«الخوف.. ليس تهديدًا أعمى، وإنما يعرف وجهته إلى أرواحنا ويتسلل إليها بسهولة مطلقة».. استوقفتني هذه المقولة كثيرا وأنا أحاول أن أطرد الخوف الذي يعتريني كلما لاحت في الأفق صور الدمار التي تخلفها الحروب في العالم.
وكم أدركت يوما بأن هذا الخوف لا يأتي في كل مرة على شاكلة واحدة أو من منبع واحد، بل تتعدد فيه المخارج والصور، وأغلب الخوف ينجح كثيرا في الوصول إلى هدفه كصاروخ قطع أميالًا طويلة ليصل إلى مبتغاه بدقة متناهية.
الخوف هذا القلق الدائم الذي ينبعث كدخان أسود يملأ السماء التي نراها والأرض التي نمشي عليها، لذا يزداد الخوف أكثر عندما نشعر بأننا قريبا سوف نختنق تدريجيا مما نتخيل الوصول إليه، وعليه لا أحد منا يعلم ما الذي يختمر في الأفق بعد أن تلبدت السماء بغيوم الخوف والرهبة من القادم.
من يتابع بشغف تام، وتعمق متقد لما يدور في العالم من احتدام للنزاع المسلح، ويكشف عن النوايا السيئة التي تحاك في جنح الظلام لغزة والأقوياء لمدن العالم الآخر، يقرأ سيناريو الواقع قبل وقوعه، فمن لحظة إلى أخرى، يبدأ الاقتتال المستميت، كل شيء يتهاوى في غضون دقائق معدودة، والنجاة أو الموت لا تحتاج إلى وقت طويل للكشف عن الأرواح بين أنقاض المباني والساحات.
ألم تلاحظ أنك عندما تتحدث عن تجربة مؤلمة مر بها الجنس البشري لا تجد فيها أي معنى يختبرك عن القيم الإنسانية التي ينادي بها البشر منذ زمن طويل، بل تقابلها أفعال ترتكب بمنتهى الوحشية، لذا نتفق مع كل الذين يرون بأن ضعفنا الإنساني يأتي من قراراتنا وليس من أقوالنا!
من المفاجآت أننا نسكن جغرافيا بعيدة عن موطن النزاعات إلا أن هذه الصراعات تصل إلينا بأي حال من الأحوال، وبالطريقة نفسها، سواء أردنا ذلك أو لم نُرِد، فنحن لا نسعى في كثير من الأحيان إلى معرفة الكثير عن البعض ولا الجهل على الإطلاق بما يحدث للآخرين، لكننا كجنس بشري يتأثر بما يدور حوله، هكذا خُلقنا، وهكذا نظل حتى النهاية.
يقول الكاتب الألماني جورج لوفيش في مقال ترجمته عن الألمانية شيرين ماهر بعنوان «ماذا تفعل بنا الحروب..؟!» وتم نشره في مجلة الفلق قبل ثلاثة أعوام تقريبا: «(الحرب تلتهم الأرواح) هكذا يرى الناجون من براثنها، عندما يُقصفون كيف ظلوا أمدًا يرتجفون ويصرخون في أحلامهم بعد أن فشلوا في التحرر من حرائق الذكرى. وهناك أيضًا من التزموا الصمت، ولم يستطيعوا حتى التعبير عن خوفهم الكامن أسفل جلودهم.. لقد حان الوقت الذي يجب أن نحمي فيه أرواحنا من جحافل الخوف المطبِقة. فالتاريخ يقص لنا الكثير عن مآسي الشعوب تحت وطأة الحروب.. ودروس الماضي لا يمحوها الزمان ولا تَسقُط بالتقادُم، بل على العكس، يضاعِف من أهميتها وضرورة الأخذ بها، خاصة عندما يعيد التاريخ نفسه بصور جديدة، كالتي يعيشها العالم الآن.. لقد صار من الأجدر بنا أن ندثر أرواحنا أولًا، قبل أجسادنا، من بطش الحروب. فهي تنال من أرواحنا، عن بعد، وتتركنا أشباحًا قبل الموت».
وفي السياق ذاته، عندما نتعمق في رؤية الواقع وبكل تفاصيله المؤلمة نكتشف أن ثمة حقائق مخفية لم تصل إلى درجة العلن بل تتوارى خلف الستار لتظل شيئا مجهولا بالنسبة لنا، ومن بين تلك الحقائق: من هم الذين يدفعون فاتورة الحروب في العالم؟
قد ترى بأن الأوطان هي من تدمر منشآتها وبناها التحتية ومرافقها المتعددة، لكن الواقع أن الشعوب هي من تتضرر أكثر من المنشآت والمباني، فكم يموت من البشر سنويا في العالم نتيجة النزاعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب ما بين دول وجماعات متفرقة!
إن ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة وأهلها من جرائم حرب وإبادة جماعية يجعلنا أمام واقع مؤلم وحرب ظالمة وقدر زاحف بكل ما فيه من قسوة ومشاهد العذاب اليومية، المعاناة هي جزء من قصة كفاح شعب وحرية وطن مغتصب، عندما نتابع كأفراد طبيعيين نشعر بالغضب لدرجة أننا نظن أنه يجب أن يتذوق مجرمو الحروب نفس الكأس الذي أذاقوه للأبرياء، لكن عدل الأرض لا ينصف الضعفاء والمستضعفين في كل مرة، ولكن في الأفق ثمة عدل منتظر سينزل من السماء ذات يوم «إن غدًا لناظره قريب».
حرفيا الحرب تحركنا دائما نحو أعماق البحار، وتوقظ بداخلنا شيئًا مخفيًّا غير ملموس.. تُرى ما الذي تطلقه الحرب في بهو أرواحنا من مشاعر تختلج برائحة الموت والدم؟ بالطبع، الواقع بحسب ما تم الاتفاق عليه دوليا يقول: «الحروب هي تهديد واضح وصريح لأرواحنا حتى وإن كانت على بعد مسافات طويلة منا، فهذا ليس بالشيء الجديد، ولذا ستظل الحروب وإن اشتعلت وانطفأت هي رمز للدمار والخراب على الإنسانية».
يقول أحد الأدباء: «دائما ما ينشأ التعاطف مع كل الحروب. وهذا يعتمد على مدى الدمار الذي تخلفه وما نراه على الشاشات، ونسأل أنفسنا كيف يعيش الناس في بلد تحت وطأة القصف؟ وكذلك يزاد خوفنا كلما اقتربت الحرب من المحيط الذي نعيش فيه».
ربما لم نعِش الحرب على أرض الواقع -الحمد لله-، ولكن وصلتنا سمعيا ومرئيا فقط. ومن ثم، لا يصح لنا أن نتحدث عنها كما لو أننا عشنا أجواءها القاسية، ولكن ربما هناك إدراك نفسي وحسي يدفعنا نحو القول بقناعة تامة بأن «الحرب بدرجاتها وشدتها رمز للوحشية»، وهذا القول قد يؤثر على الأشخاص الذين لم يتأثروا -فعليا- بالحروب بصورة مباشرة.
في المطلق العام، البشرية تظل تنظر «للحرب» بشيء من الخوف والجزع والصدمة جراء ما يرونه من صور قاتمة تنتهي فيها مظاهر الحياة اليومية الطبيعية، لذا قد ينهار الشغف والدافع عندما تتلبد السماء بغيوم الحرب، وتنهار الحياة تدريجيا بالنسبة للبعض الذين يقتنعون بأن الحرب ستقضي على الأخضر واليابس!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم
إقرأ أيضاً:
ربع نهائي مونديال الأندية.. «فايق» يعلن المواجهات التي ستنقل عبر قناة MBC
تنطلق مباريات دور الثمانية من بطولة كأس العالم للأندية في تمام الساعة العاشرة من مساء الجمعة، وذلك بمواجهة فريق الهلال السعودي أمام نظيره فلومنينيسي البرازيلي.
وأعلن إبراهيم فايق منذ قليل عبر صفحاته المختلفة على مواقع التواصل الإجتماعي عن المباريات التي ستنقل عبر قنوات أم بي سي، والتي جاءت على النحو التالي:
مانسيني: قرار "فيفا" بإطلاق بطولة كأس العالم للأندية كان موفقا.. والإنتر قدام أداء باهت كأس العالم للأندية.. أرقام وإحصائيات في دور الـ16الهلال السعودي ضد فلومينينسي البرازيلي
الساعة العاشرة من مساء الجمعة الموافق الرابع من شهر يوليو الجاري، وذلك بصوت المعلق الرياضي المصري مدحت شلبي.
باريس سان جيرمان ضد بايرن ميونيخ
الساعة السابعة مساء السبت المقبل بتوقيت القاهرة ومكة المكرمة، وتذاع بصوت المعلق الرياضي فارس عوض.
ومن المقرر أن تذاع باقي المباريات من دور الثمانية لبطولة كأس العالم للأندية عبر منصة «dazn» الأمريكية بصورة مجانية.
يذكر أن هناك 8 فرق تأهلوا إلى دور الثمانية من بطولة كأس العالم للأندية، وهم:
ريال مدريد، بروسيا دورتموند، بايرن ميونيخ، باريس سان جيرمان، فلومنينيسي، بالميراس، تشيلسي، الهلال السعودي.