البوابة نيوز:
2025-05-14@03:03:26 GMT

كيف يصبح الإعلام مؤرخًا أمينًا بلا أقوياء؟

تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT

  استطاع الإعلام أن يقدم طرقًا مختلفة لحفظ الأحداث خلال فترة التطورات الإعلامية الحديثة. تميزت هذه الطرق بقدرتها على إعادة ما حدث بكل تفاصيله، صوتًا وصورةً وروحًا. وهو مالم يكن متاحًا قبل ذلك بذات الجودة. يمكنك الآن أن تعيش ما حدث بالأمس أو في الشهر الماضي أو في العام الماضي بكل تفاصيله من خلال استخدام وسائط العرض المناسبة لذلك.

إلا أن هذا يجعل من كل إنسان يصنع المحتوى مشروع مؤرخ كما أشرنا لذلك في المقال السابق. 

   يضعنا هذا أمام كيفية التعامل مع هذا المحتوى كتاريخ للغد أيًا كان هذا المحتوى. يتفق معظم المؤرخين على أن الرؤية الذاتية لأي كاتب من أكثر ما يخشاه الأفراد حين تتم كتابة التاريخ. لذا نجد المحققين في المؤرخين يبحثون في نشأتهم وعلاقاتهم العامة والشخصية مع ذوي الفكر والنفوذ في عصورهم. وهو أمر كان يفيد حين كانت أساليب النشر محدودة. إذ يمكن مصادرة كتاب أو إغلاق صحيفة أو برنامج لمجرد أنها تنشر معلومات كاذبة تعود لتدخل ذاتية المؤلف فيما يقدمه. لكننا الآن في عصر يمكن أن نصل فيه لحد عدم معرفة الناشر الحقيقي فما بالكم بالمؤلف الحقيقي. لذا أصبح أمر معرفة مصادر ذاتية المؤلف من الصعوبة بمكان. يمكن حل ذلك إلكترونيًا بأن يسمح بوضع بصمة إلكترونية على بعض المحتويات، رغم ما قد يسببه ذلك من جدل حول حرية النشر والاعتداء على خصوصياته. يعد هذا النقاش في حد ذاته صحيًا لأنه قد يؤدي لتحديد المحتوى الذي يعد شخصيًا ويحتاج للخصوصية وذلك الذي لا يعد كذلك لدى غالبية المتناقشين الذين يجب ألا يتم تحديدهم بأي صفات على الإطلاق. لم يعد المؤلف أوالناشر شخصًا له خصائص محددة حتى نحدد أشخاصًا للنقاش. 

   تأتي المرحلة التالية بعد إنتاج النص ونشره في مراحلها الأولية، متمثلة في حفظه. نعلم أن لكل تاريخ أرشيف خاص به، أو وعاء لحفظه. هذا الوعاء له إمكانيات لحفظه. رأينا سالفًا في الأفلام القديمة كيف كان الباحثون في التاريخ يذهبون للمكتبات ويشاهدون الأخبار الصحفية محفوظة في الميكروفيلم والميكروفيش، وتجد الباحث يتجول بين تلك الأخبار على شاشة العرض المضيئة. هذه الأخبار كان يتم فحصها قبل حفظها وكتابات ملحوظات حولها تفيد الباحث حول طبيعة نشرها، وربما إمكانية الثقة فيها. غابت الآن المكتبة وملحوظاتها وقدرتها على مساعدة الباحث عن التاريخ. ومن هنا نحتاج لبديل لهذا. جميعنا نستخدم الآن تعبير "Google it" إشارة إلى البحث عن المعلومة على جوجل حين تنعدم أو تقل المعلومات حولها. لا شك أن هناك إمكانيات لكل محرك بحث فيما يخص تمييز المعلومات التي يمكن أن تكون درجة مصداقيتها عالية والعكس. لكن يواجه العالم أجمع الآن إشكالية من يحدد المصداقية العالية. ليس هناك هيئة تحرير لما يكتب على الإنترنت. ولا يمكن قص ما ينشر في الأساس على الإنترنت ولا تقليل تأثيره حين ينتشر بين مجموعات كبيرة من البشر بناء على رأي شخص بعينه. يستطيع الآن كل من يتعرض للمضمون الإعلامي أن يقوم بدور المحقق لصلاحية الإعلامي كمؤرخ للحدث وفق معاييره الشخصية، بل ويمكنه أيضًا أن يضع أوعية الحفظ التي يراها، والتي يمكن أن تنتقل لمن يلونه بالتالي بذات أساليب الحفظ ومزاياها وعيوبها. 

   إن هذا التصور السابق للوضع الحالي مع القدرات الكبيرة لمحركات البحث عن أشياء لا يمكن السيطرة على انتشارها وحفظها، يعني أن الوعي صار ضرورة ملحة للتعامل مع وضع ضوابط تنفيذية. إن الوعي الآن لم يعد مجرد مقررات تعليمية يتم تلقينها أو ندوات يطوف المتخصصون بها على أسماع المستهدفين. إن التسويق الحديث يعمل على تحقيق أهدافه الآن بطريقة المشاركة. إن تسويق أي فكرة لا بد أن يتم على يد من تريده أن يتلقاها. يكون ذلك ببرامج يتم نشر المحتوى فيها عن طريق الأشخاص الذين نريده أن يصل إليهم. نعتد لذلك طرقًا مدروسة توصل إليها البحث في مجال التسويق بميادين الواقع. 

  نخلص من كل ما سبق إلى أن الإعلام يسجل التاريخ الآن بطرق غير تقليدية. يجب على كل المسؤولين أن يحرصوا على حفظ التاريخ عبر وضع ضوابط تؤمن الثقة بمن يؤرخ وأخرى خاصة بكيفية التأريخ والحفظ ذاته. لا يوجد مفر هنا من أن تكون البداية معرفية تكنولوجية قانونية في ذات الوقت، لأن الشفاء من ذات الداء، وكل يفهم لغته. يكون كل ذلك مع مشاركة فعلية للمواطن في صناعة وعيه بيده. وأما قصة أن التاريخ يكتبه الأقوياء، فمن هم الأقوياء في عصرنا هذا؟. يعد هذا السؤال الأخير مستحيل الإجابة في الوقت الحالي لاستحالة توفر معطيات الإجابة عليه الآن. 

*أستاذة الإعلام بقسم الصحافة – كلية الآداب جامعة المنصورة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المؤرخين الإعلام

إقرأ أيضاً:

مؤرخ إسرائيلي يحذر من المستنقع السوري ويدعو لدفع الأردن لمساعدة الدروز

حذر الباحث والمؤرخ الإسرائيلي إيال زيسر من الوقوع في المستنقع السوري، مستذكرا ما جرى في لبنان قبل أربعة عقود.

وقال زيسر في مقال في صحيفة "إسرائيل اليوم" إنه يجب مساعدة الدروز في سوريا، ولكن بطريقة غير مباشرة؛ يمكن مساعدتهم بالمعدات والأسلحة حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم. مضيفا أنه يمكن "توظيف الأردن أيضاً، فهو يشترك معهم في الحدود"، زاعما أنه له مصالح مماثلة لمصالح "إسرائيل" في سوريا.

وفيما يلي نص المقال:
بعد أربعة عقود من غرقنا في الوحل اللبناني الذي لم نخرج منه بعد، يتبيّن أننا لم نتعلم شيئاً ونسينا كل شيء. وإلا فإنه من المستحيل تفسير رغبتنا في الانخراط مرة أخرى في حروب ليست حروبنا، والتي ستغرقنا حتى أعناقنا في مستنقع.. هذه المرة في سوريا.



الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة. لقد تعلّمت "إسرائيل" هذا الدرس القاسي في حزيران/ يونيو 1982، عندما شنّت حربها عام 1982، وكان أحد أهدافها المعلنة إنقاذ المسيحيين في لبنان من المذبحة على أيدي جيرانهم المسلمين.

ولكن سرعان ما أصبح واضحًا أن المسيحيين لم يطلبوا مساعدتنا حقًا ولم يحتاجوا إليها، ولم يكونوا حتى على استعداد لمحاربة أعدائهم بأنفسهم. النهاية معروفة: لقد غرقنا في المستنقع اللبناني وفي الحرب الشاملة، التي انقلبت علينا في النهاية، وطردنا منظمة التحرير الفلسطينية ولكن حصلنا على حزب الله في مكانها، وهربنا من لبنان الذي لا يزال يطاردنا.

والقصة السورية ليست مختلفة في الأساس. دولة متعدّدة الأعراق تتقاتل فيما بينها منذ فجر التاريخ، على الرغم من أن المؤامرة في دمشق اتخذت منعطفاً آخر مع سقوط بشار الأسد.

اليوم يحكم هذا البلد الدكتور جيكل والسيد هايد: في الصباح أحمد الشرع، رجل الدولة المعتدل الذي يغنّي الأغاني التي تروق للأذن الغربية، وحتى الأذن الإسرائيلية، وفي المساء أبو محمد الجولاني، زعيم المتمرّدين الجهاديين الذين يستمدون إلهامهم من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.

ومن الممكن أن يكون الشرع مجرد واجهة تسعى إلى تحويل سوريا إلى دولة إسلامية، أو من الممكن أن يكون زعيماً ضعيفاً لا يملك السيطرة على أصدقائه الجهاديين الذين أوصلوه إلى السلطة في دمشق.

ومن الممكن أنه في طريقه إلى تأمين سيطرته على البلاد، قد يكون على استعداد لدفع ما يراه "ثمناً مقبولاً" والسماح لأنصاره بالقيام بأعمال شغب، والأهم من ذلك - سفك دماء الأقليات في البلاد، وخاصة العلويين، ولكن أيضاً المسيحيين والدروز، الذين أصبحت حياتهم أرضاً قاحلة.

وتتعرض "إسرائيل" لضغوط من أجل مساعدة الدروز في سوريا، ولكن قادتهم لم يطلبوا منا تقديم أي مساعدة لهم على الإطلاق، وهو ما قد يلطخ صورتهم في نظر الرأي العام في سوريا. وبدلاً من ذلك، فإنهم يواصلون التصريح، كما فعلوا في أيام بشار الأسد، بأنهم مواطنون سوريون مخلصون.

وبعد كل شيء، فإن الدروز في سوريا، مثل إخوانهم في لبنان و"إسرائيل"، اعتبروا أنفسهم دائماً جزءاً لا يتجزأ من البلد الذي يعيشون فيه، وفي بداية القرن الماضي رفضوا حتى الاقتراح الفرنسي بإنشاء دولة لهم في جبال الدروز. لقد اختاروا إجراء مفاوضات صعبة وحتى عنيفة مع الشرع ورجاله، وهؤلاء يعرفون كيف يقدرون تماسك الدروز ونضالهم، ولذلك توصلوا إلى سلسلة من الاتفاقات معهم - تماماً كما حدث، بالمناسبة، مع كل نظام حكم في دمشق في الماضي، حيث تشاجر مع الدروز، وحاربهم، وأخيراً تصالح معهم.

يمكن وينبغي مساعدة الدروز في سوريا بالمعدات والأسلحة حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وهم بالتأكيد قادرون على القيام بذلك. ويمكن تحريك الأردن أيضاً، فهو يشترك معهم في الحدود، وله مصالح مماثلة لمصالح "إسرائيل" في كل ما سبق في سوريا.

ولكن لا ينبغي لـ"إسرائيل" ولا يمكنها أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، وخاصة عندما نكون بالكاد قادرين على الدفاع عن أنفسنا ونحن غارقون في حرب لا تنتهي مع عصابات حماس في غزة. وتقع منطقة جبل الدروز أو جرمانا قرب دمشق على بعد أكثر من 100 كيلومتر من الحدود، ويجب على ثلاثة ملايين من أفراد الطائفة السنية، الذين يدعم معظمهم الشريعة الإسلامية، أن يمروا عبر الطريق.



إذن، من الذي ستخدمه بالضبط المغامرة الإسرائيلية في سوريا؟ – لا الدروز السوريين، الذين لا يرغبون بها إطلاقًا، ولكن بالأخص ليست "إسرائيل"، بافتراض أننا لا نريد أن نجد أنفسنا غارقين في سوريا خلال العقود الأربعة القادمة. ولأن بعض هذه الصراعات تعود إلى مئات السنين، والتصريحات حول المساعدة لا معنى لها – فنحن لن نغزو كل جنوب سوريا، وجبل الدروز يبعد عن الحدود نحو 200 كيلومتر. إذن لماذا يتم إطلاق التصريحات، ويتم التدخل في النزاعات الداخلية السورية.

يجب مساعدة الدروز بشكل غير مباشر، وأيضًا عبر الأردن. يجب الحذر من الشرع، الذي يكشف عن مزيد من جوانب جهادي سابق، أو ببساطة حاكم ضعيف – لكن لا ينبغي لنا السقوط في المستنقع.


مقالات مشابهة

  • مؤرخ صهيوني يرسم صورة قاتمة لمطار “ايلات”
  • عصمت داوستاشي… مؤرخ الفن الذي أنقذ الذاكرة البصرية من النسيان
  • “إرادة والوطني الإسلامي” تطالب بتحديث الإعلام وتعزيز دوره الوطني
  • هل الذكاء الاصطناعي يصبح أكثر تشابهًا مع البشر؟ اكتشاف مفاجئ يغير كل شيء!
  • دبي تحتضن 3 فعاليات لتقنيات الإعلام والبث والفضاء
  • محمد الشحي : الإمارات تعتمد معايير واضحة لصناعة محتوى رقمي مسؤول
  • محمد الشحي: الإمارات تعتمد معايير واضحة لصناعة محتوى رقمي مسؤول
  • مؤرخ إسرائيلي يحذر من المستنقع السوري ويدعو لدفع الأردن لمساعدة الدروز
  • وزير الإعلام الكويتي : الإمارات رائدة فى تبني التقنيات الحديثة وصناعة المحتوى المتميز
  • وزير الإعلام الباكستاني: لم تحدث أي انتهاكات لوقف إطلاق النار مع الهند حتى الآن