إسرائيل وإيران.. لكم الأرض ولنا القضية
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
آخر تحديث: 9 دجنبر 2023 - 9:49 صبقلم:علي الصراف عندما غصّت الغصّة في حلق المسؤولين في المقاومة الفلسطينية، قالوا إن الحرب الراهنة في غزة هي حربهم وإنهم قادرون عليها، وإنهم يشكرون كل مَنْ يمد العون بالمقدار الذي يستطيعه.كان الأمر بمثابة اعتراف أخير، بأنهم لا ينتظرون شيئا من إيران ولا من حزب الله، ولا من ميليشياتها التي “تتناوش” مع الغزاة تناوش الذي يرغب بالمماحكة، لا تناوش الذي يريد الانخراط بالمعركة.
مع ذلك، ما كاد يوم يمر، من أسابيع الحرب الأولى، إلا وأدلى وزير خارجية الولي الفقيه حسين أمير عبداللهيان بتصريح يقول فيه إن “المعركة سوف تتسع”، حتى ساد الاعتقاد بأنها سوف تتسع بعد عشر دقائق. مضت ستة أسابيع حتى الآن، وستمضي ستون مثلها، والحرب لن تتسع.المسألة، هي أن إيران وميليشياتها تريد أن تظهر نفسها وكأنها “على قدم وساق” في الطريق إلى الحرب. بينما تتفرج على مَنْ تسحقهم الدبابات والصواريخ. إسرائيل تحتل الأرض، بتلك الدبابات والصواريخ. وكل ما تسعى له إيران، هو أن تحتل القضية الفلسطينية بالظهور بمظهر المعني الخارجي الوحيد بها، حربا لا سلاما.وعندما تركز جهد المحيط العربي على مسعى تقديم مساعدات الإغاثة والضغط من أجل وقف إطلاق النار، فإن إيران لم تشترك في هذا المسعى، لأنها تريد أن تحافظ على الانطباع المزيف، بأنها تستعد للحرب.حزب الله قدم نفسه على أنه يوجه ضربات “منضبطة” للاحتلال الإسرائيلي في شمال فلسطين ليرد عليه هذا الاحتلال بردود “منضبطة” أيضا وظلت غزة في ذلك الحين تذبح من الوريد إلى الوريد ولكن، من دون أي دلائل. ولا حتى تدريبات أو مناورات عسكرية، تجعل غبار هذا الافتراض عاليا.قبضَ الولي الفقيه ثمن الامتناع عن دخول المعركة، وأطلق سراح لسان وزير خارجيته ليُدلي بالترهات يوما بعد يوم.لا تريد إيران أن تدفع أي ثمن للقضية الفلسطينية. تريد أن تشتريها بالتصريحات وببضعة صواريخ، أكثرها يُخطئ الهدف. والقليل الذي يُصيب الهدف منها، يرفع عقيرة الضجيج.الإعلان عن تشكيل “طلائع طوفان الأقصى”، أراد أن يوحي بأن إيران وحزب الله يقصدان تشكيل ميليشيا فلسطينية مسلحة في لبنان. وفي يوم من الأيام، في المستقبل ما بعد البعيد، سوف تقوم هذه الميليشيات بالهجوم على إسرائيل. هذا هو الافتراض. ولكنه أولا، افتراض رخيص. بمعنى “موت يا حمار…” لما يجيء ذلك المستقبل ما بعد البعيد. وهو ثانيا، خدعة رخيصة. فلبنان الذي “تخلص” من عبء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1982، لن يُعيد إنشاءها من جديد. هذا أصعب على النظام، وعلى المؤسسة السياسية وعلى الأطراف اللبنانية مجتمعة، من هدم بيروت.ما حصل هو أن حزب الله ورث الفراغ الذي تركته المنظمة، وسيكون المرءُ أضحوكة أمام نفسه، لو غالبه الظن بأن هذا الحزب سوف يترك شبرا في جنوب لبنان لهذه “الطلائع”، كان لم يسمح به للمقاومة الوطنية اللبنانية نفسها. الجيش اللبناني نفسه لا يتحرك في جنوب لبنان من دون إذن، فما بالك بميليشيا فلسطينية. الاسترخاص الأهم، الدموي إلى أبعد الحدود، يقول إن حماس التي اختارت أن تخوض الحرب “من دون تشاور مسبق”، سوف تدفع الثمن بنفسها ولوحدها. وحيث إن الحرب لن تنتهي، بحسب التقديرات الإسرائيلية، إلا بالقضاء على حماس، فإن “طلائع طوفان الأقصى” هي التي سترث الفراغ، إنما لتكون منظمة “تتشاور” مسبقا حول ما إذا كانت عناصرها يمكن أن ترفع بنادق صيد، دع عنك “تحرير فلسطين” في المستقبل ما بعد البعيد.هكذا، تشتري إيران القضية الفلسطينية ومستقبلها، بينما تزداد إسرائيل غطرسة وعنفا على الأرض. قدم حزب الله نفسه على أنه يوجه ضربات “منضبطة” للاحتلال الإسرائيلي في شمال فلسطين. ليرد عليه هذا الاحتلال بردود “منضبطة” أيضا. ظلت غزة، في ذلك الحين، تُذبح من الوريد الى الوريد. تشرد نحو مليوني فلسطيني من منازلهم. ثم قتل وجرح ما يصل إلى أكثر من 60 ألف إنسان. تعطلت المستشفيات. وجاع الناس، بل وعطشوا، أكثر مما عطش الحسين في كربلاء، وظل “المنضبطُ” منضبطا. صاحبه قبض الثمن من يزيد بن معاوية، مثلما قبضه الذين تخلوا عن القتال مع الحسين.إيران لا تريد أن تدفع أي ثمن للقضية الفلسطينية. تريد أن تشتريها بالتصريحات وببضعة صواريخ، أكثرها يُخطئ الهدف. والقليل الذي يُصيب الهدف منها، يرفع عقيرة الضجيج، ربما لأنه يريد أن يرث غزة وقضيتها، مثلما ورث الحسين وقضيته. وإنما لكي يلطم عليه وعليها إلى أن يأتي ذلك اليوم ما بعد البعيد.وهم بالأحرى جبناء رعديدون. لا أكثر ولا أقل. باع أمثالهم الحسين بثمن بخس. يومها، تركوه يُذبح من الوريد إلى الوريد مع حفنة من أسرته وأعوانه، وباعوا غزة بثمن بخس. اليوم، تركوها تُذبح من الوريد إلى الوريد مع حفنة مسلحين قالوا “إنه لجهاد، نصرٌ أو استشهاد”.وسيكون استشهادا. وإنما لن يرثه إلا وارثوه الحقيقيون. أطفال غزة أنفسهم. هؤلاء هم من سيخرجون كالعنقاء من الرماد، ليرموا حمم القتال الأخير.ابتلع حزب الله التهديد، بأن تتحول بيروت إلى غزة ثانية، كما وعد يواف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي. لم يرد عليه بالقول: نملك ما يحول تل أبيب إلى غزة ثالثة. وهو يملك هذه القدرة بالفعل. كان يكفي أن يوظفها، كتهديد على الأقل. إذ لم تكن المقاومة الفلسطينية لتطلب أكثر من وقف الحرب. كان ذلك بالنسبة لها نصرا كافيا.لم يكن من الصعب، ولا من المكلف أصلا، أن يقول حزب الله: أوقفوا الحرب الآن. لا تضطرونا إلى دخولها ونحن لا نريد.إلا أنه لم يفعل. إيران وميليشياتها، قبلتْ التصورَ الإسرائيلي بأن الحرب لن تتوقف قبل انهيار سلطة حماس، ولا قبل نزع سلاح غزة، وبقاء القطاع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.قبلت إيران هذا التصور، على أن الحرب بالنسبة لإسرائيل هي حرب “حياة أو موت”، فاختارت التواطؤ بالانضباط لتحيا إسرائيل، وتموت المقاومة في غزة. فترث اللطم على الحسين في “موكب” حسيني للخداع ودموع التماسيح يدعى “طلائع طوفان الأقصى”.سوى أن المقاومة لن تموت. لا في غزة ولا في الضفة الغربية ولا في أراضي 48. طائر العنقاء يظل يُبعث من الرماد ليلقي حمم الجحيم على الغزاة، أقرب مما يتوقع اللطّامون على الحسين.غزة قد تستشهد، ولكن لتولد من جديد. تلك هي طبائع الأمور في هذه الأرض. ذلك هو وعدها، ونصيبها. وقولها هو القول الأخير.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: من الورید حزب الله ترید أن الذی ی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تحرق النازحين نيامًا.. أهوال مجزرة الجرجاوي بغزة (شهادات)
لم يكن النازحون النائمون في مدرسة « فهمي الجرجاوي » بحي الدرج وسط مدينة غزة، يدركون أن حياتهم ستنتهي مُحترقين تحت أسقف الفصول الدراسية التي احتموا بها، بعد أن مزقت صواريخ إسرائيلية سماء غزة، وأشعلت الأرض وما عليها في المدرسة.
هذه الصواريخ المدمرة حولت الفصول الدراسية المستهدفة في الطابق الأرضي بمدرسة الجرجاوي التي تؤوي آلاف النازحين، إلى أفران مغلقة حوصر من فيها أطفال ونساء وشبان وشيوخ بالنار والدخان والموت.
منظر شديد القسوة
مدير الإسعاف والطوارئ شمال غزة، فارس عفانة، يصف المشاهد المروعة والقاسية في مقطع مصور، قائلا: « تفاجئنا باحتراق 3 فصول دراسية تؤوي نازحين، اشتعلت النيران بداخلها وفيها أطفال ونساء نائمين، فاحترقت أجسادهم والتهمتها النيران ».
ويضيف: « أطفال ونساء داخل الصفوف المشتعلة كانوا يصرخون، لم نستطع إنقاذهم بسبب النيران المشتعلة، فالمنظر قاس جدا ولا يمكن وصف ما شاهدناه من شدة بشاعة المنظر ».
وتسببت المجزرة الإسرائيلية بمقتل 30 فلسطينيا على الأقل نقلت جثامينهم إلى مستشفييّ « المعمداني » و »الشفاء » بمدينة غزة، غالبيتها جثث لأطفال ونساء متفحمة، إضافة إلى إصابة أكثر من 60 آخرين بحروق وجروح متفاوتة، وفق عفانة.
ووثق أحد المقاطع المصورة أحد المسعفين يحمل طفلة صغيرة من عائلة الشيخ خليل، أُخرجت من تحت الركام وهي مصابة، وكان يحاول الاستفسار عن أفراد عائلتها قبل أن يتأكدوا من أن والد الطفلة مصاب وهو على قيد الحياة.
« قبر جماعي مشتعل »
تقول الفلسطينية نوال حسن، في أواخر الأربعين من عمرها، تقطن قبالة المدرسة إنهم استيقظوا على صوت الانفجارات المرعبة، وكأن السماء سقطت عليهم.
وتتابع للأناضول أنهم خرجوا ركضا إلى الشرفة لمشاهدة ما حدث، لترى المدرسة تشتعل ودخان أسود كثيف، ونيران تتطاير في الهواء.
وتضيف بصوت مخنوق، ويديها لا تكف عن الارتجاف وهي تشير إلى نوافذ الصفوف المحترقة: « كان هناك أطفالٌ يصرخون، أصواتهم كانت تخرج من داخل الصفوف المشتعلة، لكن النيران كانت أكبر من الجميع ».
وكانت نوال تصرخ من الشرفة، تنادي الجيران، تحاول الاتصال بطواقم الإسعاف والدفاع المدني، وتقول: « رأيت بعيني جثثًا صغيرة مشتعلة ورأينا أجسادًا تتحرك بين النيران، وبعدها سكتت، لم نستطع فعل شيء ».
« كلنا صرخنا، لكن النار أسرع من صوتنا. المدرسة صارت قبر جماعي مشتعل. كيف سيقنعوننا بأن ما حدث ليس جريمة حرب؟ »، تتساءل السيدة الفلسطينية.
جثث تحترق
أما الشاب الناجي يوسف الكسيح، الذي كان متواجدًا في أحد الفصول الدراسية المجاورة، يقول: « كنا نائمين، وفجأة اخترق الصاروخ الأسقف وحدث الانفجار، لحظات والتهمت النيران كل شيء ».
ويتابع بحديثه للأناضول: « الجميع أصبح يصرخ ويحاول الهرب، لكن للأسف من حوصروا داخل النيران، احترقوا ».
وحاول الكسيح مع مجموعة شبان فتح بعض النوافذ الحديدية من الخارج، لكن أحدًا لم يستطع فتحها بسبب نقص المعدات وشدة النيران في الداخل.
ويضيف: « بعد ساعات تمكنت طواقم الدفاع المدني من السيطرة على الحريق، حاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن المشهد كان صعباً ومروعاً، فبقايا الجثامين المحترقة التصقت بالجدران والأرضيات ».
أرضنا ولا نريد إلا العيش بكرامة فوقها
وبين الجدران المحترقة ورائحة الدخان المتصاعد، جلس أبو إبراهيم، رجل خمسيني من الناجين، وقد غطّى التراب وجهه وثيابه وعيناه تلمعان من شدة الغضب.
ويقول بصوت مبحوح: « نحن أصحاب حق، ماذا فعلنا حتى يموت أطفالنا ونساؤنا حرقًا؟! لم نسرق أرضًا، ولم نطرد شعبًا، نحن أصحاب الأرض، ولن نتركها، حتى لو قتلونا جميعًا ».
ورفع يده المرتجفة ويشير إلى الدمار الكبير، ويضيف: « هذا ليس عدلاً، فليرحلوا إلى أمريكا أو إلى أي مكان، هذه أرضنا ولا نريد إلا العيش بكرامة فوقها ».
وفي مستشفى الشفاء، لم تعد ثلاجة الموتى قادرة على احتواء العدد الكبير من الجثامين المتكدسة وتلك المسجّاة على الأرض، بعضها في أكياس بيضاء، وبعضها الآخر مغطى ببطانيات مشبعة برائحة الدخان.
ملامح الأطفال كانت لا تزال واضحة على بعض الوجوه الصغيرة، بينما تحولت جثث أخرى إلى كتلة من السواد يصعب التعرف عليها.
وهمس أحد المسعفين لزميله وهو يشير إلى جثامين الشهداء: « لم نجد مكانًا نضعهم فيه، لذلك أصبحت الأرض عبارة عن ثلاجة موتى مفتوحة ».
ومع إشراقة شمس الصباح، خرجت مواكب التشييع من باحات المستشفى، الواحد تلو الآخر. وحمل الأهالي نعوش أطفالهم ونسائهم وآبائهم، وسط بكاء صامت حينًا، وصراخ موجع حينًا آخر.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 تشن إسرائيل إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي أكثر من 176 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة قتلت كثيرين بينهم أطفال.