#بلطجي_برتبة د. #هاشم_غرايبه
البلطجة مصطلح عامّي، ويعني تلك الحالة التي يفرض فيها شخص هيمنته على سكان منطقة بالقوة، بهدف جني الأموال والمكاسب منهم ظلما وعدوانا، ويرضخون لإملاءاته خوفا من سطوته واتقاء لشره.
واضح أن ذلك يعود لعدم القدرة على ردعه، أو لغياب السلطة التي تفرض القانون الذي يوفر الأمان.
في الغالب هذا الأمر لا يحدث إلا في الأحياء والحارات المنزوية عن سلطات الأمن العام، أو في البلاد التي ينخرها الفساد.
في قديم الزمان، كانت هنالك أمم وأباطرة يمارسون هذه الحالة على الأمم الأضعف، لكن لم تكن لتدوم طويلاً، بسبب أن الباطل دائما زهوق.
بعد التطور في مفاهيم الحكم وظهور الديموقراطية، توهم البشر بعد زوال آخر حالة في ذاكرة التاريخ الحديث وهي النازية والفاشية، أن فكرة استعلاء عرق أو قومية على غيرها لم يعد لها مكان في هذا العالم، لكن الأحداث أثبتت أنها ما زالت تعشش في عقول الطامعين والشرهين لجني المزيد، ممن لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وانتهجوا الرأسمالية الاستحواذية بديلا لمنهج الله الذي به وحده يستتب الحق والعدل.
كان سقوط العالم في أتون القطب الواحد منتجا حتميا لاستفراد بلطجي العالم (أمريكا) بالسطوة والهيمنة، فأخضعت العالم كله لسلطانها، واستجاب البشر كلهم لأوامرها، بعد أن أشهرت العصا الغليظة، بنشرها الأساطيل البحرية وحاملات الطائرات في كل المحيطات، وبثت القواعد العسكرية في كل القارات.
كان العدوان الأخير على اليمن هو إحدى الصور لتلك البلطجة، فكل من يخرج عن طوعها أو يؤذي من هم تحت حمايتها ينال العقاب الفوري، من غير التفات للمبادئ التي لا تنفك تعلن أنها حارسة عليها، مثل احترام حق الدول في السيادة على أراضيها، والالتزام بالقوانين والاعراف الدولية، ومراعاة حق الإنسان في الحياة الآمنة والكريمة.
لم تكن “صنعاء” هي أول عاصمة تقصفها، فقد قصفت قبلها بيروت وطرابلس والخرطوم وكابول وبغداد، ومن استعراض الأسماء نلاحظ أنها جميعها إسلامية، أي أنها منذ أوقفت عدوانها على فيتنام، تخصصت فقط في مهاجمة ديار الإسلام، فهل يعني ذلك أن المسلمين لا يدفعون (الخاوة) كباقي الأمم، أو أنهم متمردون خارجون على الطاعة!؟.
ليس الأمر كذلك إطلاقا، بل هم في واقع الأمر الدافعون الأكبر بل ربما الأوحد، إذ أن خيرات ومقدرات بلادهم تحت إدارة ورقابة الغرب، كل أموالهم مودعة في خزائنهم، وفي أية لحظة يمكنهم (تجميدها) أي بالمعنى التطبيقي الاستيلاء عليها.
وليس هنالك من دولة اسلامية شقت عصا الطاعة وخالفت إملاءاتهم فكلها خانعة راكعة لهم.
فلماذا استعمال البلطة إذن مع المسلمين دونا عن باقي شعوب الأرض، التي تتعامل معها بالدبلوماسية الناعمة عادة، وفي أسوأ الحالات تلجأ الى العقوبات الاقتصادية!؟.
لا توجد إلا إجابة وحيدة، مهما تفذلك المضللون، وهي أن امريكا في تقمصها لدور الشيطان الأكبر، في إخضاعها لباقي أقطار الأرض تتعامل مع دول، أي حكومات تمثل شعوبها، لأنها تتبع عقيدة أمتها، فإن امتثلت الحكومة يعني ذلك يعني ذلك رضوخ الدولة بأكملها.
لكن الأقطار الإسلامية نُصبت عليها حكومات لا تنتهج عقيدة شعوبها، فهي في واد وآمال وطموحات شعوبها في واد آخر، لذلك ورغم نجاح الشيطان الأكبر في اخضاع الحكومات لهيمنته، إلا أن الشعوب بفضل عقيدتها التي تنفث فيها العزة وتحميها من الرضوخ للدنية والتبعية، تبقى متمردة.
لذلك فالبلطجة هنا ليست موجهة للحكام، فهم مستجيبون بدرجة تفوق ما يطلبونه منهم، بل هي موجهة للأمة، فهي الوحيدة في العالم التي بقيت متمردة على الهيمنة الغربية.
لذلك نجد المستهدف الأول هو العقيدة، لأنهم يعلمون أنها هي التي بثت فيهم روح التحدى للقوة الطاغية، فلا تجد أمة نالت من ضربات مثلما نالته أمتنا، التي وإن كانت امما عريقة ضاربة جذورها في عمق التاريخ، وناضلت طويلا، إلا أنها في نهاية المطاف استسلمت لمنطق القوة الغالبة، مثل اليابان والصين وألمانيا وكمبوديا ..الخ، وأمم أخرى قوية وأعرق حضاريا من الأمريكان كالإنجليز والطليان والفرنسيين، لكنها استلمت للتبعية لهم، وقبلت الجلوس في المقعد الخلفي.
أمتنا الوحيدة الرافضة للاستسلام، لأنها عزيزة بمنهجها رغم محاولات تهميشه، وقوية بإيمانها بوعد ربها، رغم ضعفها الآني الذي أورثها إياه المتخاذلون المعادون لمنهج الله – منهج العزة والكرامة، لذلك تدفع الثمن.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
أصبح الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على إيران أحد أبرز الضربات العابرة للحدود في تاريخ المنطقة الحديث. فالعملية، التي تجاوزت كونها استهدافًا لمنصات صواريخ أو منشآت نووية، شملت اغتيالات بارزة وهجمات إلكترونية معقدة. من أبرز تطوراتها اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين، بينهم اللواء محمد باقري، وفي الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده.
هذه الاغتيالات تشكل أقسى ضربة تتعرض لها القيادة العسكرية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومع ذلك، فإن الهجوم يتجاوز كونه عملية عسكرية بحتة؛ فهو تجسيد لعقيدة سياسية بُنِيَت على مدى عقود.
رغم التصريحات الإسرائيلية التي تصف العملية بأنها إجراء استباقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن المنطق الإستراتيجي العميق يبدو أكثر وضوحًا: زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وصولًا إلى انهيارها.
فلطالما اعتبر بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين والأميركيين أن الحل الوحيد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية يكمن في تغيير النظام. وهذه الحملة تندرج في هذا التوجه القديم، لا فقط عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال ضغوط نفسية وسياسية واجتماعية داخل إيران.
تُظهر التطورات الأخيرة أن العملية ربما صُمِمَت لإشعال شرارة انتفاضة داخلية. فالخطة مألوفة: اغتيال القادة، حرب نفسية، حملات تضليل، واستهداف رمزي لمؤسسات الدولة.
في طهران، أفادت التقارير بأن الهجمات الإلكترونية المدعومة إسرائيليًا والغارات الدقيقة أصابت مباني حكومية ووزارات، وعطلت مؤقتًا البث التلفزيوني الوطني؛ أحد أركان البنية الإعلامية للجمهورية الإسلامية.
في المقابل، تعكس التصريحات السياسية الإسرائيلية هذا المسار. ففي لقاءات مغلقة وتصريحات صحفية محددة، أقر المسؤولون بأن المنشآت النووية الإيرانية المحصنة عميقًا- بعضها مدفون لأكثر من 500 متر تحت جبال زاغروس والبرز- لا يمكن تدميرها دون تدخل أميركي مباشر باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي لا تستطيع حملها سوى قاذفات B-2 أو B-52 الأميركية. وغياب هذه الإمكانات جعل القادة الإسرائيليين يقتنعون بأن وقف البرنامج النووي الإيراني لن يتحقق إلا بتغيير النظام.
إعلانهذا السياق يمنح الأفعال العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدًا جديدًا. فبعد الهجمات، كثفت إسرائيل رسائلها الموجهة إلى الشعب الإيراني، ووصفت الحرس الثوري ليس كمدافع عن الوطن، بل كأداة قمع ضد الشعب.
وكانت الرسالة: "هذه ليست حرب إيران، بل حرب النظام." وقد ردد شخصيات من المعارضة الإيرانية في الخارج- كرضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، ولاعب كرة القدم السابق علي كريمي- هذا الخطاب، مؤيدين الهجمات، وداعين إلى إسقاط النظام.
لكن يبدو أن الإستراتيجية حققت عكس ما كانت ترجوه. فعوضًا عن إشعال ثورة جماهيرية أو تفكيك الوحدة الوطنية، عززت الهجمات شعورًا عامًا بالتماسك الوطني عبر مختلف التيارات. حتى بعض المنتقدين التقليديين للنظام عبّروا عن غضبهم مما اعتبروه اعتداءً أجنبيًا على السيادة الوطنية. وتجددت في الوعي الجماعي ذكريات التدخلات الخارجية- من انقلاب 1953 بدعم الـCIA، إلى حرب العراق- مفجّرة ردة فعل دفاعية متأصلة.
حتى بين نشطاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"- التي أشعلت احتجاجات وطنية إثر مقتل مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها- برز تردد واضح في دعم أي تدخل عسكري أجنبي. ومع انتشار صور المباني المدمرة وجثث الجنود الإيرانيين، تراجعت مطالب التغيير السياسي لصالح خطاب الدفاع عن الوطن.
وبرزت شخصيات عامة ومعارضون سابقون للجمهورية الإسلامية يدافعون عن إيران ويُدينون الهجمات الإسرائيلية. فقد صرح أسطورة كرة القدم علي دائي: "أفضل الموت على أن أكون خائنًا"، رافضًا أي تعاون مع الهجوم الأجنبي. أما القاضي السابق والمعتقل السياسي محسن برهاني فكتب: "أُقبّل أيادي جميع المدافعين عن الوطن"، في إشارة إلى الحرس الثوري وبقية القوات المسلحة.
ما بدأ كضربة عسكرية محسوبة ضد أهداف محددة، قد ينتهي بتعزيز النظام لا بإضعافه؛ عبر حشد وحدة وطنية وتكميم الأصوات المعارضة. فمحاولة صنع ثورة من الخارج قد لا تفشل فقط، بل قد تنقلب ضد من خطط لها.
وإذا كان الهدف النهائي لإسرائيل هو تحفيز انهيار النظام، فقد تكون قد قللت من شأن الصلابة التاريخية للنظام السياسي الإيراني، ومن قوة التماسك الذي يولده الألم الوطني.
وبينما تسقط القنابل ويُقتل القادة، يبدو أن النسيج الاجتماعي الإيراني لا يتفكك، بل يعيد نسج نفسه من جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline