الضاد توهب ذويها فتحا لغويا.. ما الذي تبقى من لسان العرب في بلاد فارس؟
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
ببيت "ملمع" يفتتح الشاعر الإيراني الشهير حافظ الشيرازي ديوانه، حيث نقرأ بيتا بصدر عربي مبين وعجز فارسي أعجمي:
"ألا يا أيها الساقي، أدر كأسا وناولها
كه عشق آسان نمود اول، ولي افتاد مشكلها"
(معنى العجز (الشطر الثاني الفارسي من البيت): فإن الحب بدا سهلا في البدء، بعد ذلك ظهرت صعوباته).
وكان الشعراء في بلاد فارس، يواظبون على "التلميع" في قصائدهم لإظهار قدراتهم اللغوية.
واليوم، لو ركز العربي وتمعن في الفارسية قليلا، سيألفها حتما، وذلك لأنه سوف يستكشف مفرداتها التي حلت ضيفا على لغة جارتها الشرقية ونالت مقعدا ومستقرا عندها.
يرى محمد خاقاني أصفهاني أستاذ قسم اللغة العربية بجامعة أصفهان أن التفاعل بين العربية والفارسية لا بد من وضعه في سياق التنوع اللغوي بالمجتمعات البشرية، مضيفا "كما نعرف أن هناك أكثر من 8 آلاف لغة محكية اليوم في المجتمعات البشرية وهذا تنوع ثقافي ولغوي كبير، ويعتبر هذا التنوع اللغوي، في ثقافتنا القرآنية، آية من آيات الله تستحق التدبر والدراسة المعمقة".
لغتان شقيقتان تاريخياويقول الدكتور خاقاني للجزيرة نت "عندما ندرس العلاقة التاريخية بين اللغتين العربية والفارسية نجد أمرا مثيرا للدهشة، إذ تنتمي الأخيرة إلى فصيلة اللغات الهندو-أوروبية، بيد أن العربية تنتمي إلى اللغات السامية (العاربة) وهاتان الفصيلتان اللغويتان مختلفتان تماما من حيث البنية اللغوية والمستويات اللغوية الأربعة أي المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي"
وتابع خاقاني "في ظل هذا الاختلاف الكبير نرى تفاعلا عجيبا بينهما بحيث قل ما نجد هكذا تفاعل بين لغتين حتى في الفصيلة الواحدة، ويكاد أن يصل هذا التفاعل إلى درجة الإعجاز".
ويضيف أن هذا التفاعل اللغوي بين العربية والفارسية تمتد جذوره إلى ما قبل ظهور الإسلام، منوها بأن خير ما يمثل علاقة العربية بالمفردات اللغوية الفارسية هو العدد الذي لا يستهان به من المفردات الفارسية التي دخلت العربية قبل ظهور الإسلام عن طريق العلاقات التجارية وطريق الحرير الذي كان يمر بشبه الجزيرة العربية.
ويتابع موضحا أن هناك 47 كلمة فارسية موجودة في القرآن الكريم مثل كلمة "فردوس" حيث إنها كلمة ذات أصول فارسية ومعربة عن كلمة "برديس" الفارسية.
ويعتقد خاقاني أن بعد ظهور الإسلام وبزوغ شمس الحضارة الإسلامية الأولى وخاصة في عهدها الذهبي في القرن الرابع الهجري نجد أن هذا التفاعل تزايد في العصر العباسي وتجاوز اللغة ووصل إلى الأدب والثقافة، حيث ينشد ابن الفارض في مطلع خمريته الميمية:
"شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم"
نجد أن هذه اللوحة الجميلة التي فيها تناقض من حيث المحسنات البديعية، أثرت في الشاعر الإيراني سعدي الشيرازي مبرزا ذات التناقض، إذ يقول ما معناه كنت عاشقا وأشعر بالحب الإلهي قبل أن أولد وأخلق في هذا العالم، مما يدل على تفاعل وثيق ووطيد بين اللغتين الأدبين العربي والفارسي، بحسب الأكاديمي الإيراني.
ويعتبر خاقاني أن هذه المفردات ليست مجرد كلمات وألفاظ، بل هي تمثل ثقافة تربط بين الشعبين العربي والفارسي وتأثر في نفوس الناس.
ويشير خاقاني إلى بحث أجراه وقدمه في ماليزيا، توصل فيه إلى أن نسبة حضور العربية في الفارسية تختلف بحسب المراحل الزمنية وبالتأكيد تختلف بحسب المجالات، فمثلا في النصوص القانونية الفارسية تشكل المفردات العربية 90% من النص الفارسي، وذلك لأن الدستور مأخوذ من الفقه الإسلامي وهو باللغة العربية، وفي الحقل الاقتصادي نجد نسبة المفردات العربية 75%، وفي السياسة والثقافة النسبة تصل إلى 50%، والحقل الذي يستخدم المفردات العربية أقل من غيره هو الحقل الأدبي حيث تصل النسبة إلى 20% وذلك لأن الشعراء يهتمون باستخدام لغتهم الأم أكثر من غيرهم.
ويضيف أن نسبة المفردات العربية في الفارسية اليوم 50% تقريبا، وهذه النسبة تم التوصل إليها بعد انتصار الثورة الخمينية في إيران عام 1979، حيث تأسست مؤسسات تهتم بتقليص المفردات الدخيلة إلى اللغة، أما قبل الثورة، وفي حكم القاجار (منذ نهاية القرن الـ18 حتى مطلع القرن الـ20) كانت نسبة المفردات العربية في الفارسية 85%.
ويرى الدكتور خاقاني أنه رغم أن الإيرانيين لم يتخلوا عن لغتهم الفارسية حتى في زمن الخلفاء الأمويين والعباسيين كما تخلى المصريون عن لغتهم القبطية القديمة، وكذلك السريانيين في سوريا والفنيقيين في لبنان، واحتفظوا بلغتهم الأم "فقد استفادوا من العربية جدا فهما شعبان ذابا في دائرة ثقافية واحدة".
وعلى صعيد الأبجدية، يوضح أستاذ اللغة العربية أن اللغة تتمظهر بمظهرين مختلفين وهما اللغة الشفهية واللغة المكتوبة، وعندما نتحدث عن الأبجدية الفارسية والعربية يجب أن نفرق بين هذين المظهرين، بعبارة أخرى هناك أبجدية شفهية وأبجدية مكتوبة في كل من العربية والفارسية، وفي الأبجدية الفارسية المكتوبة هناك 32 حرفا وهي عبارة عن 28 في العربية و4 مضافات، وفي الأبجدية الفارسية الشفهية هناك كثير من الحروف لا تنطق، في حين العربية الشفهية تنطق جميع الحروف الفارسية المكتوبة.
وفي ما يتعلق بالتأثر الشعري، يشير خاقاني إلى كتاب ألفه ودشن في العاصمة العُمانية مسقط، وهو دراسة مقارنة بين البحور الشعرية العربية والفارسية، ويقول في هذا الكتاب توصلت إلى أن هناك بحورا شعرية مشتركة في النظم العربي والفارسي فكما ينشد الشعراء العرب في بحر الرجز والرمل والهزج كذلك ينشد الفرس بهذه الأبحر كثيرا، ولكن هناك 3 بحور عروضية موجودة في الشعر الفارسي لم ينشد العرب فيها وبالمقابل هناك 3 بحور عربية لم ينشد الفرس بها وهي الطويل والبسيط والمديد.
لغة عربية إيرانيةوللدكتور محمد رحيمي عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة أصفهان رأي آخر، إذ يعتقد أن الإيرانيين لديهم لغتهم العربية الخاصة بهم. ويقول الدكتور رحيمي للجزيرة نت إن الحديث في هذا الشأن يتجاوز التأثير والتأثر، وفي الأساس إيران لديها نوع خاص من اللغة العربية.
ويفسر قائلا إنه منذ عصر الإسلام في بلاد فارس، قبل الإيرانيون اللغة العربية، كلغة دين أو لغة علم ومعرفة، ويتابع "كما يشهد التاريخ، فقد كانوا دائما في طليعة الأمم واللغات الأخرى في تعليم هذه اللغة وتعلمها والحفاظ عليها".
ويعتبر رحيمي أن أفضل الأعمال المكتوبة في مجالات الصرف والنحو والبلاغة والفقه والتفسير والتاريخ والحديث وغيرها تنتمي إلى الإيرانيين، مشيرا إلى أن "الإيرانيين اعتبروا اللغة العربية دائما لغتهم".
ويرى الأكاديمي المختص باللغة العربية أن ذلك أدى إلى تكوين نوع خاص من النطق العربي بين الإيرانيين الناطقين بالفارسية أو ثنائيي اللغة عبر التاريخ، وهو يختلف عن العربية الفصحى أو اللهجات العربية الشائعة، لذلك لا بد من الاعتراف به، كما أن العالم العربي اليوم يعترف باللهجات العراقية، واللهجات الخليجية والسورية والشمال أفريقية، يجب أن يعترف بلهجة الإيرانيين الناطقين بالفارسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللغة العربیة فی الفارسیة
إقرأ أيضاً:
خطوات مناوي – D•T•B
*كنت إستمع الى خطاب حاكم دارفور مني أركو مناوي وكأني أراه يسير على جماجم الدعامة من الفولة للضعين -زالنجي- نيالا والجنينة وكانت خطوات مميتة وسريعة وبلا فرامل!*
*أيام الحرب الأولى صرح الأستاذ أحمد الصالح صلوحة أنه كان يذهب الى حوالي عشرة بيوت عزاء بالمجلد في اليوم الواحد ولما زاد القتل في صفوف المليشيا وأصابه الرهق توقف!*
*في موانسة مع الأستاذ الصادق الرزيقي قال لنا أن حوالي ٤٣ من عمد الرزيقات خسر الواحد منهم نحو ألف ما بين قتيل و قعيد في هذه الحرب!!*
*في حربهم المجنونة على أهل السودان دفن الدعامة الآلاف وتركوا آلاف الجثث في العراء ما بين سنار والجزيرة والخرطوم وكردفان اليوم هذا دون القتل الكيفي والكمي على أسوار الفاشر*
*خلال حربهم المجنونة على أهل السودان ولأسباب مجهولة حاول الدعامة محو خطوط الدولة السودانية وتدمير رموز تاريخها بل مضوا أكثر من ذلك في حرق سجلات وشهادات الأفراد ولم تسلم منهم حتى صور الزفاف في البيوت التي دنسوها!!*
*في حربهم المجنونة على أهل السودان ولأسباب مجهولة أذل الدعامة كرامة الرجال واغتصبوا وسبوا النساء ونهبوا حتى لعب الأطفال واتجهوا بها غربا*
*مع ذلك ومسابقة لخطوات الحاكم مناوي أن كان هناك ذا صلة بالدعامة قادر على إقناع من تبقى من هؤلاء الأوباش على وضع السلاح فليفعل الآن لأن الوقت يمر*
*ان كان هناك ذا صلة ومقدرة على القول والفعل فليتحرك الآن وقبل فوات الأوان بأقناع من تبقى من أوباش مليشيا الدعم السريع بالتسليم السريع مع التذكير بأن التسليم لن يمنع المحاكمة وان تنفيذ العدالة لا يعطى الدعامة بعد الإدانة حق أن يكونوا جزءا من حياة ومستقبل السودانيين مرة أخرى!!*
*بكرى المدنى*
إنضم لقناة النيلين على واتساب