الصدِّيق وأسرى بدر.. تجسيد تاريخي وإنساني لقيم الرأفة والرحمة
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
في غزة بدر الكبرى (أول معركة مواجهة فاصلة بين المسلمين والمشركين)، كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) من كبار مستشاري النبي ﷺ، ومن أعظم الصحابة رأياً وتأثيراً فيها وقائع ونتائج غزوة بدر، كما شارك برأيه المؤيد للمواجهة حين طلب النبي ﷺ الرأي قبل المعركة.
وقد رافق الصديق (رضي الله عنه) النبي المصطفى ﷺ في جولاته الاستطلاعية لجمع المعلومات عن الغزو، وكان في حراسة النبي ﷺ بالعريش الذي خصصه لقائد المعركة.
قال ابن عباسٍ (رضي الله عنه): فلمّا أسروا الأسارى؛ قال رسول الله ﷺ لأبي بكرٍ، وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟». فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العمِّ، والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً، فتكون لنا قوَّةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله ﷺ: «ما ترى يأبن الخطاب؟». قال: لا والله لا يراسل الله! ما أرى الذي يراه أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تمكِّننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكِّن عليّاً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكِّنني من فلانٍ (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإنَّ هؤلاء أئمَّة الكفر، وصناديدها ( ابن حنبل، 1999، ج3/167)
فهوى رسول الله ﷺ إلى ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، فلمّا كان الغد جئت، فإذا برسول الله ﷺ، وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، قلت: يراسل الله! أخبرني من أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكـاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله ﷺ: «أبكي لِلذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهـم الفداء ولقـد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشَّجرة». ـ شجرة قريبة من النبيِّ ﷺ ـ وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فأحلَّ الله لهم الغنيمة ( ابن حنبل، 1999، ج3/167).
وفي روايةٍ عن عبد الله بن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول الله ﷺ: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكرٍ: يا رسول الله! قومك، وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلَّ اللهَ أن يتوب عليهم. وقال عمر: يراسل الله! أخرجوك، وكذَّبوك، قرِّبهم، فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يراسل الله! انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثمَّ أضرم عليهم ناراً، فقال العبّاس: قطعت رحمك، فدخل رسول الله ﷺ، ولم يردَّ عليهم شيئاً، فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: «إن الله ليلين قلوب رجالٍ فيه حتى تكون ألين من اللَّبن، وإن الله ليشدُّ قلوب رجالٍ فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر! كمثل عيسى ـ عليه السلام ـ إذ قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [المائدة: 118] وإن مثلك يا عمر! كمثل نوحٍ، إذ قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *} [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى إذ قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ*} [يونس: 88] » (ابن كثير، 1988، ج2/325).
كان النبيُّ ﷺ إذا استشار أصحابه أوَّلُ من يتكلَّم أبو بكرٍ في الشُّورى، وربما تكلَّم غيره، وربما لم يتكلَّم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتَّبع رأيه دون رأي من يخالفه (مال الله، 1989، ص325).
لم يكن أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) شخصية عادية في تاريخ الإسلام، فهو الصديق الأقرب إلى رسول الله ﷺ، ومستشاره الأول، ورفيق دربه في دعوته إلى الإسلام في مكة، وخلال الهجرة، وفي المدينة، وفي كل الغزاوت، وهو الخليفة الأول الذي أدار دفعة الأمة وقادها إلى بر الأمان والنصر، وكان في بدر نبراساً فخر النبي الكريم ﷺ برأيه ومشورته، واعتد به. رضي الله وأرضاه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: قال رسول الله ﷺ رضی الله عنه أبو بکر
إقرأ أيضاً:
هل يجوز تعليق الدعاء على المشيئة؟.. الأزهر يحذر من خطأ نهى عنه النبي
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلم عن تعليق الدعاء على المشيئة، مستشهدًا بحديثه الشريف: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فاعطني فإنه لا مستكره له»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له».
هل يجوز تعليق الدعاء على المشيئة؟وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن تعليق الدعاء على المشيئة أمر مرفوض وكَرِهَه العلماء، لأن يقين المؤمن الثابت أن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويغني ويعز ويذل بمشيئته المطلقة، فلا أحد يكره الله على شيء.
حكم تعليق الدعاء على المشيئةوبيّن رئيس جامعة الأزهر أن المسلم إذا دعا الله فعليه أن يجزم في الدعاء، فلا يقول: "اللهم ارزقني إن شئت" أو "اللهم استرني إن شئت"، لأن هذا التعليق يُشعر ـ في ظاهره ـ كأن الداعي مستغنٍ عن مطلوبه أو مستغنٍ عمن يطلب منه، وهذا من العبث الذي لا وجه له، ولذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وتوقف العلماء ـ كما أوضح الدكتور سلامة داود ـ أمام حديث نبوي شريف ورد في مسند الإمام أحمد، يظهر في ظاهره أنه يعارض هذا الأصل، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره خروج ثلاثة من أهل الجنة، قال في الثالث منهم: «اللهم إن شئت جعلته عليًا، اللهم إن شئت جعلته عليًا، اللهم إن شئت جعلته عليًا»، فكان الخارج هو سيدنا علي رضي الله عنه، وهذا التعليق على المشيئة استدعى بحث العلماء، لأنه يبدو مخالفًا لحديث عزم المسألة.
هل تجوز الزكاة لقريبتي إذا كان زوجها لا يوفر احتياجات البيت؟.. الإفتاء توضح الفئات المستحقة
حكم شراء سلعة لشخص ثم بيعها له بسعر أعلى.. أمين الإفتاء: لا يجوز شرعا في حالة واحدة
ما مقدار الزكاة على شهادة البنك بقيمة 300 ألف جنيه؟.. أمين الإفتاء يجيب
حكم مشاركة المرأة الحائض في الغسل ودفن والدتها.. الإفتاء تجيب
وفسّر العلماء ذلك بأن التعليق على المشيئة الذي نُهي عنه سببه أنه قد يُفهَم على أنه استغناء عن المطلوب أو عن فضل الله، وهذا الظن لا يرد مطلقًا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو في أعلى مراتب العبودية والخضوع لله، ولا يُتَصوَّر في حقه أدنى استغناء، ولذلك كان ذلك من خصوصياته النبوية التي لا تُقاس عليها الأمة.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن تعليق الدعاء على المشيئة جائز للنبي صلى الله عليه وسلم لارتفاع مقامه، لكنه غير جائز لغيره من المؤمنين، لأن غيره قد يقع في مظنة الاستغناء التي من أجلها نُهي الناس عن هذا الأسلوب.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن مقاصد الشريعة في هذا الباب تهدف إلى ترسيخ اليقين الكامل بالله والإلحاح في الدعاء دون تردد أو تعليق.