عقد مجمع البحوث الإسلامية الورشة العِلميَّة الثانية حول التغيُّرات المُناخيَّة بالتعاون مع وكالة الفضاء المصريَّة تحت عنوان: (دَور الاستشعار عن بُعد في رَصْد ملوِّثات البيئة والحدِّ منها ومراقبة التغيُّرات المُناخيَّة)، بحضور الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، حيث ألقى الدكتور حسن خليل، الأمين العام المساعد للثقافة الإسلاميَّة، كلمةً نيابةً عن الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، خلال الجلسة الافتتاحيَّة لورشة العمل التي نظَّمها مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء بالمجمع.

أمين البحوث الإسلامية ومدير مكتبة الإسكندرية يفتتحان جناح الأزهر للكتاب .. صورالبحوث الإسلامية: أزمتنا في الوقوف عند المعرفة الأخلاقية دون ترجمتها إلى واقع

وأكَّد "خليل" في كلمته أنَّ قضيَّة البيئة والتغيُّرات المُناخيَّة أصبحت همًّا إنسانيًّا مشتركًا، يفرض على البشريَّة إعادة النَّظر في منهج تعامُلها مع كوكب الأرض،؛ إذْ لم يُمنح الإنسان مِلكيَّة مطلقة، وإنما أُوكِل إليه حِفظه وصيانته، مشيرًا إلى أن التقدُّم العِلمي في مراقبة الملوِّثات وتحليل التغيُّرات المُناخيَّة وتطوير أدوات الاستشعار عن بُعد، لا يكون ذا أثرٍ حقيقيٍّ ما لم يصاحبه وعيٌ أخلاقيٌّ، ومسئوليَّةٌ إنسانيَّةٌ، وإدراكٌ لقيمة التوازن بين الإنسان والبيئة.

وأوضح أنَّ الإسلام جاء برسالةٍ إصلاحيَّة كونيَّة، تُعلي من قيمة الإنسان، وتُحافظ على كرامته، وتجعله مستخلَفًا في الأرض، آمِرًا بالخير، ناهيًا عن الفساد، لافتًا إلى أنَّ الفساد لا يقتصر على الجانب الأخلاقي أو الاجتماعي؛ وإنَّما يشمل أيضًا كلَّ إخلالٍ بتوازن الكون، أو تهديدٍ لسلامة البيئة؛ مستشهدًا بقوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، مبيِّنًا أنَّ هذه الآية تُحمِّل الإنسان مسئوليَّة ما آلت إليه أوضاع البيئة من خلال سلوكيَّاته الجائرة، ونظرته النفعيَّة الضيِّقة.

وتابع الأمين المساعد للثقافة الإسلاميَّة أنَّ العَلاقة بين الإنسان والبيئة في التصوُّر الإسلامي عَلاقةُ عبادةٍ قبل أن تكون علاقة انتفاع؛ مستشهدًا بحديث النبي: «ما مِن مُسلِم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة»، ليؤكِّد أنَّ كلَّ فعلٍ يحفظ البيئة هو في ذاته عبادةٌ يتقرَّب بها الإنسان إلى ربِّه.

وأشار إلى أن التغيُّر المُناخي يُمثِّل تحديًا بنيويًّا يمسُّ الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي، ويؤثِّر في الأمن الغذائي، ويزيد مِن موجات الجفاف، ويفجِّر النِّزاعات حول الموارد؛ وهو ما يعدُّ اختبارًا حقيقيًّا لضمير الإنسانيَّة وقدرتها على إعادة تصحيح المسار، مشدِّدًا على أنَّ للأديان دَورًا حيويًّا بصفتها مرجعياتٍ أخلاقيَّةً تُشكِّل السلوك، وتهذِّب الرغبة، وتُعيد الإنسان إلى موقعه الطبيعي كأمينٍ على الأرض، لا كمالكٍ متسلطٍ عليها،.

كما أكَّد  أنَّ الأزهر الشريف، من خلال مؤسَّساته العِلميَّة والدعويَّة، وعلى رأسها: مجمع البحوث الإسلاميَّة؛ كان في قلب الجهود الفِكريَّة والدعويَّة الرامية إلى حماية البيئة، ونَشْر ثقافة التوازن والرحمة، وتأكيد أنَّ التنمية لا تُعدُّ تنميةً حقيقيَّةً إذا جاءت على حساب حقوق الأجيال المقبلة في الماء والهواء والحياة بصفة عامة، وأنَّ الأزهر تناول هذه القضايا في مؤتمراته وفتاواه وندواته، ونبَّه إلى خطورة الاستهلاك المُفرِط، وأهميَّة إعادة النظر في أنماط الإنتاج بما يُحقِّق مقاصد الشريعة الإسلاميَّة في حِفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار البيئي.

وأردف أنَّ الحلول التقنيَّة والعِلميَّة -رغم أهميَّتها البالغة- لن تُجدي ما لم تُدعَّم بمنظومةٍ قِيميَّة تردع الجشع، وتُنمِّي الشعور بالمسئوليَّة، وتُحرّك الضمير، وتُربِّي الناس على أن البيئة أمانة عامَّة يجب أن تُحمَى وتُورَّث للأجيال المقبِلة صالحةً سليمة، لافتًا إلى أنَّ هذا هو الدَّور المنتظر من هذه الورشة: أن تكون خطوةً إضافية في بناء هذا الأمل، مِن خلال تعزيز التعاون بين المراكز البحثيَّة، وتبادل الخبرات بين المؤسَّسات، وتأكيد الحاجة إلى خطاب دِيني وعلمي متوازن يُعيد تشكيل العَلاقة بين الإنسان والبيئة، ويُعلي من قيمة المسئوليَّة المشتركة تجاه هذا الكوكب.

وفي ختام كلمته، شدَّد الدكتور حسن خليل على أن الأزهر الشريف -بمنهجه الوسطي وحضوره العالمي- سيظلُّ عَضُدًا لكل جهدٍ شريف يُسهِم في حماية البيئة، وأنَّ العِلم لا يُثمر إلا إذا اقترن بالحكمة، وأنَّ حماية البيئة واجب دِيني، ومسئوليَّة أخلاقيَّة، والتزام حضاري، مضيفًا أنه إذا كانت أدوات الاستشعار عن بُعد قادرةً على كَشْف ما يعتري الأرض من تغيُّرات وأخطار، فإنَّ الاستشعار الحقيقي يبدأ مِن تلك اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أنه جزءٌ من نسيج هذه الطبيعة، ومسئولٌ عنها كما هو مسئول عن نفْسه.

حضر الورشة عدد من الباحثين من مجمع البحوث الإسلامية على رأسهم الدكتور أحمد البر مدير مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء، بالإضافة إلى باحثين من الوكالة المصرية لعلوم الفضاء، والمراكز البحثية المختلفة.

طباعة شارك البحوث الإسلامية التغيرات المناخية المناخ البيئة الحفاظ على البيئة التلوث

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البحوث الإسلامية التغيرات المناخية المناخ البيئة الحفاظ على البيئة التلوث البحوث الإسلامیة البحوث الإسلامی حمایة البیئة ة البیئة الع لمی الع لم إلى أن

إقرأ أيضاً:

خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الغزوات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون لم تكن لأغراض التوسع أو الاستيلاء، وإنما كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية وحرية اختيار الإنسان.

وأشار الجندي، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم السبت، إلى أن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء كانت تدور حول حماية حرية الناس، مستشهداً برسالته لعظيم القبط في مصر حيث قال: "أسلم تسلم، وإلا فعليك إثم الأقباط"، موضحاً أن النبي كان يحمل القادة مسؤولية حماية رعاياهم والدفاع عنهم.

وأضاف أن الهجرة إلى الحبشة كانت مثالاً واضحاً على الدفاع عن حرية الدين، حيث هاجر المسلمون ليتمتعوا بحرية اعتقادهم وممارسة شعائرهم دون إكراه، مؤكداً أن حرية الدين تعني اختيار الإنسان ما يراه مناسباً له، وأن الجزاء سيكون أمام الله سبحانه وتعالى.

كيف تكون عبدًا لله وفي نفس الوقت حرً؟.. الشيخ خالد الجندي يوضحالشيخ خالد الجندي يوضح أنواع الحريات في الإسلام .. فيديو

وأكد الجندي أن القرآن الكريم يوضح هذا المعنى في آيات عديدة، مثل قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، و“وما أنت عليهم بوكيل”، مشيراً إلى أن كل النصوص القرآنية تتحدث عن حرية الاختيار والمسؤولية الفردية، وأن أي دين يخضع للإكراه يفقد قيمته.

وأشار الجندي إلى أن الإسلام والقرآن يدعمان كرامة الإنسان وحقه في الاختيار، وأن من تربيه الجماعات المتطرفة على الانبطاح والخضوع والتسليم الأعمى لا يفهم معنى الحرية الإنسانية.

وأضاف الجندي: "الإسلام لا يريد من أحد أن يكون حارساً للشريعة بقدر ما يريد أن يكون حارساً لحرية الإنسان وحقه في الاختيار، وهذا هو جوهر الرسالة النبوية التي تجمع بين العقيدة وكرامة الإنسان".

طباعة شارك الشيخ خالد الجندي الفتوحات الإسلامية الحرية الإنسانية برنامج لعلهم يفقهون

مقالات مشابهة

  • الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • البحوث الإسلامية يستهلّ فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية الـ ١٥ بندوة عن «التغريب»
  • الأزهر يكشف خريطة زكاة المال كما أرستها الشريعة الإسلامية
  • في 15 نقطة .. الأزهر يوضح أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية
  • 5 أيام من الندوات الفكرية.. الأزهر يطلق أسبوعًا دعويًا بجامعة عين شمس
  • البحوث الإسلامية يفتتح فعاليَّات الأسبوع الخامس عشر للدَّعوة الإسلاميَّة.. غدا
  • مجدي أبو زيد يكتب: نقاء البيئة وبناء المجتمع
  • الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية: الأحداث المؤسفة تنذر بخلل قيمي
  • بالتعاون مع نظيرتها الإندونيسية.. وزارة الشؤون الإسلامية تقيم خطبة الجمعة في جامع الأزهر بجاكرتا