دبي: الخليج

تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تبني الممارسات المجتمعية التقليدية المرتبطة بالهوية التراثية والثقافية، ويعد رعي الثروة الحيوانية إحدى هذه الممارسات التقليدية التي اعتمد عليها الإنسان الإماراتي قديماً في معيشته وما زال يحافظ عليها ويمارسها لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فالحفاظ على الرعي والمراعي الطبيعية عبر اتخاذ مجموعة من التدابير مثل موسمية الرعي وإجراءات ترخيص ممارسته وفق شروط وضوابط محددة، سينعكس بشكل إيجابي وملموس على حماية الغطاء النباتي بشتى أنواعه وأشكاله والحفاظ على الموائل الطبيعية والتنوع البيولوجي البري، إضافة إلى استدامة ممارسة المجتمع المحلي للرعي بشكل بيئي وموزون.

وتسهم هذه التدابير في إتاحة الفرصة للمراعي والموائل البرية للتعافي والتجدد الطبيعي من خلال تمكينها من بلوغ مراحل النمو الكامل، الأمر الذي يتيح لها طرح البذور في التربة وضمان استكمال دورة الحياة لها في المواسم اللاحقة، كما تسهم هذه التدابير في حماية البيئة الصحراوية من الضغوط الناجمة عن الرعي ‏الجائر وتأثيره في الغطاء النباتي الصحراوي والنباتات المحلية وما ينتج عنه من زيادة تعرية التربة وانجرافها، إضافة إلى الآثار السلبية التي قد تُؤثر في استدامة الثروة الحيوانية بشتى أنواعها وانخفاض أعدادها وبخاصة تلك الأنواع الحيوانية التي تعتمد بشكل رئيسي في غذائها وحياتها على المراعي الطبيعية، وظهور علامات التصحر.

من هنا، يبرز محور «حماية البيئة»، ضمن حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» المنعقد حتى 12 ديسمبر الجاري في مدينة إكسبو دبي، قصص النجاح الوطنية في مجال حماية البيئة والمحافظة عليها، وذلك في إطار المبادرات المستدامة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

تراخيص لتنظيم الرعي

بدأت هيئة البيئة- أبوظبي في يوليو 2023 بإصدار تراخيص لمُلاك ومربي الثروة الحيوانية لتنظيم الرعي وجميع الأنشطة المرتبطة به في إمارة أبوظبي، وذلك ضمن إطار الجهود المبذولة لحماية المراعي الطبيعية وضمان تعافي الغطاء النباتي وتعزيز التنوع البيولوجي البري واستدامته.

ويأتي إصدار التراخيص استناداً إلى اللائحة التنفيذية للقانون رقم (11) لسنة 2020 بشأن تنظيم الرعي في إمارة أبوظبي التي أصدرتها الهيئة مؤخراً، بكونها السلطة المختصة بشؤون البيئة بإمارة أبوظبي، حيث تتولى الهيئة تنفيذ هذا القانون الذي يهدف إلى تنظيم نشاطات الرعي، وتعزيز الممارسات التقليدية المستدامة بالتنسيق مع الجهات المعنية بإدارة المحميات والموائل الطبيعية الحرجة والحساسة وذلك وِفق أسس موزونة تضمن حماية النباتات البرية المحلية بكافة أنواعها وأشكالها من الرعي الجائر.

وحددت الهيئة عدداً من الاشتراطات البيئية يجب على المُرخص لهم بالرعي الالتزام بها، ومنها عدم إدخال النباتات أو الحيوانات الدخيلة أو أية مواد ضارة في مناطق الرعي، وعدم قلع أو حرق أو نقل أو قطع أو إتلاف، أو احتطاب أو إزالة أو جمع النباتات الرعوية أو أي جزء منها في مناطق الرعي، وعدم إتلاف أو الإضرار بالتنوع البيولوجي أو التسبب بأي ضرر للبيئة في مناطق الرعي والتقيد بمواسم الرعي المسموح بها، فضلاً عن منع استخدام الدرجات أو السيارات أو أي نوع من المركبات أو الآليات في مناطق الرعي بما يؤثر في الغطاء النباتي.

وتحرص الهيئة على تنفيذ برنامج للتواصل المجتمعي من خلال ندوات ومحاضرات توعوية بشأن المحافظة على المراعي واستدامتها بمشاركة أصحاب العِزب وملاك ومربي الثروة الحيوانية، وذلك لتعزيز وعي الفئات المستهدفة وتعزيز معارفهم وسلوكياتهم في مجال المحافظة على البيئة البرية وتنميتها.

حماية التوازن البيئي

وتولي إمارة الشارقة أهمية خاصة لتنظيم عملية الرعي، وتبذل الإمارة جهوداً كبيراً للحفاظ على التوازن البيئي ومكافحة التصحر والحد من الرعي العشوائي، ولذلك أنشأت المراعي في مختلف مدن ومناطق الإمارة.

ويعد مرعى الشمال في مدينة الذيد، الأكبر من نوعه في إمارة الشارقة، حيث تبلغ مساحته 11 كيلومتراً مربعاً، وقد تم تخصيص عزب لأصحاب الثروة الحيوانية من أهالي منطقتي الزبيدة وسهيلة.

وتمت زراعة النباتات داخل المرعى على مساحة تقدر بـ400.000 متر مربع، وشملت أنواعاً متنوعة من الأشجار المحلية وهي: الثمام والمرخ والطلح والسمر والغاف والسدر والتبلدي.

ويهدف قانون تنظيم المراعي في الشارقة، الذي صدر في عام 2018، إلى الاهتمام بتوفير الغطاء النباتي والتوسع الخضري وإيجاد مراع طبيعية في الإمارة، وتنمية الموارد الرعوية وتنويعها لتسهم في رفع القدرة الإنتاجية للثروة الحيوانية.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات الاستدامة كوب 28 الثروة الحیوانیة الغطاء النباتی

إقرأ أيضاً:

البحوث الإسلامية: حماية البيئة واجب دِيني ومسئوليَّة أخلاقيَّة والتزام حضاري

عقد مجمع البحوث الإسلامية الورشة العِلميَّة الثانية حول التغيُّرات المُناخيَّة بالتعاون مع وكالة الفضاء المصريَّة تحت عنوان: (دَور الاستشعار عن بُعد في رَصْد ملوِّثات البيئة والحدِّ منها ومراقبة التغيُّرات المُناخيَّة)، بحضور الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، حيث ألقى الدكتور حسن خليل، الأمين العام المساعد للثقافة الإسلاميَّة، كلمةً نيابةً عن الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، خلال الجلسة الافتتاحيَّة لورشة العمل التي نظَّمها مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء بالمجمع.

أمين البحوث الإسلامية ومدير مكتبة الإسكندرية يفتتحان جناح الأزهر للكتاب .. صورالبحوث الإسلامية: أزمتنا في الوقوف عند المعرفة الأخلاقية دون ترجمتها إلى واقع

وأكَّد "خليل" في كلمته أنَّ قضيَّة البيئة والتغيُّرات المُناخيَّة أصبحت همًّا إنسانيًّا مشتركًا، يفرض على البشريَّة إعادة النَّظر في منهج تعامُلها مع كوكب الأرض،؛ إذْ لم يُمنح الإنسان مِلكيَّة مطلقة، وإنما أُوكِل إليه حِفظه وصيانته، مشيرًا إلى أن التقدُّم العِلمي في مراقبة الملوِّثات وتحليل التغيُّرات المُناخيَّة وتطوير أدوات الاستشعار عن بُعد، لا يكون ذا أثرٍ حقيقيٍّ ما لم يصاحبه وعيٌ أخلاقيٌّ، ومسئوليَّةٌ إنسانيَّةٌ، وإدراكٌ لقيمة التوازن بين الإنسان والبيئة.

وأوضح أنَّ الإسلام جاء برسالةٍ إصلاحيَّة كونيَّة، تُعلي من قيمة الإنسان، وتُحافظ على كرامته، وتجعله مستخلَفًا في الأرض، آمِرًا بالخير، ناهيًا عن الفساد، لافتًا إلى أنَّ الفساد لا يقتصر على الجانب الأخلاقي أو الاجتماعي؛ وإنَّما يشمل أيضًا كلَّ إخلالٍ بتوازن الكون، أو تهديدٍ لسلامة البيئة؛ مستشهدًا بقوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، مبيِّنًا أنَّ هذه الآية تُحمِّل الإنسان مسئوليَّة ما آلت إليه أوضاع البيئة من خلال سلوكيَّاته الجائرة، ونظرته النفعيَّة الضيِّقة.

وتابع الأمين المساعد للثقافة الإسلاميَّة أنَّ العَلاقة بين الإنسان والبيئة في التصوُّر الإسلامي عَلاقةُ عبادةٍ قبل أن تكون علاقة انتفاع؛ مستشهدًا بحديث النبي: «ما مِن مُسلِم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة»، ليؤكِّد أنَّ كلَّ فعلٍ يحفظ البيئة هو في ذاته عبادةٌ يتقرَّب بها الإنسان إلى ربِّه.

وأشار إلى أن التغيُّر المُناخي يُمثِّل تحديًا بنيويًّا يمسُّ الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي، ويؤثِّر في الأمن الغذائي، ويزيد مِن موجات الجفاف، ويفجِّر النِّزاعات حول الموارد؛ وهو ما يعدُّ اختبارًا حقيقيًّا لضمير الإنسانيَّة وقدرتها على إعادة تصحيح المسار، مشدِّدًا على أنَّ للأديان دَورًا حيويًّا بصفتها مرجعياتٍ أخلاقيَّةً تُشكِّل السلوك، وتهذِّب الرغبة، وتُعيد الإنسان إلى موقعه الطبيعي كأمينٍ على الأرض، لا كمالكٍ متسلطٍ عليها،.

كما أكَّد  أنَّ الأزهر الشريف، من خلال مؤسَّساته العِلميَّة والدعويَّة، وعلى رأسها: مجمع البحوث الإسلاميَّة؛ كان في قلب الجهود الفِكريَّة والدعويَّة الرامية إلى حماية البيئة، ونَشْر ثقافة التوازن والرحمة، وتأكيد أنَّ التنمية لا تُعدُّ تنميةً حقيقيَّةً إذا جاءت على حساب حقوق الأجيال المقبلة في الماء والهواء والحياة بصفة عامة، وأنَّ الأزهر تناول هذه القضايا في مؤتمراته وفتاواه وندواته، ونبَّه إلى خطورة الاستهلاك المُفرِط، وأهميَّة إعادة النظر في أنماط الإنتاج بما يُحقِّق مقاصد الشريعة الإسلاميَّة في حِفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار البيئي.

وأردف أنَّ الحلول التقنيَّة والعِلميَّة -رغم أهميَّتها البالغة- لن تُجدي ما لم تُدعَّم بمنظومةٍ قِيميَّة تردع الجشع، وتُنمِّي الشعور بالمسئوليَّة، وتُحرّك الضمير، وتُربِّي الناس على أن البيئة أمانة عامَّة يجب أن تُحمَى وتُورَّث للأجيال المقبِلة صالحةً سليمة، لافتًا إلى أنَّ هذا هو الدَّور المنتظر من هذه الورشة: أن تكون خطوةً إضافية في بناء هذا الأمل، مِن خلال تعزيز التعاون بين المراكز البحثيَّة، وتبادل الخبرات بين المؤسَّسات، وتأكيد الحاجة إلى خطاب دِيني وعلمي متوازن يُعيد تشكيل العَلاقة بين الإنسان والبيئة، ويُعلي من قيمة المسئوليَّة المشتركة تجاه هذا الكوكب.

وفي ختام كلمته، شدَّد الدكتور حسن خليل على أن الأزهر الشريف -بمنهجه الوسطي وحضوره العالمي- سيظلُّ عَضُدًا لكل جهدٍ شريف يُسهِم في حماية البيئة، وأنَّ العِلم لا يُثمر إلا إذا اقترن بالحكمة، وأنَّ حماية البيئة واجب دِيني، ومسئوليَّة أخلاقيَّة، والتزام حضاري، مضيفًا أنه إذا كانت أدوات الاستشعار عن بُعد قادرةً على كَشْف ما يعتري الأرض من تغيُّرات وأخطار، فإنَّ الاستشعار الحقيقي يبدأ مِن تلك اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أنه جزءٌ من نسيج هذه الطبيعة، ومسئولٌ عنها كما هو مسئول عن نفْسه.

حضر الورشة عدد من الباحثين من مجمع البحوث الإسلامية على رأسهم الدكتور أحمد البر مدير مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء، بالإضافة إلى باحثين من الوكالة المصرية لعلوم الفضاء، والمراكز البحثية المختلفة.

طباعة شارك البحوث الإسلامية التغيرات المناخية المناخ البيئة الحفاظ على البيئة التلوث

مقالات مشابهة

  • ضبط مقيم لإشعاله النار في أراضي الغطاء النباتي في عسير
  • القبض على 8 مقيمين مخالفين لنظام البيئة
  • البحوث الإسلامية: حماية البيئة واجب دِيني ومسئوليَّة أخلاقيَّة والتزام حضاري
  • في اليوم العالمي للأمراض حيوانية المنشأ.. السعودية تعزز حماية الثروة الحيوانية وتبني الممارسات المستدامة
  • ضبط مواطن لإشعاله النار في أراضي الغطاء النباتي بمنطقة حائل
  • ضبط مخالفين لاقتلاع الأشجار وإشعال النار في الغطاء النباتي
  • ضبط 7 مخالفين لنظام البيئة
  • ضبط 29 مخالفا لنظام البيئة بعدة مناطق خلال أسبوع
  • “الغطاء النباتي” و”البيئة” ينظّمان ورشة حول تراخيص الرعي في عرعر
  • البيئة والاقتصاد في مرمى الحرائق... خبراء يحذرون من مخاطر احتراق الغابات