مصطلح "صفقة القرن" هو مصطلح ظل يتردد على ألسنة المسئولين الدوليين والمحللين السياسيين دون بيان لحقيقته بشفافية وإفصاح، ولكن تم رفع الستار جزئيا عن هذا المصطلح من خلال لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في العاصمة واشنطن في نيسان/ أبريل 2017م، بقوله لترامب: "ستجدني بكل قوة ووضوح داعما لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها"، هذا في الوقت الذي لم يتلفظ فيه ترامب نفسه بهذا المصطلح من قريب أو بعيد، واكتفى بالرد على نظيره المصري قائلا: "سنفعل ذلك سويا، سنحارب الإرهاب سويا وستمتد صداقتنا طويلا".
ولم ينقض العام ٢٠١٧م حتى أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٦ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٧م قرارا بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها لاحقا، ليأتي قرار ترامب بعد وعد بلفور بمائة عام، هذا الوعد المشؤوم الذي صدر في العام ١٩١٧م وبه أعطى من لا يملك أرض فلسطين لمن لا يستحق.
ولم يكتف ترامب بذلك بل استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن للحيلولة دون إدانة قرار ترامب، كما هدد ترامب بقطع المساعدات الأمريكية عن الدول التي تصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره. بل قام ترامب في 23 مارس/ آذار 2019م بتوقيع إعلان بموجبه تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان السورية المحتلة. ولم يتوقف ترامب عند ذلك الحد، جاءت أحداث طوفان الأقصى والعدوان الصهيوني لأكثر من مائة يوم على غزة لتكشف مرة أخرى وبقوة عن صفقة القرن، لا سيما في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تراكم الديون التي تهدد بالإفلاس، وانتكاسة تهدد بانفجار ليس الوضع الاقتصادي فحسب بل السياسي أيضابل كلف صهره ومستشاره الصهيوني "جاريد كوشنر" بالتخطيط والإشراف والتنفيذ لصفقة القرن، لمقايضة السلام بالمال بعيدا عن إعادة الأرض المغتصبة وحقوق اللاجئين المعروفة، وذلك من خلال شقين: أولهما اقتصادي يليه الشق السياسي لتصفية القضية الفلسطينية بمال وضيع، لا يساوي شبرا واحدا من أرض فلسطين، بل ولا قطرة دم لشهيد.
وللأسف فقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية دولة عربية هي البحرين للإعلان فيها عن الشق الاقتصادي لصفقة القرن، من خلال انعقاد ورشة اقتصادية بالمنامة في 25 و26 حزيران/ يونيو2019م، تحت عنوان: "السلام من أجل الازدهار"، حضرها عدد من صهاينة العجم والعرب باسم تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، ومنح قادة الحكومات والأعمال والمجتمع المدني فرصة لحشد الدعم لمبادرات اقتصادية، في إطار اتفاق سلام موهوم مقابل مال خبيث مدفوع.
والعجيب أن الجزء الأكبر من تمويل صفقة القرن خُطط له بأن يكون من جيوب دول خليجية، حيث أراد كوشنر، خليفة هرتزل، أن يبيع فلسطين لمغتصبها بأموال عربية قدرها خمسون مليار دولار تستثمر في فلسطين ومصر والأردن، ثم يسمى ذلك بفرصة القرن، وهو ما يعني أن ما يراد له من استقرار الكيان الصهيوني وتمدده، وبيع فلسطين قوامه أموال خليجية، مقابل التنازل عن جزء من سيناء لتوطين أهل فلسطين، وقيام دولة فلسطينية ممزقة الأجزاء منزوعة السيادة وضياع القدس الشريف؛ مسرى النبي الأمين، وحق الفلسطينيين في العودة لديارهم. وهذا نتاج طبيعي للتخاذل العربي الذي حول فلسطين من قضية إسلامية ثم إلى قضية عربية ثم إلى قضية فلسطينية، ثم إلى قضية إسرائيلية يتحكم فيها اللوبي الصهيو-عربي-أمريكي بما يشاء.
ورحم الله السلطان عبد الحميد الثاني الذي عرض عليه زعيم الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" من المال ما يحل مشكلة الدولة العثمانية الاقتصادية من جذورها ويحقق لها الرخاء، مقابل التنازل عن فلسطين، فقال له قولته المشهورة: "لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليست ملكا لشخصي بل هي ملك للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة. والله لئن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين".
رفض النظام المصري أكثر من فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومع ذلك فأخشى ما أخشاه أن تكون تلك التصريحات لتخدير الشعب وقبوله بعملية التهجير في ظل وضع مبررات لذلك بأن أرض سيناء كبيرة وغير مستغلة، ولن يضير مصر التخلي عن جزء منها مقابل سداد ديونها جزئيا أو كليا وحل مشكلة سد النهضة، لا سيما وأن المقدمات منذ سنين تبرز هذا التوجه من خلال توريط مصر في الديون، وترحيل أهالي رفح، وإغلاق الأنفاق
وقد جاءت أحداث طوفان الأقصى والعدوان الصهيوني لأكثر من مائة يوم على غزة لتكشف مرة أخرى وبقوة عن صفقة القرن، لا سيما في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تراكم الديون التي تهدد بالإفلاس، وانتكاسة تهدد بانفجار ليس الوضع الاقتصادي فحسب بل السياسي أيضا، حيث جاوزت الديون الخارجية وحدها 165 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ43 مليار دولار في عهد الرئيس مرسي.
وقد رفض النظام المصري أكثر من فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومع ذلك فأخشى ما أخشاه أن تكون تلك التصريحات لتخدير الشعب وقبوله بعملية التهجير في ظل وضع مبررات لذلك بأن أرض سيناء كبيرة وغير مستغلة، ولن يضير مصر التخلي عن جزء منها مقابل سداد ديونها جزئيا أو كليا وحل مشكلة سد النهضة، لا سيما وأن المقدمات منذ سنين تبرز هذا التوجه من خلال توريط مصر في الديون، وترحيل أهالي رفح، وإغلاق الأنفاق. وكذلك ما ورد من تصريحات للسيد مصطفى الفقي المقرب من السلطة -والتي قد تعد بالون اختبار- عن رأيه حال عرض الأمريكان تهجير نحو 100 ألف مواطن من قطاع غزة إلى سيناء، نظير إسقاط بعض الديون عن مصر، وحل قضية سد النهضة، حيث قال: "سيتوقف الأمر على الجانب المصري، إذا كان الأمر داخل أرضي وحدودي، وكان هناك ضمان من الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة يحترم تاريخيا حقوق مصر النيلية، مقابل الحصول على شريط صغير من 15 كم، فمن الممكن النقاش".
ومع كل هذه المخاطر لهذه الصفقة المشؤومة لدق آخر مسمار في نعش أرض بيت المقدس بيد عربية وصهيونية، يبقى الأمل وبتجدد بقوة بتمزيق تلك الصفقة بسواعد المقاومة في غزة، وثبات أهلها شيوخا ونساء وأطفالا وشبابا، ورفضهم التهجير، وارتباطهم بديارهم وأرضهم موتا وحياة.
twitter.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صفقة القرن المصري السيسي غزة مصر السيسي غزة صفقة القرن مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صفقة القرن سد النهضة من خلال لا سیما
إقرأ أيضاً:
وزير الإعلام المصري الأسبق لـعربي21: الكاميرا يجب أن ترافق البندقية.. والبعض خان فلسطين (شاهد)
أعادت حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العامين الماضيين تشكيل وعي الشعوب العربية والإسلامية، وخلقت تحولا غير مسبوق في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، بعدما كشفت مشاهد الإبادة والدمار حجم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
وفي الوقت نفسه، وضعت هذه الحرب الإعلام العربي والدولي أمام اختبار تاريخي، فبرزت مؤسسات وطاقات إعلامية أدت دورا محوريا في فضح الرواية الإسرائيلية وكشف الزيف، فيما اختارت جهات أخرى الصمت أو الانحياز، لتصبح المعركة الإعلامية جزءا أصيلا من معركة الوجود على أرض فلسطين.
في لقاء خاص مع "عربي21"، قدم وزير الإعلام المصري الأسبق صلاح عبد المقصود قراءة معمقة لدور الإعلام في حرب غزة، وتحليلا لتأثيرها الواسع على وعي الشعوب العربية والعالمية، مؤكدا أن هذه الحرب أعادت تثبيت أن قضية فلسطين ليست مجرد ملف سياسي، بل قضية إنسانية ووجودية تحرك الضمير الحر في كل مكان.
وقال عبد المقصود إن ما جرى في غزة خلال الحرب الأخيرة كشف بوضوح حجم الانقسام داخل المنظومة الإعلامية العربية والدولية، مشيرا إلى أن "جزءا من الإعلام العربي، ومعه مراسلون دوليون أصحاب ضمائر حية، لعبوا دورا حاسما في كشف الحقيقة وفضح الزيف الصهيوني، خاصة الادعاءات التي روجها الاحتلال عن أن المجاهدين قتلوا الأطفال أو اعتقلوا النساء والشيوخ".
وأوضح بعد المقصود أن "الرواية الصهيونية سقطت لأن الإعلام الصادق فضحها بالصورة والحقائق"، مشددا على أن هذا الدور لم يكن بشكل عام، بل كان نتاج جزء من الإعلام العربي "بينما كان هناك أيضا إعلام عربي منبطح، موال للعدو، يطعن الفلسطينيين والمقاومين في ظهورهم ويبرر جرائم الاحتلال".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وتحدث الوزير السابق بتأثر عن الدور الذي أداه الصحفيون في غزة خلال الحرب، قائلا: "أشدّ على أيدي زملائي الإعلاميين، وأترحم على زملاء الصحفيين والمصورين وأطقم العمل الذين ارتقت أرواحهم في غزة وهم يجاهدون بالكاميرا"، مؤكداً أن معركتهم لم تكن أقل قيمة من معركة المقاتلين في الميدان.
وأضاف عبد المقصود أن العديد من المؤسسات الإعلامية "أدت دورها الكامل، ولولاها لما عرف العالم حقيقة ما يجري في فلسطين"، وأضاف: "الحمد لله، هناك كتائب إعلامية أدت دورها، ودورها لا يقل عن المجاهدين في الميدان".
وأكد أن المعركة الإعلامية أصبحت جزءا أصيلا من معركة المقاومة نفسها، قائلا: "لا بد للكاميرا أن ترافق البندقية، ولا بد للقنوات التلفزيونية أن ترافق الخنادق والأنفاق، وإلا فلن نستطيع التغلب على هذا العدو الفاجر الذي يستخدم كل الوسائل ليقضي على مقاومتنا وعلى أهلنا في غزة والضفة والقدس".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ودعا عبد المقصود إلى تكامل الجهود بين الإعلاميين والمثقفين والفنانين والكتّاب في دعم القضية، قائلا: "هذا واجبنا اليوم، ولا ينبغي أن نتأخر عنه، وإلا لحقنا العار في حياتنا وبعد موتنا".
قضية فلسطين تعيد الأمل وتفضح أوهام التسوية
وفي حديثه عن تأثير الحرب على وعي الشعوب، أكد الوزير الأسبق أن القضية الفلسطينية أثبتت أنها قضية كل عربي ومسلم، وكل إنسان يؤمن بالحرية والعدالة، لافتا إلى أن مشاهد غزة "حركت ضمير العالم".
وقال: "إذا كانت آلمتنا في بلادنا العربية والإسلامية، فقد آلمت أيضا أحرار العالم، وجدنا المظاهرات تتحرك في أوروبا وأمريكا، وتمنع من الخروج للأسف في بعض البلاد العربية".
وأشار إلى أن الحرب الأخيرة أعادت الأمل للشعوب بأن التحرير ممكن، قائلا: "طوفان الأقصى أذل العدو وأظهر أنه نمر من ورق، أثبت أن المقاومة هي الحل ولا يفل الحديد إلا الحديد. هذا عدو لا يعرف إلا لغة القوة".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
فشل المفاوضات ومأزق التطبيع
وفي تقييمه لمسار التسويات السياسية الممتد منذ عقود، قال عبد المقصود إن التجارب أثبتت بلا شك أن هذا الطريق لم يقدم أي نتيجة، مضيفا: "المفاوضات منذ زيارة السادات للقدس عام سبعة وسبعين، ثم كامب ديفيد، ثم مسار التطبيع، ثم الاتفاق الإبراهيمي… كل هذا لم يحقق إلا مزيداً من التوسع الصهيوني، والهيمنة على أرض فلسطين، وتهويد الحجر والشجر والمقدسات".
وختم قائلاً: "لا جدوى من وراء هذه المسارات هذا عدو لا يعرف إلا لغة القوة، ولا حل معه إلا بالمقاومة".