"اللحم المفروم".. الخدعة البريطانية العظمى
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
عثر صيادون قرب السواحل الإسبانية في أبريل عام 1943 على جثة ضابط بريطاني بحوزته حقيبة مربوطة بخصره وقاموا بانتشالها ونقلها إلى الشاطئ.
إقرأ المزيدباشرت السلطات الإسبانية التي قادها الجنرال فرانكو التحقيق في القضية، ودخلت بسرعة على الخط الاستخبارات الألمانية النازية التي كانت تنشط هناك نتيجة لعلاقات التحالف بين النظامين.
بعد فحص الجثة، توصل الطبيب إلى استنتاج مفاده أن الضابط البريطاني واسمه بحسب الوثائق التي وجدت معه، الرائد ويليام مارتين، لقي مصرعه قبل خمسة أيام بعد أن سقطت الطائرة التي تقله في البحر.
بحوزة الضابط البريطاني تم العثور على رسائل من والده وعروسه وصورة لها وتذاكر إلى مسرح "أمير ويلز"، وإيصال من متجر مجوهرات عن شراء دبل خطوبة.
بريطانيا سارعت إلى الطلب من إسبانيا بعدم فتح الحقيبة وإعادتها على الفور، إلا ان الأوان فات، وقام عملاء الاستخبارات الألمانية بتصوير وثائق ختمت بطابع "سري للغاية" كانت بها، تضمنت معلومات عن غزو وشيك لقوات الحلفاء وجهته سردينيا واليونان، وليس صقلية كما كان يعتقد في السابق.
الزعيم النازي هتلر اعتمادا على تلك الوثائق أمر بنقل القوات من إيطاليا إلى اليونان، حيث احتشدت وانتظرت قوات الحلفاء هناك.
الحقيقة أن الرائد البريطاني ويليام مارتين لم يشتر خاتمي خطوبة على الإطلاق، ولم تكن لديه عروس ولم يزر مسرح أمير ويلز، بل لا وجود للضابط ويليام مارتين نفسه، والأمر ليس إلا عملية كبرى للاستخبارات البريطانية لخداع الألمان.
من كان يعتقد أنه "رائد" بريطاني كان بحسب واحدة من روايتين، متشردا مدمنا على الكحول وتوفى في يناير عام 1943 لتناوله سم الفئران، في حين أن صورة عروسه كانت لموظفة في الاستخبارات البريطانية، ورسائل الغرام التي كانت معه كتبت لصديقة لها، وقد تم نقل جثة الضابط الوهمي بواسطة الغواصة "إتش إم إس سيراف" إلى سواحل إسبانيا وألقيت في البحر قبالة مدينة "هويلفا" يوم 30 أبريل عام 1943.
الباحثان الإسبانيان جيسوس رام أوركريز وإنريكي نيلسن دفعا برواية ثانية عبرا فيها عن اعتقادهما أن الجثة هي لبحار بريطاني لقي مصرعه بعد غرق السفينة "إتش إم إس داشر" قبالة سواحل اسكتلندا في مارس 1943، ما تسبب في مقتل 379 من طاقمها.
عملية الخداع البريطانية تلك أطلق عليها البريطانيون اسم "اللحم المفروم"، وتوصف بأنها من أنجح عمليات التضليل الاستخباراتية، وأن هتلر ابتلع الطعم ونقل قواته بعيدا عن صقلية قبل أن ينفذ الحلفاء عملية السيطرة على الجزيرة في وقت لاحق من عام 1943، الأمر الذي يعتقد أنه أنقذ أرواح آلاف من جنود الحلفاء.
فكرة هذه الخطة كان صاحبها الأدميرال جون جودفري، مدير الاستخبارات البحرية البريطانية وكان عممها في عام 1939 بعد وقت قصير من اندلاع الحرب العالمية الثانية في سياق التكتيكات التي يمكن بواسطتها خداع الألمان.
فكرة الخداع عن طريق جثة ترمى على السواحل رفضت في البداية ووصفت بأنها غير عملية، ثم أعيد النظر بها في عام 1942 مع استعداد الحلفاء لغزو صقلية.
اختيرت إسبانيا مكانا لعملية "اللحم المفروم"، لأن البريطانيين كانوا يستبعدون أن يقوم الأطباء الإسبان بإجراء تشريح شامل للجثة لدواع دينية كاثوليكية، كما ان الجثة ستصل إلى جنود الجنرال فرانكو، الذين كانوا محايدين في الظاهر في الحرب بين الحلفاء والمحور، في حين أن السلطات الإسبانية في ذلك الوقت كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع النازيين وتتعاون معهم بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
حقيبة الرائد البريطاني الوهمي أعادتها السطات الإسبانية في ذلك الوقت إلى بريطانيا وتأكد الخبراء البريطانيون من أنها فتحت بعلامات خاصة وضعت بها، وزاد اليقين بأن الطعم ابتلع، بعد فك شفرة الاتصالات النازية.
نقل هتلر القوات بعيدا عن صقلية لمواجهة هجوم الحلفاء الذي كان يعتقد أنه سينطلق من اليونان، وحتى بعد هجوم الحلفاء على صقلية في يونيو 1943، لم يسارع إلى إرسال القوات مرة أخرى إلى الجزيرة لاعتقاده أن العملية كانت مناورة للتمويه، وبذلك نجح "اللحم البريطاني المفروم" وقتل في معركة صقلية حوالي 9000 جندي ألماني وإيطالي، علاوة على 117000 أسير ومفقود.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف الحرب العالمية الثانية عام 1943
إقرأ أيضاً:
خمنوا ماذا يكون الإرهاب في نظر الحكومة البريطانية؟
في العشرين من يونيو الجاري، وقع حدث أصبح الآن مألوفا لنا ألفة مريعة، إذ قامت القوات الإسرائيلية مرة أخرى بفتح النار على فلسطينيين في موقع لتوزيع المساعدات، مما أسفر في هذه المرة عن مصرع ثلاثة وعشرين شخصا. وفي اليوم نفسه، أميط اللثام عن قيام ناشطين تابعين لجماعة بريطانية اسمها «الفعل الفلسطيني» [Palestine Action] باقتحام قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي وتشويه طائرتين عسكريتين على سبيل الاحتجاج.
قام أحد الفعلين على استعمال عمدي للعنف القاتل ضد مدنيين، وأسفر عن مصرع ثلاثة وعشرين مدنيا. والآخر لم يقم على عنف ضد كائن حي ولم يسفر عن وفيات أو إصابات. ثم أعلنت الحكومة البريطانية عزمها معاملة أحد الفعلين دون الآخر بوصفه جريمة إرهابية. فخمنوا أنتم أي الفعلين هو هذا.
تجمع المنظمات الدولية إجماعا نادر المثال على تقديرها بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب شديدة الشناعة في غزة. ففي نوفمبر من العام الماضي، توصلت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة إلى أن حملة إسرائيل في غزة تتفق مع خصائص الإبادة الجماعية. وفي ديسمبر، انتهى تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل «ارتكبت وتستمر في ارتكاب إبادة جماعية». والآن نجحت سلسلة هجمات طوعية غير قانونية من إسرائيل على إيران في استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران، في انتهاك للقانونين الأمريكي والدولي. وفي حين أن المجازر تستمر في غزة، ينذر العنف الإسرائيلي بإطلاق شرارة صراع إقليمي بل لعله يكون صراعا كوكبيا.
وبرغم ذلك تستمر المملكة المتحدة في إمداد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية العسكرية، وتستمر الشركات البريطانية في بيع الأسلحة الفتاكة للدولة الإسرائيلية. وفي استطلاع للرأي أجري العام الماضي، أيَّد 56% من الناخبين البريطانيين الحظر الكامل لمبيعات السلاح لإسرائيل. وفي شتى أرجاء المملكة المتحدة شارك آلاف الناس في مظاهرات أسى على ضحايا هذا الصراع مطالبين بإنهاء المذبحة.
لكن الحكومة البريطانية تصر في عناد على تأييدها لحملة إسرائيل العسكرية. ولم يسفر التظاهر الشعبي السلمي، برغم دعم غالبية الشعب له، عن أي نتائج. وفي مواجهة دعم الدولة للإبادة الجماعية، ما الذي يفترض أن يفعله أصحاب الضمائر اليقظة؟
لقد كان النشطاء الذين اقتحموا قاعدة سلاح الجو الملكي في برايز نورتن يعلمون بطبيعة الحال أن أفعالهم خارجة على القانون. فالحركات السياسية ابتداء من حركات المطالبة بحق الاقتراع للنساء، وحتى حركة حقوق المثليين والنضال ضد الفصل العنصري وغيرها من حركات المقاومة السياسية الأصيلة تتعلق دائما باختراق القانون. والأمر مثلما كتب مارتن لوثر كنج الابن من سجنه في بريمنجهام هو أن «على المرء مسؤولية أخلاقية بعصيان القوانين المجحفة». والإمداد بالأسلحة لتيسير إبادة جماعة أشد إجحافا، فهو هاوية هول أخلاقي. ومن يتحلون بقدر من الشجاعة يخول لهم انتهاك القانون احتجاجا ـ
وكثير منهم ينفذون بالفعل عقوبات حبس بسبب أفعالهم ـ يستحقون منا أقصى درجات الاحترام.
ولكن حظر منظمة بأكملها بموجب قانون الإرهاب لا يعني مقاضاة أفراد معينين بسبب تجاوزات معينة. وفي حال مضي الحكومة في ما تعتزمه من تصنيف جماعة «الفعل الفلسطيني» باعتبارها منظمة إرهابية، فإن محض الانضمام إلى الجماعة من شأنه أن يمثل جريمة. وواقع الحال هو أن محض مناصرة الجماعة بالكلمات ـ وهو ما أفعله إذ أكتب هذه السطور ـ قد يمثل هو الآخر جريمة قانونية جسيمة، عقابها في القانون قد يصل إلى الحبس لأربعة عشر عاما. والتعاملات المالية مع أعضاء في الجماعة أو أنصار لها قد يكون أيضا غير قانوني، حتى لو أن الأفراد المعنيين لم يخرجوا على القانون إلا بانتمائهم إلى حركة احتجاجية أو بتعبيرهم عن مناصرتها.
بموجب القانون في المملكة المتحدة، يحظى وزير الداخلية بحرية تصرف واسعة النطاق في حظر أي منظمة «متورطة في الإرهاب». وحتى الآن، لم يستعمل هذا الإجراء ضد الجماعات المسلحة المنخرطة إما مباشرة أو المناصرة فعليا لصراع عنيف مسلح. ولكن المهم هو أن القانون يعرف الإرهاب تعريفا غامضا بالقدر الذي يجعله ينطبق على محض إتلاف ممتلكات أو قطع أنظمة إلكترونية حتى في ظل الغياب التام لأي تهديد للحياة البشرية أو السلامة العامة.
وفي حال مضي الحكومة قدما على هذا المسار، فإن أي شخص عادي في المملكة المتحدة سيكون معرضا من الناحية النظرية للحبس لمحض تعبيره عن مناصرة لفظية لعمل غير عنيف. وبعيدا عن المبدأ الأوسع، فإن من شأن هذا أن يمثل تقييدا لحرية التعبير يبعث على القلق.
ليست جماعة الفعل الفلسطيني بجماعة مسلحة. ولم تحمل قط مسؤولية أي وفيات ولا تمثل أي تهديد للشعب. والمناهج التي تتبعها تتعلق بتخريب ممتلكات، وهذا بلا شك أمر خارج على القانون.
لكن لو أن قتل ثلاثة وعشرين مدنيا في موقع توزيع مساعدات ليس إرهابا، فكيف يكون من المتوقع أن نقبل أن يكون نثر الطلاء على طائرة إرهابا؟ لقد عجزت المظاهرات الملتزمة بالقانون حتى الآن عن إيقاف الإبادة الجماعية. ومات وأصيب أكثر من خمسين ألفا من الأطفال الأبرياء. ففي أي ظروف قد يكون العصيان المدني مبررا أكثر مما هو الآن؟
ليس بوسعي إلا أن أقول إنني معجبة بمنظمة الفعل الفلسطيني ومناصرة لها قلبا وقالبا، وسوف أبقى كذلك، سواء أصبح الأمر جريمة إرهابية أم لم يصبح كذلك.
سالي روني روائية أيرلندية أثارت اهتماما عالميا حينما رفضت ترجمة أعمالها إلى العبرية اعتراضا على سياسات إسرائيل.
عن الجارديان البريطانية