ربما تكون الكلمة مشتقة من الكلمة الإنجليزية Humbug بمعنى الاحتيال أو الخداع.. وهى أشهر كلمة تعبر عن النصب والاحتيال والفهلوة، والمهبكاتى.. تجده يتحدث كثيرا، وينتقل من موضوع لآخر، وكل ذلك لجذب انتباه الآخرين لأمر ما، حتى يتجاهلوا أمرًا آخر أو أى موضوع ذى أهمية. وتطلق كلمة (المهبكاتى) للتدليل على تلك الشخصية التى تملأ المكان حركة وضجيجا دون فعل حقيقى مجد.
الشخصية المهبكاتية، هو ذلك الشخص الخاوى من الداخل.. هو لا يجيد شيئًا فيه عمق ورؤية، لكنه يحلو له أن يوجد فى المواقف التى توجد فيها أضواء وحركة ونشاط. هو كثير الحركة والهرج والمرج. هو دائمًا يحب الاستعراض ودومًا يميل إلى الكوميديا، يجيد التفاهة وكل شيء يفعله بسرعة بدون تفكير أو تدبر، المهم أن يرضى من حوله وخاصة رئيسه فى العمل، يحب أن يتواجد بشكل دائم حتى ولو لم يدعه أحد. هو يوحى لك بأنه قادر على أن يفعل كذا وكذا، ويقول لك أنا تحت أمرك.. انت معاليك تأشر.. كلام معاليك أوامر.. إحنا خدام معاليك.. وهكذا من الكلمات الجوفاء والنفاقية، مثل تلك الشخصيات أصبحت كثيرة الآن، وللأسف الشديد مثل تلك الشخصيات لديهم القدرة على تحقيق الكثير والكثير من المكاسب والوصول إلى كل شيء بسهولة ويسر وبلا معاناة، فنجده فى كل شيء وفى كل مكان وفى كل مناسبة، وتندهش كيف ذلك، لا تجد إلا أنه (المهبكاتى) بتاع كله.. بتاع الصورة واللقطة. وعندما تنتهى اللقطة والزحمة يختفى المهمبكاتى، لأنه لا يجد نفسه إلا فى الضوضاء والدوشة. والجالس على الكرسى فى أى مؤسسة فى حاجة ماسة لهذا المهبكاتى، فهو يعتمد عليه فى كل شيء، هو القادر على أن يحقق له كل ما يريد، وعندما تجد المهبكاتى فى مكان ما أو عمل ما عليك أن تدرك أن الجالس على الكرسى شخص محدود القدرات، ناهيك عن أنه يتمتع بالجهل وعدم الدراية والإدراك، وتعلم أيضاً أنه وصل إلى الكرسى بطريق الهدايا والذهب والفضة والمجاملات. مثل هذه الأمور ازدادت اليوم بشكل بشع فى داخل المجتمع.. وعليه فإن صور الفساد نجدها تنتشر وتنتشر. هذه الظاهرة للأسف هى التى تؤدى إلى الانهيار.. انهيار كل شيء.. ويسود الكثير من الفساد بكل صوره، وتموت القيم الحقيقية والجادة.. الأمر الغريب أن القيادات تستلطف وتستظرف وتقرب تلك الشخصية المهبكاتية وعليه تجده ملتصقًا بمن يجلس على الكرسى، حتى يفوز بالكثير والكثير من المصالح وتنفيذ كل مآربه بسهولة ويسر. ما المنطلق الذى يسير عليه هؤلاء؟ هو أننا هنا لفترة معينة وعليه ينبغى أن نحقق كذا وكذا، أما مصلحة العمل أو العمل وفق مبادئ وقيم، كل ذلك يذهب للجحيم، وتسمع إحنا فى زمن اللى يقدر يعمل حاجة يعملها.. واللى يقدر يحقق أكبر المكاسب ليفعل. هذا هو المعيار الآن والسائد، لذلك يموت الأمل فى الإصلاح.
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أكاديمية الفنون کل شیء
إقرأ أيضاً:
بين الذات الشخصية ونقد العمل
لا أدري إلى متى ستظل هذه النظرة المحدودة للأمور قائمة لدى البعض؟..أولئك الذين يخلطون بين ما هو شخصي، وما هو عام، فإن انتقدت عملا، فأنت تنتقد صاحب العمل، وإن انتقدت مؤسسة، فأنت تنتقد المسؤول نفسه، وإن انتقدت فكرة، فأنت تنتقد صاحب الفكرة، وهكذا حتى تجد نقسك محاطا بمجموعة من السياجات التي تكبّل رأيك، وتحد من قدرتك على التعاطي مع الأشياء، بل وتسلب حريتك في التصريح برأيك، مما يعني تعطيل جزء مهم من منظومة التفاعل الاجتماعي، وهذا ما يجعل من التطوير في مجالات كثيرة أمرا بالغ الصعوبة، بل قد يكبر هامش الخطأ في قرارات مصيرية يتخذها مسؤول ما، حين يحصر الأمور، في دائرته الخاصة، ويعتبر ما يكتب أو يقال عن مؤسسته هجوما شخصيا، وتجريحا في ذاته.
إن المسؤول الناجح هو ذلك الشخص الذي لديه القدرة على الانصات، وتقبّل الرأي المغاير، بل وعنده الشجاعة الكافية لتصحيح الخطأ، وتغيير المسار، وهو ما يجعل من القرارات المصيرية التي تمس الناس قرارات مبنية على قاعدة واقعية، وصلبة، فالعمل البشري عرضة للخطأ والصواب، ولذلك يكون للملاحظة، وقياس الأداء، والاستماع للرأي العام دور كبير في تفادي المشكلات الناجمة عن القرارات التي تهم شرائح المجتمع باختلافاتها، وتباينها، وتشكلاتها.
وإذا خرج المسؤول من تأطير علاقته بالرأي العام، واتخذ من هذا الرأي قوة مساندة لقراراته، كان للقرار أثر واضح، من حيث تقبّل الشارع له، ومن حيث ديمومته، واستمراريته، وتقليل هامش الخطأ فيه، ولعل أعظم القرارات، وأكثرها أثرا، ذلك القرار الذي يخدم شرائح المجتمع، ويزيد من مساحة الرضى، والسعادة لدى الناس، أما تلك القرارات المكتبية التي لا تنزل إلى أرض الواقع، ولا تعايش الناس، فسوف تُقابل بالسخط، والتذمّر، لأنها غير واقعية، فأمام متخذ القرار عناصر كثيرة يجب المرور عليها قبل اتخاذ قرار يمس المجتمع، وأهمها دراسة الموضوع دراسة ميدانية شاملة، وبفكرة غير مسبقة، وبحيادية، وموضوعية، حتى يستمد القرار قوته من المجتمع، قبل أن يستمدها من قوة القانون.
إن فصل المسؤول ذاته الخاصة عن المنصب أو الكرسي يجعل منه أكثر تقبلا للرأي المختلف، ويجعله يراجع قراراته من نواحي قد لا تكون خطرت بباله أثناء اتخاذ القرار، ولذلك يبقى الرأي الآخر مقبولا ما لم يمس الشخص نفسه، وذلك يعبّر عن حراك مجتمعي، وتفاعل إنسانيّ مهم، كما أنه نوع من «العصف الذهني»، أو التفكير بصوت عالٍ للوصول إلى هدف واحد، وهو النجاح، والذي لا يأتي دون الشراكة مع «تفكير مجتمعي» تقوم على عقلية صلبة، وذات لا تنكسر، كما أن هذا التعاطي الراقي بين أطراف القرار المختلفة، تولّد في النهاية قناعات مشتركة، فإما أنها تعيد النظر في القرار برمته، وإما أن تعدل فيه، وإما أن تثبته، وفي كل الأحوال فإن ذلك يصب في صالح كل الأطراف، فمن ناحية فإن المسؤول يوضح الصورة الملتبسة في أذهان الناس، ويشكّل قناعاتهم، وتقبّلهم للقرار من جديد، وفي نفس الوقت يردم الهوة بين صانع القرار، ومنفذ القرار، ومراقب القرار في مراحله المختلفة.
إن هذه الإشكالية الثنائية بين أطراف القرار للإقناع هي قضية هامة، يجب التعامل معها بوعي، لتجسير العلاقة بين أفراد المجتمع، ولنتعلم كيف نختلف، وكيف نصحح الخطأ، وكيف نقنع الآخر بصواب القرار من خلال حوار تفاعلي لا تتداخل فيه الذات الشخصية للمسؤول، مع العمل ذاته، رغم أن ذلك يحتاج إلى معرفة ناضجة من طارح الرأي بطريفة التوصيل، والوعي بما يطرحه، ويتناوله، حتى لا تتداخل الأشياء، وتتشابك الأمور، وتضيع الحقيقة.