ميديا بارت: مع نهاية حرب نتنياهو القذرة سينتهي مساره السياسي
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
تناول مقال لكاتب حقوقي فرنسي في موقع ميديا بارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الحرب في غزة ستكون طويلة، ودعوته لتكثيف جديد للقصف على القطاع.
وأشار إلى أن نتنياهو يجب أن يتحمل بعد الحرب مسؤوليته عن الاختيارات التي عرّضت إسرائيل لصدمة تاريخية، والشعب الفلسطيني لمذبحة همجية قتل فيها أكثر من 21 ألف شخص حتى الآن، مما يعني بداية النهاية لمسيرته السياسية.
وقال الكاتب والحقوقي الفرنسي رينيه باكمان، في مقال طويل في موقع ميديا بارت، إن نتنياهو يدرك أن نهاية القتال تعني استئنافا محتملا لتعبئة واسعة النطاق للمجتمع المدني ضد مشاريعه السياسية، وأيضا ضد إدارته الكارثية لمسألة "الرهائن"، خاصة إذا لم يخرج من بقي منهم من غزة أحياء، وأنها تعني كذلك عودة محتملة إلى المحكمة للرد على اتهامات الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة التي أثقلت كاهله لأكثر من 5 سنوات.
وفي هذه اللحظة -يقول الكاتب- يتعين على رئيس الوزراء أن يشرح موقفه أمام لجنة التحقيق التي سيتم تشكيلها بلا شك لفحص الظروف التي تمكنت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من تنفيذ عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحت أنظار أجهزة المخابرات الإسرائيلية، مما أدخل البلاد في واحدة من أسوأ الصدمات في تاريخها.
ونظرا لانعدام الثقة القائم منذ سنوات بين نتنياهو والقضاة، ولا سيما قضاة المحكمة العليا، والتقليد المتمثل في تكليف رئيس المحكمة برئاسة لجان التحقيق، كما كان الحال مع شمعون أغرانات عام 1973 في "حرب أكتوبر"، ثم مع إسحاق كاهانا عام 1982، في مجزرة صبرا وشاتيلا ببيروت، يعتقد أن نتنياهو غير متحمس لفكرة الرد على أسئلة إستر هايوت أو من يخلفها في رئاسة المحكمة.
توتر مع واشنطن؟
وبحسب الموقع الفرنسي فمن المعروف أن نتنياهو، في مواجهة هذه المحن وفي مواجهة النتائج الفظيعة بالنسبة للفلسطينيين والمخيبة للآمال بالنسبة للجيش الإسرائيلي، خلال الشهرين الأولين من الحرب على غزة، أدار أذنه الصماء لمطالب وقف إطلاق النار.
ولم يكن نتنياهو متقبلا لاقتراحات الأميركيين، فقد أجاب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، عندما دعاه لإشراك السلطة الفلسطينية لتصور "ما بعد حماس"، دون أي اعتبار بالقول "سأكون واضحا. لا أريد أن تكرر إسرائيل خطأ أوسلو، لن أسمح بإدخال أشخاص يعلّمون الإرهاب ويدعمون الإرهاب ويمولون الإرهاب إلى غزة، غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان".
ومن علامات الانزعاج الأميركي -كما يرى الكاتب- قرار إدارة بايدن "تأخير نقل" 20 ألف بندقية هجومية من طراز "إم-16" (M-16) إلى إسرائيل، لأنها تخشى أن يوزعها وزير الأمن القومي العنصري بن غفير، على مليشيات المستوطنين التي يدعم هجماتها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويتابع ميديا بارت أن علاقات نتنياهو مع باراك أوباما كانت كارثية منذ البداية ولمدة 8 سنوات، حيث وقف ضد رغبة الرئيس الـ44 في إعادة إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين، وبذل كل ما في وسعه دون جدوى، لمنعه من إبرام الاتفاق الدولي بشأن الطاقة النووية الإيرانية، مخالفا بذلك نصيحة العديد من مسؤولي الجيش والمخابرات.
ومع الرئيس الديمقراطي الحالي يحتفظ بعلاقات ودية إلى حد ما مع زعيم الليكود، حيث يقول "أنا أحب بيبي لكنني لا أحب ما يقوله على الإطلاق".
وكما تبين دراسة أجراها عالم الاجتماع ياجيل ليفي، المتخصص في القضايا العسكرية في جامعة إسرائيل المفتوحة، قرر الجيش الإسرائيلي، لزيادة قوته التدميرية ضد حماس، التخلي عن التمييز بين المدنيين والمقاتلين أثناء ضرباته.
حلفاء أخيرون
ولا يخفى على أحد أن "المظلة الإستراتيجية" الأميركية توفر -مع السلاح النووي الذي لا يذكر ولكنه حقيقي وتمتلكه إسرائيل- نظام الردع الذي يحمي تل أبيب، فهل يستطيع نتنياهو ألا يقبل، من أجل الحفاظ على هذا "التأمين على الحياة"، طلبات واشنطن، ليبدو في شخصية "البطل القومي" القادر على مقاومة حتى واشنطن لمنع ولادة الدولة الفلسطينية؟
ويشير الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس، إلى أن "أهداف الحرب تم عكسها"، إذ كان الهدف في الأصل يتلخص في تدمير حماس عسكريا، مع الاعتراف بقدرتها على الاحتفاظ بما تبقى من السلطة السياسية، أما اليوم فلا تزال الحركة نشطة عسكريا.
ويتفق إيهود باراك، الذي خلفه كرئيس للحكومة عام 1999، بعد ولايته الأولى في السلطة مع رأي بينكاس وآخرين غيرهما، وقد كتب في صحيفة هآرتس أن "نتنياهو غير قادر على قيادة هذه الحرب وأن عليه أن يترك منصبه قبل أن تصبح عواقب نقاط ضعفه غير قابلة للإصلاح".
وفي هذا السياق، يظل العنصريان اليهوديان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش آخر حلفائه في الوقت الراهن، إلا أنهما أعربا أيضا عن بعض التحفظات الأسبوع الماضي، ونددا بقرار نتنياهو بالسماح لشاحنتي وقود بالدخول إلى القطاع كل يوم باعتبار ذلك تنازلا متساهلا.
المهندس السيئ
وأشار ريني باكمان إلى أن نتنياهو أقام "جدارا عازلا" على حدود قطاع غزة، على عمق 65 مترا تحت الأرض، يتكون من الخرسانة والصلب، وتتخلل هذه المنظومة أبراج مراقبة مزودة بكاميرات ورادارات مضادة للتسلل، وتضمنت أيضا رشاشات آلية يتم إطلاقها بمجرد اكتشاف "صدى" في "المنطقة المحرمة" على مسافة 300 متر، لمنع أي تسلل إلى الأراضي الإسرائيلية.
غير أن عملية "7 أكتوبر" أظهرت مدى ضعف هذه "الحافة الواقية" التي اخترقها المهاجمون بالجرافات، بعد أن "عموا" الكاميرات والرادارات ودمروا المدافع الرشاشة.
ومن خلال شهادات الجنود، اتضح أن رسائل التنبيه تم نقلها إلى هيئة الأركان العامة قبل عملية 7 أكتوبر دون أن تؤخذ في الاعتبار على "المستوى السياسي"، كما أن بالونات المراقبة المستخدمة لمراقبة القطاع كانت معطلة منذ أسابيع وأن طلبات الإصلاح لم يتم الرد عليها.
وخلص الكاتب إلى أن مهندس هذا النظام الأمني هو نتنياهو، الذي لم يعتد على الاعتراف بأخطائه، وتساءل إلى متى سيقبل المجتمع الإسرائيلي أن يقوده سياسي أسهمت خطاباته، قبل 30 عاما في إثارة اغتيال رئيس وزراء، وأدت خياراته السياسية والإستراتيجية غير المسؤولة إلى تفاقم هذه المشكلة؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: میدیا بارت أن نتنیاهو إلى أن
إقرأ أيضاً:
غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.