كشف الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني عن تطورات هامة في الميدان، وقال إن الجيش السوداني يتقدم في كل محاور العمليات "بهدف التحرير لكل من الخرطوم وود مدني قبل الانتقال لكردفان ودارفور للقضاء على قوات الدعم السريع وفرض الأمن والاستقرار في البلاد.

وتحدث العطا في حوار خاص مع الجزيرة نت عن مسار العمليات العسكرية التي يقودها في أم درمان والخرطوم، وأكد "نحن في المرحلة الأخيرة من مشوار القضاء على قوات الدعم السريع وانهيارها أصبح وشيكا"، مشيرا إلى أن الحكومة بيدها حيثيات مادية تثبت تورط عدة دول في دعم قوات الدعم السريع بالسلاح والإمدادات العسكرية.

واتهم عدة دول بالإقليم بالمشاركة في قتل الشعب السوداني وإراقة دمائه ونهب ثروته من الذهب واستباحة بيوته وتشريد أهله داخليا وخارجيا من خلال دعم ما وصفها بالدعم السريع بالأسلحة الفتاكة وتوفير احتياجاته وفتح جسور الإمداد بالمؤن والمقاتلين.

كما أشار العطا في حواره إلى أن بلاده منفتحة في علاقاتها مع إيران والعديد من الدول الأخرى، وأن المصالح وحدها هي من تحكم علاقة السودان مع الآخرين، وأضاف أن بلاده تتطلع لعلاقات مع دول مهمة في القارة الأفريقية مثل الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا.

وفيما يلي نص الحوار:  السيد الفريق ياسر بما انكم تقودون العمليات العسكرية الان بالخرطوم وبعد مضي تسعة أشهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع لاتزال الجبهات العسكرية لم تحقق تقدما مما يجعل الرهان على الحل العسكري ضربا من المستحيل؟

أولا نحن الآن في المرحلة الأخيرة من عمليات القضاء على هذه المليشيات المجرمة وتحقق قواتنا في محاور القتال الرئيسية في بحري وأم درمان والخرطوم تقدما كبيرا على الأرض وأول أمس الثلاثاء سيطرت قواتنا على أهم مناطق مدينة الخرطوم بحري وأم درمان وانا انظر أمامي لانهيار المليشيات وبات تحرير الخرطوم القضاء على قوات الدعم السريع ووضعنا خطة بدأ تنفيذها على الأرض لتحرير مدينة ودمدني وولاية الجزيرة والانتقال غربا لتحرير ولايات دارفور واستعادة اي منطقة فقدانها خلال الفترة الماضية

أنا أتحدث من الميدان العسكري ولا شأن لي بقضايا أخرى وأؤكد لكم ان انتصارا حاسما بدأ يتخلق الان من واقع من يخوض الحرب يومياته.

 ما زالت الحكومة السودانية تحمل دول أخرى مسؤولية تفاقم الخسائر العسكرية في جبهات القتال دون تقديم أدلة على ذلك؟

هناك دول متورطة في الحرب على الشعب السوداني ووزارة الخارجية تتولى تقديم شكاوى في الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ونملك أدلة دامغة بيدنا واجهزتنا أعدت كل ما يعضد الشكوى ويعلم الشعب السوداني من أين يأتي السلاح الذي يقتل به والدماء التي تسيل كل يوم بفعل هذه الدول ولن نقبل تكون هذه الدول جزءا من أي وساطة لأننا نعتبر هذه الدول طرفا في الحرب على الشعب السوداني.

وهل استعاد السودان علاقاته بإيران تحت احساس خيبة الأمل؟

نحن دولة حرة وتحكم علاقاتنا الخارجية المصالح وليس المحاور نحن منفتحون للتعاون مع إيران والجزائر ومصر وروسيا وأميركا، ولماذا لا نقيم علاقات مع دول شقيقة مثل إيران، أو الجزائر التي تعد من أهم الدول العربية والأفريقية والتي زارها الرئيس البرهان مؤخرا نحن نعتمد سياسية خارجية تحكمها المصالح لا الأيدلوجيا

فتحت الحكومة أبواب المقاومة الشعبية ولكن دخل من تلك الأبواب الإسلاميون؟

ومالهم الإسلامين؟ نحن نعتبرهم مع غيرهم مواطنين يدافعون عن وطنهم الذي يتعرض للاعتداء من قبل مليشيات عابرة للحدود، وهم مواطنون لهم كامل الحق في الدفاع عن بلادهم ولا إقصاء لأي مواطن في معركة الدفاع عن الوجود الحالية

لكن الاسلاميين الآن يعملون تحت رايات عسكرية مستقلة مثل كتيبة البراء؟

التقيت بشباب الإسلاميين وقلت لهم نحن كدولة وجيش لا نعرف كتيبة البراء ولا غيرها، نعرفكم كمواطنين تدافعون عن بلادكم وعرضكم تحت قيادة الجيش، ولقد قالوا لنا: لا نريد منكم سلطة ولا جاه ولا مال.. نريد تحرير بلادنا والآن هم يقاتلون مع جيش بلادهم.

وهناك من هم غير الإسلاميين..  جاءت مجموعات "غاضبون" وهم من صناع الثورة وأماجدها وقالوا إنهم يريدون القتال مع الجيش وقلت لهم أنا لا أعرف غاضبون أعرفكم شباب سودان المستقبل.  ولقد قاتل غاضبون مع القوات وقدموا شهداء مثلهم ومثل الإسلاميين نحن كقوات مسلحة نعترف بكل انتماءات الشعب كأحزاب ولكن كمقاتلين معنا دفاعا عن أرضهم هم مواطنون أمس تم اعلان اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم لحشد إرادة القتال وتسليح الشعب للدفاع عن نفسه وفي هذه اللجنة شيوعيون ولجان مقاومة وإسلاميون واتحاديون.. الدفاع عن الوطن لا يحتاج لراية حزبية

 يتردد الآن حديث عن تشكيل وشيك لحكومة جديدة في السودان؟

تشكيل الحكومة الجديدة رهين بمسار العمليات العسكرية على الأرض في حال حدوث تقدم كبير وهو المتوقع بتحرير الخرطوم والجزيرة سيعلن عن تشكيل جديد

 وما علاقة العمليات العسكرية بتشكيل الحكومة الجديدة؟

العلاقة في مهام واختصاصات الحكومة ما بعد الحرب وأثناء الحرب ولذلك فالآن قد تقتضي تقديرات رئيس مجلس السيادة إعفاء شخص وتعين آخر، ولكن ما بعد تحرير الوطن من التمرد نحن في حاجة لحكومة إعمار لأن حجم الدمار الذي لحق بالبلاد كبير جدا.

قاتلت الحركة الشعبية إلى جانب صفوف الجيش في منطقة جبال النوبة، وكذلك في دار فور حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.. هل تم الاتفاق بينكم وبين هذه الحركات للعمل معا في مواجهة الدعم السريع؟

أنا لم أسمع من عبد العزيز الحلو (قائد الحركة الشعبية) موقفا داعما للجيش في جبال النوبة ولكن أبناء النوبة في الحركة الشعبية خاصة في الدلنج وقفوا موقفا وطنيا بعد أن شعروا بأن المليشيا تستهدف الدلنج كمدينة والنوبة كشعب فهبت الحركة الشعبية للدفاع عن جبال النوبة أرضا وإنسانا وهذا هو المتوقع منهم فكانت ملحمة الدلنج التي وضع فيها أبناء النوبة بندقية الحركة مع بندقية الجيش للقضاء على المليشيا التي هاجمت الدلنج واعتدت على شعبها ولكن النوبة شعب لا تهزمه المليشيات.

هل هذه يعني ظهور تشكيلات تقاتل مع الجيش على أسس قبلية؟

ليس ذلك صحيحا كل المجتمعات وقفت مع الجيش السوداني التحية لأهلنا من قبائل الفور بقيادة البطل جاركولا الذي وقف مع أهله الفور ويقاتل الآن ضد المليشيا، والتقدير للشيخ موسى هلال  زعيم قبيلة المحاميد الذي وقف أيضا ضد المليشيات التي لا تمثل إنسان دارفور ولا عرب دارفور إنما تمثل قطاع الطرق والنهابين.

هل حدثت تفاهمات بين شخصيات من جنوب السودان ينتمون إلى منطقة أبيي وحميدتي بشأن تلك المنطقة المتنازع عليها والغنية بالنفط؟

بأي صفة يتحدث حميدتي ويمنح أبيي لبعض من أبناء دينكا نقوك؟ هذه مجرد "ونسة وأسمار في فنادق نيروبي الفارهة".. لن نفرط مطلقا في حقوق قبائل المسيرية في أبيي، ولن نسمح بالتبضع من تلك المنطقة والمساومة بأرض المسيرية والسودان، نحن يربطنا بجنوب السودان برتوكول لمعالجة قضية أبيي وسوف ننفذ البرتكول ونحفظ حقوق أهلنا

هل جرت مفاوضات مع الدعم السريع سرا في المنامة؟

انا مشغول بالعمليات على الأرض لتحرير المدن وعندما تنفذ مليشيا التمرد ما وقعته في جدة يمكن الجلوس معها لما بعد تنفيذ اتفاق جدة.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العملیات العسکریة قوات الدعم السریع الشعب السودانی الحرکة الشعبیة القضاء على على الأرض

إقرأ أيضاً:

مناورة الدعم السريع الجديدة للتحايل على الهزيمة

في مساء 23 فبراير/ شباط 2025، تحوّلت نيروبي إلى خشبة مسرح طُرح عليها سيناريو جديد: تمردٌ يحاول أن يُقنّن فوضاه، وأن يُقنع العالم بأنه نواة دولة لا مجرد شظايا بندقية.

سعى تحالف (تأسيس) السوداني، بقيادة مليشيا الدعم السريع ومشاركة فصائل متمرّدة وشخصيات سياسية منشقة، لتقديم نفسه كبديل سياسي مؤسسي قائم على العلمانية والعدالة واللامركزية، في مواجهة ما وصفه بـ"النظام القديم المتحالف مع العسكر والفساد".

هذه المحاولة ليست الأولى في تاريخ السودان التي يسعى فيها كيان مسلح لشرعنة وجوده السياسي، لكنها تأتي في سياق يختلف كليًا عن حركات التمرد السابقة التي غالبًا ما كانت ترتكز على مطالب إثنية أو جهوية واضحة.

كان السقف الأعلى لتحالف "تأسيس" يتمثل في إعلان حكومة موازية من مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، إيذانًا بإحكام السيطرة على الإقليم بأكمله.

غير أن صمود المدينة أمام عشرات المحاولات العنيفة لاقتحامها من قبل مليشيا الدعم السريع، اضطر التحالف إلى خفض سقف طموحاته، والتفكير في إعلان الحكومة من مدينة نيالا، جنوب دارفور.

 وقد علّق كاميرون هدسون، المسؤول السابق في البيت الأبيض والمتخصص في شؤون السودان والقرن الأفريقي، بأن إعلان (الدعم السريع) تشكيل حكومتها الموازية من نيالا يُعدّ "مخيّبًا للآمال للغاية"، موضحًا أن الهدف الأصلي من إعلانها في الفاشر كان إيصال رسالة مفادها: السيطرة الكاملة على دارفور. أما إعلانها الآن من نيالا- كما يضيف هدسون- فهو مؤشر على حجم الضغط الذي باتت تواجهه قوات الدعم السريع.

لقد جاء هذا التحول النوعي في مسار الحرب السودانية بالتزامن مع تراجع عسكري كبير لمليشيا الدعم السريع. فبعد أشهر من المكاسب في الخرطوم ودارفور، بدأت موازين القوى تميل تمامًا لصالح الجيش السوداني، مما دفع قائد المليشيا محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى التفكير في تغطية إخفاقاته العسكرية بغطاء سياسي.

إعلان

هكذا وُلدت ما عرف بـ"الحكومة الموازية"، لا كسلطة بديلة، بل كقناع سياسي لسلطة تبحث عن شرعية، وأداة مزدوجة لتثبيت أقدام مرتجفة على الأرض تهتز من تحتها، وكسب أوراق على الطاولة.

 يهدف ميثاق التحالف إلى تأسيس "مجلس رئاسي" برئاسة حميدتي، وتقسيم البلاد إلى 8 مناطق إدارية، في خطوة تستبطن مشروعًا فدراليًا لا يقف على سيقان، قد يفتح الباب أمام التشرذم.

التأسيس النظري لحكومة بديلة يعكس نية واضحة لخلق دولة موازية لا تعترف بشرعية السلطة في بورتسودان، بل تسعى لإزاحتها من المشهد.

هذا المشروع التآمري، وإن بدا مزخرفًا، فإنه في سياق حرب أهلية يدفع نحو مزيد من التفتيت الجغرافي والسياسي، ويخلق سوابق خطيرة قد تؤدي إلى انفصال فعلي لمناطق واسعة تحت مسمى الإدارة الذاتية، خاصة في الأطراف الملتهبة مثل دارفور، وجنوب كردفان.

شرعية مفقودة وسيادة مهددة

بالكاد جفّ حبر إعلان القيادة العليا حتى بدأت شقوق التحالف في الانكشاف، وكأن البنيان السياسي أُسس على رمال الانتهازية لا على صخر الشرعية.

هذه الأطماع السلطوية والانشقاقات تؤشر على هشاشة البنية السياسية للتحالف الذي وُلد من رحم أزمة لا من قاعدة جماهيرية صلبة. إن غياب الإجماع الحقيقي بين مكوّناته، واعتمادها على مصالح مؤقتة تتقاطع حول دعم مليشيا الدعم السريع، يجعلان بقاءه مرهونًا بمدى قدرة حميدتي على الحفاظ على نفوذه العسكري والمالي، لا على قوة طرحه السياسي أو جاذبيته الشعبية.

الجيش السوداني لم يُبدِ قلقًا مفرطًا، بل وصف الخطوة بأنها مجرد محاولة من مليشيا الدعم السريع للضغط التفاوضي بعد خسائرها الأخيرة، معتبرًا "تأسيس" تكتيكًا أكثر منه مشروعًا طويل الأمد.

هذا الموقف ينسجم مع تقييم أغلب الدوائر السياسية التي ترى في التحالف مشروعًا مؤقتًا، لا يحظى باعتراف دولي ولا دعم شعبي حقيقي خارج معسكرات التمرد. إن رد فعل الجيش ينمّ عن ثقة في عدم قدرة "تأسيس" على اختراق جدار الشرعية الدولية والمؤسسية القائمة.

إقليميًا، تباينت المواقف لكن الإجماع كان على عدم دعم التحالف الجديد. لم تُبدِ مصر أو إريتريا ترحيبًا، واعتبرتاه خطوة تُضعف محاولات التوسط بين الطرفين، وتدفع السودان نحو الانقسام، وهو ما يهدد استقرار حدودهما.

السعودية كانت أكثر وضوحًا، إذ أعلنت رفضها أيَّ حكومة خارج إطار المؤسسات الرسمية، وواصلت دعم مبادرة منبر جدة للحل السياسي، مؤكدة على أهمية وحدة السودان واستقراره للمنطقة.

أما الاتحاد الأوروبي، فرأى في تحالف "تأسيس" تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، وألمح إلى توسيع العقوبات ضد الجهات الداعمة للانقسام، وذلك انسجامًا مع سياسته العامة في دعم الدول المستقرة ومؤسساتها.

الموقف الأميركي من "تأسيس" كان حادًا: وزارة الخارجية وصفته بأنه "إنذار بتقسيم فعلي للبلاد"، بينما ضغط الكونغرس لوقف أي دعم عسكري خارجي لمليشيا الدعم السريع. كما أدرجت واشنطن قيادات من المليشيا في قوائم العقوبات، في رسالة واضحة أن "الشرعية لا تُنتزع بالتمرد".

الاتحاد الأوروبي تبنّى موقفًا مشابهًا، داعيًا إلى وقف فوري لأي خطوات أحادية نحو تشكيل حكومات موازية. هذا الموقف الغربي يعكس قلقًا عميقًا من تحول السودان إلى دولة فاشلة أو مقسمة، مما قد يزعزع استقرار منطقة الساحل والبحر الأحمر.

إعلان

أما الصين فقد تبنّت نهجًا أقل حدة وأكثر حذرًا. أعربت عن "قلقها" من احتمالات تفكك السودان، لكنها استمرت في دعم مشاريع البنية التحتية. موقف بكين يُمليه أساسًا مصالحها الاقتصادية والاستثمارية الكبيرة في السودان، وتجنبها التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول.

أما روسيا فكان موقفها الأكثر براغماتية: دعم رسمي للحكومة السودانية، مقابل تقارير غربية عن تزويد مليشيا الدعم السريع بأسلحة عبر شبكات غير رسمية، في تكرار لنهج "توازن النفوذ" الذي تتبناه موسكو في سوريا وليبيا.

الاتفاق الأخير حول القاعدة البحرية في بورتسودان عزّز من علاقة روسيا بالجيش، لكنه لا يُلغي تعاملها غير المباشر مع فصائل أخرى لحماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، مما يجعل موقفها أقرب إلى اللعب على جميع الأطراف.

الشرعية الدستورية وصمت القوى المدنية

من منظور القانون الدستوري، يمثل تحالف "تأسيس" حالة عصيّة على التطبيع السياسي. فالإعلان عن "مجلس رئاسي" وبرلمان من خارج إطار الشرعية القائمة يُعد مخالفة صريحة لأي مرجعية دستورية سابقة أو لاحقة. لا توجد أي وثيقة قانونية سودانية- منذ الاستقلال- تمنح كيانًا مسلحًا حقّ تشكيل حكومة في غياب تفويض شعبي، أو اعتراف دستوري.

بل إن التمرد نفسه، في الأعراف الدولية، لا يمنح قائده الحق في التشريع أو التقسيم أو إعلان الكيانات. وبذلك، فإن "تأسيس" ليس فقط كيانًا خارج القانون، بل يتحدى جوهر الدولة ذاتها، ويحاول كتابة نصوصه بمداد البنادق لا بأقلام الشرعية.

إنه يفتح الباب لسوابق خطيرة: أن يُصبح كل من حمل السلاح مؤهلًا لحكم ما تحت قبضته، ولو عبر مسرحية دستورية مفبركة، مما يقوض أي أسس لبناء دولة حديثة قائمة على القانون والمؤسسات.

أما القوى المدنية السودانية، فقد وقفت أمام إعلان "تأسيس" في حالة من التردد والانقسام. بعض التيارات مع وقوفها مع التمرد- كتحالف الحرية والتغيير- لكنها لم تجد بدًا من رفض فكرة الحكومة الموازية، واعتبرت الخطوة تهديدًا لمسار الدولة المدنية، ومقدمة لتقسيم البلاد على أسس عسكرية.

الحزب الشيوعي كان أكثر حدة، فوصف التحالف بأنه "تحالف انتهازي بين القتلة والانفصاليين"، داعيًا لمواجهته سياسيًا وميدانيًا. بالمقابل، فضّلت بعض الشخصيات المستقلة الصمت، أو أبدت مواقف رمادية تلوّح بـ"ضرورة الحلول السياسية من أي جهة".

هذا التباين يكشف عمق الأزمة في الجسم المدني المعارض، حيث لم يعد واضحًا ما إذا كانت وحدة التراب السوداني أولوية، أم إن خصومة بعضهم مع الجيش جعلت من التمرد أهون الشرّين.

وهنا يبرز سؤال لا يقل خطورة: هل يُمكن لمعارضة مدنية أن تستعيد المبادرة وهي تراقب المشهد من خلف النوافذ؟ إن صمت أو انقسام القوى المدنية يضعف موقعها التفاوضي، ويقلل من قدرتها على تقديم بديل سياسي موحد ومقبول للشعب السوداني.

"تأسيس": قيمة مضافة أم واجهة؟

يبقى السؤال الجوهري: هل يشكّل "تأسيس" قيمة مضافة حقيقية لتمرد مليشيا الدعم السريع، أم مجرد واجهة سياسية محكومٍ عليها بالانهيار؟

من منظور الواقعية السياسية، لم يكن "تأسيس" سوى منصة إسعاف تفاوضي لقوة تخسر الميدان، وتبحث عن مكاسب على الورق حين تتآكل على الأرض. لكنه في الوقت ذاته كشف عن حدود التحالفات الهشة، وعن استحالة فرض نموذج "الحكم الموازي" في ظل الرفض الشعبي، وغياب الشرعية والاعتراف الدولي.

الرؤية العلمانية والفدرالية التي يطرحها الحلف قد تروق للغرب نظريًا، لكنها تفقد كل جدواها حين ترتبط بفصيل متهم بارتكاب فظائع ضد المدنيين، مما يضعف أي محاولة لكسب الدعم الأخلاقي أو السياسي المستدام.

تشير أغلب التحليلات إلى أن التحالف لن يصمد بوصفه "حكومة ظل"، بل سيُستثمر في مرحلة ما كأداة تفاوضية، قبل أن يُحل أو يُعاد تشكيله ضمن صفقة شاملة.

إعلان

هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا يرى أن التحالف هو ورقة ضغط في يد مليشيا الدعم السريع، تُرفع على طاولة المفاوضات للحصول على مكاسب أكبر، أو لضمان حصة في أي ترتيبات مستقبلية.

في أسوئِها، فقد يتحول إلى مقدمة لانفصال سياسي- إداري جديد، خصوصًا في دارفور، ليُعمق بذلك جراح الانقسام ويضيف فصلًا جديدًا من عدم الاستقرار والصراع.

إن تحالف "تأسيس" أشبه بمحاولة صبغ الجدران المتهالكة بألوان الدستور واللامركزية، بينما الأساسات قائمة على فوهات البنادق. ليس مشروع دولة بقدر ما هو مرآة لهشاشة التمرد حين يضيق عليه الخناق.

إنه محاولة لتدوير الأزمة لا لحلها، لتلميع الخراب لا لبناء بديل. إنه محاولة لتقنين السيطرة عبر واجهات سياسية ودستورية هشّة، تفتقر للقبول المحلي والدولي.

وبينما تُصرّ مليشيا الدعم السريع على المضي في بناء حكومتها البديلة، فإن المجتمع الدولي يتعامل معها كـ"جهة متمرّدة" لا كشريك شرعي. وعليه، فإن القيمة الحقيقية لهذا التحالف لا تُقاس بما أُعلن، بل بما قد يُنجزه سياسيًا على طاولة التفاوض.. أو ما قد يُفشل تحقيقه على الأرض.

في ضوء هذه التحديات الجسيمة والرفض الدولي، يمكن أن نسأل: ما هي البدائل المتاحة لمليشيا الدعم السريع لضمان أي شكل من أشكال التمثيل السياسي المستقبلي؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • 10 تهم في مواجهته.. الإعدام شنقا لمتعاون مع الدعم السريع في الأبيض
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على منطقتين بولاية شمال كردفان‎
  • توطين رواتب القطاع الخاص والدفع السريع والجباية.. السوداني يصدر قرارات مصرفية
  • عاجل.. ضربة نوعية للجيش السوداني تربك تحركات الدعم السريع في الجنينة
  • سلاح الجو السوداني يباغت “الدعم السريع” في شمال كردفان
  • سكاي نيوز: الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قائد القوة البحرية لـ حماس
  • ‏الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" يعلنان القضاء على قائد القوة البحرية لحماس شمالي قطاع غزة
  • الجيش السوداني: المصنع الأم للإجرام ومأزق النخبة النيلية:
  • مناورة الدعم السريع الجديدة للتحايل على الهزيمة
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!