاطفي. فنمر السوداني لم ينس ما فعله الدفتردار بجده في السودان، مدفوعا برغبة الانتقام لكل سوداني دُفن عنوة في مقابر الشافعي جوار قاتليهم ليلقي "قنبلته" المزعومة على فندق "شبرد".
إعلانكما أن رغبة "سلاطين" في الانتقام من أحفاد الشافعي، وانتقام عفيفة من قمر، وانتقام الكرداوي من سلاطين، وسلاطين من الكرداوي، لم تكن أقل شراسة، فهي حرب بشرية، ولكل منهم دوافعه، التي لم تكن دائما صائبة.
بعيدا عن صراع الأفراد، أفردت الرواية مساحة غير قليلة عن تأثير الاستعمار البريطاني على الحياة المشتركة بين السودانيين والمصريين، ليس فقط قُبيل وخلال إعلان الحرب العالمية الأولى، بل تعود بنا إلى الوراء لمعالجة الثورة العرابية وتقاطعها مع ثورة المهدي والدور الاستعماري الذي لعبته بريطانيا بتشظي البلدين لضمان سيطرتها على خيرات الشمال والجنوب.
وبالحديث عن شخوص العمل، زخرت الرواية بشخوص حقيقية من التأريخ، كالمهدي وسليمان الحلبي، وأخرى مُتخيَلة كسلاطين وقمر، كذلك تنوعت الشخوص وظيفيا بين النماء والتسطح بشكلٍ دقيق، مما خدم التدفق السلس للأحداث.
واللافت أنه حتى الشخوص غير النامية لعبت دورا جوهريا في دفع الحدث للأمام، كشخصية "عفيفة" التي أججت غيرة سلاطين من الكرداوي، وشخصية "قمر" التي كانت السبب الرئيس في الصراع بين "سلاطين" و"الكرداوي"، وشخصية "خير" الذي كشف حقيقة القلادة لسلاطين.
كانت شخصيتا سلاطين والكرداوي الأكثر نموا في العمل، فشخصية سلاطين تعرضت لكثير من التقلبات وتحديدا بعد معرفة حقيقة أصوله السودانية وأنه ابن المهدي، وليس فقط رجلا مصريا فقيرا يعمل في الوقائع المصرية ويسكن "حارة الصوفي" رفقة والده الترزي.
أما شخصية الكرداوي، وهي شخصية حقيقية، فقد نمت وتغيرت بشكلٍ خاطف ومذهل، فمن طالب علم يود إكمال دراسته في تركيا، إلى شيخ ذي كرامات، فمشارك بعملية اغتيال السلطان… وفي واقع الأمر لم يكن الكرداوي صاحب القرار في أي من الطرق التي قذفته إليها حياته العجيبة.
تُستخدم الرمزية بمهارة في الرواية، ليس فقط على مستوى السرد والحدث، وإنما على الصعيد التأريخي. فثمة قلادة سلاطين التي تحمل صورة مسجد في السودان تجسيدا للهُوية، والنبتة الذهبية التي كانت بوصلة سلاطين لقبر أمه، وورقة "الكوتشينة" الكاشفة لحقيقة أصول سلاطين المهداوية، وحتى كلبة راسيل البريطاني استُعملت كإسقاطٍ أخلاقي على حرية يناضل الاستعمار في منحها حتى لكلابهم، بينما يسرقونها من بشرٍ يحتلون بلدانهم ويستولون على خيراتهم ويقتلون شعوبهم بكل وقاحة.
إعلانمن خلال هذه الرمزيات، يسلط الخطيب الضوء على تأثير الأحداث التأريخية على الأفراد والمجتمعات، ويُظهر كيف أن الاستعمار لم يكن مجرد احتلال للأراضي ونهب للبلاد والعباد، بل كان له تأثير أعمق على الهُويات والثقافات لسنوات طوال سارية حتى اللحظة.
استخدم الكاتب أسلوب التشظي الزمني، أو ما نطلق عليه في النقد الأدبي "السرد غير الخطي"، متنقلا بين أزمنة وشخوص عدة، موزعا السرد والحوار بتوافق انسجم مع الحدث. هذه التقنية خدمت العمل بشكلٍ ممتاز إذ أضافت نوعا من التشويق وعلامات الاستفهام التي بقي بعضها قائما حتى قُبيل نهاية العمل.
اللغة كانت سلسة للغاية تخللتها بعض الأخطاء اللغوية الشائعة كأن يقول الكاتب في الصفحة رقم 37: "أنا من قمت بالرسم"، والصواب " أنا من رسمت"، فاستخدام الفعل "قام" له دلالة غير التي تفيدها الجملة، وغيرها من الأخطاء النحوية التي يمكن أن نتغاضى عنها لقلتها أولا ولثقل العمل، على مستوى اللغة والمضمون، ثانيا.
كما تخللت الرواية بعض المشاكل على صعيد الحبكة وسير الأحداث، فمثلا لم تكن رسالة توفيق صاحب البنسيون الذي نزل فيه الكرداوي لمرسي التُربي مبررة في النص، ولم يكن منطقيا أن تسرد لنا الرواية أن الكرداوي لم يلحق بسفينته المتجهة لتركيا، لأنه لم يملك ثمن ليلة واحدة قبل إبحار السفينة من الإسكندرية في الفندق، لنجده بعد ذلك يسكن في الفندق لأسبوعين ويبتاع ثمن تذكرة أخرى.
كذلك لم تبين الرواية كيف عرف لورانس أن سلاطين يعمل في الوقائع المصرية وهو لم يلتق به إلا مرة واحدة، ولم يدر بينهما أي حديث يخص عمل سلاطين. جميعها هفوات كان على الكاتب أو الدار -في أقل تقدير- اصطيادها قبل نشر هذا الرواية الرائعة والمختلفة شكلا ومضمونا.
إعلانحارة الصوفي رواية تطرح، وتؤرخ، وتعالج مرحلة دقيقة من التأريخ المصري السوداني، تصرخ في وجوهنا لعلنا نتعلم من أخطاء أسلافنا ونُعلم أخلافنا.