الانحياز الأوروبي لإسرائيل مثير للقلق
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
لطالما تباهى القادة الأوروبيون بدعمهم لما يُسمى «النظام العالمي القائم على القانون» وبمساعيهم نحو تحقيق «الاستقلال الاستراتيجي»، لكنهم اليوم يصطفون في الجانب الخطأ، بعد أن شنّت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات «استباقية» غير مبررة على منشآت إيران النووية.
فبدلًا من إدانة الهجمات الإسرائيلية التي بدأت في 13 يونيو، واغتيال كبار الجنرالات الإيرانيين، اكتفى قادة الاتحاد الأوروبي، من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتأكيد على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، متجاهلين تمامًا انتهاكاتها السافرة للقانون الدولي.
ولا يوجد أي مبرر منطقي يجعل قادة الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن إيران أو فلسطين لا تمتلكان الحق ذاته في الدفاع عن النفس. وإن لم يكن هذا تمييزًا عنصريًا، فما هو إذًا؟
عندما قصفت الولايات المتحدة المواقع النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان في 22 يونيو، تكرر الموقف الأوروبي ذاته برسائل تأييد مبطّنة، بدلًا من إصدار إدانة واضحة لتلك الضربات.
تلك الهجمات تمثل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة، ولأحكام معاهدة عدم الانتشار النووي، ولوائح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما تُنذر بخطر كارثي لتسرّب إشعاعي محتمل، وقد بدأت بالفعل تقارير تتحدث عن رصد تسريبات في بعض المواقع.
ولهذا، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش القصف الأمريكي للمواقع النووية الإيرانية بأنه «تصعيد خطير» و«تهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين».
وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت، الرئيس المشارك الحالي للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حين كتب على منصة إكس: «لا أريد سماع أي بيان أوروبي يزعم أن للولايات المتحدة الحق في الدفاع عن نفسها. ما جرى انتهاك واضح للقانون الدولي». وفي تغريدة أخرى، انتقد بيلدت البيان المشترك لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، واصفًا إياه بأنه «تجاهل متعمد للقضية الجوهرية» و«تقويض لموقفهم في الحرب الروسية -الأوكرانية». وقد تابعت تغريدات بيلدت، وتبادلنا بعض النقاشات سابقًا. رغم اختلاف مواقفي معه في أغلب الأحيان، إلا أنني أحييه اليوم على موقفه هذا.
كان حريًا بالقادة الأوروبيين أن يتخذوا موقفًا محايدًا تجاه العدوان الإسرائيلي والأمريكي غير المبرر على المنشآت النووية الإيرانية، وكذلك تجاه العمليات العسكرية في غزة، والتي تسببت في كارثة إنسانية كبرى. فبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، قتلت الهجمات الإسرائيلية أكثر من 56,000 فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، وأصابت أكثر من 131,000 آخرين، دون أن يُثير ذلك اهتمامًا يُذكر لدى القادة الغربيين.
إنّ أزمة غزة تُبث على الشاشات يوميًا، بينما يتابع قادة أوروبا أعمالهم وكأن شيئًا لم يحدث.
إذا كانت هذه الهجمات العشوائية على منشآت نووية جزءًا من «النظام العالمي القائم على القانون» الذي يتباهى به الغرب، فذلك يفتح الباب أمام كل دولة لضرب أخرى وفق هواها، مما يُقرب العالم خطوة نحو الهاوية.
ويبدو أن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته هو الأسوأ بين المسؤولين الأوروبيين، إذ يصرّ على أن القصف الأمريكي لا يُعد انتهاكًا للقانون الدولي، وهو موقف يخالفه فيه عدد كبير من خبراء السياسة الخارجية الأمريكيين أنفسهم. والأسوأ أنه أشار في أحد تصريحاته، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال له مازحًا: «نادِني أبي»، وهو ما فُسّر على أنه نوع من التملق المفضوح، في محاولة لتفادي العقوبات الجمركية الأمريكية. ورغم أن روته نفى ذلك لاحقًا، إلا أن الانبطاح كان واضحًا.
وقد أشاد روته أيضًا بترامب لدفعه الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة هائلة لا يستفيد منها سوى المجمع الصناعي العسكري الأمريكي. ووفقًا لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لم تتجاوز هذه النسبة في عام 2024 سوى خمس دول فقط: أوكرانيا (34%)، إسرائيل (8.8%)، الجزائر (8%)، السعودية (7.3%)، وروسيا (7.1%) .
هل يريد الناتو حقًا إطلاق سباق تسلّح عالمي؟ هل من الحكمة دعوة كل دول العالم لإنفاق 5% من دخلها على الأسلحة؟ إن هذا المسار يهدد بتقويض النظام الأمني العالمي، وسيجبر الدول الأوروبية على تقليص الإنفاق على البنى الأساسية والرفاه الاجتماعي والانتقال الأخضر، لصالح المزيد من شراء الأسلحة.
إنّ المطالبة بزيادة الإنفاق العسكري تمثل تهديدًا خطيرًا للبشرية جمعاء.
تشن ويهوا رئيس مكتب صحيفة تشاينا ديلي في الاتحاد الأوروبي، ومقره بروكسل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
النقد الدولي يطالب المركزي الأوروبي بالإبقاء على معدلات الفائدة عند 2%
طالب صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوروبي بالإبقاء على معدلات الفائدة عند مستوى 2%، ما لم تحدث صدمات جديدة.
وقال ألفريد كامر مدير الإدارة الأوروبية في صندوق النقد، في تصريحات صحفية خلال منتدى للبنك المركزي الأوروبي في مدينة "سينترا" بالبرتغال، إنه يتعين على "المركزي الأوروبي" أن يبقي أسعار الفائدة على الودائع عند المستوى الحالي البالغ 2%، ما لم تحدث صدمات جديدة.
وأضاف كامر، أن المخاطر المتعلقة بالتضخم في منطقة اليورو لها وجهان، ولهذا على البنك أن يضطلع بهذه المهمة الثقيلة وألا يتحرك بعيدا عن سعر الفائدة المذكور على الودائع ما لم تحدث صدمة تغير توقعات التضخم بشكل جوهري.
وتابع قائلا:" في الوقت الحالي، لا نرى أي شيء بهذا الحجم، ومن بين الأسباب التي تجعل صندوق النقد يتخذ وجهة نظر مختلفة عن الأسواق هو أنه يتوقع تضخما أعلى من البنك المركزي الأوروبي للعام المقبل".
توقعات التضخم
وتوقع مدير الإدارة الأوروبية في صندوق النقد الدولي، أن يكون التضخم العام المقبل بالاتحاد الأوروبي، عند مستوى 1.9%، وهو أعلى من توقعات المركزي الأوروبي نفسه، لأسباب من بينها أسعار الطاقة.
وكان البنك المركزي الأوروبي توقع انخفاض نمو الأسعار إلى ما دون المعدل المستهدف عند 2 %، لمدة 18 شهرا اعتبارا من الربع الثالث من العام الحالي، ليصل إلى أدنى مستوى له عند 1.4% في أوائل عام 2026.