فرانسوا أسيلينو: بالغنا فى تقدير القوة الغربية وقللنا من تقدير القوة الروسية
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
في مقابلة حصرية لقناة "لو ديالوج" على اليوتيوب، يقدم لنا فرانسوا أسيلينو نظرة عامة على الصراع الروسي الأوكراني، ويحلل على نطاق أوسع أسباب إفلاس الكتلة الأوروبية الأطلسية.
بالنسبة له، فإن الدعم الشعبي للقضية الأوكرانية "انهار إلى حد كبير"، و"يحاول الأمريكيون التوقف عن الانجرار إلى صراعات متعددة لا يملكون المال ولا الأسلحة لها، تعتمد نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الوضع العام للولايات المتحدة في العالم، التي تواجه اليوم ثلاث جبهات رئيسية: روسيا والصين والشرق الأوسط، دعمًا لإسرائيل في حربها ضد حماس منذ ٧ أكتوبر".
ويرى فرانسوا أسيلينو أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على مواجهة هذه الجبهات الثلاث في وقت واحد: "حاليًا، يجب على الولايات المتحدة، المثقلة بالديون، أن تواجه انشقاقًا داخليًا في مجلس النواب، بما في ذلك رفض النواب الجمهوريين منحة جديدة إلى الحكومة الأوكرانية بقيمة ٥٠ مليار دولار.
لقد سئم الناخبون الأمريكيون الوضع وهم مقبلون على عام انتخابي، خاصةً أن الهجوم المضاد لم ينجح: "فوسائل الإعلام تنشر روايات منذ فبراير ٢٠٢٢، كل منها أكثر زيفًا من سابقتها؛ مثل الحديث عن المشاكل الصحية المزعومة لفلاديمير بوتين، والفشل المزعوم للجيش الروسي، وتقادم معداته".
ويضيف قائلًا: «في الواقع، يقاتل الجنود الروس بمفردهم، و٩٠٪ من الأسلحة روسية، على جبهة بطول ١٢٠٠ كيلومتر تواجه نحو ثلاثين دولة.. لقد تعرض السكان الأوروبيون، والفرنسيون بشكل خاص، لغسيل دماغ لم نشهد مثله منذ الصراعات العالمية السابقة». ويعتقد السياسي الفرنسي أن «روسيا لم تكن هي التي هاجمت أوكرانيا، بل الناتو هو الذي هاجم روسيا».
وفيما يتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي بضم ٧ دول جديدة بما في ذلك أوكرانيا، يؤكد فرانسوا أسيلينو أن "هذه الدول تعاني من نقص الإدارة، مع دول ضعيفة في كثير من الأحيان بشكل لا يمكن تصوره، خاصة بالنسبة لحكومة كييف.. الإمبراطورية الأوروبية تنهار.. إن كل هذه الدول المرشحة تتمتع بشعور بالانتماء الأطلسي بفضل تأثير القوة الناعمة الأمريكية، ولكنها لا تعمل على تنمية الانتماء الأوروبي. إنهم يريدون المال فقط"، ويلخص قائلًا: "إنهم يجدوننا جميلين مثل كروسوس".
يواصل أسيلينو: "لم يعد قادة الغرب يلبون احتياجات شعوبهم. وهو مؤشر على الانهيار العام القادم.. الدول الأوروبية هي دول تابعة للولايات المتحدة، والتي دارت حولنا بالبناء الأوروبي".
ويواصل ضيفنا "أنفق الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ٨٢ مليار يورو منذ بداية الصراع الروسي الأوكراني لدعم كييف. لقد أنفق الزعماء الأوروبيون مبالغ باهظة من أجل لا شيء! لقد أغرق إيمانويل ماكرون فرنسا في الديون لأجيال.. لقد أصبحنا من أكثر الدول مديونية على هذا الكوكب من حيث النسبة المئوية للناتج المحلي الإجمالي".
ويؤكد أن فرنسا لا يقودها شخص يضع مصالح الفرنسيين في قلبه.. ماكرون ليس سوى حاكم المقاطعة الفرنسية، الذي تم اختياره مسبقًا من قبل الأوليجارشية الأوروبية الأطلسية التي قذفته هناك، من خلال التلاعب المخزي بالانتخابات.. فرنسا ليست دولة ديمقراطية.
إنها دكتاتورية شرسة ومخادعة. ولا يستطيع ماكرون، مثل دكتور فاوست في رواية جوته، معارضة مطالب الولايات المتحدة. وينطبق الشيء نفسه على القادة الأوروبيين الآخرين الذين يطيعون القوة الاستعمارية. وأصبحت قوى أوروبا الغربية، القوى الاستعمارية السابقة، بدورها قوى مُسْتَعمَرة. ويخلص إلى أن المستعمر، في هذه الحالة هو الولايات المتحدة الأمريكية.
«فرنسا لا يقودها شخص يضع مصالح الفرنسيين في قلبه.. ماكرون ليس سوى حاكم المقاطعة الفرنسية، الذي تم اختياره مسبقًا من قبل الأوليجارشية الأوروبية الأطلسية التي قذفته هناك، من خلال التلاعب المخزي بالانتخابات.. فرنسا ليست دولة ديمقراطية»
فرانسوا أسيلينو: سياسي فرنسي كبير، وهو رئيس ومؤسس حزب الاتحاد الجمهورى (UPR) منذ عام 2007. وهو من مؤيدي "Frexit"، حيث يعتبر انسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي جزءًا من برنامجه كمرشح للانتخابات الرئاسية، وقد أعلن بالفعل أنه مرشح لعام 2027. ومن المنتظر أن يقدم حزبه قائمة في الانتخابات الأوروبية المقبلة يومي 6 و9 يونيو 2024.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الصراع الروسي الأوكراني الكتلة الأوروبية قادة الغرب الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
بروكسل وكانبيرا: مجالات وحدود اتفاقية الشراكة الأمنية المُقترَحَة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا
أعلن رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، يوم 18 يونيو الجاري، أن بلاده سوف ستبدأ مفاوضات بشأن توقيع اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن التقى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، على هامش قمة مجموعة السبع، حيث ناقشوا اقتراح الاتحاد الأوروبي لإقامة شراكة دفاعية مع أستراليا، والتي أكد مسؤولون أستراليون أنها لا تتضمن التزامات بنشر عسكري.
وكانت فون دير لاين، قد طرحت عَقِبَ لقائها مع ألبانيز، على هامش اجتماع قادة العالم لحضور القداس الافتتاحي للبابا ليون الرابع عشر في روما، يوم 18 مايو الماضي، فكرة شراكة أمنية ودفاعية بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، قائلةً: “إننا لا نعتبركم شريكاً تجارياً فحسب، بل نعتبركم شريكاً استراتيجياً، ونود بشدة توسيع هذه العلاقة الاستراتيجية”.
وقد أبدى ألبانيز انفتاحه على دراسة الاقتراح، مشيراً إلى ضرورة إجراء مناقشات مستقبلية، إما في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو على أساس ثنائي بين أستراليا والاتحاد الأوروبي. وكانت إحدى الإشارات التي توحي بموافقة أستراليا قد وضحت مع إعادة أوروبا إلى وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية كقسم كامل، وكذلك تعيين أنجوس كامبل، القائد السابق لقوة الدفاع الأسترالية، سفيراً لأستراليا لدى الاتحاد الأوروبي.
دوافع مُشترَكَة:
تنطلق إمكانيات التعاون الأمني والدفاعي بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا من عدة اعتبارات ثقافية/ حضارية، وتطورات جيوسياسية تبلورت بصورة لافتة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك كما يلي:
1 – التقارب القيمي والثقافي بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا: رغم البعد الجغرافي، يُعد الاتحاد الأوروبي شريكاً متزايد الأهمية لأستراليا في وقتٍ يتعرض فيه النظام الدولي القائم على القواعد لضغوط عديدة. وقد صرحت أستراليا بأنها ستعمل مع أصدقاء “متشابهين في التوجهات” مثل الاتحاد الأوروبي لمعالجة المخاوف العالمية.
وتتجذر العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا في قيم مشتركة وروابط ثقافية. ونظراً لتمسكهم بالديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي، تُظهِر استطلاعات الرأي العام أن الأستراليين يشعرون بتقارب في القيم تجاه الاتحاد الأوروبي أكثر من الولايات المتحدة. وترتكز هذه العلاقة على روابط شعبية وثقافية عميقة، حيث تستضيف أستراليا جالياتٍ أوروبية كبيرة في الشتات. وبفضل القيم المشتركة والمصالح المتقاربة؛ فإن أستراليا والاتحاد الأوروبي يعدان شريكين متشابهيْ التفكير، وتتمتع علاقتهما بإمكانات هائلة غير مُستغلَّة.
2 – توسُّع الاتحاد الأوروبي في الشراكات الأمنية مع دولة ثالثة: يُعد التركيز على تعزيز التعاون الأمني والدفاعي مع دول أخرى جانباً أساسياً من الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي، بما تتطلبه من مساعدة الشركاء والحلفاء في تعزيز النظام العالمي القائم على القواعد. ومن الأمثلة على ذلك مشاركة دول ثالثة في مهام وعمليات إدارة الأزمات المدنية والعسكرية التابعة للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة، بالإضافة إلى تبادل المعلومات الحساسة.
ويعتمد التفويض الأمني للاتحاد الأوروبي بشكل كبير على إدارة الأزمات. وكي يكون الاتحاد فاعلاً في إدارة الأزمات، يجب أن يكون قادراً على استقطاب الدول غير الأعضاء فيه وإقامة روابط معها. وتُظهِر مشاركة الدول الثالثة في بعثات السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة، وتوقيع اتفاقيات المشاركة الإطارية بشأن إدارة الأزمات، كيف تنظر الجهات الفاعلة خارج الاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد كجهة فاعلة في إدارة الأزمات وجدارته في هذا المجال.
وعلى مدار العقد الماضي، شهد التعاون الأمني بين أستراليا والاتحاد الأوروبي نمواً ملحوظاً؛ إذ تشارك أستراليا في مهام السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة وتتبادل معلومات سرية مع الاتحاد الأوروبي. وحالياً، تُوجِّه الاتفاقية الإطارية بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، والتي دخلت حيز النفاذ في أكتوبر 2022، العلاقات بينهما.
وتنص الشراكات الأمنية التي وقَّعها الاتحاد الأوروبي مع اليابان وكوريا الجنوبية في نوفمبر 2024 على أن أوروبا تَعتبِر التهديدات التي تواجهها القارة الأوروبية ومنطقة الإندوباسيفيك مترابطة. وتُشكِّل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا مجموعة دول المنطقة التي دُعِيَت لحضور آخر ثلاث قمم لحلف الناتو بَعْد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، وزيادة تركيز أوروبا على التهديد الذي قد تُشكِّله الصين.
وفي 2 يونيو الجاري، وخلال زيارتها للفلبين، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، خلال اجتماعها مع وزير الخارجية الفلبيني إنريكي مانالو، عن إقامة حوار أمني ودفاعي رسمي بين الاتحاد والفلبين سيتناول مجموعة من التهديدات الناشئة، بما في ذلك تحديات الأمن البحري الناجمة عن مطالبات الصين في البحار المجاورة.
3 – تعزيز الاستقرار في منطقة الإندوباسيفيك: يشترك الاتحاد الأوروبي وأستراليا في هدف تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في الإندوباسيفيك، ففي عام 2021، نشر الاتحاد الأوروبي استراتيجيته الأولى للمنطقة، ليؤكد الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للمنطقة. ومن الناحية النظرية، ودون وجود عسكري كبير في المنطقة، ربما يتمتع الاتحاد الأوروبي بميزة اعتباره شريكاً أكثر وداً وبديلاً مُفضَّلاً لبعض دول المنطقة مقارنةً بالولايات المتحدة أو الصين، اللتين يحتدم بينهما التنافس في كافة المجالات بالمنطقة وغيرها.
ومن خلال الشراكة الأمنية المُقترَحَة مع أستراليا؛ يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز حضوره ونفوذه في الإندوباسيفيك. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أبعد عن أستراليا من شركائه الإقليميين؛ فإنه في عالمنا المترابط اليوم، للأوروبيين أيضاً مصالح كبيرة في استقرار وازدهار هذه المنطقة الجيوستراتيجية.
وفي المقابل، تستفيد أستراليا من انخراط أوروبي أقوى في المنطقة؛ مما يعزز أمنها؛ فالاتفاقية المُقترَحَة ستساعد على تنويع علاقات أستراليا الأمنية. وعلى نطاق أوسع، فإن وجود المزيد من الخيارات من شأنه أن يساعد أستراليا على التعامل مع مستقبل أكثر غموضاً.
وخلال منتدى شانغريلا الذي عُقِدَ في سنغافورة يومي 30 مايو و1 يونيو 2025، عبَّر وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مارليس، عن هذا المعنى عندما وصف منطقة الإندوباسيفيك بـ”الساحة الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم”، محذراً من أنه “لا يمكننا ترك لاستقرار الإقليمي للولايات المتحدة وحدها”.
4 – عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض: تُعد إعادة انتخاب دونالد ترامب نقطة تحول فارقة من شأنها أن تحفز على مزيد من التقارب بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، فتعزيز العلاقات مع أوروبا من شأنه أن يساعد أستراليا على تنويع سلاسل التوريد الدفاعية واستكشاف مصادر جديدة للقدرات العسكرية، وسط مخاوف بشأن مستقبل صفقة أوكوس، ولا سيما في ظل سياسة ترامب الانعزالية، التي زادت من مخاوف تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها.
وقد أظهر استطلاع رأي أجراه معهد أستراليا، وهو مركز أبحاث مستقل، في فبراير 2025، أن 71% من الأستراليين عبَّروا عن قلقهم البالغ من أن سياسات ترامب ستفاقم وضع أستراليا. وأظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة يوغوف أن 66% من الأستراليين لم يعودوا يعتقدون أنه يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة في الدفاع والأمن.
ولقد أدت تهديدات ترامب الإقليمية تجاه كندا وغرينلاند، بالإضافة إلى تصريحاته الرافضة للحلفاء الأوروبيين، إلى تراجع الافتراضات الراسخة حول دور الولايات المتحدة كقوة للاستقرار في العالم وحليف أمني موثوق، حيث توجد مؤشرات على أن الترامبية لا تحظى بقبول كبير في الديمقراطيات الأكثر استجابة وذات المؤسسات القوية مثل أستراليا وكندا.
وعَقِبَ حوار شانغريلا في سنغافورة، حثَّ وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، أستراليا، على زيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير ليصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لكن رئيس الوزراء الأسترالي سارع إلى رفض هذا الاقتراح، مؤكداً أن استراتيجية كانبيرا الدفاعية يجب أن تظل مسترشدةً بثبات بأولوياتها الوطنية، وواقعها المالي، واستقلالها الاستراتيجي.
5 – توافق الرؤى بشأن التحدي الصيني: بصفتهما حليفين رئيسيين للولايات المتحدة، ولهما أيضاً علاقات تجارية وثيقة مع الصين، يواجه الاتحاد الأوروبي وأستراليا معضلات جيوسياسية مماثلة. وقد تقاربت استراتيجياتهما تجاه الصين في السنوات الأخيرة، حيث يُصوِّر الاتحاد الأوروبي الصين على أنها “شريك ومنافس”؛ وهو ما يتوافق مع نهج أستراليا المتمثل في التعاون حيثما أمكن، والاختلاف حيثما كان ذلك ضرورياً، والانخراط وفق المصلحة الوطنية.
وفي حين أن أياً من الجانبين لا يرغب في اتباع نهج عدائي تجاه الصين، إلا أن كليهما لديه مخاوف من أنشطة وتحركات الصين في بحري الصين الجنوبي والشرقي. وقد أوضحت الصين من خلال إجراءات مثل الإبحار الأخير لمجموعة عمل بحرية صينية حول أستراليا، أنها تَعتبِر منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها، بما في ذلك أستراليا، مجال نفوذها الحصري.
وبينما قد يفضل الرئيس ترامب تركيز اتفاقية أوكوس على تحقيق التوازن في مواجهة السياسة الخارجية الصينية في المحيط الهادئ، يبدو أنه يميل إلى رفض التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وفي هذا الإطار تحاول أستراليا والاتحاد الأوروبي العمل معاً للضغط على ترامب لتخفيف انعزاليته القائمة على مبدأ “أمريكا أولاً”، وتشجيع الولايات المتحدة على مواصلة مشاركتها في المحافل متعددة الأطراف. وفي وقتٍ تنكمش فيه الولايات المتحدة على نفسها، ويتقوض فيه الاستقرار العالمي، تصبح الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا أكثر أهمية من أي وقت مضى.
حدود التعاون الأمني المُقترَح:
أعرب بعض الخبراء الأستراليين عن قلقهم إزاء أي اتفاقيات دفاعية مُحتمَلَة قد تنشأ، مشيرين إلى أن العلاقات مع الجيران الآسيويين تُعد أولوية أكبر، وليس إقامة علاقات جديدة مع شركاء بعيدين في أوروبا. ويجادل البعض الآخر أيضاً حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي وأستراليا ينظران إلى بعضهما بعضاً كشركاء استراتيجيين أو ذوي أولوية في مكافحة التهديدات الأمنية العالمية والمترابطة، وكذلك ما إذا كانت مجالات مصالحهما وأهدافهما الجغرافية متوافقة أم لا.
وفي الغالب، إذا أبرمت حكومة ألبانيز اتفاقية أمنية مع الاتحاد الأوروبي؛ فإنها سوف تبقى محدودة، بحيث لا تتضمن أي التزامات على غرار اتفاقية أنزوس (ANZUS) المُوقَّعة بين الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، بالتشاور بين الأطراف في حال تعرُّض أي منها لهجوم، ولا التزاماً بالدفاع الجماعي على غرار اتفاقية حلف الناتو، بموجب المادة الخامسة، التي تَعتبِر أي هجوم على أحد أعضاء الحلف هجوماً على جميع الحلفاء. كما أنها لن تشير إلا قليلاً إلى التعاون في مجال القوة العسكرية، فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء “جيش أوروبي” مُوحَّد؛ فإن هذا المفهوم لم ينطلق إلى حيز التنفيذ.
وبشكل عام، يتم التعاون الأسترالي مع الجيوش الأوروبية بشكل ثنائي. على سبيل المثال، شملت زيارة حاملات الطائرات الفرنسية والإيطالية محطات أسترالية خلال عمليات الانتشار في منطقة الإندوباسيفيك على مدار العامين الماضيين. وشارك سلاح الجو الألماني في مناورات جوية بالمنطقة. وعسكرياً، اتُخِذَت هذه القرارات في روما وباريس وبرلين بدلاً من بروكسل.
بناءً على ما سبق، وعلى عكس اتفاقية أوكوس AUKUS، التي تركز على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة مثل الغواصات النووية، فسوف تركز الاتفاقية الأمنية المُقترَحَة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا على التعاون التقليدي، الذي قد يشمل: إجراء مناورات عسكرية مشتركة، والتعاون في مجال الأمن السيبراني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومبادرات الأمن البحري، وتنسيق جهود الاستجابة للأزمات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ “الإندوباسيفيك”. والتي من المُرجَّح أن تسير بالتوازي مع جهود حلف الناتو في المنطقة، على الرغم من أن أستراليا ليست عضواً فيه.
أخيراً، قد يكون من السابق لأوانه تقييم فوائد اتفاقية دفاعية بين أستراليا والاتحاد الأوروبي، ولا سيما أن الكثير يتوقف على التفاصيل. وفي أفضل الاحتمالات، قد تكون مجرد “إضفاء طابع رسمي” على الترتيبات والممارسات القائمة بالفعل بين أستراليا ودول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. لكن مع اقتراب أستراليا من نشر استراتيجية دفاعية وطنية جديدة بحلول أوائل عام 2026 – والتي ستتطلب مراعاة عامل ترامب-؛ فإن انفتاح الاتحاد الأوروبي يوفر فرصة جيدة لأستراليا لإعادة تقييم علاقاتها الأمنية الحالية والمُحتمَلَة.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”