من الشائع أن يشعر الآباء والأمهات بالقلق من سماع صغارهم لألفاظ خارجة في الشارع أو المدرسة أو حتى عبر التلفاز، خوفا من ترديدها بلا وعي والوقوع في معضلة تربوية يصعب تصحيحها دون مواجهة الكثير من العناد.

لكن صيحة جديدة انطلقت عبر منصة "تيك توك"، تحث الأطفال على التلفُّظ بكلمات مرفوضة وألفاظ نابية أحيانا، على أن يصورها ذووهم في السر وينشروها على الإنترنت لحصد المشاهدات والإعجابات.

التحدي الرائج الذي حمل اسم (Bad Word Challenge) أو "تحدي الكلمات النابية"، أثار موجة من التفاعل الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من جهة، وانتقادات وهجوما واسعا من جهة أخرى، نتيجة مخاوف تربوية ونفسية على صحة الأطفال ومفاهيمهم.

فما قصة هذا التحدي الغريب، وما تأثيره على الصغار المشاركين فيه؟

مساحة آمنة للألفاظ السيئة

في التحدي الجديد الذي أصبح صيحة رائجة عبر "تيك توك"، اعتقد بعض الآباء أنهم وجدوا المنفذ المثالي للسماح لأطفالهم بخوض "تجربة قول الكلمات السيئة"، عبر إعطاءهم مساحة آمنة بتركهم وحدهم -وفي هذه الحالة في الحمام-، ليقولوا كل الكلمات السيئة التي يرغبون في ترديدها دون أي خوف من عقوبة محتملة.

وخلال دقائق من "المساحة الآمنة" التي تُمنح للصغار، تلتقط كاميرا مخبأة في المكان تسجيلا مصورا "لعفوية الأطفال" وهم يرددون الكلمات النابية، قبل أن يتم تداولها بسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "تحدي الكلمات النابية في الحمام" أو (Bad Word Bathroom Challenge).

التجربة المثيرة للجدل أثارت تفاعلا ناريا مع الكلمات التي رددها الصغار، حيث اعتبر الكثيرون الموضوع مثيرا للضحك والسخرية. لكن في المقابل، أثار التحدي رفضا واستهجانا واسعا من الخبراء والمتخصصين في الصحة النفسية والتربية، الذين أكدوا ضرورة رفض هذا السلوك رفضا قاطعا، معتبرين أنه في الواقع يشوش الأطفال ويعزز استخدامهم للكلمات السيئة.

وقد عد الخبراء من التناقض وصف التجربة على أنها "مساحة آمنة" يملكها الصغار لترديد الكلمات الممنوعة، بينما يتم تخبئة كاميرا تصور الطفل سرا، علاوة على الخطأ في وصف ترديد الكلمات البذيئة لفترة مؤقتة بـ"المساحة الآمنة".

تحدي الكلمات النابية يسهم في اعتياد الأطفال على ممارسة السلوكيات المرفوضة (شترستوك) تأثيرات سلبية على صحة الطفل النفسية والعقلية

ويرى أخصائيو الصحة النفسية وتربية الأطفال، أن التحدي الجديد له العديد من الأضرار المحتملة، بدءًا من انتهاكات الخصوصية بالتسجيل سرا للأطفال ونشر المحتوى عبر الإنترنت، وصولا إلى التأثيرات النفسية على الطفل، والتي قد تكون طويلة المدى أيضا.

وعوضا عن تجاهل السلوك السلبي ليتجاوزه الطفل، يتم شد انتباهه للموضوع أكثر، بل والضحك ومحاباة سلوكه، مما يعزز فرص استخدامهم لتلك الكلمات فيما بعد، ويسبب مشكلة أخلاقية وتشتتا في مفاهيم الصغار حول الصواب والخطأ.

يقول الدكتور طارق عمر، خبير علم النفس، ومدرب التواصل الفعال وعلاج اضطرابات النطق واللغة للأطفال، لـ "الجزيرة نت" إن التبعات النفسية لهذا التحدي على الصغار لا تُحمد عُقباها.

واعتبر المتخصص أن إتاحة الفرصة للأطفال للقيام بأي سلوك خاطئ فيه "تحرر من الآداب والقيم"، ولن يقوم بتفريغ أي طاقة لديهم أو يمنحهم سقفا من الحرية -كما يزعم بعض المروجين للتحدي-، بل من شأنه تشويش مفاهيمهم عن الصواب والخطأ.

التعبير بالألفاظ البذيئة لا يُعد سلوكا سويا بشكل عام، مهما كان السياق (شترستوك) أهمية وقاية الطفل من "اعتياد الألفاظ البذيئة"

وقال عمر إن "التحدي بهذا الشكل من شأنه أن يسهم في الاعتياد على السلوكيات المرفوضة، ولو مؤقتا، لأن التجارب مهما كان حجمها يتم تخزينها بشكل عميق في دماغ الصغار".

ومع الاعتراف أنه من الوارد جدا أن يتعرض الصغار لمثل هذه الكلمات في مختلف السياقات الاجتماعية، أكد الخبير على "أهمية وضرورة خلق مساحة للحوار بين الطفل ووالديه لحثه على فهم أن هذه الكلمات منافية للأخلاق".

ولفت عمر إلى أهمية مراعاة الالتزام الأخلاقي والديني في بيئة الطفل في المقام الأول، باعتبار أن اللغة المتبادلة في المنزل هي حجر الأساس في أخلاق الطفل، وطريقته في التعبير عن نفسه.

وفي تعليقه على تصريحات عالمة الأعصاب الأميركية، ومؤلفة كتاب "الشتائم مفيدة لك: العلم المذهل للغة السيئة"، إيما بيرني، التي قالت إن الأطفال يجب أن يتعلموا معنى وتأثير الكلمات البذيئة من والديهم وليس من أصدقائهم، واعتبرت أن التحدي يقدم حلا عمليا لذلك، قال الخبير النفسي إن "التعبير بالألفاظ البذيئة لا يُعد سلوكا سويا بشكل عام، مهما كان السياق".

واختتم حديثه بتأكيد أهمية توعية الطفل بأنه من غير المقبول التعبير عن النفس بالألفاظ والشتائم، وأن التعبير عن الغضب والغيظ والاختلاف يمكن أن يتم بالكثير من الصور الصحية الأخرى.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

مجلس النواب يناقش مقترح قانون لتعويض الأطفال المولودين من أفعال جرمية

قدّم الفريق الحركي بمجلس النواب مقترح قانون جديد يهدف إلى إقرار التعويض المدني لفائدة الأطفال المولودين نتيجة علاقات غير شرعية نتجت عن أفعال جرمية، مثل الاغتصاب أو استغلال القاصرين، وذلك بعد تثبيت الأمر بحكم قضائي نهائي.

وينص المقترح، الذي وصل إلى مكتب المجلس، على حق الطفل في المطالبة بتعويض مالي دوري أو إجمالي، يراعي الضرر المادي والمعنوي الناتج عن فقدانه للأسرة الشرعية، بالإضافة إلى حاجياته الأساسية حتى بلوغه سن الرشد، أو 25 سنة إذا كان يواصل دراسته، أو مدى الحياة إذا كان في وضعية إعاقة.

ويحدد النص كيفية تقدير مبلغ التعويض، معتمداً على دخل الجاني، قدرته المالية، الحاجيات المعيشية للطفل، ومدة الإعالة المتوقعة، فضلاً عن الأضرار النفسية والمعنوية التي لحقت به.

وأكد المقترح أن التعويض لا يؤثر على إثبات النسب الشرعي، ولا يترتب عليه أي أثر من آثار البنوة الشرعية، إذ يظل تعويضاً مدنياً صرفاً على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية.

كما يخول للنيابة العامة والأطراف المتضررة رفع دعوى التعويض أمام المحكمة المختصة مع إعفاء من الرسوم القضائية، وتطبق أحكام القانون على القضايا الحالية والمستقبلية.

وقال الفريق الحركي إن هذا المقترح يهدف إلى تحصين الاجتهاد القضائي الذي كرّس حق الطفل في التعويض، بما ينسجم مع مقتضيات الدستور المغربي واتفاقية حقوق الطفل، ويعزز حماية الفئات الهشة، ولاسيما الأطفال الذين لم يختاروا الظروف التي ولدوا فيها.

ويُنتظر أن يشكل هذا القانون خطوة مهمة نحو ضمان العدالة الاجتماعية وحقوق الطفل، عبر توفير حماية قانونية واضحة للأطفال ضحايا الأفعال الجرميّة التي أدت إلى ولادتهم في ظروف استثنائية.

مقالات مشابهة

  • إيداع نجل الفنان محمد رمضان في دار رعاية
  • إهانة الأطفال.. صرخة تربوية يجب أن تسمع !
  • مجلس النواب يناقش مقترح قانون لتعويض الأطفال المولودين من أفعال جرمية
  • مسرح الطفل وتحديات التكنولوجيا
  • أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل
  • هولندا تتصدر دول العالم في الاهتمام بصحة الأطفال النفسية والجسدية
  • كيف يتنبأ وزن طفلك في السادسة بمستقبله الصحي؟
  • «مؤسسة الإمارات» تطلق ورقة سياسات لإعادة صياغة مفاهيم الصحة النفسية
  • تأتأة الأطفال.. صوت متقطع وثقة لا يجب أن تنكسر
  • ما حكم الشرع في أداء الأطفال لمناسك الحج؟.. الإفتاء تجيب