لن تتقدم المليشيا شبراً واحداً إلى الأمام نحو بقية ولايات السودان لأنها لم تعد تحارب الجيش بل أصبحت في مواجهة شعب عازم على المقاومة وحماية نفسه وعرضه وماله. لن يهرب الشعب السوداني إلى أي مكان وسيواجه الجنجويد والمرتزقة.

الحرب ما عادت حاميات أو فرق عسكرية يتم إسقاطها والسيطرة عليها؛ الحرب أصبحت مواجهة بين الشعب السوداني والأوباش.

كل المدن والقبائل التي انتفضت لم تخرج في حرب سياسية أو لمساندة الجيش بل لتدافع عن نفسها ضد عدو يستهدفها في مالها وعرضها وكل ما تملك.
خطأ مدني والجزيرة لن يتكرر في أي منطقة أخرى.

حتى وقت قريب كان يُنظر إلى هذه الحرب كحرب بين الجيش والدعم السريع؛ قوتين نظاميتين تتحاربان بدوافع سياسية. هذه النظرة ما عادت موجودة ولا حتى في دارفور نفسها التي تنحدر منها نواة المليشيا الأولى. أوباش الدعم السريع ومن تبعهم من المرتزقة واللصوص ما عادوا يمثلون عرب دارفور سياسياً؛ مجتمعات عرب دارفور لا تنتظر منهم نصراً سياسياً ولا تعتبر حرب المليشيا في الخرطوم والجزيرة هي حربها؛ لا يوجد أي حشد أو إسناد قبلي منظم للمليشيا من دارفور. الناس في نيالا والضعين وجنوب دارفور عموماً هم أنفسهم خائفون من المليشيات وإجرامها ويعانون من الفوضى والانفلات الأمني.

إن كان هناك أطراف يمثلها الدعم السريع فهي القوى الخارجية التي توفر الدعم العسكري والسياسي لهذه المليشيا لخدمة أجندتها الخاصة ضد الدولة السودانية. آل دقلو ليسوا سوى دُمى في أيادي خارجية، حاولوا بالمال أن يشتروا بعض الإدارات الأهلية ورجال الطرق الصوفية وبعض الساسة والعساكر وغيرهم ونجحوا في ذلك وجندوا المرتزقة واللصوص ليقاتلوا معهم مقابل الغنيمة، بعض المرتزقة استجلبوهم من خارج السودان؛ أطلقوا سراح مجرمين سجناء وانخرطت صنوف من المجرمين والهمباتة واللصوص من كل مكان في السودان،

ولكن كل هذا الخليط بلا جذور حقيقية في المجتمع السوداني؛ فهذه ليست حرب مجتمعات ضد بعضها ليست حرباً أهلية ولا هي حرب طبقية؛ إنها، أي المليشيا، مجرد أداة للتخريب والتدمير يشعر الجميع من أقصى الشرق في بورتسودان حتى الجنينة بخطرها ولا يأمنها أحد؛

لا توجد أي مدينة أو قرية في الشرق أو في الشمال أو الغرب تتمنى أن يدخلها هؤلاء الأوباش، ويهرب منهم الناس في أي مكان دخلوا إليه (هذا الهروب لن يستمر بعد الآن مع المقاومة الشعبية التي بدأت تعم ولايات الشرق والشمال والوسط وكردفان، سيواجه الأوباش بالرصاص وبالسلاح الأبيض وحتى بالحجارة. لقد انتهى زمن الهروب والتشرد الذي شهدته عدة مدن دخلها الجنجويد).

نقطة أن هذه المليشيا بلا عمق اجتماعي حقيقي بعد أن انفضت عنها مجتمعات عرب دارفور (دليلنا على ذلك معلومات من الأرض تقول بعدم وجود أي تجييش أو استنفار لصالح مليشيا آل دقلو في دارفور. نعم قد يكون هناك بعض الأفراد يشاركون في هذه الحرب من أجل الغنيمة أو لأسباب تخصهم، ولكن لا يوجد تجييش وتجنيد موازي للمقاومة الشعبية للجنجويد والمرتزقة كمجرمين تم اختزالهم وتجريدهم في هذه الصفة وحدها) هذه نقطة جوهرية وحاسمة في مسار الحرب.

لا توجد قضية سياسية، ليس هناك صراع اجتماعي ولا حرب أهلية. نحن أمام ظاهرة حرب ضد الدولة تغذيها قوى خارجية بهدف التدمير والتخريب ثم السيطرة على الدولة، ووقود هذه الحرب عبارة عن مجرمين بلا أي هدف ولا أي قضية؛ السودانيون منهم يخربون بلدهم بمشاركة المرتزقة الأجانب ويشاركون في أعمال النهب والسلب والاغتصابات وجرائم القتل الفردي والجماعي. هذه المليشيا خطر على جميع السودانيين وستتم مواجهتها على هذا الأساس في كل السودان.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

السودان وفروقات الوعي السياسي

أن الحرب تعتبر أعلى درجات الأزمة في أية مجتمع، و العقل السياسي الذي تسبب في الأزمة حتى وصلت إلي الحرب، لا يستطيع أن يحدث تغييرا في واقعها، إلا إذا استطاع تغيير طريقة تفكيره.. و التغيير لا ينتج بعقول خاملة لا تستطيع أن تنتج أفكار جديدة، فقط تعيد إنتاج ذات المقولات التي تسببت في الحرب.. المطلوب عقول جديدة، تنتج أفكار جديدة، تستطيع من خلالها أن تحدث تنشيط في الفعل السياسي يتجاوز سلبيات الماضي.. لكن محاولات إعادة ذات العقليات برفع ذات الشعارات القديمة سوف تعيد إنتاج الأزمة.. أن النخب السياسية السودانية تتخوف من نقد ممارساتها التي أوقعتها في الأخطاء التي قادت إلي الأزمة.. لذلك الكل يميل للتبرير الذي يغيب معرفة الأسباب و يعيد إنتاج الأزمة بصور مغايرة..
أن أغلبية النخب السودانية السياسية، أو المثقفة التي تدور في المحور السياسي، لا يفكرون إلا من خلال مصالحهم الخاصة، أو مصالح أحزبهم، لذلك ينظرون لواقع الأحداث من خلال عدسات ضيقة لا تساعد على النظرة الكلية للأزمة.. مثالا لذلك نشرت سودان اندبندنت خبرا يقول ( طالب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ز جعفر الميرغني رئيس الوزراء كامل إدريس بالعمل على تهيئة المناخ للانتخابات العامة في السودان) و أضاف قائلا ( إقامة مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات حرة و نزيهة) أن جعفر الميرغني لم يجد ما يقوله إلي رئيس الوزراء غير الانتخابات الأداة الموصلة للسلطة.. رغم أن البلد ماتزال الحرب مستمرة فيها، المؤامرات الخارجية تنوع في تحدياته.. فالعقل الذي لا ينظر للأزمة بكلياتها لا يكون مفيدا في معالجة الأزمة.. و أيضا هناك أحزاب و سياسيين متمسكين بالتفاوض ليس قناعة منهم إنه طريقا ناجعا للحل، بل لأنهم يعتقدون أن أنتصار الجيش على الميليشيا سوف يحدث واقعا سياسيا جديدا يصعب عليهم شروط الالتحاق به.. و أيضا هناك قوى سياسية تريد أن تنتهي الحرب لكي تواصل فعلها الثوري.. الأمر الذي يؤكد خمول العقل السياسي في إنتاج أفكار جديدة تتجاوز بها الأزمة..
أن الحرب ليست عملية سياحة للترفيه، أو حالة من حالات الغضب و بعدها ترجع الأشياء كما كانت قبل الحرب.. الحرب تستخدم فيها كل أدوات القتل و التدمير، و يظهر السلوك السالب بكل تفاصيله، و كلها أشياء سوف يكون لها انعكاسات على حياة الناس و سلوكهم و علي طريقة تفكيرهم.. الحرب حتما سوف تظهر قوى جديدة من الشباب الذين شاركوا في القتال، هؤلاء يجب أن يكون لهم دورا في مستقبل البلاد السياسي.. الجيش بعد الانتصار أيضا لديه مهمة أخرى.. هي حفظ الأمن و جمع السلاح من كل المقاتلين و فرض السلام الاجتماعي و السياسي في البلاد.. و وضع حد لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي السوداني.. و كلها قضايا في حاجة للتفكير العقلاني الموضوعي... و ليس التفكير القائم على المصالح الضيقة..
معلوم في الفكر السياسي أن عملية البناء و النهضة تؤسس عن طريقين.. الأول أن تكون هناك أحزاب ناضجة و فاعلة، على رأسها قيادة لها مشروع سياسي، يلتف حولها الشعب و تعمل بجد، و عمل إداري بخبرات عالية، و نزاهة و شفافية. و التزام قوى بتطبق القوانين، و استطاعت أن تنجح في ذلك حدث ذلك في البرازيل و الهند و تركيا و ماليزيا و رواندا.. و هناك دول نهضت من خلال حزب واحد أو قيادات عسكرية أيضا استطاعوا أن يلتزموا بمعايير النهضة.. المشروع السياسي و حسن الإدارة و النزاهة و الشفافية و تطبيق القوانين و حدث ذلك في الصين و سنغافورة و كوريا الجنوبية و فيتنام.. و النجاح في الثاني الرهان عليه في التحول غلي الديمقراطية مرتبط بالتطور الاقتصادي الذي يبرز طبقة أوسطى جديدة تقود إلي تحول ديمقراطي من خلال دورها السياسي و الفكري و الثقافي في المجتمع..
إذا أردنا أن نقارن العملية السياسية في السودان.. بالتطورات التي حدثت بعد ثورة ديسمبر نجد أن الشارع كان أكثر وعيا من القوى السياسية، التي فشلت في إدارة الأزمة السياسية، لأسباب عديدة.. اولا - أنها لم تكن لديها مشروعا سياسيا.. ثانيا - القيادات التي قدمتها للمواقع الدستورية " الوزارات" أغلبيتهم كانت ذات خبرات ضعيفة، و بعض منهم أول وظيفة له في حياته و حياتها كانت وزارة.. ثالثا - خسارتهم للشارع الذي جاء بهم للسلطة.. رابعا – راهنوا على الخارج أن يعيدهم للسلطة.. خامسا - تحالفهم مع الميليشيا و أصبحوا جناحها السياسي.. سادسا - فشلوا في تقييم التجربة و مايزالون يرهانوا حتى الآن لكيفية العودة للسلطة، دون أن يكون لهم تصورا مقنعا للشارع... سابعا – عندما تفشل قيادة الأحزاب في معركتها و تخسر الشارع تبدأ بتغيير قياداتها في محاولة من أجل كسب الشارع، لكن قلة الخبرة، و عدم وجود قيادات أفضل ظلت الأحزاب تصارع بذات القيادات التي باتت غير مقبولة في الشارع..
أن البلد ليس كما قال جعفر الميرغني (بإنها في حاجة إلي مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات) البلد حتى يكون فيها أحزاب قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية، هي في حاجة لتشريعات " قانون الأحزاب" أن تجرى الأحزاب مؤتمراتها قبل كل أنتخابات على أن لا يترشح أي عضو أكثر من دورتين.. و في الفترة الانتقالية أن تجري الأحزاب انتخاباتها مرتين قبل الانتخابات.. لكي يضمن الشعب ليس هناك احتكارية للأحزاب من قبل شلة أو مجموعات بعينها، أو بيوتات، أو أفراد، و بالتالي يضمن تداول القيادة في الأحزاب، و الانتخابات تضمن تجديد للأفكار و البرامج، و النافسة هي التي تخلق الوعي، و تقدم قيادات مدركة لدورها، إلي جانب مراقبة ألأموال حتى لا يتدخل النفوذ الخارجي عبر التمويل.. أن أهم خطوة قبل الانتخابات قانون الأحزاب.ز حتى تأتي قيادة ضعيفة القدرات لأنها لم تصعد لقمة الحزب إلا بسبب علاقة الأبوة و المحسوبية و الشللية و غيرها.. نسأل الله حسن البصيرة

zainsalih@hotmail.com

 

مقالات مشابهة

  • الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • كارثة صحية في السودان.. 70 وفاة بــ«الكوليرا» وتفشي المرض في 7 ولايات
  • "أطباء السودان" تتهم الدعم السريع باعتقال 178 شخصا بشرق دارفور
  • العنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحرب
  • دمار كبير في القطاع الصناعي سببه الحرب في السودان
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • سيفقد أولاد دقلو كل المدن التي سيطروا عليها وسيتحولون إلى مجرد مجرمين هاربين
  • ممدوح حنا: التكليفات الرئاسية تدفع العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وواشنطن إلى الأمام
  • السودان وفروقات الوعي السياسي