من المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم يكن المحاولة الأولى لإنشاء دولة ليهود العالم؛ إذ سبق الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948 عدة محاولات على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين.

فكانت هناك تجارب سوفياتية للحكم الذاتي اليهودي في منطقة أوبلاست التي أسسها جوزيف ستالين في العام 1934، وعاصمتها بيروبيجان.

كما سعت حركات قومية يهودية لتأسيس مناطق للحكم الذاتي في أوكرانيا أيضاً.

إلا أن ما لا يعرفه كثيرون، أن اليهود سعوا لتأسيس دولة في مدينة نيويورك الأميركية، فيما كان يُعرف بمشروع دولة "أرارات".

مردخاي.. الأب الروحي لدولة اليهود الأميركية

تعود فكرة دولة "أرارات" إلى مردخاي مانويل نوح الذي وُلد عام 1785 في ولاية فيلادلفيا بعد سنوات قليلة من نهاية حرب الاستقلال مع بريطانيا.

توفيت والدته في سن مبكرة، وعاد والده إلى وطنه الأم ألمانيا، فتربى نوح وشقيقه على يد أجدادهما من جهة الأب، وكانوا ينتمون إلى النخب الأميركية الحديثة.

وعلى الرغم من أنهم كانوا من أصل أشكنازي (يهود أوروبا)، فإن نوح كان يفضل دائما تسليط الضوء على أصله البرتغالي من جانب جده لأمه، إذ شعر أن هذه الخلفية كانت أكثر نبلاً من الأصول الألمانية المرتبطة بالهجرة الجماعية في ذلك الوقت.

درس نوح القانون، وحصل على وظيفة في وزارة الخزانة الأميركية بعد تعرفه على ثري يُدعى روبرت موريس، وشغل لاحقا سلسلة من المناصب السياسية، بما في ذلك منصب شريف نيويورك.

في العام 1813، عين الرئيس الرابع للولايات المتحدة جيمس ماديسون، قنصلا أميركياً في تونس، لكن تمت تنحيته من هذا المنصب بعد 3 سنوات فقط بسبب يهوديته التي اعتُبرت "غير مناسبة للتواصل مع مواطني دول شمال أفريقيا"، وأنها تشكل "عقبة دبلوماسية في المجتمع ذي الغالبية المسلمة".

شراء قطعة أرض لإنشاء المشروع اليهودي

بعد عودته من تونس، استقر نوح في مدينة نيويورك. وفي العام 1824، أقنع صديقه الثري صامويل ليغيت، بشراء نحو خُمس مساحة جزيرة غراند آيلاند القريبة من شلالات نياغرا والمتاخمة للحدود الأميركية مع كندا، والتي تبلغ مساحتها الكلية نحو 73 كيلومترا مربعا، لتكون مقراً للمهاجرين اليهود.

تطلع الدبلوماسي السابق إلى أن تأسيس مستقر دائم -أو حتى مؤقت- يوفر فرصا واسعة لمعتنقي الديانة التي كان يرى أنهم مشتتون ومضطهدون حول العالم.

تمكن نوح من جمع ما يكفي من تبرعات اليهود لشراء قرابة 9.8 كيلومترات مربعة لتشييد مشروعه، معتبراً أن أميركا مكان مناسب لتأسيس دولة موحدة لليهود في ذلك الوقت، لأنها تأسست بالفعل على أن تكون ملاذا آمنا للمهاجرين واللاجئين من جميع أنحاء العالم، واستقبلت ملايين المهاجرين خلال القرن التاسع عشر.

سخرية من "الحاكم الأوحد"

كان مخطط نوح هو شراء ما تبقى من جزيرة غراند آيلاند تدريجيا مع ازدهار المشروع ونموه؛ إما كي يكون موطنا دائما، أو حتى ملجأ مؤقتا لليهود لحين تأسيس دولة لأبناء ملّته في فلسطين، فقام بنشر فكرة المشروع لجمع الدعم المادي واستقطاب اليهود لوطنهم الجديد.

بدأ الرجل بالفعل في نشر نداءات إلى الجاليات اليهودية في جميع أنحاء أوروبا لدعم مشروعه، لكن الرد كان فاترا.

حاول مردخاي مانويل نوح إقناع يهود العالم بالهجرة إلى أميركا والمساهمة في تأسيس دولة "أرارات" بنيويورك (غيتي إيميجز)

ثم نصّب نفسه حاكما لليهود الأميركيين في مدينته الوليدة، وفي حفل خاص أقامه في مدينة بافالو المتاخمة لنيويورك، أُعلن "الاستقلال اليهودي"، وأعلن مردخاي نفسه "الحاكم والقاضي المعين لإسرائيل"، وأعلن تدشين "دولة أرارات".

وفي الاسم المختار للدولة، هناك إشارة ضمنية لاسم نوح الأول، إذ يُعتقد أن "أرارات" هو اسم الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام بعد الطوفان بحسب المعتقدات اليهودية.

كما أن في الاسم إشارة للوعد بأن الدولة الجديدة ستكون ملاذا لليهود في جميع أنحاء العالم. حتى إنه قام بتعيين حاخامات وزعماء الجالية في أوروبا لجمع ضرائب من جميع اليهود لتمويل إنشاء "أرارات"، وأمر اليهود في "الأراضي الأجنبية" حول العالم بالبقاء مخلصين لدولته.

أثارت خطة نوح بعض السخرية، واتهمه يهود أميركيون وسياسيون يمينيون بمحاولة خداع اليهود الأوروبيين الأثرياء وتحقيق مكاسب مادية على حسابهم، لذلك لم تحظ "دولته" بالدعم وبحركة الهجرة التي ترنو إليها، فاضطر للتخلي عن الفكرة بعد الرفض العام الذي وجده.

مشروع دولة "أرارات" باء بالفشل

بعد فشل مشروع دولة "أرارات"، اشترى أحد المستثمرين جزيرة غراند آيلاند في العام 1833 للاستفادة من غاباتها الرخيصة. وبعد 20 عاماً، بدأت الجزيرة بالتخلي عن طابعها اليهودي، بعد انتقال نحو 18 ألف شخص من مختلف المعتقدات للإقامة فيها.

حجر الأساس لدولة "أرارات" اليهودية التي سعى مردخاي مانويل نوح لتأسيسها على جزيرة غراند آيلاند في نيويورك (الجمعية التاريخية لمقاطعة بوفالو وإيري)

ويُرجع خبراء ومؤرخون فشل مشروع الدولة اليهودية على أرض أميركية إلى عدم الحاجة إليه بالأساس، إذ لم يكن المهاجرون اليهود القادمون من ألمانيا بحاجة إلى الاستقلال في "غيتو" جديد، خصوصاً أنهم نجحوا في الاندماج بالمجتمع الأميركي.

ورغم انهيار مخطط نوح لإنشاء دولة اليهود الموحدة، فإنه بقي أحد الشخصيات الهامة لدى اليهود الأميركيين، إذ منحه الحزب الديمقراطي مناصب شرفية عديدة إلى حين وفاته في عام 1851.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دولة الیهود تأسیس دولة فی العام

إقرأ أيضاً:

مسئول: مشروع «خان أسوان» ضمن توجيهات القيادة لحصر أصول الدولة غير المستغلة

قال المهندس عمرو لاشين، نائب محافظ أسوان، إن مشروع «خان أسوان» تم إنشاؤه عام 2009 واكتمل في 2010، إلا أن أحداث ثورة يناير أثرت على تشغيله، مما أدى إلى تجميده حتى تم استرداده في 2013، موضحًا أن المشروع كان في البداية شراكة بين محافظة أسوان ووزارة الأوقاف، قبل أن يتم التخارج من قِبل الأوقاف ويعود إلى عهدة المحافظة بشكل كامل.

ابنة اسوان|الخامسة بالثانوية الأزهرية..إعاقتها البصرية لم تمنعها من الجد فى المذاكرة10 مشروعات لمياه الشرب والصرف الصحى في أسوان باستثمارات 500 مليون جنيه


وأضاف لاشين، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلاميتين نانسي نور ولما جبريل، في برنامج «ستوديو إكسترا» المذاع على فضائية «إكسترا نيوز»، أن المشروع لم يُستثمر بالشكل الأمثل، وكان ضمن توجيهات القيادة السياسية لحصر أصول الدولة غير المستغلة، وبعد مراجعة الأوراق والمستندات وتجاوز أزمة التخارج من وزارة الأوقاف، تم طرح المشروع مرتين في مزاد لم يُكتب له النجاح بسبب المبالغة في السعر.

مدخل مدينة أسوان

وأشار نائب المحافظ إلى أن «خان أسوان» يتكون من دورين ويضم نحو 125 محلًا تجاريًا، ويقع في موقع حيوي على مدخل مدينة أسوان بالقرب من السكة الحديد والطريق الزراعي.

وكشف أنه جاري الانتهاء من جمع المستندات، تمهيدًا لإسناد نحو 90% من محلات الخان لهيئة اقتصادية حكومية كبرى بهدف إعادة استثماره بشكل فعّال يدعم الاقتصاد المحلي.

طباعة شارك أسوان محافظ أسوان خان أسوان المهندس عمرو لاشين

مقالات مشابهة

  • العالم ينتفض بوجه الاحتلال.. مطالبات بوقف الحرب في غزة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة
  • أنور قرقاش يستقبل السفيرة الأميركية
  • غوتيريش: بناء دولة للفلسطينيين حق وليس مكافأة
  • رئيس الدولة يمنح السفير الأردني وسام الاستقلال من الطبقة الأولى
  • اطلاق مشروع الدراما والمسرح في السردية الوطنية الأردنية
  • هل يجوز أن أصلي على النبي إذا سمعت اسمه فى صلاتي؟ الإفتاء تجيب
  • وزير الخارجية في نيويورك: مصر تبذل جهودًا لحماية أمنها القومي والحفاظ على استقرارها
  • رسالة الى دولة جعفر حسان : دعم المواقع الإلكترونية والصحف من الموازنة العامة.. ضرورة وطنية لا ترف إعلامي
  • مسئول: مشروع «خان أسوان» ضمن توجيهات القيادة لحصر أصول الدولة غير المستغلة
  • مخطط أمريكي إسرائيلي لإعلان دولة فلسطينية في سيناء .. أحمد موسى يكشف المستور