كيف هيّأ الأميركي الساحة في فلسطين وصولاً إلى 7 أكتوبر (الجزء الثاني)
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
فبراير 2, 2024آخر تحديث: فبراير 2, 2024
د. علي عزيز أمين
– بريكس تمضي قدما في الاستغناء عن الدولار، ولأول مرة يصل اعتمادها على العملات الوطنية في التعاملات التجارية إلى 85%
– أمريكا نفسها قد تستبدل الدولار قبل انهياره بعملة ذهبية بعد سيطرتها على معظم مناجم الذهب في العالم
– لماذا يتزايد التوجه الأمريكي نحو الهند؟
في المجال الاقتصادي والمالي يطرح هذا السؤال نفسه.
من هنا يمكن أن نلاحظ أن العلاقة بين دور الولايات المتحدة وتوجه “إسرائيل” نحو الهند تعكس واقعيا مجموعة من الديناميات الاستراتيجية اقتصاديا وسياسيا ومنها:
1- تحالفات استراتيجية – حيث تنظر الولايات المتحدة إلى “إسرائيل” والهند كحلفاء استراتيجيين، وتعزز العلاقات الثنائية مع كلا البلدين، تتمثل هذه العلاقة في التعاون العسكري والتبادل التكنولوجي في مختلف المجالات.
2- التعاون الثلاثي- الهند و”إسرائيل” والولايات المتحدة تشهد على تطوير التعاون الثلاثي في مجالات متعددة، مثل التكنولوجيا، والطاقة.
3- الاقتصاد والتجارة- تسعى كل من “إسرائيل” والهند إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وهذا يشمل التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية والتكنولوجية. ما يعكس الاهتمامات المشتركة بين الدول الثلاث.
لقد استغلت أميركا الأوضاع الجغرافية بين الصين والهند، متوقعة أن يحدث نزاع حدودي بينهما بسبب هذه الأوضاع، وبالفعل فقد أثارت تلك الأوضاع توترات جيوسياسية في المنطقة برمتها، وعمدت الولايات المتحدة على استغلال هذا الظرف لتعزيز تحالفاتها في المحيط الهندي من خلال زيادة الدعم الدبلوماسي والعسكري التقني، كما سعت لتعزيز التحالفات لضمان مصالحها الاستراتيجية، وقد ظهر هذا الصراع كفرصة لزيادة التأثير الأميركي في آسيا.
ولكن الهند كبلد براغماتي اتبعت في مجال العلاقات الدولية سياسة مرنة وتمسكت بتوازن معقول بين العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا، ففي حين تشهد علاقات الهند مع الولايات المتحدة تعاوناً اقتصادياً واستراتيجياً متنامياً، فإن الروابط التقليدية والتاريخية مع روسيا تظل جوهرية وقوية ناهيك عن تطورها الاستراتيجي لتشمل التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا وصفقات الأسلحة وزيادة التبادل التجاري، ناهيك عن أن (روسيا والهند) تربطهم أيضا مجموعة بريكس والتي تجعل علاقتهما استراتيجية شاملة في إطار دولي أوسع وأمتن، هذا التحالف يُبرز التفاهم المشترك حول القضايا الدولية، ويسهم في تعزيز التعاون بينهما في مختلف الميادين.
– هدف بريكس الطموح يقض مضجع واشنطن
ليس خافيا على أحد أن من بين الأهداف بعيدة المدى لمجموعة بريكس، إيجاد بدائل عن الدولار الذي تستخدمه أمريكا كسلاح رئيسي في الضغط على الحكومات واستغلال الشعوب، ويعتقد بعض الواهمين أن الولايات المتحدة الأميركية ستسعى إلى حل مجموعة بريكس، وهذا مجلاد خيال إن لم يكن هراء، ثم كيف ستقوم بعمل كهذا؟
واستئناسا بما نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية حول قمة مجموعة بريكس التي عقدت في نهاية آب 2023 في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، نرى أن النقاش تركز في هذه القمة على ضرورة إنهاء هيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية، وذلك التعامل مبدئيا بالعملات الوطنية وربما وصولا إلى إلى إصدار أو طرح عملة تنافس الدولار الأميركي.
ويمكن الاستشهاد بما قالته نابيولينا رئيسة البنك المركزي الروسي قبل أيام حول ذلك، حيث أكدت أن التسديدات والدفوعات بين دول بريكس كانت تعتمد إلى حد كبير على العملة الصعبة، وكان الاعتماد على العملات الوطنية لا يزيد عن 21% عام 2021 في حين وصل إلى رقم غير مسبوق لأول مرة حيث بلغ 85% في التعاملات البينية، وبالتالي فإن نهاية هيمنة الدولار الأميركي – سلاح أميركا الأساسي- على التجارة العالمية تقترب من الهاوية واقعيا ما يمثل تحديا للاقتصاد الأميركي، اذ يعتبر الدولار عملة الاحتياط العالمية، ووحدة تسوية رئيسية في المعاملات الدولية، مما يمنح الولايات المتحدة فوائد اقتصادية وسياسية كبيرة. وفي حال إتمام هذه الغاية، سيواجه الاقتصاد الأميركي تحديات جمّة من حيث تكاليف الاقتراض والتداول الخارجي، لذلك أعتقد أن الولايات المتحدة قد تعمل بنفسها -بعد إحكام السيطرة الأمريكية على مناجم الذهب في أفريقيا خلال السنتين القادمتين- على إلغاء الدولار الذي ما زال تحجيمه إن لم يكن تحطيمه هو الهدف الأساسي لبريكس، وستسعى واشنطن إلى استبداله بعملة يكون فيها الذهب أساسيا، أي أن الولايات المتحدة هي من سيقوم بهذه المهمة، ولكن بعد أن تحكم السيطرة المطلقة على مناجم الذهب في أفريقيا، ولا ننسى كذلك إن أميركا بحد ذاتها تملك اكبر إحتياطي ذهب في العالم.
ومن هنا يمكننا فهم وإدراك موقف دولة جنوب افريقيا المبدئي ضد إسرائيل والغرب في محكمة العدل الدولية، فهي تعتبر نفسها المستهدف الأول لما يحدث في غزة، والمستهدف الأول للحضور الأميركي الحالي في البحر المتوسط (السيطرة الأميركية على: مصر- ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب) والحضور الحالي في البحر الأحمر (السيطرة على: السودان – الصومال – جيبوتي – إريتريا)، أي أن أميركا طوقت قارة إفريقيا التي تضم دولا تعتبر من الدول الأولى عالميا في إنتاج الذهب وأهمها دولة جنوب أفريقيا ذات المئتين وخمسين مليون نسمة وصاحبة أكبر مخزون باطني من الذهب.
ولهذا فإن أميركا تدعم الحرب ولا توافق على وقف إطلاق النار، لأنها تريد غزة كمقدمة لمشروعها الذي يمتد إلى كامل المنطقة وصولا إلى أفريقيا التي ستستغل فيها إنتاج الذهب على المدى القصير في محاولة للقضاء على بريكس، ومن ثم تفكيكها على المدى البعيد، وهذا يتمثل بنقطتين:
أولاً- سرقة الغاز الذي يتواجد على الساحل الشرقي للمتوسط والذي ستطرحه بديلا عن الغاز الروسي.
ثانياً- طمعها في قمح هذه المنطقة الواسعة بحيث يكون بديلا عن القمح الروسي.
بالتأكيد فإننا لن نسمع السنوار أو محمد الضيف يقولان ما فحواه لو كنا نعلم -أي حركة حماس- أن هذا ما سيجري في المنطقة بأكملها ما كنا أقدمنا على عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، هذا الطرح هو ما سيروج له الأمريكان بطبيعة الحال، لماذا؟ لأن ما نراه اليوم هو فشل في المشروع الأميركي، وهذا يتمثل فيما يلي:
1- صمود الشعب والمقاومة في غزة بعد ما يقارب 4 أشهر من التدمير والمجازر.
2- سيطرة اليمن على البحر الأحمر.
3- إطلاق المقاومة الإسلامية في العراق المسيرات باتجاه فلسطين، قاطعة كل تلك المسافة مُصيبة أهدافها.
4- تهديد الحوثي بإغلاق مضيق جبل طارق، وهذا بالاستناد على النقطة الثالثة اي امتلاك محور المقاومة للمسيرات التي تقطع مسافات طويلة، وهذا يعني ان الحوثيين قد يطلقون مُسيراتهم نحو السفن في مضيق جبل طارق، وهذا الأمر أصبح ممكنا على الصعيد التقنيً.
يمكن القول باختصار أن ما نشهده اليوم من استمرار في المجازر والتنكيل بالشعب الفلسطيني ما هو إلا بداية لتحرك أوسع، يشمل المنطقة العربية كلها، وهذا ما تريده أميركا، حتى أن بعض المعطيات تشير إلى استنفار قواتها في العراق ووضعها على أهبة الاستعداد، ربما للمشاركة المباشرة في قمع غزة، أو لمشاريع سرية أخرى…
على أن رياح المستقبل هذه المرة لن تجري وفق ما تشتهي السفن الأمريكية، فالشعوب العربية تقف بحزم مع الشعب الفلسطيني وتدعم مقاومته، وضرب القواعد العسكرية الأميركية وتهديد تواجدها في منطقتنا العربية سيستمر بأشكال عديدة، وأرجّح أن إعلان حزب الله في العراق عن إيقاف عملياته ضد القوات الأمريكية مؤخرا هو أولا إجراء مؤقت ثانيا هو تكتيك لسحب بساط التبريرات المحتملة من القوات الأمريكية لشن اعتداءات جديدة أو لتنفيذ مخططاتها العسكرية في المنطقة. ولهذا لن تكون عملية قصف قاعدة البرج 22 في الأردن هي الأخيرة، ستنطلق المسيرات من كل مكان نحو جميع القواعد الأمريكية في منطقتنا العربية، وإن كانت الحكمة العربية تقول أن آخر الطب الكي، فإن تجارب الشعوب العربية تضيف والاستئصال هو دواء الداء، والقوات الأمريكية في منطقتنا داء يجب استئصاله.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة مجموعة بریکس فی الهند
إقرأ أيضاً:
الاعتراف بفلسطين: لماذا يعتبر دور فرنسا حاسماً؟
تشهد الساحة الدولية نشاطاً سياسياً محموماً في الفترة الأخيرة على ضوء عودة إسرائيل لاستئناف الحرب من جديد في بداية شهر آذار الماضي، واستمرار وتصاعد عمليات القتل الجماعي، وخاصة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، واستخدام التجويع كسلاح في الحرب بمنع دخول الطعام والدواء وكل مستلزمات الحياة لقطاع غزة.
وهذا الواقع الجديد ساهم في ايقاظ الضمير العالمي، وبدأت بعض الدول الأوروبية في رفع الصوت عالياً ضد هذه المجازر التي ترتكبها إسرائيل، وضد الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وتعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة بسبب هذه الجرائم، أشدها كان البيان الثلاثي الذي صدر أول من أمس عن فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، والذي أكد على رفض هذه الدول توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في أعقاب الإعلان عن بدء عملية الاجتياح البري الذي أسمته إسرائيل «عربات جدعون»، ودعا إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً، وهدد إسرائيل باتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة إذا لم تقلع عن سياستها هذه. وتطرق البيان الثلاثي إلى معارضة ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية وخاصة توسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة.
والمثير للاهتمام أن الدول الثلاث أكدت التزامها بالاعتراف بدولة فلسطين كمساهمة في تحقيق حل الدولتين. وهذا يعني أن الاجتماع القادم الذي سيعقده «التحالف العالمي لتطبيق حل الدولتين» في حزيران القادم غالباً سيتضمن اعتراف كل من فرنسا وبريطانيا وربما كندا بدولة فلسطين. وهذا سيشكل اختراقاً سياسياً مهماً سيسهم في تعزيز فرصة التسوية السياسية وإعادة الأمل لدى الفلسطينيين بإمكانية إنهاء الاحتلال وعودة الثقة مجدداً بالمنظومة الدولية.
وقد قامت بعض دول الاتحاد الأوروبي: أسبانيا وايرلندا وسلوفينيا العام الماضي بالاعتراف بدولة فلسطين، بالإضافة إلى دول أخرى من خارج الاتحاد كالنرويج وأرمينيا. وكانت فرنسا التي لا تعارض فكرة الاعتراف بفلسطين ترى أن مجرد الاعتراف لا يغير الكثير. وكان الساسة الفرنسيون يقولون: انظروا، هناك دول كثيرة اعترفت بفلسطين بما فيها الدول الأوروبية ولم يتغير أي شيء. نحن لا نريد الاعتراف بدون إحداث أثر سياسي مهم.
في الواقع، فرنسا ليست كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، فهي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ولها حضورها الدولي الكبير، ويمكنها أن تؤثر على العديد من الدول داخل أوروبا وخارجها. فعلى سبيل المثال ستتبعها دول بمجرد أن تقوم بهذه الخطوة، منها على سبيل المثال بلجيكا ولوكسمبورغ.
والمملكة المتحدة أبدت استعدادها للقيام بنفس الخطوة إذا ما قامت بها باريس، وهذا بدون شك سينعكس على دول عديدة مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا. ويكفي أن تعترف دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن بفلسطين ليصبح موضوع اعتراف مجلس الأمن بعضوية فلسطين الكاملة أقرب للتحقيق من أي وقت مضى، حيث ستكون الدول الدائمة العضوية باستثناء الولايات المتحدة كلها على نفس الموقف. وفي ظل الخلاف القائم بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمكن للولايات المتحدة أن تمرر قراراً في مجلس الأمن يعترف بعضوية فلسطين. فحسب ما نشر في القناة (13) الإسرائيلية هناك تهديد من أميركا نقل لإسرائيل بأنه إذا لم توقف الحرب ستتركها وشأنها، أي ستواجه مصيرها لوحدها.
الاجتماع القادم لـ»التحالف العالمي لتطبيق حل الدولتين»، في السابع عشر من حزيران القادم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي تقوده كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية وشاركت فيه أكثر من 80 دولة، يحتل أهمية فائقة قد تشكل علامة فارقة في مستوى الفعل والتدخل الدوليين فيما يحصل في منطقتنا، إذا ترافق مع اعتراف دولي واسع بدولة فلسطين وتحديد موقف حازم تجاه العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. فمثل هذه الخطوات سيكون لها بالغ الأثر في حشر الحكومة الإسرائيلية في الزاوية باعتبارها مارقة وتتحدى القانون الدولي. وهذا سيؤثر على مستقبل ومصير نتنياهو الذي سيكون عرضة لهجوم واسع من المعارضة وقطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي الذي تظن غالبيته أن نتنياهو يعمل بناء على مصالحه الشخصية وليس لمصلحة الدولة.
الاعتراف بفلسطين إذا تم في حزيران القادم ينبغي أن يترافق مع وضع النقاط على الحروف فيما على الأطراف المعنية أن تفعل. وعلى سبيل المثال، يجب افهام إسرائيل أن حدود الرابع من حزيران خط أحمر ينبغي عليها ألا تتجاوزه، وأن أي اعتداء على الفلسطينيين أو محاولة لمصادرة أراضيهم أو بناء استيطاني جديد أو ضم ستخضع لعقوبات. وفي نفس الوقت على السلطة الفلسطينية أن تقوم ببناء مؤسسات دولة فلسطين، بدءاً من اجراء إصلاح حقيقي يؤدي إلى الفصل بين السلطات وتعزيز دور السلطة القضائية، ومحاربة الفساد وسوء الإدارة، وانتهاء بإجراء انتخابات عامة في مدة عام إلى عامين من انتهاء الحرب. وكل خطوة باتجاه إحياء وتكريس حل الدولتين وقبله إنهاء الحرب ومعاناة الفلسطينيين ستقربنا أكثر نحو السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة والعالم. وفرنسا عليها واجبات سياسية وأخلاقية كبيرة بهذا الشأن.
(الأيام الفلسطينية)