هوامش ومتون :الحُويّر.. قصص قصيرة جدا
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
حين أهدى لي الكاتب والشاعر عبدالله بن سعود الحكماني كتابه (الحُويّر) خلال لقائي به في ملتقى هيماء الأدبي وكنا في قلب الصحراء بمحافظة الوسطى، استوقفني العنوان، وقبل أن أتصفّحه، سألته عن معناه، فأجابني: الحويّر في لهجتنا الشعبية تعني: صغير الجمل، وقد ورد ذكر (الحُويّر) في المثل الشعبي (الحُويّر ما تضرّه رمحة أمّه)، وإزاء هذا التوضيح، انفتحت عتبة الكتاب الأولى على الكثير من الدلالات، فالعنوان الذي يبدو غريبا بالنسبة لنا، نجده مألوفا في المناطق الصحراوية، حيث يكون الكاتب على تماس مباشر مع بيئته، فإذا ما تجاوزنا العنوان، ونظرنا في صورة الغلاف سنجد توضيحا بصريّا للعنوان، ففي الصورة تقف ناقة وتمدّ عنقها لتأكل من عاقول الصحراء، فيما يبدو صغيرها ملتصقا بها من الخلف، هذا الصغير هو (الحُوَيِّر) بؤرة الحدث في المجموعة الصادرة عن مكتبة بذور التميّز 2022م، وتتّسع الدائرة اللونية حتى تصل الغلاف الأخير، فوضعت مصمّمة الغلاف (منيرة الهطالية) تعريفا مقتضبا بالكاتب عبد الله الحكماني الذي يحمل درجة الماجستير في النقد الأدبي، وله مجموعة من الإصدارات تتنوّع بين السرد والشعر، من بينها: جنون العقلاء، هيا نضحك، من خارج السرب، ما قال الأجداد، الأفق الصحراوي، مع صورة شخصيّة ونص (الحُوَيِّر) الذي جاء ترتيبه الأخير في الكتاب والنصّ هو «رقص الحُوَيِّر لكي يصبح جملا، فانكسرت أربعه قبل أن يصل إلى مبتغاه»، هذا الإصرار على (الحُوَيِّر) في العنوان والغلاف الأول والأخير، يجعلنا نتساءل: هل أراد الكاتب أن يقول إن القصص القصيرة جدا، وقد تضمّنت المجموعة (107) قصص قصيرة جدا، هي بمثابة (الحُوَيِّر) صغر في الحجم وتكامل في الخلقة، كشكل فنّي؟ أمّا عن المحتوى، فقد أراد أن يحتفي بالمكان من خلال مفردة تعكس تأثيراته، وعلاقته به، لكونه من سكنة المنطقة الصحراوية، فكان لا بدّ لمعطياته أن تتسلّل إلى كتاباته، وهذا ما وجدته في مجموعته القصصيّة، وقد أفرد لكلّ قصة صفحة حتى لو كانت من بضع كلمات مثل قصة (في يده قنديل) التي جاء فيها «يمشي الهوينى وفي يده قنديل» أو (تسامر) «يتسامرون في ليلة ظلماء والنجوم خارج مجموعتهم الأرضية» وقد يلجأ إلى التضاد في (اسوداد) «اسودّ وجهه عندما رأى بياض وجه زميله»، و(جفاف) «جفت ينابيعهن بعدما سقطت على أرضه الأمطار»، وكما لاحظنا فإن هذا النوع من القصص يراعي فيها الكاتب الاقتصاد في المفردات إلى أقصى حدّ، والاختزال، فلا توجد تفاصيل، ولا شخصيات، بل هي أقرب ما تكون للومضة الشعرية، أو (التوقيعات) المعروفة في تراثنا الأدبي، فيعطي إشارة تاركا لخيال المتلقّي إكمالها، كما في نصّ (يهش)، وجاء فيه «ظل يهش وينشّ تحت العرش الهش»، وهو نصّ مغلّف بالسخرية، ويتّضح هذا من مراعاة الكاتب لاستخدامه للمفردات وتكرار حرف الشين، وفي بضعة أقنعة يكتب «بضعة أقنعة عاشرهم كلبهم داخل الصندوق الخشبي» وفيها استفادة من قصة أهل الكهف التي وردت في القرآن الكريم، لكنه هنا يرفع عدد أهل الكهف إلى تسعة وعاشرهم كلبهم، وتزيد بعض القصص عن سبعة سطور مثل ( يوم الأحد) خمسة سطور مثل (جريمة) و(مشرف النواعم) (ثيران بني آدم)، وترتفع لغة المجاز في هذا النمط من الكتابة السرديّة، ففي قصّته (ضرب) يقول «ضربتُ بكفّي على جدار الزمن فانكسر الحاجز الوهمي»، وفي بعض الأحيان تأتي نصوصه على هيئة جمل مسجوعة «كان يتعامل معها كعشيقة.
لقد جاءت نصوص الكتاب على هيئة ومضات أقرب ما تكون للشعريّة، وقد استفاد الكاتب من تجاربه في الكتابة الشعرية في هذه المجموعة التي سارت في طريق لم يسلكه في السرد العماني سوى قلة من بينهم الراحل عبدالعزيز الفارسي في مجموعته (مسامير) ود.سعيد السيابي في (مشاكيك)، وهذه حسنة في ميزان حسنات الكتاب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الح و ی
إقرأ أيضاً:
تضامن واسع مع الكاتب "المياحي" عقب أول جلسة محاكمة علنية في جزائية صنعاء
أثارت أول جلسة علنية لمحاكمة الصحفي والكاتب "محمد المياحي" في المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تفاعلا واسعا بين أوساط الصحفيين والحقوقيين في اليمن وسط مطالبات بالافراج عنه.
وعقدت المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء، الإثنين، جلسة ثانية لمحاكمة الصحفي المياحي، بعد قرابة أسبوع من عقد الجلسة الأولى التي جرت بغيابه ورفض إحضاره من السجن، بعد ثمانية أشهر من اختطافه.
وقال عضو هيئة الدفاع عن المياحي، عمار الأهدل، إن المياحي أنكر جميع التهم المنسوبة إليه، وتحدَّث عن ظروف احتجازه.
وأكد المياحي، أنه كاتب وأديب ومؤلف، وأنه تم تحريف كلامه، قائلا "كأنكم تتحدثون عن شخص آخر لا علاقة لي به".
وتحدث عضو هيئة الدفاع عن المياحي عن تحامل المحكمة عندما أعدت مذكرتها القانونية التي زعمت فيها أن منشوراته قد تسببت في مشاكل الدولة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياسية والأمنية والقانونية، وحتى مشكلاتها الدولية أمام المحافل الدولية.
واختطفت جماعة الحوثي الصحفي المياحي في سبتمبر الماضي، على خلفية كتابات له على منصات التواصل الاجتماعي تنتقد زعيم الحوثيين.
وأثار استمرار احتجاز المياحي استياءً واسعًا في الأوساط الحقوقية والصحفية، حيث اعتُبر اعتقاله من قبل الحوثيين انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير والعمل الصحفي، وسط مطالبات متكررة بالإفراج عنه دون قيد أو شرط.
وطالب ناشطون حقوقيون بالإفراج عن المياحي بضمانة حضورية، مؤكدين أن استمرار المحاكمة لا يتطلب بقاءه خلف القضبان، وأنه من حقه الدفاع عن نفسه وهو طليق، كما كفلت له القوانين المحلية والدولية.
وفي السياق جدد الكاتب الصحفي سعيد ثابت سعيد تضامنه الكامل مع المياحي وقال "الحرية للصحفي الحر والشجاع محمد المياحي الذي لم يسرق ولم يقتل ولم يُخرّب، فقط كتب، كتب ما اعتقد وآمن".
وأكد سعيد أن المياحي سيظل رمز الكلمة الصادقة في مواجهة تغوّل الكيانات التي تسبق الدولة وتفتك بها". متابعا "الحرية للكلمة التي لا تموت، الحرية للضمير الحي في زمن الخوف".
الباحث عدنان هاشم كتب "الحرية محمد دبوان، رجل الصدق والمبادئ الوطنية الخالصة".
الكاتب الصحفي جمال حسن، علق بالقول "يواجه الصديق محمد المياحي اتهامات خطيرة ومجحفة بحقه، وفي جلسة اليوم أمام المحكمة الجزائية، انكر كل التهم الموجهة له برباطة جأش".
وأضاف "ظروف احتجاز لا تستند الى أي قاعدة قانونية او انسانية، وتحويل الرأي إلى قضية جسيمة بنظر المحكمة الجزائية".
وتابع "بصورة عامة كان مشهد جلوس الكاتب مكبلا بالقيود في قفص الاتهام، تحمل رمزية تُجرم كل رأي أو صاحب رأي، وترهيب أيضا". مردفا "تضامننا المطلق مع المياحي".
في حين قال عبدالرحمن النويرة، "حضرت اليوم الجلسة العلنية لمحاكمة الصحفي محمد دبوان المياحي في المحكمة الجزائية المتخصصة ورغم الهجوم الحاد والموقف المهول فيه من قبل ممثل النيابة، ولكني رأيت في القاضي صفات القاضي المتزن الذي استمع إلى محمد دبوان بإنصات وحاوره بطريقة راقية متزنة".
وأضاف "نأمل سرعة الإفراج عن المياحي ليعود إلى أهله وأطفاله بأسرع وقت ممكن خاصة وأنه قضى 8 أشهر في السجن إلى اليوم، بالإمكان الإفراج عنه بضمانة واستمرار المحاكمة وفق القانون والدستور وهو مفرج عنه وليس من الضرورة المحاكمة وهو في السجن".
وكانت منظمات حقوقية محلية ودولية قد أدانت استمرار احتجاز المياحي، واعتبرت أن جماعة الحوثي تستخدم الجهاز القضائي أداةً لقمع الصحفيين ومصادرة الحريات العامة، مشيرة إلى أن محاكمته بعد أشهر من الاعتقال التعسفي تعكس غياب أدنى معايير العدالة.
وحملت العديد من المنظمات جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته، وتدعو إلى إنهاء مسلسل استهداف الصحفيين، ووقف المحاكمات السياسية التي تطال كل من يعبّر عن رأي مخالف في مناطق سيطرة الجماعة.
نقابة الصحفيين اليمنيين سبق وأن أدانت قرار الاتهام التعسفي بحقه في جلسة سابقة، وما تضمنته من اتهامات بسبب نشاطه الصحفي.
وقالت النقابة إنها "تدين ما تضمنه هذا القرار من تكييف وتوظيف لحق النشر واستغلال للقضاء لمعاقبة الصحفي بعيدا عن طبيعة عمله والمنظومة التشريعية الخاصة بالصحافة والمطبوعات".
وطالبت النقابة في بيانها، بإسقاط هذه الإجراءات والإفراج عن المياحي، مؤكدة أن قضايا النشر والتعبير مكفولة قانونيا وأن النظر فيها يكون أمام القضاء الطبيعي ووفق المنظومة التشريعية المتعلقة بقضايا النشر والتعبير.
ويُشار إلى أن الصحفي المياحي يقبع في سجون الحوثيين منذ نحو ثمانية أشهر، بعد أن تم اعتقاله في صنعاء دون تهمة واضحة، فيما تواصل الجماعة تجاهل المطالب الحقوقية بالإفراج عنه وتمكينه من العودة لأسرته ومزاولة عمله بحرية.