بنك الاحتياطي الفيدرالي وإنجازه الاستثنائي
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
ينقسم مراقبو السياسة النقدية حاليا إلى مجموعتين. ولكن ربما يتعين على الجانبين أن يتوقفا ويتأملا أين كنا قبل ثمانية عشر شهرا وأين أصبحنا الآن.
على أحد جانبي الانقسام يقف أولئك منا الذين ما زالوا يستسلمون لهوسهم الـمَـرَضي باختلال التوازن الكبير بين المعروض من المدخرات والطلب على الأموال اللازمة للاستثمار الحقيقي.
ونظرا لغياب أي سبب جوهري يجعلنا نتوقع أن تكون الجائحة وما تلاها من إعادة الانفتاح الاقتصادي في وقت لاحق سببا في القضاء على اختلال التوازن هذا، فيترتب على ذلك أن يظل سعر الفائدة الحقيقي المحايد المتوازن (حيث لا تكون السياسة النقدية توسعية أو انكماشية) شديد الانخفاض: أو على وجه التحديد، حيث كان أثناء فترة الركود المزمن. نستنتج من ذلك أيضا أن السياسات الحالية التي تنتهجها البنوك المركزية الكبرى تقييدية إلى حد كبير.
من منظور المنتمين إلى المجموعة الأولى، يتمثل الخطر الأبرز في أن الإبقاء على أسعار الفائدة الاسمية عند مستواها الحالي قد يشعل شرارة ركود كبير، وهو ما من شأنه أن يعيدنا حتما إلى الركود المزمن الكامل، مع انخفاض أسعار الفائدة إلى الحد الأدنى الصِـفري أو بالقرب منه وانزلاق الاقتصادات إلى الكساد الشديد. في المقابل، ترى المجموعة الثانية أن أسعار الأصول الحالية وأسعار الفائدة «طبيعية»، زاعمة أن هذه التدابير تتوافق مع توازن الاقتصاد الحالي. من هذا المنطلق، لا تُـعَـد سياسات البنوك المركزية الحالية تقييدية بدرجة كبيرة، بل إنها أقرب إلى الحياد. ويبدو أن أعضاء هذه المجموعة منشغلون بذكريات آرثر بيرنز.
فبعد أن أصبح رئيسا لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أوائل عام 1970، قرر بيرنز خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية من أكثر من 9% إلى 4.5% بحلول نهاية العام. وقد تبين أن ذلك التصرف كان أحد أخطاء السياسة الاقتصادية الكبرى التي أفضت إلى التضخم في سبعينيات القرن العشرين.
تخشى هذه المجموعة الثانية أن يكرر الاحتياطي الفيدرالي الخطأ الذي ارتكبه بيرنز بخفض أسعار الفائدة في غير أوانه قبل استعادة الثقة الكاملة في التزامه بمرتكز التضخم المنخفض. ولهذا، يحذر الخبير الاقتصادي الحصيف المتمكن محمد عبدالله العريان من أنه «كلما استسلم الاحتياطي الفيدرالي لتوقعات المستثمرين بإجراء تخفيضات كبيرة ومبكرة في أسعار الفائدة في عام 2024 -بما في ذلك الاقتراب من التخفيضات الستة المقررة في العام المقبل- كلما ازدادت الضغوط من جانب الأسواق لحمله على اتخاذ موقف سياسي أكثر وداعة. وعلى هذا فإن الخطر البارز الكبير يتلخص في ما يلي:
«... أن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يشعر بعدم الارتياح إزاء الانفصال بين توجيهاته السياسية المسبقة وتسعير السوق، إلى اتخاذ إجراءات سياسية ترضي الأسواق ولكن يتبين أنها غير متسقة في الأمد الأبعد مع تفويض البنك المركزي.
لن يكون هذا تصرفا غير مسبوق. فقد حدث ذلك الأمر برمته في يناير 2019 مع تحول السياسة في الاتجاه المعاكس عندما كشف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عن لغة جديدة فتحت الباب أمام الاحتمال بأن تكون الخطوة التالية في تحديد أسعار الفائدة إلى الأدنى، بعد ستة أسابيع من إشعار البنك المركزي الأسواق بقدوم مزيد من الارتفاعات».
أول رد فعل من جانبي تجاه هذه الحجة هو أن أقول: «ولكن مهلا: لقد سار التوقف المؤقت في يناير 2019 على ما يرام!» لنتذكر أن الاحتياطي الفيدرالي بحلول أغسطس من عام 2019 كان يريد سعر فائدة أقل على الأموال الفيدرالية، وبالتالي بدأ في خفضه. ولو لم يتحول باول في الاتجاه المعاكس، ولو كانت أسعار الفائدة الطويلة الأجل في السوق والظروف المالية أشد تقييدا خلال النصف الأول من عام 2019، فربما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي ليواجه في خريف عام 2019 مشكلة أشد صعوبة من تلك التي واجهها بالفعل.
بالعودة إلى الماضي، كنت في حيرة من أمري في عموم الأمر إزاء اللهجة المستخدمة في أغلب التعليقات على الاحتياطي الفيدرالي منذ أصبح جو بايدن رئيسا ثم بدأت عملية إعادة فتح الاقتصاد في أواخر أيام الجائحة.
لقد تأخر بنك الاحتياطي الفيدرالي حقا في البدء في رفع أسعار الفائدة أثناء إعادة فتح الاقتصاد، لكن الأسباب التي دفعته إلى ذلك كانت وجيهة للغاية، ولم يترتب على تأخيره سوى أقل القليل من الجوانب السلبية.
عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي إحكام السياسة النقدية، كانت خطواته أسرع كثيرا وأبعد مما كنت أريد. ولكن تبين أن صناع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي كانوا على حق، وكنت أنا على خطأ.
بعد معاينة الأحداث، أستطيع أن أقول إنه من المنطقي إذا تحركت متأخرا، أن تندفع بقوة حتى تتمكن من اللحاق بالركب. وعلى الرغم من تحطم بعض الكيانات المالية الهشة -حيث سقطت ثلاثة بنوك كبرى لكنها كانت صغيرة بالقدر الكافي للسماح بإفلاسها- فإننا نعرف بالفعل كيف ننظف هذا النوع من الفوضى قبل أن يلحق الأذى بكيانات أخرى.
الآن، بينما يحاول الاحتياطي الفيدرالي إيلاج خيط في إبرة صغيرة للغاية، ربما يُـحـسِـن جميع المعلقين صُـنعا بأن يعترفوا بأن تنظيم عملية إعادة فتح سريعة وناجحة للغاية بعد الجائحة، يليها هبوط ناعم على مستوى الاقتصاد الكلي، ليس بالإنجاز الهين. إنها مهمة بالغة الصعوبة، وقد نفذها الاحتياطي الفيدرالي على أكمل وجه تقريبا حتى الآن. ولا بد من تهنئة باول وزملائه. وأظن أن أحكامهم الحالية بشأن وضع راهن بالغ التعقيد تستحق احترامنا.
جي برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومؤلف كتاب التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی أسعار الفائدة
إقرأ أيضاً:
الذهب يستقر محليًا رغم تراجع الأوقية عالميًا بعد خفض الفيدرالي الأمريكي للفائدة
شهد سعر الذهب في الأسواق المحلية حالة الاستقرار خلال تعاملات اليوم الخميس الموافق 11 ديسمبر 2025، رغم التراجع المحدود في الأوقية بالبورصة العالمية.
وجاء ذلك في ظل تأثيرات متباينة تشمل ارتفاعًا طفيفًا للدولار وخفض أسعار الفائدة الأمريكية، إضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، بحسب تقرير منصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات.
وأكد سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، ان أسعار الذهب في السوق المحلية سجلت مستويات مستقرة نسبيًا، حيث بلغ سعر جرام الذهب عيار 21 نحو 5630 جنيهًا، فيما سجل عيار 24 حوالي 6434 جنيهًا، وعيار 18 نحو 4826 جنيهًا، بينما استقر سعر الجنيه الذهب عند 45040 جنيهًا.
وعلى المستوى العالمي، هبطت الأوقية بنحو 13 دولارًا مسجلة 4217 دولارًا، رغم مكاسب تجاوزت 61% منذ بداية العام.
واستعاد الدولار الأمريكي بعض خسائره التي أعقبت اجتماع الفيدرالي الأخير، مقتربًا من أدنى مستوى له منذ 24 أكتوبر، ما حدّ من استفادة الذهب من مكاسبه اليومية.
وبرغم ارتفاع الدولار، يرى محللون أن فرص صعوده تبقى محدودة في ظل توقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، وهو ما يشكّل دعمًا مباشرًا للذهب خلال الفترة المقبلة، إلى جانب استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي.
وفي خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، متوقعًا خفضًا واحدًا فقط في عام 2026، رغم أن الأسواق تترقب خفضين إضافيين خلال العام نفسه، بعدما لمح رئيس الفيدرالي جيروم باول إلى توجه أكثر مرونة في السياسة النقدية.
وأشار باول إلى مخاطر تباطؤ سوق العمل الأمريكي، مؤكدًا أن الفيدرالي لا يرغب في أن تتسبب سياساته في كبح نمو الوظائف، وأسهمت تصريحات باول في هبوط الدولار لأدنى مستوى في أكثر من شهر، ما دفع الذهب إلى تسجيل أعلى مستوى أسبوعي.
ومع ذلك، لم يقدم باول أي توجيهات بشأن موعد الخفض المقبل للفائدة، في ظل معارضة بعض أعضاء الفيدرالي لأي تيسير إضافي، ما يعزز حالة عدم اليقين ويُقيّد قوة الذهب الذي لا يحقق عائدًا لحامليه.
مخاطر جيوسياسية وحركة أموال تحفّزان الملاذ الآمنورغم توجه المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر، فإن بطء التقدم في محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا يجعل الذهب محتفظًا بجاذبيته كملاذ آمن، ويحدّ من الهبوط الحاد لأسعاره، في وقت يتجه فيه المشاركون إلى ترقب بيانات البطالة والميزان التجاري الأمريكي المنتظر صدورها الخميس.
الفيدرالي يثبت توقعاته الاقتصادية ومخطط النقاط دون تغييرولم يُدخل الفيدرالي تعديلات جوهرية على توقعاته الاقتصادية، بينما بقي «مخطط النقاط» دون تغيير، مع توقع خفض الفائدة إلى 3.4% خلال العام المقبل، واحتمال خفض إضافي في 2027، وتوقعات نمو اقتصادي معتدل يصل إلى 2.3% في العام القادم، وارتفاع طفيف في معدلات البطالة إلى 4.4%.
ويُتوقع تراجع التضخم تدريجيًا إلى مستهدف الفيدرالي البالغ 2% خلال عام 2028، مع انخفاض التضخم الرئيسي إلى 2.4% العام المقبل مقابل 3% في تقديرات أكتوبر.
اقرأ أيضا
عاجل | بقيمة 10 جنيهات.. تحرك جديد في سعر الذهب بمستهل تعاملات اليوم الخميس 11 ديسمبر
بعد تخفيض الفائدة الأمريكية.. مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025
بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 في البنوك