كالمخاض تنتظر بلادنا العربية بترقب وحذر تلك الحروب التي يحمل نذرها العام الجديد 2024، وهي الحروب التي يمكن أن تغير معالم الجغرافيا، والتاريخ لعدد كبير من بلداننا العربية.
عندما اشتعلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 24 فبراير 2022، كانت منطقتنا على شفا الاستقطاب العسكري لأن كل طرف كان يحاول ضاغطًا أن يسحبها إلى جانبه، ولحكمة نادرة عند حكامنا العرب اختاروا لأنفسهم طريق الحياد الإيجابي الذي يضمن ألا تتحول مدننا وشوارعنا إلى ساحات قتال دولية تديرها مجموعة من العصابات التي تتحكم بمصير العالم الآن، ولكن الأقدار لم تجعلنا نطمئن كثيرًا إلا أننا قد هربنا من هذا المصير المدمر، وهو الحروب الكونية.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تصر على عقاب المنطقة وتأديبها لأنها رفضت الانصياع إلى أوامر البيت الأبيض، والعواصم الغربية، ولم ترسل جنودًا أو أسلحة لأوكرانيا ضد روسيا الاتحادية، كما أن إعلامنا العربي لم يقتنع بأن بوتين الذي يدافع عن أمنه القومي إرهابيًا، وقاتلاً، ويجب وفقًا للمزاعم الأمريكية أن تتجيش كل بلاد العالم لإسقاطه.
ومنذ فبراير 2022 أنعم الله على حكام المنطقة بلمحة وعي في ظني أنها حفظت بلادنا من الدخول في جهنم التي يصنعها جبروت وطغيان هذا العالم المجرم الذي احترف سحقنا وقتلنا وتحويل بلادنا إلى ميدان رماية وتجريب لكل أسلحته القذرة، والاستمرار في خداعنا حول الصداقة والشراكة، وتلك الكلمات التي أصبحت قميئة ولا تشكل إلا خدعًا وشراكًا احترف الغرب في صناعته.
والعام 2024، والذي هو للأسف الشديد جاء ليكمل ما بدأته العصابة الإسرائيلية في غزة من ارتكاب لأكبر جريمة في التاريخ بإبادة شعبنا، ومحاولة إذلال كل العرب على مدار الساعة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتحدى بها كل القوانين الدولية والأخلاقية، وحتى قوانين المصالح التي تقول إن المنطقة العربية يمكنها أن تهدد المصالح الإسرائيلية والأمريكية والغربية لمشاركتهم جميعًا في جريمة غزة.
ورغم كل محاولات أمريكا والغرب إبطال مفعول النخوة العربية، وإسكات أصوات الأنظمة والجيوش، بل والشعوب العربية، ونجاحها إلى حد كبير في ذلك حتى نهاية العام الماضي 2023، إلا أن ملامح هذا العام من لبنان واليمن وسوريا والعراق تقول إن حروبًا مدمرة وربما نافعة لأمتنا العربية سوف يشهدها هذا العام، والأخطر من ذلك ما يهدد به علانية قادة إسرائيل بالمساس بالسيادة المصرية، ومحاولة جر مصر إلى الحرب معها بمظنة أنها تملك الآن أكبر دعم في تاريخها يتمثل في وقوف أمريكا بكل جيوشها وأسلحتها وأموالها خلف العدوان في غزة، وبمشاركة خمسة آلاف جندي وضابط فرنسي مع الجيش الإسرائيلي في الحرب على شعبنا هناك، وفتح خزائن أسلحة وأموال، ومعلومات واستخبارات أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، ومعظم الدول الأوروبية لجيش العدوان الإسرائيلي كي ينتصر على حماس، ويدمر غزة ويخرج من الحرب منتصرًا على كل جيوش العرب، وعلى كل شعوب العرب.
ما قامت به كتائب القسام، ومعها بقية فصائل المقاومة قتل الشعور بالخوف والرعب من هذا التحالف الذي دمر من قبل العراق، وليبيا، وسوريا، واليمن، وجعل الجميع يخاف من هذا المصير، لأن المعجزات التي تسطر فوق الأرض وتحت الأرض في غزة يقوم بها مجموعات محاصرة منذ العام 2006 قطعوا عنها الماء والهواء وكل ألوان الحياة، وراقبوهم على مدار الساعة بالطائرات المسيرة، والأقمار الصناعية، والكاميرات الحديثة، ووسائل التجسس الأحدث في العالم، ولكنهم يقاومون حتى اليوم ويلحقون الذل والمهانة بجيش العصابة بعد أكثر من 86 يومًا.
ويعد قتل الخوف والرعب أعظم إنجاز وأكبر هدية قدمتها حماس التي يقولون عنها إرهابية لأمتها وشعوبها وجيشها، فقد أيقن الجميع أن الحروب إرادة، وأن الجيوش تهزم بالرعب وليس بالسلاح.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
وفاة “أفقر رئيس في العالم” بعد صراع مع السرطان
صراحة نيوز ـ غيّب الموت رئيس الأوروغواي الأسبق خوسيه موخيكا، الشخصية الاستثنائية التي ألهمت العالم بتواضعه وزهده، عن عمر ناهز 89 عاماً، بعد معركة شاقة مع مرض السرطان.
وأعلن رئيس الأوروغواي الحالي ياماندو أورسي، وفاة موخيكا في منشور عبر منصة “إكس”، واصفاً إياه بأنه “رئيس وناشط ومرشد وقائد”، في لحظة حزينة طغت على المشهد السياسي في البلاد وأثارت ردود فعل واسعة دولياً.
موخيكا، الذي لُقّب بـ”أفقر رئيس في العالم”، كان مقاتلاً ماركسياً سابقاً ومزارع زهور، عُرف بحياته المتقشفة وأسلوبه الإنساني الذي أسر قلوب الناس، حيث تبرّع بمعظم راتبه خلال فترة رئاسته (2010–2015) وعاش في مزرعة ريفية بسيطة بعيداً عن قصور الحكم.
في ربيع عام 2024، تم تشخيص إصابته بسرطان المريء، وخضع للعلاج الإشعاعي الذي تمكن لفترة من الحد من انتشار الورم. ورغم حالته الصحية المتدهورة، عاد موخيكا في خريف 2024 إلى الساحة السياسية، ليدعم الائتلاف اليساري الذي أوصل مرشحه المفضل وتلميذه السياسي، أورسي، إلى سدة الرئاسة.
لكن في يناير 2025، أعلن طبيبه عودة المرض وانتشاره إلى الكبد. وبسبب إصابته بمرض مناعي ذاتي ومضاعفات طبية أخرى، قرر موخيكا التوقف عن العلاج، قائلاً في مقابلة مؤثرة مع مجلة “بوسكيدا” الأسبوعية:
“بصراحة، أنا أحتضر. المحارب لديه الحق في الراحة.”
رحيل موخيكا لا يمثل فقط خسارة للأوروغواي، بل للعالم بأسره الذي رأى فيه نموذجاً نادراً للقيادة الصادقة والمتواضعة، ودرساً عميقاً في معنى الكرامة والإنسانية.