الطلب على الغاز العُماني
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
تبذل سلطنة عُمان جهودًا مضنية لتنويع مصادر الدخل القومي، مع العمل على تعزيز إنتاج مصادر الطاقة من القطاعين النفط والغاز اللذين يساهمان بصورة كبيرة في تعزيز الموارد المالية السنوية والبنية التحتية للبلاد.
دورية "الطاقة" الصادرة باللغة العربية، أكدت في عددها الأخير أن سلطنة عُمان تواصل خطّتها في تنويع مصادر الدخل القومي عامة، مع الاستمرار في تنويع قاعدة عملائها في مجال بيع الغاز الطبيعي المسال، إذ نجحت خلال العام الماضي في توقيع نحو 14 اتفاقية جديدة لبيع وشراء هذا المصدر الهام بالتزامن مع قرب انتهاء عدد من العقود السارية.
ووقعت الحكومة عدة اتفاقيات لبيع الغاز الطبيعي المسال مع شركات أوروبية وصينية نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، منها اتفاقية البنود الملزمة مع شركة تأمين الطاقة لأوروبا (سيفي) التي تقتضي بتوريد ما يصل إلى إجمالي 0.4 مليون طن متري سنويًا من الغاز الطبيعي المسال لألمانيا بدءًا من عام 2026. وتمثّل هذه الاتفاقية المحورية أول صفقة غاز طبيعي مسال مع شركة ألمانية، وتساهم في رفد جهود الشركة المستمرة نحو إيجاد أسواق جديدة حول العالم لاسيما في نطاق السوق الأوروبي. أما الاتفاقية الأخرى فكانت مع شركة يونيبك الصينية لتوريد الغاز الطبيعي المسال بما يصل إلى إجمالي 1 مليون طن متري سنويًا من الغاز الطبيعي المسال بدءًا من عام 2025.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية للشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال مع مختلف الشركات العاملة بمجال الطاقة حول العالم. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقيات الثنائية للشركة العُمانية مع الشركات العالمية دورًا مُهمًا في تعزيز السمعة التجارية لها في السوق الطاقة العالمي، وقدرتها في إنتاج مصدر نظيف للطاقة وتسويقه وتوصيله بطريقة آمنة وموثوق بها لكافة عملائها في أنحاء العالم. كما تشكّل هذه الخطوات دفعة مهمة في دعم الاقتصاد الوطني وتنمية الشراكات الاستراتيجية مع كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال اسيتراد الغاز المسال.
إيرادات الغاز الطبيعي المسال تمثّل اليوم أحد مصادر الدخل الوطني للحكومة بعد النفط؛ الأمر الذي يدفع الشركة المعنية بتمويل عدد من المشاريع التنموية الخاصة بها بجانب تعزيز أعمالها في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، وخلق فرص عمل عبر تمويل برامج التدريب ودعم مبادرات ومشاريع المرأة وحماية البيئة والسلامة المرورية ضمن مبدأ المسؤولية الاجتماعية. فمنذ أن تم إنشائها عام 1994، تعمل الشركة العُمانية للغاز الطبيعي في عمليات إسالة وبيع الغاز الطبيعي ومشتقاته فضلا عن تخزينه وتسويقه عالميًا من خلال مصنعها الكائن مدينة قلهات بولاية صور، فيما تزيد طاقات إنتاجها السنوية عن 11.5 مليون طن متري سنويًا.
وفي سبتمبر من عام 2013م، دخلت صناعة الغاز في السلطنة حقبة جديدة مع اندماج الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال وقلهات للغاز الطبيعي المسال ليصبحا كيانًا متكاملًا تحت اسم الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال. واليوم فان إجمالي عدد الوجهات التي تصل إليها الصادرات العُمانية من الغاز المسال في العالم تبلغ نحو 13 وجهة وفق بيانات عام 2023، في مقدمتها كوريا الجنوبية واليابان، وكرواتيا وإسبانيا بجانب بعض الدول العربية منها الكويت والأردن.
عدة دول عربية دخلت في مجال إنتاج الغاز المسال خلال السنوات الماضية من بينها قطر وسلطنة عُمان والإمارات بجانب الجزائر ومصر؛ الأمر الذي يساعد العديد من دول العالم في آسيا وأوروبا في الحصول على احتياجاتها من الغاز، خاصة مع تفجّر الأزمة السياسية والعسكرية بين روسيا وأوكرانيا، بجانب التوقّف المؤقت للولايات المتحدة عن تلبية بعض طلبات الدول في تصدير الغاز لها بسبب التوقف المؤقت للتراخيص الجديدة للمشروعات الأمريكية، الأمر الذي يمكن أن يسبب مخاوف عديدة بشأن أمن الطاقة في العالم، حيث ترتبط هذه القضايا بالآثار المحتملة لتغير المناخ والاقتصاد العالمي.
وهذا ما يدفع الشركات العالمية بالبحث عن أسواق جديدة وإبرام تعاقدات طويلة معها لتأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة. كما إن هذا الأمر دفع عدة دول في آسيا مؤخرًا بالتوجه نحو قطر وعُمان والإمارات وكندا والجزائر للحصول على احتياجاتها من الغاز، في الوقت الذي تسعى فيه الدول الأوروبية إلى استبدال طلباتها للغاز الروسي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التحديات القانونية في منازعات العمل العُمانية
تُشكّل المنازعات العمالية أحد أبرز جوانب العلاقة التعاقدية في سوق العمل العماني، ويقوم الباحث القانوني بدور أساسي في تسويتها، وتقديم التوجيه السليم للمراجعين، ومن خلال عملي اليومي في قسم تسوية المنازعات العمالية، لاحظت تكرار بعض الإشكاليات التي تنمّ عن غياب الوعي القانوني، وارتباك في الإجراءات، بل وتعدٍّ أحيانًا على حقوق العامل أو صاحب العمل، ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبرز تلك التحديات، وتحليلها قانونيًا، وتبيان الجهود التي تُبذل في معالجتها، دعمًا للاستقرار العمالي والعدالة الاجتماعية.
أولًا: استفسار المراجعين من جهات غير مختصة قانونيًا (مكاتب سند)
من أبرز التحديات أن عددًا كبيرًا من العمال وأصحاب العمل يلجأون إلى مكاتب «سند» للحصول على استشارات قانونية تتعلق بشكاواهم العمالية، ورغم أهمية هذه المكاتب في تقديم خدمات إدارية، فإنها غير مختصة قانونًا بإبداء الرأي القانوني في منازعات العمل، وينتج عن هذه الاستشارات الخاطئة إرباك للمراجعين، وتقديم شكاوى مبنية على معلومات مغلوطة.
المادة (84) من قانون العمل العُماني تنصّ على اختصاص الجهات القضائية والإدارية المخولة قانونًا بالنظر في منازعات العمل، ولا تتضمن مكاتب سند ضمن تلك الجهات.
وجهودنا هنا تتمثل في إعادة توجيه المراجعين، وشرح اختصاصات كل جهة، مع تصحيح المفاهيم المغلوطة قبل الشروع في الإجراءات الرسمية، بما يحفظ وقتهم وحقوقهم.
ثانيًا: الخلط بين الاستقالة وإنهاء الخدمة
الكثير من العمال يجهلون الفرق الجوهري بين الاستقالة (إرادة العامل) وإنهاء الخدمة (إرادة صاحب العمل أو سبب قانوني)، ويظنون أن النتيجة واحدة، بينما لكل إجراء آثاره القانونية وحقوق مختلفة.
الاستقالة: تكون بإرادة العامل، ويجب أن تكون مكتوبة، ويخضع لشرط الإشعار المسبق المنصوص عليه في المادة (37) من قانون العمل، ويترتب عليها انتهاء العلاقة دون تعويض.
إنهاء الخدمة: يتم بناءً على قرار من صاحب العمل أو ظروف معينة (مثل الإفلاس، تقليص العمالة، أو مخالفات)، ويخضع لشروط وتعويضات وفقًا للمادة (43)، التي تضمن تعويض العامل متى كان الفصل تعسفيًا أو غير مشروع.
ونحرص على شرح الفرق لكل حالة على حدة، وتوثيق الإجراء الصحيح قانونيًا، حماية للطرف الأضعف غالبًا (العامل)، وتوجيه الشكوى على النحو المناسب.
ثالثًا: اختلاف المسمى الوظيفي
بين بطاقة الإقامة والعقد
تتكرر شكاوى يكون فيها المسمى الوظيفي في بطاقة الإقامة مختلفًا عن العقد الفعلي، أو الوظيفة التي يزاولها العامل على أرض الواقع، هذه الإشكالية تؤدي إلى خداع إداري وتنظيمي سواءً للعامل أو لصاحب العمل، وتؤثر على استحقاقات العامل القانونية.
وفقًا لـلمادة (21) من قانون العمل، يجب أن يتضمن العقد بيانات دقيقة عن المهنة وطبيعة العمل، وفي حال وجود اختلاف، فإن المحكمة تنظر في طبيعة العمل الفعلية.
كما قد يؤدي هذا التضارب إلى مخالفات تتعلق بقانون إقامة الأجانب، مما يجعل العامل في وضع قانوني غير سليم رغم حسن نيته.
ونعمل على تقديم النصح للطرف المتضرر بضرورة المطابقة بين الوثائق الرسمية والعقد الفعلي، وتعديل الوضع القانوني.
رابعًا: تسليم جواز السفر للعامل
كثيرًا ما يطالب أصحاب العمل باسترجاع جواز السفر من العامل بعد تقديمه شكوى، بحجة الخوف من هروبه أو مغادرته البلاد. غير أن تسليم الجواز لا يُعد ضمانًا كافيًا قانونيًا.
القانون العُماني يمنع احتجاز جواز السفر من قِبل الغير دون مسوّغ قانوني، ويُعد ذلك مخالفة صريحة لأحكام قانون الجزاء.
ووفقًا للمادة (8) من قانون إقامة الأجانب، فإن مغادرة البلاد تخضع لإجراءات مراقبة الحدود، ولا يمكن للعامل المغادرة إذا كانت عليه شكوى مفتوحة أو أمر منع سفر صادر عن الادعاء العام.
لذا أوضح لأصحاب العمل أن الحل القانوني يكمن في تقديم طلب منع سفر رسمي للجهات المختصة، وليس بالاحتفاظ بجواز العامل.
خامسًا: شكاوى المحامين ضد مكاتب المحاماة بسبب الأجور من القضايا المتكررة مؤخرًا، شكاوى المحامين الشباب ضد مكاتب المحاماة التي يعملون بها، بسبب عدم دفع الأجور بانتظام أو تقليل الرواتب بشكل تعسفي.
ورغم أنهم يعملون في المجال القانوني، فإنهم يُعدّون عاملين بأجر وفقًا لتعريف العامل في المادة (1) من قانون العمل.
وقد أرست محكمة الاستئناف بمسقط مبدأ أن علاقة العمل بين المحامي والمكتب يحكمها قانون العمل متى ما ثبت وجود تبعية وأجر، بغض النظر عن صفة المكتب كمؤسسة قانونية.
ويجب السعي لتوثيق عقودهم، وتحليل بيانات رواتبهم، وتوجيه شكاواهم وفقًا لنظام العمل، لضمان حصولهم على كامل حقوقهم.
الاستقدام غير القانوني
للقوى العاملة المنزلية خطر قانوني ومجتمعي:
من أبرز المشكلات المتكررة في مجال المنازعات العمالية، استقدام بعض المواطنين العُمانيين للعمالة المنزلية من خلال أفراد وليس عبر مكاتب استقدام مرخّصة.
هذا السلوك يُعد مخالفة قانونية ويُعرّض صاحب العمل (الكفيل) لعواقب قانونية جسيمة؛ إذ لا يملك في هذه الحالة أي ضمانات تحفظ حقه، كما تكون العاملة في وضع قانوني هشّ يمكن أن ينقلب على الكفيل لاحقًا.
وتظهر آثار هذا الخلل بوضوح عند لجوء العاملة المنزلية إلى الجهات المختصة للمطالبة بحقوقها، حيث تسجّل شكاوى تفيد بتعرضها للإساءة أو عدم استلام الأجور أو العمل خارج الشروط المتفق عليها شفهيًا، مما يُربك وضع الكفيل الذي لا يملك مستندات رسمية تُثبت العلاقة التعاقدية أو حتى تفاصيل الاتفاق.
وقد نظّم القانون العُماني هذا الجانب بشكل واضح، حيث نصّت المادة (20) من القرار الوزاري رقم 189/2004 بشأن تنظيم استقدام واستخدام القوى العاملة غير العمانية على:
«لا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري استقدام العمال إلا عن طريق مكاتب استقدام القوى العاملة المرخّصة من قبل الوزارة».
كما تؤكد المادة (21) من نفس القرار:
«يتحمّل المكتب مسؤولية ضمان حقوق العامل وصاحب العمل طبقًا للعقد المبرم بين الطرفين، ويلتزم بإعادة العامل في حال وجود مخالفة أو إخلال بالشروط».
وبالتالي، فإن استقدام القوى العاملة المنزلية من خارج الإطار الرسمي لا يعرّض فقط حقوق الكفيل للخطر، بل يفتح المجال أيضًا لاستغلال العاملات وتشويه سمعة سوق العمل في سلطنة عمان.
نُذكّر بضرورة تكثيف الوعي المجتمعي بخطورة هذا الفعل، وتشجيع المواطنين على التعامل فقط مع مكاتب مرخّصة تضمن حقوق الطرفين، إضافة إلى تفعيل الرقابة والتفتيش على ممارسات استقدام القوى العاملة غير النظامية، لما لها من انعكاسات قانونية وإنسانية خطيرة.
إنّ تسوية المنازعات العمالية ليست إجراءً روتينيًا، بل مسؤولية اجتماعية وقانونية تتطلب دقة، وحسن توجيه، ووعيًا قانونيًا مستمرًا، ومن خلال معالجتنا اليومية لهذه القضايا، نبذل جهدًا في تثقيف المراجعين، وبيان حقوقهم، والتصرف كمرجعية قانونية موثوقة، بما يعكس المهنية العالية، ويُسهم في تحقيق العدالة وحماية سوق العمل العُماني.