غزة- لم يقتصر العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، على قتل المدنيين، وتدمير المنازل والبنية التحتية، بل تعدى ذلك إلى استهداف المعالم التاريخية والثقافية والعلمية، بالإضافة للرموز السيادية الفلسطينية.

وأظهرت مشاهد خاصة حصلت عليها الجزيرة نت، صور دمار واسع تعرضت له مساجد ومبانٍ تاريخية ومؤسسات تعليمية وثقافية ومواقع "سيادية".

ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى من هذا الاستهداف إلى "كي الوعي الثقافي" للشعب الفلسطيني، وقطع الصلة بينه وبين تراثه وتاريخه، ومحاولة توجيه "إهانة" لنضال الشعب الفلسطيني الطويل.

وتطرق الناطق الرسمي باسم بلدية غزة حسني مهنا، في حديث للجزيرة نت، لأهم المواقع التي استهدفتها آلة الحرب الإسرائيلية. وقال إن "إسرائيل تتعمد استهداف المعالم التاريخية والرموز الخاصة بالشعب الفلسطيني بغرض استكمال مسلسل جرائمها ضد الأطفال والمدنيين والمرافق المدنية".

الجندي المجهول

وأوضح مهنا أن الاحتلال دمر كليا النصب التذكاري للجندي المجهول والحديقة الخاصة به، حيث تم تجريفها بالكامل. وهي تُعد "من أهم معالم قطاع غزة، وذات مكانة كبيرة، حيث ترمز لنضال الشعب الفلسطيني".

وبني النصب -بحسب مهنا- عام 1956 إبان الإدارة المصرية لقطاع غزة، تجسيدا "لتضحيات الشعبين الفلسطيني والمصري ودفاعهما عن الحقوق الوطنية وعزة وكرامة الشعبين".

ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي النصب مع احتلاله لقطاع غزة عام 1967، وأعادت السلطة الفلسطينية إعماره عام 2000.

تدمير النصب التذكاري للجندي المجهول وتجريف الحديقة المحيطة بالكامل (الجزيرة) أرشيف مركزي

وأظهرت مشاهد خاصة حصلت عليها الجزيرة نت، صور الدمار الواسع والإتلاف الكبير الذي تعرضت له الوثائق التاريخية في مبنى الأرشيف المركزي بمقر بلدية غزة، وهو ما أدى إلى إعدام آلاف الوثائق التاريخية التي توثق مباني المدينة ومراحل تطورها العمراني.

وتحدث رئيس بلدية غزة الدكتور يحيى السراج، بحزن وبغضب شديدين، بسبب الاستهداف المباشر للمبنى، الذي أدى إلى إعدام وثائق لها قيمة تاريخية، وتوثيق الحياة بمدينة غزة لما يزيد عن 50 عاما.


مركز رشاد الشوا

ودمر جيش الاحتلال مركز رشاد الشوا الثقافي، الذي يُعد من أعرق وأهم مباني قطاع غزة، ويتميز بطرازه المعماري الخرساني، ويقع غرب المدينة التي تعرضت للاجتياح من قبل جيش الاحتلال.

وقال مهنا في حديثه للجزيرة نت إن "المركز يحمل اسم رئيس بلدية غزة السابق، رشاد الشوا، إبان سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي".

وبُني المركز في العام 1985، وافتتح في العام 1988، ويضم "مكتبة ديانا تماري صباغ"، التي تعتبر من أهم المعالم والمكتبات في المدينة.

وشهد المبنى فعاليات مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية منها استضافته لجلسات المجلسين الوطني والتشريعي، وزيارات لرؤساء دول منهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 1998 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وشخصيات عالمية ودولية عديدة.

وصمم المركز المهندس السوري سعد محفل، ويتكون من 3 طوابق بسقف مثلث، ورُشّح المبنى في عام 1992 للحصول على "جائزة الآغا خان" للإبداع في الهندسة المعمارية.

المجلس التشريعي

ومن المقرات التي تفاخر جيش الاحتلال بتدميرها، مقر المجلس التشريعي الفلسطيني يوم 15 نوفمبر/شرين الثاني الجاري. وهو من المباني القديمة في غزة، وذات المكانة الخاصة حيث أنشئ في عام 1958، بقرار من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وتقول اللوحة التعريفية للمبنى "في عهد فخامة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، أناب سيادته السيد أنور السادات لافتتاح أول مجلس تشريعي لقطاع غزة، في يوم السبت 15 مارس 1958″. وعقب انتخاب أول مجلس تشريعي للسلطة الفلسطينية عام 1996، تم اتخاذ ذات المبنى مقرا له.

منتزه ومكتبة البلدية

وتطرق مهنا إلى تدمير الاحتلال الإسرائيلي على نحو متعمد لمبنى المكتبة العامة التابع للبلدية بشارع الوحدة، وإعدام الوثائق والكتب التاريخية في مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية.

كما ذكر أن الاحتلال استهدف متنزه البلدية الرئيسي، الذي بُني في عهد رئيس البلدية الراحل فهمي الحسيني (1928-1938)، ومركز "إسعاد الطفولة"، المخصص للأطفال.


مساجد وكنائس

ودمّر الاحتلال، وفقا لرئيس البلدية، مئذنة المسجد العمري الكبير، في البلدة القديمة بغزة الذي يعود بناؤه إلى نحو 1400 عام، حيث كان معبدا كنعانيا ثم كنيسة قبل أن يتحول إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي، وحمل اسمه تكريما للخليفة عمر بن الخطاب.

كما استهدف الاحتلال كنيسة القديس برفيريوس العريقة، التي تعد أقدم كنيسة في غزة ويعود بناؤها إلى عام 407 ميلادية، وهو ما أسفر عن مقتل 18 من المسيحيين الذين اتخذوها ملجأ لهم، وإلحاق أضرار في بعض مبانيها.

وكشف مهنا عن أن الاحتلال دمر منزلين أثريين، هما "السقا" و"ترزي"، اللذين يرجع بناؤهما إلى نحو 400 عام، بالإضافة إلى دائرة المخطوطات في وزارة الأوقاف التي تضم لوحات حجرية وبعض المخطوطات التاريخية.

ولم يسلم المستشفى الأهلي العربي، المعروف باسم "المعمداني"، من القصف الذي أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 400 شخص، وتضرر مبانيه.

وأسست المستشفى جمعية الكنيسة الإرسالية التابعة لكنيسة إنجلترا في عام 1882، وأعيد بناؤها عام 1950.


"كي الوعي"

يرى أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة البروفيسور مروان جرار، أن الهدف الإسرائيلي من العدوان على المعالم التاريخية والسيادية في غزة، هو "كي الوعي الفلسطيني".

وقال جرار للجزيرة نت "ما يجري هو محاولة لكي الوعي الفلسطيني، وجزء من إستراتيجية تهويد المنطقة، من خلال قطع الصلة بين السكان وتاريخهم وتراثهم، إسرائيل تسعى إلى ضرب الشعور الوطني والقومي والتاريخي والديني المرتبط بالمكان".

ومضى موضحا أن "الاحتلال يريد مسح المكان حتى تنقطع الصلة التاريخية والمعنوية به، ومن ثم ينتهي التواصل الفكري والحضاري والثقافي تدريجيا، وهو جزء من عملية التهويد".

وحول استهداف النصب التذكاري للجندي المجهول، لفت جرار إلى أن إسرائيل تريد "إبادة كل ما يذكّر بالحالة النضالية والسيادية الفلسطينية التي كانت موجودة في غزة عبر فترات تاريخية".

ويضيف "حينما يضربون نصب الجندي المجهول، يعتقدون أنهم يضربون ما يرمز له، وهو النكبة ونضال الشعب الفلسطيني، ويعتقدون أنهم يمسحون أيقونات مرتبطة بالوعي الفلسطيني، ويبيدون حالة نضالية معينة، وكل هذا يصب باتجاه هدف محو الذاكرة الفلسطينية".

وضرب مثلا لتبسيط ما ذهب إليه، وقال "حينما يكون لجدي المتوفى قبر أزوره باستمرار، فهذا يجعلني مرتبطا بفترات تاريخية معينة لها علاقة بجدي، ولكن حينما يتم إزالة القبر وإنشاء مبنى بدلا منه، فإن ارتباطي بالمكان يتراجع وارتباطي بالزمان يتراجع أيضا، وهذا الإجراء يسعى كما ذكرت لكي الوعي الفلسطيني وتثبيت واقع جديد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المعالم التاریخیة الوعی الفلسطینی جیش الاحتلال بلدیة غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر

غزة- اغتال رصاص الغدر -مساء أمس الأحد- صوتا من أصوات الحقيقة في غزة، فقد استشهد الصحفي والناشط البارز صالح الجعفراوي خلال تغطيته آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة، فبينما كان يوثق بكاميرته مشاهد الخراب في شارع 8، باغته عملاء متعاونون مع الاحتلال وأطلقوا عليه النار مباشرة، فأردوه شهيدا على الفور.

كان صالح (27 عاما) قد نذر نفسه لنقل معاناة شعبه منذ بدء العدوان على القطاع، ورفض مغادرته رغم التهديدات المتكررة بحقه، والتحريض الإسرائيلي المستمر ضده، خاصة من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.

ولم تثنه المخاطر عن أداء رسالته الإعلامية، بل زادته إصرارا على أن يكون في الصفوف الأمامية، يوثق وينشر ويكشف.

تفاصيل استشهاد الصحفي #صالح_الجعفراوي#المسائية #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/GQl0tCftBp

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 12, 2025

صوت الناس

تقول ابنة عمه الصحفية صبا الجعفراوي للجزيرة نت إن "صالح لم يكن مجرد صحفي، كان صوت الناس، ومرآة وجعهم، بالأمس فقط كان يصوّر آثار القصف قرب منزله، وكأنه يشعر أن مهمته لم تكتمل بعد"، وتضيف "كان يذهب إلى أخطر الأماكن فور القصف يلقي بنفسه داخل النار، فقط ليُظهر للعالم ما يحدث في غزة".

وتكمل "عرف عنه منذ صغره الشجاعة والإقدام، لم يكن يخاف الموت ولم يرضَ يوما بالحياد، كان يقول دائما إن الصورة قد تكون أقوى من الرصاص، وإن العالم يحتاج لمن يصور الحقيقة كما هي بلا تزييف".

درس صالح -وفقا لها- الصحافة والإعلام في الجامعة الاسلامية بغزة وحصل على درجة البكالوريوس، وهو أيضا حافظ للقرآن كاملا مما ساعده في أن تكون لغته العربية قوية.

وتضيف الجعفراوي "قبل أن يصبح معروفا، تنبأت له بأنه سيصبح صحفيا مشهورا لأنه كان يحمل صفات الإعلامي المميز، كان ينشر جرائم الاحتلال ومعاناة الناس على منصاته على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن للأسف كانت شركة ميتا تغلقهم بشكل دائم حتى تمنعه من إيصال الحقيقة للناس".

إعلان

وذكرت أن الاحتلال كان دائم التحريض ضده، وخاصة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.

#شاهد| آخر ما نشره الصحفي صالح الجعفراوي، قبيل إعدامه غدرًا برصاص عصابة خارجة عن القانون، جنوب بمدينة غزة. pic.twitter.com/ikCmve35ab

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) October 12, 2025

وجه إنساني

إلى جانب عمله الصحفي، برز الشهيد صالح الجعفراوي كوجه إنساني نشط في العمل الخيري، وشارك في عشرات المبادرات لمساعدة النازحين والمكلومين.

وكان من أهم من ساهموا في توزيع المساعدات خلال الحرب، كما شارك في حملة ضخمة لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة، تمكنت من جمع 10 ملايين دولار في وقت قياسي، وكان له دور بارز في عيد الأضحى الأخير، حين ساهم في تقديم أكبر عدد من الأضاحي على مستوى القطاع رغم ظروف الحرب والحصار.

يقول صديقه الصحفي أيمن الهسي مراسل قناة الجزيرة مباشر "صالح لم يكن مجرد إعلامي، بل كان مؤسسة إعلامية تمشي على الأرض، غطى مجازر الاحتلال كما حدث في مدرسة الجرجاوي، وحين رأى الأطفال يحترقون أحياء، أجهش بالبكاء، وترك الكاميرا ليشارك في انتشال الشهداء، لم يكن محايدا في وجه القتل، بل كان إنسانا أولا، وإعلاميا يرفض التواطؤ".

ويضيف الهسي "رفض صالح مغادرة غزة وبقي فيها رغم خطر الموت الذي يتهدده، وسبق أن حصل على الكثير من العروض حتى يخرج لكنه رفض وكان صوته هو صوت الشعب".

شجاع وموهوب

لم يكن الشهيد الجعفراوي إعلاميا فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن ومنشدا موهوبا ورث صوته الجميل عن والده، وخلال الحرب، اعتاد أن يرفع المعنويات بأناشيده وآخرها كانت أغنيته الشعبية "قوية يا غزة"، التي بث فيها رسالة صمود وعزة وسط الركام.

عرفه الناس أول مرة في مسيرات العودة عام 2018، حين برز كإعلامي شاب ميداني يمتلك حسا صحفيا عاليا وقدرة على الوصول إلى قلب الحدث، وغطى الأحداث من الخطوط الأمامية، وأُصيب أكثر من مرة، لكنه واصل المسير.

وحول هذا يقول الصحفي وائل أبو محسن "منذ 2018 علمنا أن صالح سيكون له شأن، شجاعته كانت تفوق سنه، كان مميزا في تغطية مسيرات العودة، وكذلك في تغطية هذه الحرب، وجمع أكثر من 10 ملايين متابع على إنستغرام، وصل إلى العالمية، وأوصل صورة غزة كما لم يفعل أحد".

وعقب وقف إطلاق النار، لم يتوقف الشهيد صالح عن أداء رسالته، فخرج لتوثيق ما خلفه الاحتلال في القطاع وكأن الرسالة لم تنتهِ بعد، وبينما كان يصور في تل الهوى، باغته رصاص الغدر في صدره، ليرتقي شهيدا، تاركا خلفه كاميرته وصوته ودموع شعب كامل فقد أحد أبنائه الأوفياء.

مقالات مشابهة

  • يوم المخاطر.. إبادة غزة ترفع الطوارئ في إيطاليا قبل مواجهة إسرائيل
  • معاريف: إسرائيل ترفض مشاركة تركيا بـالقوة الإقليمية التي ستدخل غزة
  • عضو الكنيست : ” حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل”
  • غضب عالمي من «خديعة» تذاكر «مونديال 2026»!
  • هاشم: الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها وصلت
  • مؤسسة غزة صفحة سوداء في تاريخ العمل الإنساني تم طيها
  • صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر
  • تاريخ الحصار البحري على غزة
  • لميس الحديدي: مصر الرقم الصعب الذي أحبط مخطط التهجير في معادلة القضية الفلسطينية
  • آلاف النرويجيين يتظاهرون ضد إسرائيل قبل مباراة بتصفيات كأس العالم (شاهد)