"الصفقة الكبرى" الجديدة
دعوة لمقاربة أميركية جديدة في الشرق الأوسط أو "الصفقة الكبرى" التي تُبعد المنطقة عن "حافّة الهاوية" التي وصلت إليها بعد أحداث 7 أكتوبر الماضي.
ردّ الاعتبار لقضية فلسطين كحجر أساس لأي استقرار إقليمي بالمنطقة في المرحلة المقبلة، واستحالة تمرير أي مشروعاتٍ من دون حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
المفتاح الرئيس لمرحلة جديدة تؤسّس لنظام إقليمي جديد: وقف فوري لإطلاق النار في غزّة، ووقف انهيار سمعة أميركا ومصداقيتها وتأزّم علاقتها مع حلفائها العرب.
طغت الحرب على غزّة على المقالات والملفّ الرئيس، ما يؤشّر لأهمية الشرق الأوسط في السياسة الأميركية، وإن حاولت الإدارات الأميركية التحايل على هذه الحقيقة، منذ أكثر من عقد.
الانتقال إلى المدرسة الليبرالية في العلاقات الدولية يبرز التعاون الإقليمي والصفقات والتحالفات، واستدخال جميع اللاعبين، السعودية وإسرائيل وإيران وتركيا، في نظام إقليمي جديد، ويخرُج من "اللعبة الصفرية".
* * *
يتضمّن العدد الجديد من مجلة فورين أفيرز (الشؤون الخارجية) الأميركية Foreign Affairs (صدر في بداية 2024) مجموعة مهمة من المقالات لكبار الأكاديميين والسياسيين الأميركيين، كالعادة، وقد طغى موضوع الحرب على غزّة بصورة ملحوظة على المقالات والملفّ الرئيس للمجلة، ما يؤشّر إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في السياسة الأميركية، وإن حاولت الإدارات الأميركية الأخيرة أن تتحايل على هذه الحقيقة، منذ أكثر من عقد.
جاءت إحدى المقالات البارزة التي تصدّرت العدد بعنوان "الحرب التي أعادت صناعة الشرق الأوسط: كيف تستطيع واشنطن تحقيق الاستقرار في منطقة متحوّلة" لكلّ من ولي نصر (الباحث الأميركي، أستاذ الدراسات الدولية المتقدّمة بجامعة جون هوبكنز، ومؤلّف كتب عديدة، مثل "صحوة الشيعة" و"قوى الثروة الصاعدة في العالم الإسلامي")، وماريا فانتيبل (مديرة برنامج الدراسات الأوسطية والشرق الأوسط وأفريقيا في معهد الشؤون الدولية في روما)، ويدعوان فيها إلى الانتقال نحو مقاربة أميركية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، أو ما أسمياها "الصفقة الكبرى" التي تُبعد المنطقة عن "حافّة الهاوية" التي وصلت إليها بعد أحداث 7 أكتوبر الماضي.
الملمح البارز، بل أبرز ملمح في هذه المقاربة المطروحة يتمثّل في الدور المركزي والأساسي للسعودية لصياغة المرحلة المقبلة، ولتكون أحد أبرز اللاعبين والشريك الرئيس للولايات المتحدة للوصول إلى ترتيب نظام إقليمي جديد.
أمّا الملمح الثاني فيتميّز بالانتقال إلى المدرسة الليبرالية في العلاقات الدولية بديلاً للمدرسة الواقعية، بالتركيز على أهميّة التعاون الإقليمي وعقد الصفقات والتحالفات، واستدخال جميع اللاعبين، بما في ذلك السعودية وإسرائيل وإيران وتركيا في النظام الإقليمي الجديد، بما يحجّم التوترات الإقليمية، ويخرُج من إطار "اللعبة الصفرية" التي سادت أخيراً.
يتمثل الملمح الثالث بردّ الاعتبار لقضية فلسطين بوصفها حجر الأساس في أي استقرار إقليمي في المنطقة في المرحلة المقبلة، واستحالة تمرير أي مشروعاتٍ من دون حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويتبدّى الملمح الرابع من خلال التجاهل الكامل والمطلق للمسألة الديمقراطية في المنطقة، بوصفها ضمن أجندة الولايات المتحدة، فلا يذكرها المقال البتّة، بينما تتغلّب الاعتبارات الجيوستراتيجية، الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك الممر الاقتصادي الذي جرى الإعلان عنه من الهند إلى أوروبا، عبر الخليج البحر المتوسط، ليحدّ من طموحات الصين، لتدخل بصورة أكثر فعالية سياسياً واقتصادياً في المنطقة في المرحلة المقبلة.
تنطلق هذه المقاربة من نقد المقاربة الأميركية للمنطقة قبل 7 أكتوبر، التي سقطت مع عملية طوفان الأقصى، ودفعت الإدارة الأميركية إلى إعادة التفكير ومراجعة فرضياتها السابقة.
ويعتبر الكاتبان أنّ المفتاح الرئيس للمرحلة الجديدة التي تؤسّس لنظام إقليمي جديد يتمثل بوقف فوري لإطلاق النار في غزّة، ووقف الانهيار في سمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها وتأزّم علاقتها مع حلفائها العرب، بخاصة الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، وتخفيف حالة الاحتقان في الشارع العربي تجاه الحرب الإسرائيلية "غير المحدودة" في قتل المدنيين الفلسطينيين.
ومن الضروري أن تتأسّس مثل هذه الخطوة على نمط جديد من العلاقة بين أميركا والسعودية، التي تسعى إلى الاعتراف بها قوة إقليمية كبرى ومفتاحاً من مفاتيح الصراع والسلم فيها، ولديها إمكانات كبيرة في التأثير على مختلف الأطراف في المنطقة، حتى في ما يتعلق باستئناف الاتفاق النووي مع إيران، ويدعو الباحثان إلى استدخال السعودية في هذه المباحثات، كما يدعوان إلى أن تكون طرفاً رئيساً في أيّ صفقة أو خطوات أميركية في المنطقة.
هي مقاربة متفائلة جداً، وربما تصل إلى مرحلة الأمنيات، فالعلاقات بين الأطراف المختلفة معقّدة بدرجة أكبر مما تبدو عليه في المقالة وتبسيطها للمصالح السياسية والاقتصادية.
كما أنّ وقف إطلاق النار بحدّ ذاته يعتبر معضلة اليوم، مع وجود حكومة يمينية متطرّفة وإدارة أميركية تدخل في الوقت الأخير من عمرها، قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام.
كما أنّ الوصول إلى تصوّر مقبول لحلّ الدولتين ليس بهذه السهولة، وقد حاولت الإدارات السابقة جميعاً، وآخرها دونالد ترامب، ولم تنجح، والدور الإيراني وارتباطاته الاستراتيجية والطائفية والأيديولوجية أعقد مما يبدو عليه الأمر، وإذا تصوّرنا عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فكلّ ما طرحته هذه المقاربة سيكون في مهبّ الريح!
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أميركا السعودية فلسطين قتل المدنيين حل الدولتين الصفقة الكبرى العلاقات الدولية الاتفاق النووي الحرب على غزة الشرق الأوسط السياسة الأميركية المرحلة المقبلة الصفقة الکبرى الشرق الأوسط إقلیمی جدید فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
خبراء الضرائب: 4 تحديات رئيسية تواجه تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الحديد
كشفت جمعية خبراء الضرائب المصرية، أن أحمد كجوك وزير المالية أصدر القرار رقم 127 لسنة 2025 والذي ينص على إلزام شركات الحديد والصلب عند القيام بشراء مستلزمات الإنتاج بفصل قيمة ضريبة القيمة المضافة عن تلك المشتريات عن قيمة المشتريات وتوريدها لمصلحة الضرائب باسم المورد.
وأكدت "الجمعية"، أن القرار يستهدف تبسيط الإجراءات الضريبية لشركات الحديد والصلب التي تواجه 4 تحديات رئيسية أمام تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الحديد والصلب في الشرق الأوسط.
وقال المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، إن صناعة الحديد والصلب تعتبر ركيزة تعتمد عليها مختلف قطاعات البنية التحتية والتشييد والصناعات الهندسية وتحقق قيمة مضافة وتقلل الاستيراد وتزيد الصادرات بالإضافة إلى أن كل فرصة عمل في قطاع الحديد والصلب توفر 7 فرص في الصناعات الأخرى فضلًا عن أن استثمارات القطاع تقترب من 600 مليار جنيه.
وأوضح "عبد الغني"، أن صناعة الحديد والصلب نشأت في مصر في أربعينيات القرن الماضي بإعادة تدوير مخلفات الحرب العالمية الثانية وفي نهاية الخمسينات أنشأت الحكومة أول مصنع متكامل في الشرق الأوسط والذي تحول في السبعينات إلى مجمع الحديد والصلب.
وأضاف "مؤسس الجمعية"، أنه رغم تراجع الاستثمار الحكومي في صناعة الحديد والصلب إلا أن مصر تحتل المركز 20 عالميًا وتسيطر على 30% من إنتاج الحديد والصلب في أفريقيا.
وأشار المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني، إلى أن مصانع الحديد والصلب تنقسم إلى 3 أقسام أولها المصانع المتكاملة التي تنتج من الخامات إلي المنتج النهائي، وثانيها المصانع نصف المتكاملة التي تقوم بتصنيع المنتج النهائي من صهر الخردة أو الحديد الإسفنجي، وهناك مصانع الدرفلة التي تقوم بشراء عروق الصلب من مصدر محلي أو مستورد وتتولى درفلتها إلى حديد تسليح.
قال "عبد الغني"، إن هناك 4 تحديات رئيسية تواجه تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الحديد والصلب في الشرق الأوسط أولها إرتفاع أسعار الطاقة الذي يعد أكبر التحديات أمام صناعة الحديد والصلب حيث يؤثر بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج.
أكد أن التحدي الثاني هو المنافسة غير العادلة التي تتعرض لها الصناعة المحلية من الحديد المستورد خاصة من تركيا وأوكرانيا والصين، حيث يتم الاستيراد بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج المحلية مما يتطلب إجراءات حماية من الدولة لتشجيع الإنتاج المحلي.
أشار أشرف عبد الغني، إلى أن التحدي الثالث هو عدم استغلال الطاقة الإنتاجية بشكل كامل حيث تصل إلى 15 مليون طن في حين أن احتياجات السوق المصري لا تتجاوز 8 ملايين طن مما يتطلب حوافز تصديرية لاستغلال الطاقات الإنتاجية المعطلة.
أكد مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، أن التحدي الرابع الذي لا يقل أهمية يتمثل في تعدد الضرائب حيث تخضع جميع أنواع الحديد لضريبة القيمة المضافة بالسعر العام 14% بالإضافة إلى رسم تنمية موارد علي جميع أنواع الحديد الوارد من الخارج بخلاف ضرائب الأرباح التجارية وكسب العمل وضريبة الدمغة.