وقد يَقصُرُ حبلُ الصبرِ و يَنضُبُ معينُ التفاؤل لكن يبقى الأملُ
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ }
و هنالك أمور أخرى كثيرة/عديدة من صنع بني الإنسان تقود إلى المصآئب و الدمار و اليأس و جميع النهايات المحزنة و الأليمة ، و لكن لا بد من التفآؤل و التمسك بالأمل.
الدولة المستقرة الآمنة يديرها العقلآء و الحكمآء و القادة الذين يُحتَذَىَٰ بهم ، و الذين لديهم العلم و المعرفة و الكفآءات و الخبرات و الصفات اللازمة/الضرورية التي تؤهلهم و تعينهم على تحديد الأهداف و صياغة الأطر و المواثيق التي تأكد سيادة الدولة و القانون و العدالة و تضمن المؤسسية التي تثبت الأمن و الإستقرار مما يتيح إعداد و تنفيذ الخطط و المشاريع الإنمآئية...
و في غياب العقلآء و الحكمآء و القادة تأتي جماعات الجهلآء و السفهآء و الأرزقية و الطفيلية و القتلة و اللصوص لتملأ الفراغ و تتقدم الصفوف ، و في هذه الأثنآء تضيع الحقيقة و المسئولية ، و تحتدم الصراعات حول السلطة و التكالب على المكاسب و ينتشر الفساد ، و تنشأ الخلافات و النزاعات ، و ينشب الإقتتال ، و تشتعل الحروبات ، و يحدث الدمار و الخراب و النزوح وصولاً إلى حالة الفوضى و اللادولة ، و حينئذ يتسيد الموقف جماعات القتلة الذين يمتلكون السلاح و المتعطشون دوماً إلى التسلط و الفتك و سفك الدمآء...
و بعد نشوب الحروب و إنتشار القتل و النهب و السلب و الخوف و الرعب و النزوح ، تبدأ الجموع الخآئفة و المرعوبة و النازحة و الذين من دونهم تنادي بوقف القتال و تسأل/تستجدي/تبحث عن حلول و طرق للخروج من المأزق ، و لكن دون جدوى ، ففي حالات الكوارث و الفوضى و اللادولة ، و في غياب القيادات العاقلة الحكيمة و الدولة و القانون و البيئة التي تتيح الحوار و النقاش ، تتضآءل أو في الحقيقة تنعدم فرص التوافق و إمكانية الوصول إلى مخرجات أو حلول مرضية ، أو ربما تصبح مستحيلة تماماً...
و لكل حال/حدث ذروة و قمة ، و البقآء في القمة له نهاية حتى و لو طال الزمن ، و كما للقمة جهة صعود فلها أيضاً منحدر هبوط ، و تحت الكثير من القمم توجد هاويات سحيقة ، و هنالك العديد من الحالات المرصودة للسقوط من القمم...
و من بعد بلوغ القتل و النهب و التدمير و الخراب المدى النهآئي/القمة ، و مع تناقص أعداد الضحايا و غنآئم الحرب و الأنفال تأتي مراحل: الإنهاك و الإرهاق و ملل و ضجر المقاتلين جرآء إنعدام المعارك و القتل و تناقص المكاسب و العآئد المالي ، و ذلك في تزامن مع فتور حماس التمويل القادم من ورآء الحدود ، و حينئد يطفو ما كان مخفياً من الخلافات إلى السطح ، و يبدأ الصراع بين أمرآء الحروب و المقاتلين على القيادة و السلطة و حول ما تبقى من فتات الغنآئم و الأنفال...
و ما يجري حالياً في بلاد السودان هو حالة الفوضى و اللادولة السآئدة التي أحدثتها جماعات الكيزان الطامعة إلى إستعادة السلطة و مليشيات الجنجويد المتفلتة و المتعطشة إلى القتل و النهب و السلب ، و قد بلغت مساوئ/فظاعات/إنتهاكات مليشيات الجنجويد ذروتها/قمتها ، و هي و جماعات الكيزان لا محالة في طريقهم إلى النهايات المنطقية من حيث الإنحدار و السقوط إلى الهاوية ، و عقب ذلك سوف تنشأ فراغات و عدة إحتمالات ، و جميعها ممكنة و قابلة للحدوث و بدرجات متفاوتة:
١- حدوث المعجزات الخارقة:
و هذه أمور تفوق مقدرات البشر ، بما فيهم الشعوب السودانية ، بحسبان أنها مشيئات إلهية خالصة و خارج نطاق إختيارات البشر و إراداتهم ، و ليس هنالك من الدلالات ما تشير أو تبشر إلى أن بلاد السودان و الشعوب السودانية موعودة بحدوث شيء من هذا القبيل:
{ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٥٣]
{ لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ }
[سُورَةُ الرَّعۡدِ: ١١]
و على الرغم من الإيمان الراسخ بالله و العلم بأنه سبحانه و تعالى لطيفٌ بعباده و خبيرٌ و قادرٌ و غالبٌ على أمره ، إلا أن الله ما شافوهو بالعين لكن عرفوهو بالعقل...
٢- ظهور القيادات و الزعامات الوطنية:
و يعني ذلك تقدم جماعات العقلآء و الحكمآء و القادة إلى الصفوف الأمامية بغرض الفعل و إحداث التغيير ، لكن شواهد الأحوال تشير إلى أن هذه الجماعات تكون غير ذات فعالية في غياب القوة الرادعة التي تضمن الأمن و الإستقرار و سيادة حكم القانون و العدالة ، و معلومٌ أن بلاد السودان و الشعوب السودانية تعاني نقص حآد في هذا النوعية من الجماعات و كذلك ندرة عظيمة في القوة:
الجيش خَرَبُوا الكيزان...
الكيزان أخوان شيطان...
و لو كان هنالك عقلآء و حكمآء و قادة و جيش وطني حقيقي قوي لما كان هذا الوضع المزري و المحزن ، و لما كان إنعدام الأمن و الفوضى و اللادولة ، و لما كان هذا المقال...
٣- فرض الحلول الخارجية عن طريق التدخل الأجنبي بالقوة:
و لن يكون التدخل الأجنبي من أجل خدمة مصالح الشعوب السودانية ، و هو حتماً ليس من أجل طيبة (سذاجة) و كرم و أمانة الزول السوداني ، أو عيونه العسلية اللون!!! ، أو طوله البالغ ستة قدم و ستة بوصات!!! ، أو عيد ميلاده المميز الذي يصادف الأول من يناير من كل عام و الذي يتوافق مع ذكرى عيد إستقلال جمهورية السودان المجيد!!!...
و من المؤكد أن يتعارض التدخل الأجنبي مع المصالح السودانية ، فالتدخل يقدم لحماية و رعاية المصالح الأجنبية و في مقدمتها السيطرة و الإستفادة من الموارد الهآئلة التي تذخر بها بلاد السودان ، و إن حدث التدخل الأجنبي فسوف يؤدي حتماً إلى الإحتمال الأخير ، و هو تشظي بلاد السودان إلى دويلات صغيرة ، و ما أسهل التحكم في دويلات و أمارات الموز...
٤- التشظي إلى دويلات:
و يبدوا أن هذا الإحتمال هو ما تسعى إليه العديد من الجهات ، خصوصاً إذا علمنا أن بلاد السودان و الشعوب السودانية كما حلاوة دِربِس متعددة الألوان و الأذواق و الأعراق و الأجناس و متفرقة الأهوآء و الأهداف و الرؤى ، و قلوبها شتى و لا يجمعها سوى عشق الغنآء و الإختلاف على و في و حول كل شيء...
٥- توهج جذوة الثورة السودانية من جديد:
فما زال الأملُ كبيراً و معقوداً في الثوار يُكَضِّبُون الشِّينَة ، يتقدمون الصفوف ، و يملئون الفراغات و عيون جميع الشعوب السودانية ، و يرفعون عالياً الرؤوس و الهامات...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التدخل الأجنبی بلاد السودان ما کان
إقرأ أيضاً:
من كل بستان زهرة – 102-
من كل #بستان #زهرة – 102-
#ماجد_دودين
مَثِّلْ وُقُوفَكَ يَوْمَ الْحَشْرِ عِريَانا … مُسْتَعْطِفًا قَلِقَ الأحْشَاءِ حَيْرانَا
النَّارُ تَزْفُر مِنْ غَيْظٍ وَمِن حَنَقٍ … عَلَى العُصَاةِ وَتَلْقَ الرَّبَ غَضْبَانَا
مقالات ذات صلة هل سيوقف ترمب و حلفائه الغربيين الحرب على غزة؟ 2025/05/20اقْرَأ كِتَابَكَ يَا عَبْدِي عَلَى مَهَلٍ … وَانْظُرْ إِليه تَرَى هَل كَانَ مَا كَانا
لَمَّا قَرَأت كِتابًا لَا يُغَادِر لِي … حَرفًا وَمَا كَانَ فِي سِرٍّ وَإعْلانَا
قال الجليل خُذُوْهُ يَا مَلَائِكَتِي … مُرُوا بِعَبْدِي إِلَى النِّيْرَانِ عَطْشَانًا
يَا رَبِّ لَا تَخْزِنَا يَوْمَ الْحِسَابِ وَلا … تَجْعَلْ لَنَارِكَ فِيْنَا اليَوْمَ سُلْطَانَا
اللهم ارزقنا أنفسًا تقنع بعطائك، وترضى بقضائك، وتصبر على بلائك، وتوقن بلقائك وتشكر لنعمائك وتحب أوليائك وتبغض أعداءك واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
السعداء هم الذين تركوا الدنيا فأصابوا، وسمعوا منادي الله فأجابوا، وحضروا مشاهد التقى فما غابوا، واعتذروا مع التحقيق ثم تابوا وأنابوا، وقصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا.
قال ابن القيم في وصف عرائس الجنّة:
فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِس الْجَنَّاتِ ثُمَّ … اخْتَر لنَفْسُكَ يَا أَخَا العِرْفَانِ
حُوْرٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا … وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النِّسْوَانِ
حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفِ فِي الْحُسْنِ الَّذِي … قَدْ ألْبِسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ
وَيَقولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا … سُبْحَان مُعْطِي الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ
وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِن كِئوسِ جَمَالِهَا … فَتَراهُ مِثْلَ الشَّارِب النَّشْوَانِ
كملت خلائقها وأكمل حسنها … كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها … والليل تحت ذوائب الأغصان
فتراه يعجب وهو موضع ذاك من … ليل وشمس كيف يجتمعان
فيقول سبحان الذي ذا صنعه … سبحان متقن صنعة الإنسان
وكلاهما مرآة صاحبه إذا … ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهه في وجهها … وترى محاسنها به بعينان
حمر الخدود ثغورهن لآليء … سود العيون فواتر الأجفان
والبدر يبدو حين يبسم ثغرها … فيضيء سقف القصر بالجدران
من كان داؤه المعصية، فشفاؤه الطاعة، ومن كان داؤه الغفلة، فشفاؤه اليقظة، ومن كان داؤه كثرة الأشغال، فشفاؤه في تفريغ المال.
فمن تفرغ من هموم الدنيا قلبه، قل تعبه، وتوفر من العبادة نصيبه، واتصل إلى الله مسيره، وارتفع في الجنة مصيره، وتمكن من الذكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من وساوس الشيطان، وغوائل النفس.
ومن كثر في الدنيا همه، أظلم طريقه، ونصب بدنه، وضاع وقته، وتشتت شمله، وطاش عقله، وانعقد لسانه عن الذكر، لكثرة همومه وغمومه، وصار مقيد الجوارح عن الطاعة، من قلبه في كل واد شعبة، ومن عمره لكل شغل حصة.
تَبْغِيْ الوُصُولَ بسَيْرَ فيه تَقْصِيْرُ … لاَ شَكَّ أنَّكَ فِيْما رُمْت مغْرُوْرُ
قَدْ سَار قَبْلَكَ أَبْطَالٌ فَمَا وَصِلُواْ … هَذا وفي سَيْرهَمْ جِدٌ وَتَشْمِيْرُ
يا مُدَّعِي الحُبَّ في شَرْعِ الغَرامِ وَقَدْ … أَقَامَ بَيَّنَةً لَكِنّهَا زُوْرُ
أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ … هَذَا وَأَنْتَ بَعْيدُ الدَّارِ مَهْجُوْرُ
لَوْ كَانَ قَلْبُكَ حَيًا ذُبْتَ مِنْ كَمَدٍ … مَا لِلْجرَاح بَجِسْمِ المَيْتِ تَأْثِيْرُ
لا تغتم إلا من شيء يضرك في الآخرة، ولا تفرح بشيء لا يسرك غدًا، وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي، وأطال الحزن منك على ما فاتك من الطاعة، وألزمك الفكر في بقية عمرك.
عليك بصحبة من تذكرك الله عز وجل رؤيته، وتقع هيبته على باطنك ويزيد في عملك منطقه.
ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله ولا يعظك بلسان قوله.
خُذْ مَا صَفَا لَكَ فَالْحَيَاةُ غُروْرُ … وَالْمَوتُ آَتٍ وَاللَّبِيْبُ خَبِيْرُ
لَا تَعْتِبَنَّ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنَّهُ … فَلَكٌ عَلَى قُطْبِ الْهِلاكِ يَدورُ
تَعْفُو السُّطوْرُ إِذَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا … وَالْخَلْقُ فِي رِقِّ الْحَيَاةِ سُطُوْرُ
كُلّ يَفرُ مِن الرَّدَى لِيَفُوتَهُ … وَلَه إِلَى مَا فَر مِنْهُ مَصِيْرُ
فَانْظُرْ لنَفْسُكَ فَالسَّلَامَة نُهْزَةٌ … وَزَمَانُهَا ضَافِي الْجَنَاحِ يَطِيْرُ
مِرْآةُ عَيْشِكَ بِالشَّبَابِ صَقِيْلَةٌ … وَجَناحُ عُمْرَك بِالْمَشِيْبِ كَسِيْرُ
بَادِرْ فَإِنَّ الوَقْتَ سَيْفٌ قَاطِعٌ … وَالعُمْرُ جَيْشٌ وَالشَّبَابُ أَسِيْرُ
بذكر الله تحيا القلوب من موت غفلتها فالله الله بالمداومة على ذكر الله سرًا وجهارًا ليلاً ونهارًا قيامًا وقعودًا ماشين ومضطجعين.
ذاكر الله لا يستطيع الشيطان في ظله مقيلا، ذاكر الله لا يجد الشيطان إلى إغوائه سبيلا، ذاكر الله لا يزال شيطانه مدحورًا ذليلا، ذاكر الله قد تكفل الله بحفظه وكيف يضيع من كان الله به كفيلا، بذكر الله تطمئن القلوب وتحيا، قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨]. وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢(
وَالذِّكرُ فِيْهِ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ كَمَا … تَحْيَا البِلَادُ إِذَا مَا جَاءَهَا الْمَطَرُ
قال أحد الزهّاد: مَا لِي وَلِهَذَا الْخَلْق كنت فِي صلب أبي وحدي … …
ثم صرت في بطن أمي وحدي … …ثم دخلت الدنيا وحدي … …ثم تقبض روحي وحدي … …
ثم أدخل في قبري وحدي … …ثم يأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي … …فإن صرت إلى خير صرت وحدي … …
ثم يوضع عملي وذنوبي في الميزان وحدي … …وإن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي … …
فما لي وللناس؟!! … ..
قال الحسن البصري ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود.
وَمَا الْمَرْءُ إِلَاّ رَاكِبٌ ظَهْرَ عُمْرِه … عَلَى سَفَرٍ يُفِنْيِه بِاليَوْمِ وَالشَّهْرِ
يَبِيْتُ وَيُضْحِى كَل يَومٍ وَلَيْلَةٍ … بَعِيْدًا عَنْ الدُّنْيَا قَرَيْبًا إِلَى القَبْرِ
فالذي ينبغي للإنسان أن يحافظ على وقته أعظم من محافظته على ماله، وأن يحرص على الاستفادة منه في كل لحظة فيما ينفعه في دينه وفي دنياه، مما هو وسيلة إلى الدار الآخرة.
قال حكيم من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.
قال بعض العلماء أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء.
انشغالهم بالنعمة عن شكرها.
ورغبتهم في العلم وتركهم العمل.
وإقبال الآخرة وهم معرضون عنها.
والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم.
وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها.
والمسارعة إلى المعاصي والذنوب وتأخير التوبة.
وَكَمْ ذِيْ مَعَاصٍ نَالَ مِنْهُنَّ لَذَّةً … وَمَاتَ وَخضلَاّهَا وَذَاقَ الدَّوَاهِيَا
تَصَرَّمُ لذات المعاصي وتنقضي … وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فَيَا سَوْءَتَا وَاللهِ رَاءٍ وَسَامِعٌ … لِعَبْدٍ بِعَيْنِ اللهِ يَغْشَى الْمَعَاصِيَا
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كَأَنَّكَ غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.
قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنًا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا تشتغل فيها إلا بما يشتغل به الغريب فقط الذي يريد الذهاب إلى أهله، وأحوال الإنسان ثلاث: حال لم يكن فيها شيئًا وهي قبل أن يوجد.
وحال أخرى وهي من ساعة موته إلى ما لا نهاية له في البقاء السرمدي فإن لنفسك وجود بعد خروج الروح من البدن إما في الجنة وإما في النار وهو الخلود الدائم وبين هاتين الحالتين حالة متوسطة وهي أيام حياته في الدنيا فانظر إلى مقدار ذلك بالنسبة إلى الحالتين يتبين لك أنه أقل من طرفة عين في مقدار عمر الدنيا.
يَا غَافِلَ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الْمَنَيَّاتِ … عَمَّا قَلِيْل سَتُلْقَى بَيْنَ أَمْوَاتِ
فَاذْكُر مَحَلَّكَ مِن قَبْل الْحُلُولِ بِهِ … وَتُبْ إِلَى الله مِنْ لَهْوٍ وَلَذَّاتِ
إِنَّ الْحِمَامَ لَهُ وَقْتٌ إِلَى أَجَلٍ … فَاذْكُرْ مَصَائِبَ أَيَّامٍ وَسَاعَاتِ
لَا تَطْمَئِنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَزِيْنَتَهَا … قَدْ آنَ لِلمَوْتِ يَا ذَا اللَبِّ أَنْ يِأْتِي
ليس العجب من انهماك الكفرة في حب الدنيا والمال فإن الدنيا جنتهم وإنما العجب أن يكون المسلمون يصل حب المال والدنيا في قلوبهم إلى حد أن تذهل عقولهم وأن تكون الدنيا هي شغلهم الشاغل ليلاً ونهارًا وهم يعرفون قدر الدنيا من كتاب ربهم وسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – أليس كتاب الله هو الذي فيه {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: ٢٠)
ويقول: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} [الإسراء: ١٩ .
قال أحد العلماء رحمه الله تعالى أعلم أن الدنيا رأس كل خطيئة كما قال – صلى الله عليه وسلم – وقد صارت عدوة لله وعدوة لأوليائه وعدوة لأعدائه، أما عداوتها لله تعالى فلأنها قطعت الطريق بينه وبين أوليائه.
ولهذا فإنه لم ينظر إليها منذ خلقها، وأما عداوتها لأوليائه فلأنها تزينت لهم بزينتها وغمرتهم بزهرتها وتزهت لهم بنضارتها حتى تجرعوا مرارات الصبر في مقاطعتها وتحملوا المشاق في البعد منها.
وأما عداوتها لأعدائه فلأنها استدرجتم بمكرها ومكايدها واقتنصتهم بحبائلها وأقصدتهم بسهامها حتى وثقوا بها وعولوا عليها.
فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها وغدرت بهم أسكن ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تنقطع دونها الأكباد. وحرمتهم السعادة الأخروية على طول الآماد فانتبه يا من اغتر بها قبل أن يصيبك مثل ما أصاب المغترين بها.
قال بعض العارفين إذا كان أبونا آدم عليه السلام بعد ما قيل له أسكن أنت وزوجك الجنة صدر منه ذنب واحد فأمر بالخروج من الجنة فكيف نرجو دخولها مع ما نحن مقيمون عليه من الذنوب المتتابعة والخطايا المتواترة.
يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا له ولا يغتر بشبابه وصحبته فإن أقل من يموت الشيوخ الطاعنين في السن. وأكثر من يموت الشبان خصوصًا في زمننا الذي كثرت فيه الحوادث ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا:
يَعَمَّرُ وَاحدٌ فَيَغُرُّ قَوْمًا … وَيُنْسَى مَن يَمُوتُ مِن الشَّبَابِ
آخر:
لَا تَغْتَرِرْ بِشَبَابٍ نَاعِمٍ خَضِلٍ … فَكَمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشَّيْبِ شُبَّانُ
ومما يعنيك على الجد والاجتهاد في الطاعة تصور قصر عمرك وكثرة الأشغال، وتصور قوة الندم على التفريط والإضاعة عند الموت، وطول الحسرة على البدار بعد الفوت.
وتصور عظم ثواب السابقين الكاملين وأنت ناقص، والمجتهدين وأنت متكاسل، واجعل نصب عينيك ما يلي: قوله تعالى: {تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} [يونس: ٣٠
وقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} [آل عمران: ٣٠
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: ٤٠
وقوله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦
وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم: ٣٩ . فتصور الحسرة والندامة والحزن عندما ترى الفائزين.
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِن التُّقَى … وَأَبْصَرْتَ بَعْدَ الْمَوتِ مَن قَد تَزَودَّا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ … وَأَنَّكَ لَمْ تُرْصَدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا
فالبدار البدار والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
وإنما يقدم على المعاصي ويؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات.
وتنسى التوبة والإنابة لطول الأمل وتفقد أوقاتك وما عملت فيها من الذنوب.
وتنسى التوبة والإنابة لطول الأمل فيا أيها المهمل وكلنا كذلك انتهز فرصة الإمكان وتفقد أوقاتك وما عملت فيها من الذنوب.
فبادر في محوها بالتوبة النصوح وأكثر من الدعاء والاستغفار كل وقت خصوصًا أوقات الإجابة