لجريدة عمان:
2025-07-05@11:33:49 GMT

هل هناك أخلاق في السياسة؟ «1»

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

الرأي الشائع الذي يتداوله الناس والساسة أيضًا هو أنه لا أخلاق في السياسة ولا سياسة في الأخلاق؛ فالسياسة هي فن إدارة المصالح بصرف النظر عن الأخلاق. وهذا الرأي ليس جديدًا وإنما يضرب بجذوره في الفكر القديم والحديث: فها هو ذا تراسيماخوس -وهو من كبار السوفسطائيين في عصر قدماء اليونان- يقول: إن «العدالة هي تحقيق مصلحة الأقوى»، ومعنى ذلك أن العدالة في الواقع وفي إدارة شؤون الناس ينبغي أن تنتصر للأقوى؛ فالحكومة هي السلطة الأقوى في أي مجتمع، وهي قد وصلت إلى الحكم بهذا الاعتبار، أي بوصفها الحزب الأكثر قوة، ومن ثم فإنه يحق لها الوصول إلى أهدافها وفقًا لمنطق القوة التي تمتلكها.

وها هو ذا ماكيافللي يرى أن السياسة لا تتعلق بالبحث عن المدينة الفاضلة، ولا بالبحث عن العلاقة بين مدينة الله ومدينة الإنسان كما ذهب القديس أوغسطين، وإنما تتعلق بالبحث عن أساس الأخلاق على المستوى الفردي والمستوى العام، وهو ينتهي إلى مقولته الشهيرة: «الغاية تبرر الوسيلة». والواقع أننا حينما نتأمل الممارسات السياسية الدولية عبر العالم نجد أن هذا التوجه هو ما يحكم هذه السياسات حتى في الدول المتحضرة التي تتبنّى نظمًا ديمقراطية تتوخي العدالة.

والواقع أن الديمقراطية يتم الترويج لها باعتبارها صناعة غربية بلغت ذروتها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا، وهي نظام يكفل الحرية والعدالة الإنسانية للبشر. ولقد روَّج لهذا الرأي الكثيرون لعل أشهرهم في الفكر المعاصر الباحث الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما الذي كتب مقالًا بعنوان «نهاية التاريخ»، وهو مقال قد أثار إعجاب الساسة في أمريكا، فشجعوه على تطوير مقاله في كتاب تم الترويج له بعنوان «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».

شاعت هذه الرؤية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه باعتبار ذلك دليلًا على انتصار النظام الديمقراطي على النظام الشيوعي المستبد. وليس معنى ذلك أننا ينبغي أن ندعم أو نؤيد النظم الشيوعية أو الاستبدادية في مواجهة الديمقراطية، بل إننا نهدف فقط إلى الكشف عن عوار النظم الديمقراطية كما تتجلى في ممارسات السياسات الدولية.

ولكننا حينما نتأمل الأمر بشكل أكثر عمقًا نجد أن هذه الديمقراطية التي يروج لها الغرب باعتبارها غاية إنسانية وأخلاقية، هي سياسة يتبعها الغرب فيما يتعلق بالسياسات الداخلية التي تتبنّى نظمًا ديمقراطية بأشكال مختلفة، أما فيما يتعلق بسياساتها الخارجية، فإنها تنظر إلى غيرها من الدول باعتبارها الآخر الذي ينبغي التعامل معه بمنطق تراسيماخوس وماكيافللي، خاصة تلك الدول المستضعفة التي تشكل مطمعًا لها بما تحويه من ثروات وبما تمثل جغرافيتها مجالًا مهمًّا للسيطرة على مجالات حيوية في العالم، وهذا ينطبق على دول عديدة تدّعي الديمقراطية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية وفرنسا وألمانيا وإسرائيل على سبيل المثال. بطبيعة الحال هناك استثناءات تتبدى في مواقف بعض الدول الغربية -مثل إسبانيا- وبعض الزعماء والساسة في الغرب ممن لديهم ضمير إنساني، وهو ما تبدى في المواقف الاستثنائية إزاء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني. ولكننا بوجه عام نشاهد دعم الغرب لهذا العدوان اللاإنساني على الشعب الفلسطيني، رغم أن هذا الغرب لا يزال يدعي أنه نظام يتبنى الديمقراطية والعدالة والقيم الإنسانية. ونحن نشاهد ذلك يوميًّا ومنذ سنوات في اعتداء هذه الدول على غيرها في العالم أو دعم هذا العدوان وتأييده. وحتى عندما نلاحظ التصريحات التي تصدر عن زعماء وساسة هذه الدول، فإننا نجدها تصريحات منحازة تدعم العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني الأعزل من المدنيين والأطفال على نحو غير مسبوق في تاريخ الحروب والعدوان، بما في ذلك العدوان النازي على غيره من الدول المجاورة.

فهذا العدوان يحدث بحجة تصنيف الفصائل المقاومة من هذا الشعب بأنها فصائل إرهابية، وهي تهمة جاهزة يتم تسويقها إزاء كل ما يمكن تصنيفهم باعتبارهم أعداء لمجرد أنهم يقاومون كل من يعتدي عليهم، ويرفضون الانصياع لهيمنة القوى العالمية عليهم، بما في ذلك أراضيهم ومقدراتهم وقيمهم التي بها يؤمنون. ولقد شاهدنا ذلك، وما زلنا نشاهده في أيامنا هذه من خلال دعم ذلك العدوان الإسرائيلي الوحشي على شعب فلسطين الذي يدافع عن أرضه، حتى تلك الأرض التي تم تحديد حدودها بقرارات عامة للأم المتحدة. ولكن قرارات الأمم المتحدة تبدو كما لو كانت حبرًا على ورق: فالأقوى هو الذي يحدد أو على الأقل يؤثر في هذه القرارات الدولية. وحتى قرارات مجلس الأمن الدولي التي من المفترض أن تكون ملزمة هي قرارات تتحكم فيها الدول العظمى التي تمتلك حق الفيتو، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدم دائمًا حق الفيتو في نقض القرارات التي تتعارض مع مصالحها، وإن تعارضت مع العدالة والأخلاق؛ ولذلك فإنها تدعم دائمًا دولة إسرائيل على حساب شعب فلسطين، باعتبارها ذراعها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. وبذلك يمكننا القول بأن النظم العالمية التي وضعها الغرب المفترض أنه ديمقراطي، هي نظم غير ديمقراطية وغير إنسانية وغير عادلة، طالما أنها لا تتبع سياسة العدالة والمساواة من خلال الاقتراع. وهذا يصدق على القرارات التي تحكم سياسات العالم مثلما تصدق على سياسات الدول التي تدعي أنها معقل الديمقراطية والإنسانية والعدالة.

وفي ضوء هذا يمكن أن نفهم قول تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي أصدر القرارات المروِّعة في أثناء الحرب العالمية الثانية: «لقد ارتكبت من الجرائم لصالح بريطانيا، ما لو ارتكبته بداخلها لقضيت حياتي كلها في السجن». وهذا يدل على الازدواجية في نظرة الغرب للعلاقة بين السياسة والأخلاق؛ بالضبط لأن ما يحكم هذه النظرة هو الصلة بين السياسة والمصالح فيما يتعلق بالتعامل مع الآخر. وللحديث بقية في شأن العلاقة بين الأخلاق والسياسة.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة ومؤلف كتاب «ماهية اللغة وفلسفة التأويل».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

دوجاريك: الأمم المتحدة فشلت في حماية الشعب الفلسطيني

أكد الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن ميثاقها والقانون الدولي، يتعرضان للانتهاك مرارا وتكرارا من قبل بعض الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الحرب الإسرائيلية على غزة وغيرها.

وقال دوجاريك في تصريح صحفي، الليلة، إنه "يجب على الدول الإيمان وتنفيذ الالتزامات التي وقعت عليها بنفسها".

وحول التصور السائد في الشرق الأوسط والعالم، أكد دوجاريك أن "الأمم المتحدة فشلت في حماية الشعب الفلسطيني".

وأشار دوجاريك إلى أن "الأمين العام وجميع موظفي الأمم المتحدة الإنسانيين وغيرهم ممن بقوا في غزة يبذلون قصارى جهدهم لحماية المدنيين، ومساعدتهم على البقاء على قيد الحياة على الأقل من خلال تزويدهم بالقدر المحدود من الموارد المتاحة لدينا".

المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين صحيفة: غالبية التفاصيل الجوهرية لاتفاق غزة قد حُسمت  الدفاع المدني في غزة : الجيش الإسرائيلي يمنعنا من إنقاذ الأحياء ترامب يعتزم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الاثنين المقبل الأكثر قراءة الجيش الإسرائيلي يتحدث: هذا ما جرى خلال الحرب على إيران هآرتس: قادة الجيش أمروا بإطلاق النار على الفلسطينيين عند نقاط توزيع المساعدات واشنطن تبحث مساعدة إيران بـ"نوويّ مدنيّ" لدفعها للتفاوض مصر وفرنسا يتوافقان على أهمية التزام إسرائيل وإيران باتفاق الهدنة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • ولي العهد يهنئ رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بذكرى استقلال بلاده
  • حالات التسمم بالسالمونيلا ترتفع.. ما الذي يمكنك فعله للحفاظ على سلامتك؟
  • “حماس”: سلمنا ردنا الذي اتسم بالإيجابية للوسطاء وجاهزون للتفاوض حول التنفيذ 
  • الأمم المتحدة تعترف بفشلها في حماية الشعب فلسطين
  • إسرائيل تكذب على العالم.. الاحتلال يسوق لصورة أكثر الجيوش أخلاقًا
  • الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني
  • الأمم المتحدة تحذر من انتهاكات للقانون الدولي والميثاق
  • دوجاريك: الأمم المتحدة فشلت في حماية الشعب الفلسطيني
  • تعرف على الدول التي يتعين على النساء فيها أداء الخدمة العسكرية
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!