إن تكرار أنواع مختلفة من العنف في فرنسا الذي يشارك فيه بالأساس -وليس حصريا- شباب عنصريون يستدعي تفسيرًا آخر غير تكرار أن الأمر لا يعدو كونه أفعالا فردية معزولة، كما يحذر الخبير الديموغرافي ومدير الأبحاث في وحدة الهجرة الدولية والأقليات في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية.

هكذا مهدت صحيفة "ليبراسيون" (Liberation) الفرنسية لمقال للخبير باتريك سيمون لفت في بدايته لردة فعل الحكومة الفرنسية على البيان الصحفي الذي صدر عن لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري في الثامن من يوليو/تموز الحالي والذي حث فرنسا على اتخاذ تدابير أكثر فعالية ضد التنميط العنصري والاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة.

وقال سيمون إن الوزارة استشاطت غضبا، كما هي حالها دائما كلما تعلق الأمر بعنف الشرطة، مشددة على أن "أي اتهام بالعنصرية أو التمييز المنهجي من قبل الشرطة في فرنسا لا أساس له من الصحة"، وهنا تساءل الخبير: "أذلك حق؟ هل فعلا مثل هذا الاتهام لا أساس له؟"

وأبرز الخبير الديموغرافي في معرض مناقشته هذه القضية أن فكرة العنصرية المنهجية غدت خطا أحمر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات، وحتى لو أدان الرئيس الفرنسي أو وزير داخليته علنا بعض أعمال العنف البوليسية كما في قضية مقتل المراهق نائل على يد شرطي أثناء فحص على جانب الطريق في 27 يونيو/تموز الماضي، فإن تلك الإدانة تحصر الأمر في السلوك الفردي.

وأوضح أن نظريات التفاحة الفاسدة أو قلة التدريب أو الضغط النفسي وظروف عمل الشرطة هي دوما الذرائع التي تقدم لتفسير أعمال الشرطة تلك، بعيدا عن أي ذكر لإطار العمل المؤسسي الذي يجعل من الممكن تكاثر الوفيات العنيفة وأشكال العنف المختلفة التي لا يمكن أن تظل تعزى لأفعال فردية معزولة.


ولانتقاد طريقة تعامل الحكومة الفرنسية الحالية مع مثل هذه الأحداث مقارنة بفترات سابقة، أورد الكاتب مقارنة بين أحداث الشغب عامي 2005 و2023 نفسها، قائلا إن ما حدث في كلتا الحالتين كان متشابها في العديد من النقاط ، لكن طريقة التعامل معه سياسيا كانت مختلفة تماما؛ ففي عام 2005 اعتبر الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك أعمال الشغب "إخفاقا في نموذج الاندماج"، وأقر بنوع من المسؤولية القانونية حيث قال "لن نبني أي شيء يدوم من دون محاربة هذا السم الذي هو التمييز داخل المجتمع، لن نبني أي شيء مستدام إذا لم نعترف ونوطد تنوع المجتمع الفرنسي".

أما أحداث عام 2023، فتميز الخطاب الرئاسي فيها بإلقاء اللوم في المسؤولية على الوالدين والشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو لشرح أعمال الشغب،

وأضاف أنه إذا كان قانون تكافؤ الفرص الذي تم إقراره في مارس/آذار 2006 قد تضمن عددًا قليلاً جدًا من التدابير ضد التمييز ومهد لــ"عقد مسؤولية الوالدين" في ما يقوم به أطفالهم مثيرو الشغب، فإن ثمة ما لا يمكن إنكاره وهو أن التمييز يقضي على التماسك الاجتماعي ويعيقه.


ونبه الخبير إلى أن الاختلاف الكبير بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا لا يكمن في تواريخ العنصرية والعبودية والاستعمار ولا في حدة ذلك ومظاهره التي لها خصوصياتها، بل إن الاختلاف الأساسي يكمن في الاعتراف بمسؤولية المؤسسات في إنتاج العنصرية والتمييز، فسياسات مناهضة التمييز في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تفترض أن هناك بنية تمييزية في المجتمع، وأن الدولة ومؤسساتها مسؤولة عن تغيير ذلك.

أما في الحالة الفرنسية، فإن خيال الدولة الفاضلة يجعل البلد ينظر للعنصرية على أنها سلوكيات فردية يجب معاقبة من يقومون بها، وهنا حذر الخبير من أن هذا العمى المتعمد يضمن -على نحو مباشر من خلال مضاعفة التحيزات في الإجراءات وبشكل غير مباشر عن طريق التقاعس عن تصحيحها- الحفاظ على التمييز وتعزيز العنف العنصري، وكذلك عندما يأتي من قوى النظام مثل وفاة نائل وأولئك الذين سبقوه وما يذكرنا به ذلك من ألم.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

تشارلز كوشنر.. من رجل أعمال مثير للجدل إلى سفير أمريكا الجديد في فرنسا

وافق مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ضئيلة على تعيين تشارلز كوشنر، رجل الأعمال العقاري ووالد جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب، سفيرًا لدى فرنسا.

وجاء هذا التعيين وسط جدل واسع بسبب سجل كوشنر في التهرب الضريبي، حيث سبق أن حصل على عفو رئاسي من ترامب في ديسمبر 2020 بعد إقراره بالذنب في قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي وتقديم تبرعات غير قانونية للحملات الانتخابية.

ويعد كوشنر مؤسس شركة “كوشنر كومبانيز” العقارية، بينما شغل ابنه جاريد منصب كبير مستشاري البيت الأبيض في فترة ولاية ترامب الأولى، وهو متزوج من إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس.

وخلال جلسة التأكيد، وصف ترامب كوشنر بأنه “قائد أعمال بارز، ومحسن، وصانع صفقات مميز”. من جهته، أكد كوشنر عزمه العمل على تعزيز العلاقات الأمريكية-الفرنسية، مشيرًا إلى ضرورة تحقيق توازن أكبر في التعاون الاقتصادي والدفاعي بين البلدين، ودعم جهود فرنسا لقيادة الاتحاد الأوروبي نحو توافق مع الرؤية الأمريكية في مجال الأمن.

ويأتي تعيين كوشنر في ظل توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا، على خلفية سياسات ترامب التجارية والدور الأمريكي في حرب أوكرانيا، وسط تأكيدات من كوشنر على أهمية العلاقات التاريخية بين البلدين والتزامه بتعزيزها، كما أشار إلى خلفيته العائلية، كابن لأسرتين من الناجين من المحرقة النازية، ما يشكل جزءًا من مسيرته الشخصية والمهنية.

يذكر أن تشالز كوشنر هو رجل أعمال أمريكي بارز في قطاع العقارات، وهو والد جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره السابق، ويُعرف كوشنر بأنه مؤسس شركة “كوشنر كومبانيز”، التي تُعد من أبرز الشركات العقارية في الولايات المتحدة. في ديسمبر 2020، حصل كوشنر على عفو رئاسي من ترامب بعد إقراره بالذنب في قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي وتقديم تبرعات غير قانونية للحملات الانتخابية، مما أثار جدلاً واسعاً حول تعيينه في منصب دبلوماسي.

ويمثل تعيين كوشنر في منصب سفير الولايات المتحدة لدى فرنسا خطوة مهمة في ظل العلاقات المتوترة بين البلدين، التي شهدت توترات بسبب السياسات التجارية الأمريكية السابقة والدور الأمريكي في الأزمات الدولية مثل حرب أوكرانيا. يسعى كوشنر إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي بين واشنطن وباريس، كما يهدف إلى دعم فرنسا في قيادة الاتحاد الأوروبي نحو تنسيق أمني يتماشى مع الرؤية الأمريكية.

هذا وتتمتع العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا بتاريخ طويل من التعاون والتحالف، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة بعض التوترات التي أثرت على الديناميكية بين البلدين، وكانت فرنسا من أوائل الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة في العديد من القضايا الدولية، خصوصًا في الحروب العالمية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مع ذلك، سياسات الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة دونالد ترامب، أدت إلى توترات ملحوظة، خاصة بسبب قرارات ترامب المتعلقة بالتجارة، فرض تعريفات جمركية على المنتجات الأوروبية، وسحب بعض القوات الأمريكية من مناطق استراتيجية، مما أثار انتقادات فرنسية وأوروبية.

إضافة لذلك، اختلف البلدان في وجهات نظرهما حول كيفية التعامل مع الأزمات الدولية مثل النزاع في أوكرانيا، وقضايا الأمن في الشرق الأوسط، مما زاد من صعوبة التنسيق المشترك، ومع تعيين تشارلز كوشنر سفيراً جديداً للولايات المتحدة في باريس، تتطلع واشنطن إلى إعادة بناء جسور التعاون وتعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية، خصوصًا مع رغبة كوشنر في دعم فرنسا لتقود الاتحاد الأوروبي باتجاه توافق أمني متين يعزز التحالف عبر الأطلسي.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء الفرنسي: التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية لن يتوقف
  • تشارلز كوشنر.. من رجل أعمال مثير للجدل إلى سفير أمريكا الجديد في فرنسا
  • فرنسا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين
  • رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق: يجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم وليس غدا
  • وزير الخارجية الفرنسي: العنف العشوائي حوّل غزة إلى مقبرة
  • منطقة ممنوعة على المسلمين.. ملصقات عنصرية في أورليان الفرنسية تثير الغضب
  • ما قصة الجاسوس إيلي كوهين الذي حصلت إسرائيل على أرشيفه من سوريا؟
  • خط السيطرة في كشمير فاصل الأمر الواقع الذي فرضته الحروب
  • الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين
  • قتيل في انفجار خارج عيادة بولاية كاليفورنيا الأميركية