رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، عن أن روسيا ستهاجم دولة من دول حلف شمال الأطلسي في حالة تحقيق النصر في أوكرانيا، ووصفها بأنها «محض هراء».

وأضاف «بوتين»، خلال مقابلة مع التليفزيون الرسمي، أن روسيا ليس لها مصلحة جيوسياسية ولا اقتصادية ولا سياسية في خوض قتال مع حلف الناتو، كما اتهم الرئيس الروسي نظيره الأمريكي بأنه يعمل على تبرير "سياسته الخاطئة" تجاه روسيا حسب تعبيره.

بجانب ذلك حذّر بوتين من إمكانية حدوث مشكلات مع فنلندا المجاورة بعدما انضمت إلى حلف شمال الأطلسي، معلنًا أن موسكو ستنشئ منطقة عسكرية جديدة في شمال غرب البلاد ردًا على هذه الخطوة.

وقال الرئيس الروسي إن بلاده "ليس لديها سبب ولا مصلحة ولا مصلحة جيوسياسية، لا اقتصادية ولا سياسية ولا عسكرية، للقتال مع دول الناتو"، مضيفًا أن موسكو ليس لديها أي مطالبات إقليمية في دول الناتو.

واعتبر بوتين أن الغرب عمل على ضم فنلندا إلى الناتو. وأنه لم يكن ثمة مشكلات هناك، إلا أن هذه الخطوات ستؤدي إلى وجود خلافات بعد اتجاه روسيا إلى إنشاء منطقة لينينجراد العسكرية ونشر بعض من الوحدات العسكرية هناك.

توترات متبادلة

توترت علاقات فنلندا الودية مع جارتها الشرقية بعد العملية العسكرية الروسية أوكرانيا، وتوقعت فنلندا أن تستخدم موسكو المهاجرين كضغط سياسي، وبدأت في فبراير ٢٠٢٣ ببناء سياج بطول ٢٠٠ كيلومتر على طول حدودها مع روسيا. ولكن تم إنجاز ثلاثة كيلومترات فقط من السياج.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي بعدما أغلقت فنلندا مجددًا خلال الأيام الماضية، حدودها مع روسيا، متّهمة موسكو بالتسبب بأزمة مهاجرين عند حدودها. كما حذرت موسكو من اتخاذ إجراءات مضادة بعد انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي في أبريل ٢٠٢٣ وانهاء هلسنكي سياسة عدم الانحياز العسكري التي انتهجتها منذ عقود.

ورغم أن الجيش الفنلندي صغير نسبة إلى عدد الجنود الذين هم حاليا في الخدمة، فإن فنلندا تمتلك نحو ٢٨٠ ألف عسكري احتياط، يمكن استدعاؤهم إلى الخدمة في أي وقت، وفقا لموقع War on The Rocks للتحليلات العسكرية. كما أن فنلندا تمتلك واحدًا من أقوى أسلحة المدفعية في أوروبا، بنحو ١٥٠٠ مدفع، وأسراب طائرات "إف-٣٦" الأميركية الحديثة التي اشترت فنلندا ٦٤ منها.

ويمثل قبول فنلندا في الناتو ضربة لبوتين، الذي يسعى منذ فترة طويلة لتقويض الحلف، ومطالبته بعدم التوسع باتجاه حدود روسيا. وبدلا من ذلك، دفعت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كل من فنلندا والسويد غير المنحازين إلى التخلي عن حيادهما، وطلب الحماية داخل حلف شمال الأطلسي، على الرغم من أن محاولة السويد للانضمام إلى التكتل توقفت، بسبب عضوي الحلف تركيا والمجر. وكانت روسيا قد قالت في أبريل الماضي، إنها ستزيد قواتها بالقرب من فنلندا، إذا أرسل الحلف أي قوات أو معدات إلى الدولة العضو الجديدة.

جبهات مشتعلة

جددت روسيا من تحذيراتها لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، من التورط بشكل أعمق ومباشر في الحرب الأوكرانية، مؤكدة أن إقلاع طائرات "F-١٦" الأوكرانية من قواعد في الناتو يعتبر مشاركة للحلف في الصراع. وأكد رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح، كونستانتين جافريلوف، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يواصلون افتعال تهديدات أمنية على الحدود الغربية لروسيا.

كانت دول كل من هولندا والدنمارك وافقت على تسليم مقاتلاتها من طراز "إف-١٦" لأوكرانيا وتخطط هولندا لإرسال أول المقاتلات الموعودة إلى كييف في عام ٢٠٢٤، ويبقى الأمر مرهونًا بالخطوة الفعلية، ومدى الرد الروسي.

من ناحية أخرى، يدرك حلف الناتو أن الأهداف الأميركية للمرحلة الحالية، قد تؤدي إلى دخول أوروبا في حرب شاملة ومباشرة مع روسيا؛ وبالتالي تلك التحركات تأتي لممارسة ضغوط على الجانب الروسي بدخول مقاتلات (إف ١٦) شديدة القوة وتعزيز المدى الهجومي الفعال على الأهداف الروسية.

وضمن هذا السياق، حصنت فنلندا نفسها بمجموعة من الإجراءات لردع روسيا منذ يونيو ٢٠٢٢، طوال ١٥ شهرًا، آخرها نزع ملكية أراض على الحدود مع موسكو، وذلك لتحصين نفسها ضد أي اعتداء محتمل، ولمنع تمدد الحرب الأوكرانية المندلعة منذ فبراير ٢٠٢٢ إلى أراضيها. 

ووسط اتهامات روسية لها بأنها تمثل تهديدا للأمن العسكري الروسي بعد أن أصبحت في أبريل الماضي، ضمن دول حلف الناتو، تبنت هلسنكي خلال شهر سبتمبر ٢٠٢٣ أربعة قرارات متعاقبة، سبقها قرار خامس في أغسطس ٢٠٢٣، بشراء المنظومة الدفاعية "مقلاع داود" من إسرائيل بقيمة ٣٤٥ مليون دولار، يضاف لهم الإجراء السادس في ٣ يوليو ٢٠٢٣، بالبدء في تجديد خط السكة الحديدية "لوريلا - تورنيو - هابراندا"، الذي يربطها بالسويد لتسريع نقل قوات الناتو في حال حدوث صراع محتمل مع روسيا، وسبق ذلك جميعًا الإجراء السابع في يونيو ٢٠٢٢ بحظر استيراد الوقود من روسيا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت فنلندا والولايات المتّحدة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣ اتفاقًا لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وذلك غداة التحذير الذي وجّهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الدولة الاسكندنافية ردًّا على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. ويضفي هذا الاتّفاق طابعًا رسميًا على العلاقات الوثيقة بين واشنطن وهلسنكي، أشاد به وزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانن باعتباره علامة قوية على التزام الولايات المتّحدة الدفاع عن فنلندا وشمال أوروبا بأسرها، وخلال مشاركته مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن في حفل توقيع الاتفاق قال الوزير الفنلندي "لا نتوقع أن تتولى الولايات المتحدة الدفاع عن فنلندا، لكنّ هذا الاتّفاق يحسّن كثيرًا قدرتنا على العمل سويًا في كلّ المواقف".

من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي إنّ فنلندا ًتعرف أكثر من أي أحد آخر ما هو على المحكّ بالنسبة لأوكرانيا، ويمكن إرجاع أسباب ذلك، إلى أن الحرب الأوكرانية والهجوم الروسي على أراضي كييف، دفع فنلندا مثل السويد إلى البحث عن مأمن عبر الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما تحقق على أرض الواقع، وحاليًا إن أرادت موسكو مهاجمة هلسنكي عليها أولًا محاربة كل دول حلف الناتو وهذا يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة لا يقدر أي طرف على تحملها.

ومن الواضح أن روسيا تختبر حدود الاتحاد الأوروبي في فنلندا؛ حيث تحشد روسيا طالبي اللجوء والمهاجرين، وعادةً ما يكونون من الشرق الأوسط وشمال البلاد الدول الافريقية. ومثل مناورات بيلاروسيا على الحدود البولندية في عام ٢٠٢١، كما تتضمن الاستراتيجية الروسية احتمالية منح طالبي اللجوء والمهاجرين تأشيرة دخول إلى روسيا (وإلا فلن يتمكنوا من العبور وسيتم إبعادهم على الحدود). ثم تقوم روسيا بتسهيل وصول هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء إلى المعابر الحدودية الخارجية للاتحاد الأوروبي. ويتطلب ذلك بعض وسائل النقل، وفي الحالة الفنلندية يتم استخدام الدراجات وإمدادات كافية للوصول إلى الحدود، ولكن ليس ما يكفي للعودة: روسيا تفعل ذلك لا تسمح لأحد بالعودة.

وتمثل هذه الاستراتيجية وسائل ضغط سياسية وإنسانية وأخلاقية - مع اقتراب طالبي اللجوء والمهاجرين من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي عند المعبر الفنلندي، دون موارد كافية أو وثائق مناسبة أو مستقبل معين، وأنه في حال كانت روسيا تقصد أن يكون هذا التدفق من طالبي اللجوء عملية هجينة، فإن العملية قد حققت هدفها إلى حد كبير. وقد سببت ضائقة في فنلندا وأثارت انقسامات سياسية محلية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: روسيا انضمام فنلندا إلى الناتو أزمة المهاجرين روسيا وفنلندا فلاديمير بوتين جو بايدن حلف شمال الأطلسی الرئیس الروسی طالبی اللجوء حلف الناتو على الحدود مع روسیا إلى حلف

إقرأ أيضاً:

مولدوفا وخسارة روسيا الفادحة في أوروبا

في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول، خرج حزب العمل والتضامن (PAS) الحاكم في مولدوفا، ذو التوجه الأوروبي، منتصرا في الانتخابات العامة. لم يقتصر انتصاره على هزيمة التكتل الانتخابي الوطني (PEB) الموالي لروسيا، بل أكد كذلك توجها جيوسياسيا جديدا.

فعبر أوراسيا ما بعد الحقبة السوفياتية، أخذت روسيا تفقد مواقعها في ظل استمرار عدوانها العسكري على أوكرانيا. والمفارقة أن موسكو كانت قد أطلقت غزوها واسع النطاق لجارتها في عام 2022 لتؤكد هيمنتها على ما تسميه "جوارها القريب".

وبعد أكثر من ثلاث سنوات، بات واضحا بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الإستراتيجية قد أخفقت.

سواء تعلق الأمر بأنظمة ديمقراطية أو أوتوقراطية تقليدية، فإن الدول وقادتها باتوا يديرون ظهورهم لموسكو.

وفي مولدوفا، أتى فوز حزب PAS مدويا على خلاف التوقعات التي كانت تشير إلى سباق محتدم. إذ بدا أن القوى الموالية لروسيا، المتجمعة تحت مظلة التكتل الوطني (PEB)، تكتسب زخما مع اقتراب موعد الانتخابات.

وكانت الانقسامات المجتمعية والضبابية الاقتصادية تثقل كاهل البلاد. غير أن الأمور بدأت تتبدل مع أواخر الصيف، حيث عادت الخلافات القديمة بين مكونات التكتل الروسي إلى الواجهة.

أما المحاولات الروسية المنسقة للتأثير على الانتخابات من خلال حملات معلوماتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي- صورت فيها حزب PAS كدمية في يد الغرب يسعى إلى جر البلاد إلى حرب ضد روسيا، مع التلاعب بمخاوف الناس من الانهيار الاقتصادي والضم المحتمل من قبل رومانيا- فقد أتت بنتائج عكسية.

وقدمت هذه الوقائع مبررا للجنة الانتخابات المركزية لحظر حزبين مواليين لروسيا بشكل صريح، بدعوى تلقي تمويلات غير قانونية. وفي الوقت نفسه، نجحت الحكومة في تأمين تسليم الملياردير الفار فلاديمير بلاهوتنيوك من اليونان، والمتهم بلعب دور محوري في سرقة مليار دولار من المصارف المولدوفية.

إعلان

هذا المشهد بأكمله بعث الحماسة في نفوس الجالية المولدوفية في الغرب، والتي تشكل قاعدة دعم قوية للاتحاد الأوروبي. وبالنتيجة، لم تحقق قوى المعارضة سوى نجاح جزئي في معاقلها الواقعة في منطقة غاغاوز ذات الغالبية الروسية في شمال البلاد، وكذلك في ترانسنيستريا.

ورغم خسارة حزب PAS لما يقارب 3% من الأصوات مقارنة بانتخابات 2021، فإنه بقي في الصدارة بنسبة 50.2%، مقابل 24.4% للتكتل الوطني (PEB).

ولو أن روسيا امتنعت عن التدخل، لربما حظيت القوى الموالية لها بفرصة أفضل لمنافسة حزب PAS. غير أن المعارضة أخطأت حين فوتت الفرصة لجعل الانتخابات تدور حول الاقتصاد والحوكمة الرشيدة، إذ ما إن تحول الصراع إلى مسألة اختيار بين أوروبا وروسيا، حتى باتت الكفة تميل لصالح الحزب الحاكم.

وقد تمكن حزب PAS من تقديم نفسه باعتباره المسؤول عن تقريب مولدوفا من عضوية الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد نجاحه في إطلاق مفاوضات الانضمام في يونيو/حزيران 2024، وهي خطوة لاقت ترحيبا واسعا. فقرابة ثلثي المولدوفيين يؤيدون الانضمام للاتحاد، وهو أمر غير مفاجئ، بالنظر إلى كونه الشريك التجاري الأول للبلاد والمستورد الأكبر لصادراتها.

ومن ثم، فإن التوجه الأوروبي للشعب المولدوفي يبدو راسخا، وحتى لو وصل التكتل الوطني الموالي لروسيا إلى الحكم، فإنه من غير المرجح أن يغير هذا المسار جذريا.

ويمكن تلمس مظاهر هذا الابتعاد عن روسيا في منطقة جنوب القوقاز أيضا. فأرمينيا، التي طالما اعتمدت على موسكو دعما إستراتيجيا واقتصاديا، بدأت تعيد توجيه دفتها نحو الغرب. وقد فشلت موسكو فشلا ذريعا في مساندة حليفتها حين استعادت أذربيجان السيطرة الكاملة على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه عام 2022.

وقد أتاح هذا الفشل للرئيس الأرميني نيكول باشينيان هامشا للتواصل المباشر مع كل من أذربيجان وتركيا. ويُعمل حاليا على معاهدة سلام بين باكو ويريفان، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإتمامها حتى يسجلها في رصيده السياسي.

وفي فبراير/شباط 2024، علقت أرمينيا مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تقودها روسيا. كما عمقت تعاونها الدفاعي والأمني مع فرنسا.

أما أذربيجان، فقد شهدت توترا مع روسيا مرتين خلال السنوات الأخيرة؛ في 2024 إثر إسقاط طائرة مدنية فوق بحر قزوين، ومؤخرا هذا الصيف بعد اعتقال مواطنين أذريين في مدينة يكاتيرينبورغ الروسية، وهو ما أدى إلى أزمة كبيرة.

وكانت روسيا في السابق تفرض نفوذها في المنطقة من خلال دورها كوسيط بين أرمينيا وأذربيجان. أما الآن، فقد نجحت بطريقة ما في تنفير الطرفين، بينما سارعت تركيا والولايات المتحدة إلى ملء الفراغ.

وفي جنوب القوقاز، تبدو جورجيا الدولة الوحيدة التي تميل نسبيا نحو موسكو، وذلك في المقام الأول لأن الحزب الحاكم "الحلم الجورجي" وزعيمه الفعلي الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، دخلا في خلافات مع الاتحاد الأوروبي؛ بسبب ميولهما السلطوية.

ومع ذلك، لم تتخل جورجيا عن طموحها الأوروبي؛ وإنما رفضت فقط مطالب الاتحاد بشأن الإصلاح الديمقراطي، وهي مطالب فقدت بريقها على أي حال تحت تأثير إدارة ترامب.

إعلان

وتسعى تبليسي، بدلا من الارتماء في أحضان موسكو، إلى تحقيق توازن دقيق بين أوروبا والولايات المتحدة، والصين بطبيعة الحال.

أما آسيا الوسطى، فقد كانت منذ فترة طويلة تمارس ما يعرف بـ"التعدد في التوجهات". وقد دفعت الحرب في أوكرانيا حكومات تلك المنطقة إلى التيقظ من خطر التغلغل الروسي، وفتحت شهية هذه الدول لتقوية علاقاتها بالصين كقوة موازية.

وبكين بدورها وسعت من حضورها الاقتصادي في المنطقة، فهي المستثمر الأكبر حاليا في آسيا الوسطى. وقد ارتفعت حصتها من إجمالي تجارة الدول الخمس في الإقليم من 17.7% عام 2020 إلى 24.1% في 2024، مع تصدر تركمانستان (55%) وقرغيزستان (35%) القائمة.

كما كثفت الصين نشاطها الدبلوماسي: إذ عُقدت أول قمة بين الصين وآسيا الوسطى في مدينة شيآن في مايو/أيار 2023. وفي القمة الثانية التي انعقدت في أستانا في يونيو/حزيران من هذا العام، تم توقيع معاهدة لـ"الجوار الدائم، والصداقة، والتعاون".

وامتد الاهتمام الصيني إلى المجال الأمني، الذي طالما اعتُبر حكرا على موسكو، ليشمل مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والجريمة العابرة للحدود. ومن منظور دول الإقليم، فإن هذا الشراكة قد تكون مفيدة في التعامل مع التحديات الداخلية. ولم يعد القول الشائع بأن "روسيا توفر القوة، والصين توفر المال" دقيقا.

ورغم تذمر روسيا، فإنها باتت محاصرة، نظرا لاعتمادها المتزايد على الصين، والذي تعاظم بسبب الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية التي تلتها.

وكان حضور بوتين العرض العسكري في بكين في الثالث من سبتمبر/أيلول، احتفالا بالذكرى الثمانين للانتصار في الحرب العالمية الثانية، ورفعه دور الصين في هذا النصر، مؤشرا آخر على مدى اختلال التوازن في هذه العلاقة. وقد حضر الزعماء الخمسة لدول آسيا الوسطى، إلى جانب رئيس بيلاروسيا.

ومع ذلك، فهذا لا يعني أن دول آسيا الوسطى باتت تدور بالكامل في فلك الصين. فقد نبه باحثو السياسة الإقليمية إلى خطأ تصوير المشهد على أنه "اللعبة الكبرى" بنسخة جديدة. فهناك قدر معتبر من الاستقلالية لدى هذه الدول، التي تلعب على الحبال لتحقيق مصالحها الذاتية.

وأوروبا ليست بمنأى عن هذا المشهد. إذ تشكل التجارة مع الاتحاد الأوروبي نحو 23% من إجمالي تجارة آسيا الوسطى. وقد يفسر جزء من هذا الرقم عبر السلع الأوروبية التي يعاد تصديرها إلى روسيا لتجاوز العقوبات، لكنه لا يفسره بالكامل.

كما تنشط الدبلوماسية الأوروبية أكثر فأكثر. فقد قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة بارزة إلى كازاخستان في عام 2024 لمناقشة التعاون في مجالات عدة، من بينها الطاقة النووية المدنية.

وفي أبريل/نيسان، شاركت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، في أول قمة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى في سمرقند بأوزبكستان.

لقد خلف قرار روسيا بغزو أوكرانيا تداعيات دائمة: عليها أولا، وعلى الدول التي كانت تخضع لهيمنتها سابقا، وعلى أوروبا والصين كذلك.

وقد نكون بصدد مشاهدة نهاية الهيمنة الروسية على "جوارها القريب". صحيح أن النفوذ الروسي لن يزول كليا في مولدوفا وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، لكنه في تراجع حاد لا يمكن إنكاره.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي يربط اتفاق غزة بحرب روسيا بأوكرانيا بمكالمة مع ترامب.. ماذا قال؟
  • كابل تعلن انتهاء العمليات العسكرية على حدود باكستان
  • تفاصيل جديدة عن إقامة الأسد وعائلته في موسكو.. رفاهية بلا حدود وشقق تطال عنان السماء
  • بريطانيا تُعلن عن عملية مراقبة جوية على حدود روسيا
  • صادرات نفط كركوك عبر ميناء جيهان بديل للخام الروسي إلى أوروبا
  • مولدوفا وخسارة روسيا الفادحة في أوروبا
  • السفير الروسي يكشف لشفق نيوز سبب تأجيل قمة بغداد موسكو
  • ترامب يقترح طرد إسبانيا من حلف الناتو
  • مسيّرات مجهولة فوق أوروبا تدفع حلف الناتو إلى إعلان الطوارئ
  • الرئيس الأمريكي: ربما يجب طرد إسبانيا من الناتو