لعبة الأمم (3-3)
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
محمد بن حمد المسروري
ذكرت بعض وسائل الإعلام أن أفكار الرئيس الأمريكي جو بايدن تختلف كليًا مع حكومة جذور البصل الصهيونية والمدعوة كذبًا "إسرائيل"، وأنه- أي بايدن- له رؤية خاصة بشأن الشوكة في حلق زعماء إسرائيل - غزة العزة- وأنه يرى تدجين غزة بعد إفراغها من المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها ودمجها في دولة فلسطينية-المدجنة قبلاً بأفكار خليفة شارون- منزوعة الإرادة والسلاح والحركة والملزمة بالتخابر مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
بينما يرى وزيرا الأمن والدفاع في حكومة التطرف الصهيوني، إبادة الفلسطينيين إبادة كاملة بدأ بغزة ومن ثم الضفة الغربية للانقضاض على ما تبقى من ذكرى "حبيب ومنزل" من فلسطين وأرض فلسطين، وأن على العرب والمسلمين أين ما وجدوا وبكل أعدادهم وممتلكاتهم، البحث عن حوائط مبكى أخرى ليس مثلما للصهاينة من اليهود وليس كمثلما لهم حوائطهم التى اتخذوها للبكاء حينما يودون أن يكذبوا ويمثلوا على ربهم، وهو أعلم بما يضمرون في سرائرهم وسوء الطوية في أعماقهم.
فهل هذا حقًا ينطبق على أفعال بايدن الذي كاد أن يغشى عليه من الضحك وهو يرى صور أطفال فلسطين أشلاء متناثرة بين ركام منازلهم في أحضان أمهاتهم وفي المستشفيات تأثرًا من المشهد الفضيع في حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني المدعوم أمريكيا وبريطانيا بل وأوروبيا، فقرر تجاوز سلطات الكونكرس الامريكي وأرسل حاملات الطائرات والغواصات النووية للبحر الأبيض المتوسط لإفراغ قذارتها من قنابل ذكيها وغبيها، خاصة بتدمير أعماق ما أقيم من بناء على أرض غزة ولتدمير كل شيء قائم على سوقه، ولم يسلم من ذلك الدمار الشامل كبار السن والمعاقون بل والعاملون في المشافي وسيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ.
هذا ما فعله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الطيب إلى الآن، وهو متأثر جدًا بما عاثه الصهاينة بفكره وأسلحة أمريكية وبأموال دافع الضرائب الأمريكي، فقال لنتنياهو "أنتم لم تفعلوا ذلك بل الفلسطيون فعلوه بأنفسهم.. أليس كذلك؟" وبطبيعة الحال أكد مجرم اليهود (نتن ياهو) بالقول "نعم سيدي".. كلاهما كذِبَا أمام العالم كله، هذا نموذج فقط للكذب الصهيو-أمريكي اللعين.
وعندما عرض الأمر على مجلس الأمن المتسيد على الأمم المتحدة كانت الولايات المتحدة بأمر من الرئيس بايدن موافقة على رفض القرار لمرتين حتى الآن خلال هذا العام وحده، تاركة الفرصة لمجرمي الحرب النازيين من الحركة الصهيونية العالمية، على الاستمرار في ارتكاب المذابح المتتالية ضد العزل في فلسطين المحتلة، وامتناع الحرباء أم المكائد بريطانيا، لتظهر بجلد المسالم لاتفاقها المسبق مع الولايات الصهيونية المتحدة، لتخرج هي بأقل الخسائر أمام مستعمراتها القديمة المتجذرة والمتجددة بمظهر التماسيح، مع صيغة القرار أمام مجلس الأمن المقدم من الإمارات العربية المتحدة الذي وافق عليه 13 عضوًا من أعضاء مجلس الأمن وامتناع الأفعى تاركة المجال للولايات المتحدة لتقول رأيًا اتفقا عليه قبلًا، فعلى الجميع أن يفقه ويعي أن إسرائيل هي الولايات المتحدة الأمريكية وهي بريطانيا، وكلاهما لاخيار لهما عن سطوة الصهاينة اليهود في بلادهما ماليا وإعلاميا وسياسيا، وإلّا من جاء بالرئيس بايدن للحكم في ولايات قرارها بيد الصهيونية العالمية إلا إذا كان فهم طوعًا أوقهرًا، والأمر كذلك في بريطانيا، التي زودت دولة الصهاينة في آخر محاولة لإنقاذها من المواجهة مع شعب أعزل، بقنابل النابالم وقنابل اليورانيم المخضب المحرمة دوليًا، إلا عليهم مثلما فعلوا في العراق قبل ذلك.
الأمر غير ملتبس على العام قبل الخاص، هذا هو فعل دول الشر في كل مكان وأينما وجدوا، إنما للحرباء ميزة التلون بغية إيهام الآخرين بأنها الأصدق وهي على كل حال الأكذب على مستوى العالم وليس لها ذمة ولا شرف، فهم لايرقبون في مسلم إلًّا ولا ذمّة. انظر إلى تناقض رؤياهم حول العالم، فهم وحفيدتهم الولايات المتحدة يحاربون روسيا لأنها- من وجهة نظر إعلامية- محتلة لأراض أوكرانية، بينما تقول روسيا إنها أماكن سكن روسية أصلا. أما في حالة فلسطين فإنهم يرون أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لها الحق في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وعامة بني البشر الأصليين على تلكم الأرض ليحل محلهم شُذَّاذ الأرض من مدعي الديانة اليهودية لإقامة دولة لأؤلئك الشذاذ المدججين بأسلحة بريطانيا وأمريكا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الصليبية بحسب تعريفهم هم.
لكن ستبقى بذات الأسلوب الذي تم به إبادة الهنود الحمر في ما يعرف الآن الولايات المتحدة الأمريكية، المقاومة الفلسطينية برغم سفائن الشهداء اليومية التي تزف إلى المقابر، الجميع يعلم جيدًا أن الدم سينزف دمًا مثله، ولا فكاك للصهاينة من بندقية المقاومة الفلسطينية. ستنتصر المقاومة- باذن الله- وستندحر قوى الشر في أعز أفكارها وإمكانياتها وقوة ما امتلكته أسلحة فتاكه لمواجهة رجال أمنوا بالله وحده وما امتلكوه من أسباب قوة وهبها الله لهم.
هذه ليسة غزة وحدها ولكن نهضة أمة تنطلق- بإذن الله- الى ما أمرها الله به، "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".. يقول تعالى: "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" صدق الله العظيم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
متى تتراجع الولايات المتحدة؟
لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.
من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.
في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر
منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.
صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.
الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.
ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.
هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.
وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض
1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.
2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.
3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.
أفغانستان والعراق
في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.
وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.
ما الذي نتوقعه؟
من المقاومة:
- الثبات والتطوير.
- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.
- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.
- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.
- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.
من الشعوب:
- كسر الوهم الأمريكي.
- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.
- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".
- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.
ومن الحكومات:
- عدم الثقة بالقاتل.
- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.
- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.
- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.
الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.