تحافظ أرضية بحيرة كروفورد في أونتاريو، كندا، على أحدث ذكريات الأرض بترتيب زمني واضح.

ويهيمن البشر في القصة المحكية داخل رواسبها المغلفة، حيث تعرض بالتفصيل أنشطة مجتمعات الإيروكوا المحلية في أواخر القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، ومن خلال وصول المستعمرين الأوروبيين حتى يومنا هذا.

لهذا السبب، رشح فريق من الخبراء محمية المحيط الحيوي التابعة لليونسكو كموقع يجب أن يمثل بداية عصر الأنثروبوسين (عصر الإنسان الحديث).

وعلى الرغم من أنه لم يتم قبول مصطلح الأنثروبوسين رسميا كوحدة زمنية جيولوجية، إلا أنه يتم تعريفه من خلال التغييرات الواسعة النطاق التي فرضها جنسنا البشري على سطح الكوكب.

وفي عام 2016، اتفقت مجموعة عمل تحت إشراف لجنة فرعية تابعة للجنة الدولية لطبقات الأرض على أن السلوك البشري قد ترك ندوبا عميقة لدرجة أنها ستظل واضحة في المستقبل.

وبعد فترة طويلة من انهيار مبانينا وتجاوز البرية لطرقنا، ستكون هناك سمات جيولوجية ونظائر مشعة وتركيزات كيميائية وتحولات دراماتيكية في سجل الحفريات مما سيدل على وجودنا. وما إذا كانت هذه الانحرافات ستظل واضحة بما يكفي لتبرير وجود حقبة خاصة بها، يظل موضوعا للنقاش المستمر. 

وفي حين أن الإنسان العاقل قد شكل العالم الطبيعي بشكل كبير لآلاف السنين من خلال الصيد والحرق والبناء، إلا أن القليل من الأعلام يمكن أن تكون واضحة ودائمة مثل البطانة الرقيقة من المواد المشعة التي ظهرت في منتصف القرن العشرين.

إقرأ المزيد علماء: الأرض دخلت عصرا جيولوجيا جديدا منذ منتصف القرن الماضي

ويقول أندرو كوندي، رئيس قسم الكيمياء الإشعاعية البيئية بجامعة ساوثهامبتون والعضو في مجموعة عمل الأنثروبوسين (AGW): "إن وجود البلوتونيوم يعطينا مؤشرا صارخا على الوقت الذي أصبحت فيه البشرية قوة مهيمنة بحيث يمكن أن تترك بصمة عالمية فريدة على كوكبنا. في الطبيعة، يوجد البلوتونيوم بكميات ضئيلة فقط. ولكن في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أجريت اختبارات القنبلة الهيدروجينية الأولى، لاحظنا زيادة غير مسبوقة ثم ارتفاعا في مستويات البلوتونيوم في العينات الأساسية من جميع أنحاء العالم. ثم نشهد انخفاضا في البلوتونيوم من منتصف الستينيات فصاعدا عندما دخلت معاهدة حظر التجارب النووية حيز التنفيذ".

كما أن الاتفاق على مقياس بسيط يحدد الحدود بين الفصول في تاريخ الأرض هو الخطوة الأولى فقط. وللتأكد حقا من وجود كل عالم على نفس الصفحة، يجب ربط هذا الإجراء بملاحظات في مكان واحد.

ويُعرف هذا الموقع باسم قسم ونقطة الطبقة الحدودية العالمية، أو السنبلة الذهبية، وهو يوحد الحدود بين العصور ومراحلها، سواء كان ذلك تغيرا مفاجئا في اللون في طبقات الصخور في واد عقرش، المغرب، أو التلاشي المفاجئ للكائنات الدقيقة في منخفض أحفوري بالقرب من ألانو دي بيافي، إيطاليا.

وأمضت AGW السنوات الثلاث الماضية في تقييم صفات عشرات النتوءات الذهبية المحتملة للأنثروبوسين، والعمل من خلال تحديات جائحة عالمية لجمع الأدلة والتعاون بشأن مزايا كل موقع. أخيرا، قلص فريق العمل اختيارهم إلى واحد فقط.

وقالت عالمة الأحياء الدقيقة فرانسين مكارثي من جامعة بروك في كندا، وهي عضوة مصوّتة في AGW: "بحيرة كروفورد خاصة جدا لأنها تتيح لنا أن نرى التغييرات في تاريخ الأرض بدقة سنوية خلال فترتين منفصلتين من التأثير البشري على هذه البحيرة الصغيرة". ولا تختلط مياه البحيرة بسهولة لكونها صغيرة جدا وعميقة. ويذوب الكالسيوم والكربونات من الصخور المجاورة في مياهها ويتحدان في الطقس الدافئ لتكوين بلورات تستقر على الأرض، تحدد كل موسم. 

ويقول سيمون تورنر، سكرتير AGW، عالم الجيولوجيا في جامعة كوليدج لندن: "توفر الرواسب الموجودة في قاع بحيرة كروفورد سجلا رائعا للتغير البيئي الأخير على مدى آلاف السنين الماضية. إن هذه القدرة على تسجيل هذه المعلومات وتخزينها بدقة كأرشيف جيولوجي يمكن مطابقته مع التغيرات البيئية العالمية التاريخية هي التي تجعل مواقع مثل بحيرة كروفورد مهمة للغاية". ولكي يكتسب الأنثروبوسين مكانه في المخطط الزمني الدولي للطبقات الزمنية، يجب أن يمر ارتفاعه الذهبي من خلال تتابع التصويت بتسلسل هرمي من اللجان والنقابات.

فإذا حدث ذلك، فإن المياه العميقة الباردة لبحيرة كروفورد ستحدد رسميا اللحظة التي غيّر فيها البشر كوكبنا إلى الأبد.

المصدر: ساينس ألرت

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا اكتشافات الارض بحوث من خلال

إقرأ أيضاً:

هل كانت روسيا حليفًا متخاذلًا لإيران في اللحظة المفصلية؟

رغم معاهدة الشراكة التي وقعها الطرفان مطلع العام، فإنها لا تتضمن التزامات عسكرية مباشرة. اعلان

بعد اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، والتي استمرت 12 يومًا، كانت الضربات متبادلة على نحو غير مسبوق. بدأت إسرائيل الحملة الجوية بادعاء تحييد البرنامج النووي الإيراني، لكن استهدافها لقيادات بارزة وعلماء نوويين أوحى بأهداف أعمق، ربما تصل إلى حد تغيير النظام، وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمنيا بدعوة الشعب الإيراني للثورة على النظام، وتلويحه بإمكانية اغتيال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

التصعيد بلغ ذروته مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، فشنت فجر 22 حزيران/ يونيو ضربات قوية استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية. إيران ردّت بهجوم على قاعدة العديد الأميركية في قطر، ثم انتهى التصعيد بإعلان وقف إطلاق النار. رغم الخسائر، اعتبرت طهران أنها صمدت وأثبتت قدرتها على الرد، لكن اللافت أن هذه المواجهة كشفت طبيعة تحالفاتها، خصوصًا مع موسكو.

روسيا: شريك صامت في لحظة مفصلية؟

رغم الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران، اكتفت موسكو بإدانة شكلية للهجمات الإسرائيلية، من دون تقديم دعم فعلي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن استعداده للوساطة، دون أن يلوّح بأي تدخل. الكرملين حذّر من محاولة اغتيال خامنئي واعتبرها "غير مقبولة"، لكنه لم يوضح كيف سيرد في حال حدوث ذلك.

حتى تهديد ديمتري ميدفيديف بأن دولاً ثالثة قد تزود طهران بأسلحة نووية بدا بلا تأثير أو تبنٍ رسمي. ووفق قناة "دويتش فيله"، فإن روسيا لم تكن تنوي أصلاً دعم إيران عسكريًا رغم تحالفهاما العميق.

مناورة بحرية مشتركة بين البحرية الروسية والبحرية الإيرانية وبحرية الحرس الثوري الإيراني في المحيط الهندي، الأربعاء 17 فبراير 2021. AP Photo

المواقف الروسية الباردة ليست جديدة. خلال الحرب السورية، سمحت موسكو لإسرائيل بضرب الميليشيات الإيرانية دون تفعيل دفاعاتها الجوية. كذلك، رغم إعلان صفقات لبيع طائرات "سوخوي 35" و"مي-28" لطهران، لم تحصل إيران فعليًا إلا على طائرات تدريب.

وعندما دُمرت أنظمة دفاع جوي إيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، لم تبادر روسيا لتعويضها، ورفض بوتين لاحقًا الإقرار بطلبات دعم جديدة من طهران.

في هذا السياق، تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن إيران طلبت رسميًا من روسيا تزويدها بأنظمة دفاع ومساعدة في ترميم شبكة الطاقة النووية، دون أي تجاوب يُذكر حتى الآن.

Relatedوزير الدفاع الأميركي: تسريب التقرير الاستخباراتي هدفه التشكيك في نجاح الضربة بإيران والنيل من ترامب مستذكرًا تجربة الاتحاد السوفيتي.. وزير بولندي: هكذا يمكن إسقاط حكم فلاديمير بوتينالموساد يشيد بـ"العملية التاريخية" ضد إيران ويشكر الاستخبارات الأميركية

منطق الحسابات الروسية: أين المصلحة؟

رغم معاهدة الشراكة التي وقعها الطرفان مطلع العام، فإنها لا تتضمن التزامات عسكرية مباشرة. ويبدو أن روسيا وجدت في الحرب فرصة لصرف أنظار الغرب عن أوكرانيا.

فقد استغلت انشغال واشنطن وأوروبا، وشنّت هجومًا واسعًا على كييف أسفر عن عشرات القتلى. بحسب "دويتش فيله"، فإن موسكو ترى في هذه الحرب خدمة مجانية لمصالحها في صراعها الأساسي شرق أوروبا.

علاوة على ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 15% نتيجة الأزمة شكّل مكسبًا قصير الأمد لروسيا، التي تسعى إلى التخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عن حربها الطويلة في أوكرانيا.

ووفق تحليل نشرته "ذي أتلانتيك"، فإن موسكو لا تتحمس لفكرة امتلاك إيران لسلاح نووي. إيران بالنسبة لها شريك طموح، وليس تابعًا، وهي تدرك أن تجاوز طهران للعتبة النووية سيجعلها منافسًا إقليميًا لا يمكن تطويعه. كما أن موسكو تحرص على موازنة علاقاتها مع إسرائيل والخليج، ما يجعلها حذرة من دعم عسكري مباشر لطهران قد يستفز هذه الأطراف.

في الوقت نفسه، تراجعت حاجة روسيا إلى طائرات إيران المسيّرة التي اعتمدت عليها في البداية بحربها ضد أوكرانيا، إذ باتت تصنع نماذجها المحلية وتستورد المكونات من مصادر أخرى.

التوازن الصعب

المفارقة أن روسيا تدخلت بقوة لإنقاذ الأسد في سوريا، لكنها لم تُبدِ الرغبة ذاتها تجاه إيران. بوتين عرض اللجوء للأسد بعد سقوطه ولم يتحرك عسكريًا. وسبق أن امتنعت موسكو عن دعم أرمينيا – رغم اتفاق دفاع مشترك – حين تعرضت لهجوم أذري عام 2023، ما دفع يريفان للانفتاح على الغرب.

موسكو ببساطة لا ترى في أي من هذه الساحات اليوم ما يستحق المغامرة. بالنسبة لبوتين، فإن خسارة حليف أقل كلفة من خوض حرب جديدة غير مضمونة، قد تُظهر روسيا بمظهر الضعف بدل أن تعزز نفوذها.

يتّضح أن السياسة الروسية إزاء إيران تقوم على مزيج من البراغماتية والحذر. موسكو لا ترغب بانهيار النظام الإيراني، لكنها لا ترى مصلحة في المغامرة لحمايته، خصوصًا أنه لا يتصرف على أنه تابع بل شريك ندي. في المقابل، فإن توازنات روسيا مع الخليج وإسرائيل وأولوية معركتها في أوكرانيا تجعل دعمها لطهران محدودًا، سياسيًا وعسكريًا.

في نهاية المطاف، لم تكن الحرب اختبارًا للقوة الإيرانية فحسب، بل كانت أيضًا لحظة كاشفة لحدود التضامن الروسي، وأسئلة جوهرية عن قيمة التحالفات.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • مُجسّمات فنية عالمية تُزيّن بحيرة الأربعين وتجسد الهوية البصرية في جدة التاريخية
  • «بعد تدخل ترامب».. حماس تحدد 5 شروط أساسية لقبول وقف إطلاق النار
  • قاعدة العديد في قطر والإنذار الأخير.. خفايا الليلة التي عبرت فيها الصواريخ الإيرانية أجواء الخليج
  • نعيم قاسم: حزب الله لن يظل ساكتاً إلى الأبد
  • «الوطنية للانتخابات» تحدد موعد إعلان الجدول الزمني لانتخابات مجلس الشيوخ
  • عملية القرن.. تقرير أميركي يكشف كيف خططت إسرائيل لاختراق قلب إيران على مدار 10 سنوات
  • النقلة "Move 37": اللحظة التي تجاوزت فيها الذكاء الاصطناعي الحدود البشرية
  • أرقام مثيرة من "زفاف القرن".. تكلفة ضخمة لحفلة مؤسس أمازون
  • اكتشاف أقدم الصخور على وجه الأرض في كندا
  • هل كانت روسيا حليفًا متخاذلًا لإيران في اللحظة المفصلية؟