هانى شنودة:«قافلة السعادة» معروف لمن تنكر لهم الزمان
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
ما أعظم أن يملك الفنان زمام أمره، وأن يصبح سلطان حقيقته، فلا يعيقه عائق يصده عن منجزه، وليبقى وحده الفاعل، ليجىء القدر حتى وإن ابتسم على مهل ليقدم له ما يستحق، هكذا نستطيع وصف الرحلة من أعلى للموسيقار هانى شنودة، الذى حول «الاستديو» الخاص به إلى صومعة فن تتعاقب عليه الأجيال وأشكال الفن المختلفة، وليقف هانى شنودة وراء جيل الجد والابن والحفيد، فكان جيل قبل محمد منير وعمرو دياب وجيلهما وأجيال تلتهما.
اشتهرت لهانى شنودة أغنيات وأثبتت نجاحًا استمر عبر الزمان، ومؤخرًا تمكن من وضع الموسيقى التصويرية لمسلسل «حالة خاصة»، وقد شاعت هذه الموسيقى فور طرحها وسماعها لتضاف إلى مقطوعات موسيقية ناجحة وشائعة قدمها عبر مشواره.
فى هذه السطور يكشف لنا عن مشواره وآخر أعماله وعن الأغنية المصرية وأحوالها سألته:
- البدء كنا نحن المصريين فأجدادنا القدماء المصريون هم الذين أسسوا قواعد الموسيقى الأولى، وهم الذين اخترعوا أول الإيقاعات، ليمر الغناء بجمال وتردٍ حسب أحوال البلاد والعباد، لكن البدء كنا نحن، وهذا ما يفسر أنه كلما انتكس الفن لدينا عاد، وكلما انصرفت أجيال عن بهاء الفن عادت أخرى لتكتشفه، فهو فى الجينات يظهر ولو بعد حين.
- لكى تستمتع هذه الأجيال بماضى فننا علينا أن نقدم التراث بطريقة جديدة لأن محمد منير عندما غنى «أنا بعشق البحر» أعجب بها الشباب، لكن الذين فى سنى قالوا لأولادهم اسمعوها من «نجاة» واكتشفوا كيف غنتها، فلابد لنا من إحياء التراث بإعادة توزيع أعمال كأعمال «الموجى» و«بليغ» و«الطويل» ومن قبلهم محمد عبدالوهاب وكذلك منير مراد ومحمود الشريف وغيرهم. فلابد لنا من إحياء لكل أغانيهم، وحين وزعت أغنية «أنا كل ما أقول التوبة» من ألحان بليغ حمدى أعجب بها الناس، الأمر الذى يجعلنى أعيد تقديمها فى كل حفلة فلماذا لا يكون لدينا مثلا أغنية «نار» بتوزيع جديد يغنيها أحمد الحجار، وأخرى موجودة بالفعل بصوت عبدالحليم، وبهذه الطرقة يتنفس التراث ويعود للحياة.
- كل شىء له سلبياته وإيجابياته، والإنسان رب التكنولوجيا، فمن الإيجابيات التى لا يكاد يصدقها أحد، أنه بإمكانك حذف صوت أم كلثوم أو عبدالحليم وتبقى الموسيقى التى تعزف بمصاحبتها، ليضع المطرب الحالى صوته محل أم كلثوم أو عبدالحليم وهذه التجربة تقول من كان فى قدرهما فليتقدم لكننا لا نجد فيمن يضعون أنفسهم محل هذين الصوتين إلا قدرًا أقل بكثير من قدرهما.
- السبب هو الوقت المهدر الذى يقضيه المطرب الحالى فى اللهث وراء التكنولوجيا التى تسرق وقتهم، فينسون أنهم أتوا إلى الدنيا ليعمروها، وبذلك لا يتدربون ولا يقرأون فماذا تنتظر.
- حاولت أن أصف الحالة الصحية للمتوحد بالموسيقى من خلال المطربة السوبرانو «تينا» التى استعملت صوتها كآلة من آلات الأوركسترا كى تعطى تأثيرًا إنسانيًا لكل من يسمع الموسيقى، إذ فى كل مقطع صوت بشرى يشعرك بأنه ينبغى أن يساعد بعضنا بعضًا، وقد وجدت بعد عرض العمل أن أنتقد فى أحدهم وتساءل: لماذا لا توجد بالموسيقى آلات «لايف» والحقيقة أن كل الآلات المستخدمة فى موسيقى «حالة خاصة» كلها لآلات «لايف» والموسيقى التصويرية تعبر عن مشهد موجود بالفعل، وأظن أن مشهدًا لعادل إمام والضابط يجرى وراه لا يحتمل آلة العود التى تدل على الأصالة والطيبة، ومن بين أسباب ذلك تكرار وضع هذه الآلة على الشخصيات الطيبة تكرر حتى أصبح ارتباطًا شرطيًا، وكذلك الحال بالنسبة لآلة القانون والناى، فكلها آلات خير، أما الشر فبإمكاننا التعبير عنه من خلال آلات «الإليكتريك»، وسعادتى كبيرة إذ لا يهدأ التليفون من إعراب الناس عن سعادتهم بهذا العمل.
- كل الذين يعجزون بفعل السن يتساءلون: هل نحن عبء على أهلنا، وحين يبعثون بهم إلى دار المسنين يتأكدون أنهم بالفعل كانوا عبئًا على أهلهم، الأمر الذى يقودهم إلى الاكتئاب، ومع مشاغل الحياة لا يعود أحد من أهلهم يسأل عنهم، ومن أجل هذا جاءت فكرة «قافلة السعادة» لتخفف عنهم وتدعوهم إلى السعادة وإلى تذكار أغانٍ طالما ارتبطت بهم وبأحلامهم قبل سنين، فنحن نقدم أغانى فرق المصريين وأغانى أخرى لآخرين ارتبطوا بها سواء أغنيات لأن كلثوم أو عبدالحليم أو نجاة أو حى فلكلوريات «الريس متقال»، كل ذلك من أجل أن نسعدهم وتتعاظم سعادتنا حين نرى السعادة فى عيونهم وابتساماتهم، وكذلك حين يتمايلون رقصًا فلم تدع صحتهم الآن كصحتهم فى الماضى فلا يستطيعون الوقوف للرقص فيرقصون جلسوا أو يهتزون وقد تعلمنا من الأديان أن الذى يجبر بخاطر إنسان له أجر كبير عند الله، فنحن بقافلة السعادة نغسل روحانيات إذ نقابل أناسًا لا نعرفهم مسبقًا يكونون فى استقبالنا ونقدم لهم الأغانى المناسبة لهم.
- أسعدنى لا شك وقد كنا فى الماضى نأخذ منهم، أما الآن فهم يأخذون منا، وأتعجب من الذين يسألون عن حقوقى المادية فى هذا الأمر كأنه كل هذا الذى يعنينا، ولا يسألون عن القدر الفنى لهذا الاستخدام، وهم إما يكونون قد حصلوا على موافقة من جمعية المؤلفين والملحنين أو من المنتج محسن جابر سنرى، لكنى سعيد باستخدامها على منصتهم وفى الترويج التجارى والرياضى للفريق، وكل مجد تحصل عليه موسيقاى هو مجدى لى ولبلدى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هانى شنودة قافلة السعادة شمس الزناتى ليڤربول
إقرأ أيضاً:
عن الذين خاطروا بأنفسهم وأموالهم فلم يرجعوا من ذلك بشيء
مع إقبال أيام العشر من ذي الحجّة يبدأ الحديث عن فضائل هذه الأيّام وعن فضل العمل الصّالح فيها وأنّ العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، وعمدة الاستشهاد على هذا المعنى هو الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ". وللحديث رواية قريبة عند الترمذي وغيره يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ".
عادة ما ينصبّ الاستشهاد والاستدلال بهذا الحديث على أنّ العمل الصالح بمفهومه العام أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله تعالى، وقلّة هم الذين يلتفتون ويتوقفون مليّا عند ذلك الرجل الذي خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالذكر؛ مبينا أنّه لا يفوقه أحد فضلا ولا يتفوق عليه مؤمن عملا، وهو الرجل المخاطر بنفسه والمخاطر بماله ملقيا بها في مواطن الواجب والجهاد والنصرة فلم يرجع من نفسه ولم يرجع من ماله بشيء.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلفت أنظار أمّته على مرّ الزمان إلى النّموذج الذي يصنع الفرق في الانتصار والتغيير، فكلّ الأعمال الصالحة جليلة، وكل الأعمال الصالحة خير وبركة، لكن عليكم أن تنتبهوا إلى أنّ أعظم الأعمال وأجلّ الأعمال التي لا يسبقها متسابق ولا يدرك شأوها مغامر؛ هي تلك التي تنطوي على إلقاء المرء نفسه في مواطن الخطر مقتحما ومضحيا وغير هيّاب بأحد.
إنّها المخاطرة بالنفس في زمن الخوف والركون وحب الدنيا وكراهية الموت وهيمنة الغثائيّة، والمخاطرة بالمال في زمن الملاحقة والاتهام، وتجفيف المنابع وتجريم الإنفاق في مواطن الحق والنصرة؛ المخاطرة وحدها التي ترهب العدو وتحرّر الأوطان وتصنع التغيير وتهدم الباطل وتحقّ الحقّ، وما أعظم تلك المخاطرة حين تبلغ منتهاها فيصل المال إلى موطن الواجب وتصل الرّوح إلى مستقرّها فتحطّ رحالها في الجنان التي طالما تاقت إليها، وهذا هو ما أشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ".
وإنّ هذه المخاطرة بالنفس والمال منسجمة مع طبيعة هذه الأيّام التي هي أيّام التكبير المطلق ثم المقيّد، فمن عرف أنّ "الله أكبر" حقا وأيقن بذلك حق اليقين فإنّه لا يهاب ظالما ولا يخاف عدوا ولا يذل لمتغطرس ولا يتقهقر أمام عدوّ؛ وما أعظم الكلمات التي صدح بها الأستاذ والزعيم الإسلامي عصام العطار رحمه الله تعالى يوما على منبر مسجد جامعة دمشق وهو يهدر بمعاني "الله أكبر" في وجه الظالمين، وكان ممّا قاله يومها:
"اللهُ أكبـر رَمْزُ صُمودِنَا
اللهُ أكبـر روحُ جهَادِنا
اللهُ أكبـر سِـرُّ قُوّتِنا وانتصارِنا
اللهُ أكبـر بها صَدَعْنا كلَّ باطِل
اللهُ أكبـر بها قَصَمْنا كلَّ جَبّار
اللهُ أكبـر بها نُواجِهُ كلَّ طَاغُوت
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
اللهُ أكبـر نَشُـقُّ بها دَيَاجيرَ الظلامِ والْيَأْس
اللهُ أكبـر نُوقِدُ بها مَصَابيحَ الأَمَلِ والْفَجْر
اللهُ أكبـر نَطْرُدُ بها روحَ الهزيمةِ والْوَهْن
اللهُ أكبـر نُحْيي بها مَيِّتَ العَزَائِمِ والهِمَم
اللهُ أكبـر نُحَوِّلُ بها الضعيفَ قوِيّا، والجبانَ شُجاعا، ونُحَقِّقُ بها انتصارَ الحريَّةِ والكَرامَة، والحقِّ والعَدالَة، والإحسانِ والْخَيْر
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
يا إخْوَتي؛ يا أخواتي: امْلؤوا قُلوبَكُمْ وعُقولَكم، وحَنَاجرَكُمْ وَأَجْوَاءَكُم، وسَمْعَ الزَّمَانِ والمكانِ بهذه الكلمةِ العظيمةِ الخالدةِ: اللهُ أكبـر.
اللهُ أكبـر تُحَرِّرُكُمْ مِنْ أهوائكُمْ وشَهَوَاتِكُمْ وأخطائكُمْ، وظُلْمِكُمْ لأنفسِكُمْ وغَيْرِكم، كما تُحَرِّرُكم مِنْ كلِّ طاغيةٍ ظالمٍ آثِمٍ مُسـْتَكْبرٍ جَبّار.
اللهُ أكبـر تَرْفَعُكُمْ، عندما تُخالِطُ قُلُوبَكم وعُقولَكم وَدِمَاءَكُمْ، فَوْقَ هذه الدُّنْيا، فوقَ شـدائدِها وَمُغْرِياتِها، فوقَ صَغَائِرِها وَتَفَاهَاتِها، وتَصِلُكُمْ باللهِ عَزَّوَجَلّ وبالْخُلُود، وتَفْتَحُ لكُمْ أَبْوَابَ الجنّةِ، وأبوابَ المسـتقبلِ الزاهرِ المنشـود.
اللهُ أكبـر تجعلُ الحقَّ رَائِدَكُمْ، والعدلَ مَنْهَجَكم، والخيرَ بُغْيَتَكم، واللهَ قَصْدَكُمْ وغايَتَكُم، وتجعلُ قُوّتَكم مِنْ قُوَّةِ اللهِ عزَّ وجلّ".
فعندما تغدو القلوب والأرواح معجونة بهذا النداء العلويّ المهيب يُصنَع الرجل المخاطر بنفسه وماله الذي يقتحم مواطن الردى حاملا روحه على كفّه طالبا حياة حقيقيّة لا ذلّ فيها ولا هوان، وهذا الرّجل المخاطر هو أعظم العاملين في زمن الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة، فلا يسبقه حاجّ متبتّل، ولا يسبقه قائم لا يفتر، ولا يسبقه صائم لا يفطر؛ فهو الذي به يغدو الإسلام عزيز الجانب، ويجد المسلم معنى وجوده ومغزى بقائه؛ فطوبى للمخاطرين بأنفسهم وأموالهم في زمن الهزائم المرّة.
x.com/muhammadkhm