وللنساء نصيبٌ من حكايا الخليج
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
عندما شرعتُ في كتابة هذه السلسلة من المقالات، كنت أرتجي أمرين رأيتُ أنّهما على قدر كبير من الأهميّة، الأمر الأوّل أن ألفتَ نظر الباحثين، وخاصّة منهم أصحاب الفقْر البحثي، إلى مسارٍ في النظرِ في الرواية نقدًا وتأريخًا واختبارًا، وإلى ضرورة إحداث تراكم نقدي جزئيّ قُطريّ، يُمكّن الدارس الجدّي من تجميع هذه الأجزاء في مسارات بحثيّة كُبرى، والأمر الثاني هو ضرورة إغناء النشاط النقدي بما يُواكبُ نشاطًا في الإنتاج الروائي ملحوظًا، لم يقدر النقد في الخليج أن يُتابعه، ولا أن يؤصّله، ولا أن يقول للمحسن أجدت وللمسيء أسأت.
لا ريب أنّ للمرأة الخليجيّة وفرةً من الحكايات قد تفوق ما يُمكن أن يكون لغيرها في بقيّة العالم، ولا ريب أيضا أنّ للمرأة الخليجيّة أحداثًا في واقع حياتها يُمكن أن تكوّن تراكمًا حكائيًّا، ولكن هذا كلّه ليس الوجه الأصدق لتصدّر حكايات النساء المشهد الخليجي، وليس لي حقيقة جواب بيّن قاطع في هذا الشأن، وإنّما يُمكن أن أتلمّس بعض العلل والأسباب، لعلّ أهمّها، أنّ المرأة العربيّة هي عنصُرٌ حكّاءٌ في طبيعتها، وقد كانت الجدّة شهرزاد نموذجَ التوليد الحكائيّ والتوسّل بالقصص لأجل النجاة والإنجاء من الموت، الحكايةُ دومًا هي سبل النجاة من الموت، هي نوع من التطهّر، هي مقاومةٌ لواقعٍ آسرٍ، الحكايةُ هي المجال الفسيح لصناعة عوالم ممكنة رحبة، ارتادتها المرأة عندما يضيق الواقع عن فسح المجال للحياة، وقد عبّر السيّاب في أنشودته الشهيرة عن صورة المرأة الحاكية بقوله: «وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام)/ وكيف شَقَّ القبر عنه أمام (عفراء) الجميلهْ/ فاحتازها إلا جديلهْ/ زهراء، أنت أتذكرين/ تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين؟/ وحديث عمتيَ الخفيض عن الملوك الغابرين؟/ ووراء بابٍ كالقضاء/ قد أوصدته على النساء/ أيدٍ تُطاع بما تشاء؛ لأنها أيدي رجال/ كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال/ أفتذكرين؟ أتذكرين؟/ سعداء كنا قانعين/ بذلك القَصَصِ الحزين؛ لأنه قصص النساء/ حشدٌ من الحيوات والأزمان، كنا عنفوانُهْ». في أقطارٍ عديدة من العالم الخليجي، كانت ثورة النفط وثروته ناقلا لحياةٍ أسوأ ولضيقٍ أشدّ، وهو مسلكٌ أنتربولوجي حضاري، وجب أن تتوفّر فيه دراساتٌ مبينةٌ عن هذا التحوّل الذي منح الرجل مالا وجاها للسفر والتمتّع والتنقّل، ومنح المرأة ثراءً داخل جدران البيت، وهنا مجالٌ أيضًا للبحث الحضاري تمايزًا لحريّة المرأة في بادية العرب ولأسْر المرأة في بعض الحواضر. لم تكن مرحلة السبعينيّات والثمانينيّات بالمرحلة الأزهر للمرأة في أغلب أقطار الخليج، وهي المرحلة التي شكّلت جيلا أبدع روائيّا في التسعينيّات وفي مداخل الألفية الثالثة، أسماء مثل: بدرية البشر، جوخة الحارثي، ميسون صقر، رجاء عالم، بدرية الشحّي، بثينة العيسى، هدى حمد، وغيرهن ممّن كان لهن عميق الأثر في ترسيخ الرواية الخليجيّة. لقد صنعت المرأة الحاكية عوالم بديلة عن عالم الرجل، ويحقّ لها أن تنفرد ذاتًا مخصوصةً تؤسّس لكيانٍ روائيّ مستقلّ، فعوالم الرجال في الخليج العربيّ تتباين عن عوالم النساء، ولا يلتقيان إلاّ في كون الإنسان، وفي قضايا الإنسانيّة الكبرى، في حين أنّهما يُشكّلان كيانين متغايرين، بقيت صُورة المرأة في ذهن الرجل هي حمّالة الإثم، حِمالة شيطان، تحتاج إلى التخفّي لا إلى التجلّي، ومهما سادت لافتات الحريّة، فإنّ في العمق النفسيّ والتاريخيّ للرجل إيمانا بالرجولة وتوجّسا من إثم المرأة، وهذا الأمر حقيقة يحتاج إلى دراسة مبينة عن تصوّر الرجل للمرأة، وعن الفوارق في طرائق تربية البنات والذكور. لقد نبتت في هذا الفضاء المرأة الحاكية، التي لا تتوق إلى الحريّة في مفهومها الغربيّ ولكن أحيانا تحتاج إلى المعاملة العادلة، تحتاج إلى استرجاع الماضي التحرّري للمرأة العربيّة التي كانت سيّدة نفسها، ولقد أبانت بدريّة الشحّي في روايتها المؤسّسة «الطواف حيث الجمر» هذه النوازع إلى التحقّق، إلى الوجود، وهي نوازع محكوم عليها بالفشل والانتهاء خيبةَ مسعى، «زهرة» شخصيّة الرواية، مثّلت صورةً لوعي نسويّ لا يُمكن أن تعبّر عليه إلاّ المرأة، المرأة التي بدت في أغلب الروايات النسويّة محكومة بسلطة المجتمع، وبسلطة القبيلة وبأهواء الرجال، المرأة التي بدأت تُدرك أنّها كيانٌ حقيق بالوجود، فرغبت في التحليق، وتحقيق كونها، ولذلك كانت «زهرة» تقول: «كان كل ما أردت هو أن أطير في السماء، أن ألقي السلاسل كلها في زرقة البحر وأن أحلّق منفردة في السّحاب وخلف عالم الشمس، أن أصبح جديدة فريدة تمامًا، عالمي حرّ ووطني أخضر». المرأة أيضا تنفرد بمنظور يخصّها، وهي صاحبة التفاصيل، تنجذب عينها إلى ما لا يُمكن أن يلحظه غيرها، وهو باب مفتوح لدراسة منظور المرأة للأشياء وللكائنات من حولها في الرواية. أخيرًا لا يُمكن أن نتعامل مع رواية المرأة في الخليج، تمييزًا وإعلاء؛ لأنّها فقط داعية حريّة، بل وجب ألاّ نضع قياس الجرأة وخوض مواضيع صعبة التناول خارج دائرة التقويم النقدي، فالمرأة ليست من ذوات الأظافر، ولا يُمكن أن نسم أدبها بهذا الميسم، وإن كان صاحب التوصيف يُدافع عن المرأة، على شاكلة ما كتب محمد فوزي «أدب الأظافر الطويلة».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الخلیج تحتاج إلى الخلیجی ة المرأة فی ة المرأة ة التی
إقرأ أيضاً:
التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقيا
ولد الروائي التشادي روزي جدي، كما يقول، في نفس العام الذي صدرت فيه رواية "الكتاب الأسود" للتركي أورهان باموق، الذي يعتبر أصغر روائي في العالم يحصل على جائزة نوبل في الأدب.
وروزي، الذي توج عام 2024 بجائزة التميز في الأدب، وهي أعلى جائزة في تشاد تمنحها وزارة الثقافة، تزامن ميلاده مع كتابة نجيب محفوظ رواية "صدى النسيان". وكانت ذات السنة أيضا التي نشر فيها الكاتب اللبناني ربيع جابر روايته الأولى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2“أسرار خزنة” ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجياlist 2 of 2"الزمن المفقود".. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصينيend of listيستطرد روزي، بينما يستذكر كل هذه الأعمال يردف: "لأنني أحببتها".
الكاتب والروائي الفتى يذكر بشجاعة واستبسال "المحاربين القدامى"، والمواطن الذي استعمرت فرنسا بلاده أكثر من نصف قرن. ولكي تسيطر عليها بأسرع ما أمكنها، كما يقول جدي، فقد قتلت خيرة سكان البلاد، وعلى رأسهم علماء تشاد، في مجزرة مروعة عرفت بمجزرة "الكبكب"، راح ضحيتها 400 عالم ودارس في الدين واللغة العربية، ومن تبقى منهم لجأوا إلى الجوار السوداني.
ليكتب الروائي التشادي، في سياق من هذه السردية الأفريقية، روايته المعروفة بـ "ارتدادات الذاكرة"، مستلهما قصة وتاريخا ظل متواريا عن كثيرين، إذ يروي فيه تفاصيل حادثة كهذه، مدركا ما تفعله الرواية، إذ تتناول قصص الناس وترصد حياتهم، كما تسعى إلى فهم دوافع أفعالهم، بحثا عن أسئلة أو إجابات.
قابلت "الجزيرة نت" الروائي روزي جدي في حوار خاص، ناقش فيه العديد من المواضيع التي تمس الأدب، والذاكرة التاريخية، ودور الرواية في كشف المظلومات الاجتماعية والسياسية.
كما تناول الحوار تجربته الشخصية، ورؤيته للكتابة، إضافة إلى التحديات التي تواجه الأدب الأفريقي في الوقت الراهن. فإلى الحوار:
أعتقد أنني راض عن الاهتمام الذي أبداه العديد من القراء تجاه أعمالي. لم أتوقع هذا الصدى في هذا الوقت، رغم أنني كأي كاتب طموح، حين جلست للكتابة أردت أن أكتب ما لم يكتب من قبل.
الآن أفكر في هذا السؤال وأجدني ممتنا؛ لأن نقادا وكتابا لا أعرفهم كتبوا عن رواياتي في جرائد القدس العربي والقبس ومجلة المجلة وجسكا والعربي الجديد والعديد من الجرائد والمجلات، وهذا الحوار للجزيرة.
صحيح أننا في هامش الهامش كأفارقة نكتب باللغة العربية، وبعيدون جدا عن القاهرة والدوحة والشارقة ودور النشر الكبيرة، لكني راض بما وصلت إليه، وأتطلع للمزيد؛ لأن هذا غير كاف.
النقد يأتي متأخرا نوعا ما، إلا أنني سعيد بكل كلمة قيلت في أعمالي؛ لأنه من المدهش أن يقرر قارئ عربي القراءة لكاتب يعيش في بلاد تدعى تشاد، ربما لم يسمع عنها بينما لديه عشرات الأعمال الأخرى.
اعتقدت دائما، أن علينا بذل المزيد من الجهد، وكتابة نصوص جيدة جدا، ونترك الباقي للزمن، الذي أؤمن بأنه ينصف النصوص الجيدة عاجلا أم آجلا.
عشت في بلاد فقيرة تابعة لفرنسا ولو بشكل غير مباشر؛ يعتقد فيها أن الشخص ذكي إذا تحدث الفرنسية بلكنة صافية، ويمكن لفرنسا أن تتدخل وتنصّب في تشاد من تشاء، وتقرر من يحكم وماذا يفعل؟. فهذا وضع يزعج أي شخص يكتب الأدب بوعي
لا يحيل تاريخ ميلادك إلى مرحلة مبكرة، كتلك التي تحيل إلى رصيد "النضال وثورات الاستقلال والتحرر الوطني الأولى في المنطقة العربية وأفريقيا منذ الخمسينيات وما تلاها". أليس كذلك؟ولدت في سنة ليست هادئة؛ في عام 1992. سأعرف لاحقا أنني ولدت في نفس الفترة التي تتفكك فيها يوغوسلافيا، وتصدر فيها رواية "الكتاب الأسود" لأورهان باموق، ويكتب نجيب محفوظ روايته "صدى النسيان"، وهي نفس السنة التي نشر فيها ربيع جابر روايته الأولى. أتذكر هذه الأعمال لأني أحببتها.
بيد أن الكاتب يتأثر بما عاشه وبتاريخ بلاده أكثر من أي شيء آخر. عشت في بلاد فقيرة تابعة لفرنسا ولو بشكل غير مباشر؛ يعتقد فيها أن الشخص ذكي إذا تحدث الفرنسية بلكنة صافية، ويمكن لفرنسا أن تتدخل وتنصّب في تشاد من تشاء، وتقرر من يحكم وماذا يفعل؟. فهذا وضع يزعج أي شخص يكتب الأدب بوعي.
هناك كثير من النقد السياسي في رواياتي وروايات جيلي، ذلك أن السياسة في أفريقيا جنوب الصحراء تؤثر في كل نواحي حياتنا. فالسياسة هي التي تقرر ما إذا كنت ستحصل على تعليم أم لا، وهل ستصبح غنيا أو تظل فقيرا، بل حتى من يموت ومن يبقى.
هناك كثير من النقد السياسي في رواياتي وروايات جيلي، ذلك أن السياسة في أفريقيا جنوب الصحراء تؤثر في كل نواحي حياتنا. فالسياسة هي التي تقرر ما إذا كنت ستحصل على تعليم أم لا، وهل ستصبح غنيا أو تظل فقيرا، بل حتى من يموت ومن يبقى.
لم أعتبر الكتابة ترفا أو هواية، وإنما اعتبرتها دوما طريقتي للاحتجاج ولقول ما لا يمكن قوله باللسان. لذا كانت كتاباتي كلها عصارة تجربة أو مشاهدة ومعايشة.
من الواضح أن رواياتي متأثرة جدا بالتاريخ السياسي في تشاد، لأنه تاريخ عنيف؛ فالحكومات استبدلت بعضها بعضا بالعنف، ورأيت الموت والرصاص والدماء. عرفت أصدقاء التحقوا بالجيش أو المتمردين وماتوا في الحروب الأهلية، وعشت في حارة سقط نصف شبابها في المخدرات لأسباب أغلبها اقتصادية وأسرية.
إضافة إلى ذلك، أنا مواطن في بلاد استعمرتها فرنسا أكثر من ستين سنة، ولكي تفعل ذلك وتسيطر بأسرع ما يمكن، قتلت خيرة سكان البلاد، وعلى رأسهم علماء تشاد، حين نفذت مجزرة الكبكب التي مات فيها قرابة 400 عالم في الدين واللغة العربية، وفر من تبقى منهم إلى السودان.
رواياتي متأثرة جدا بالتاريخ السياسي في تشاد، لأنه تاريخ عنيف؛ فالحكومات استبدلت بعضها بعضا بالعنف، ورأيت الموت والرصاص والدماء. عرفت أصدقاء التحقوا بالجيش أو المتمردين وماتوا في الحروب الأهلية، وعشت في حارة سقط نصف شبابها في المخدرات لأسباب أغلبها اقتصادية وأسرية.
إضافة إلى ذلك، أنا مواطن في بلاد استعمرتها فرنسا أكثر من ستين سنة، ولكي تفعل ذلك وتسيطر بأسرع ما يمكن، قتلت خيرة سكان البلاد، وعلى رأسهم علماء تشاد، حين نفذت مجزرة الكبكب التي مات فيها قرابة 400 عالم في الدين واللغة العربية، وفر من تبقى منهم إلى السودان.
وهي القصة التي تناولتها في روايتي "ارتدادات الذاكرة"، حيث سردت الرواية كيف أن تشاد، التي كانت فيها ممالك إسلامية تعتمد اللغة العربية لغةً للديوان والمراسلات، أصبحت دولة تتحدث بالفرنسية خلال عقود، لدرجة أن متعلميها بلغة المستعمر يعتقدون أن الدارس بالعربية أقل منهم معرفة وذكاء.
إعلانتسمح الدولة للفرنسية بالسيطرة على الإدارة حتى يصبح الدارس بالعربية لا يفهم القرارات التي تصدرها الدولة، ولا ما يقال في الجريدة الرسمية!
كل هذه أحداث ومآس عشناها أو نعيش آثارها؛ لذا أتت أعمالي بهذه الحمولة النقدية، على أمل أن يأتي التغيير بالإصلاحات.
الرواية ليست تاريخا، أدري ذلك، لكني اخترت بوعي كتابة هذه الرواية؛ لأني أردت ألا ينسى الناس ما حصل، ألا ينسى التشادي ما فعله فينا المستعمر، والكيفية التي جعلت الفرنسية تغلب العربية في تشاد، لنصبح نحن الدارسين بالعربية أقلية في بلاد عرفت بممالك إسلامية عاشت قرونا قبل أن يطأ الفرنسيون هذه الأراضي.
ما يقرأه المرء كقصة ورواية لا ينساه ويتأثر به، عكس ما يمر به في برديات التاريخ؛ لذا أكرر بأننا نحن الروائيين نكتب التاريخ في هذا العصر.
الرواية ليست تاريخا، أدري ذلك، لكني اخترت بوعي كتابة هذه الرواية؛ لأني أردت ألا ينسى الناس ما حصل، ألا ينسى التشادي ما فعله فينا المستعمر، والكيفية التي جعلت الفرنسية تغلب العربية في تشاد، لنصبح نحن الدارسين بالعربية أقلية في بلاد عرفت بممالك إسلامية عاشت قرونا قبل أن يطأ الفرنسيون هذه الأراضي.
أعتقد أن الرواية تعيش إحدى مراحل ازدهارها في تشاد. قبل سنوات، حين كنت أقول إنني سأصبح روائيا، كان بعضهم يعجز عن فهم ما أقصده؛ لأن الشعر كان على العرش، ولا وجود لروائيين معروفين. أول رواية تشادية صدرت بالعربية كانت في سنة 2004، أي أن عمر الرواية العربية في تشاد 21 سنة.
لكن الجيل الثاني للرواية العربية، والذي أعتبر نفسي منهم، أصدر في بضع سنوات ما يقارب العشرين رواية، ساهمت بأربع روايات منها. اليوم، يقرأ الناس أعمالنا وينتقدوننا، نمدح ونعتبر من أفضل ممثلي البلاد، ونشتم ونتعرض لحملات تشويه، وهذه دلائل على وصول أعمالنا وعلى نبشها للجرح السياسي وعرضها مشاكل اجتماعية تعيشها مجتمعاتنا.
وحين نتحدث عن مرآة النقد، فإنها عرضت أعمالنا وناقشتها وتحدثت عن غرائبيتها وجمالها. ورغم أن الحلم لم يتحقق بعد، إلا أننا نشعر بالإنجاز لمجرد أننا كتبنا أعمالا مدهشة ولافتة بشهادات النقاد، وتشارك في معارض كتب دولية، وتقرأ من آلاف الناس الذين لا نعرفهم.
أما الأجناس الأخرى، فالقصة القصيرة هي التي تتقدم جيدا بعد أن "هربنا" منها نحن الروائيين. نحن بدأنا الكتابة بالقصة القصيرة، وثلاثة روائيين أصدروا أكثر من عشر روايات، ظهرت موهبتهم في مسابقات القصة القصيرة التي تنظمها جامعة الملك فيصل. اليوم هناك كتاب قصة قصيرة جيدون في تشاد وهم من جيل آخر، وأعتقد أنهم سيعلنون عن فتوحات في هذا الجنس الأدبي.
يعتقد أغلب التشاديين الشماليين أنهم أتوا من اليمن أو أن أصولهم عربية، وأنا أستبعد ذلك، لكني أفريقي أكتب باللغة العربية. القضايا التي أكتب فيها، هي قضايا تشادية أفريقية، والمكان أيضا فضاء أفريقي، لكني أكتب باللغة العربية، ما يجعلني قريبا من المصري والقطري أكثر من أي شخص من "التوغو" أو "الكونغو"
أما عن ثنائية اللغة والهوية، فهي قضية شائكة بالنسبة لنا. أذكر أنني قلت مرة لصديق بأنني "أفروعربي". يعتقد أغلب التشاديين الشماليين أنهم أتوا من اليمن أو أن أصولهم عربية، وأنا أستبعد ذلك، لكني أفريقي أكتب باللغة العربية. القضايا التي أكتب فيها، هي قضايا تشادية أفريقية، والمكان أيضا فضاء أفريقي، لكني أكتب باللغة العربية، ما يجعلني قريبا من المصري والقطري أكثر من أي شخص من "التوغو" أو "الكونغو".
هذه هي معضلة تشاد؛ فالبلاد فيها عرب، وأغلب سكانها من الشمال، دماؤهم عربية وحضارتهم إسلامية، ويتحدثون العربية، وقريبون من السودان أكثر من الكاميرون. إلا أن هناك سكانا في الجنوب يدينون بالمسيحية والوثنية، ويتشاركون في العرق والملامح والثقافة مع سكان الكاميرون وأفريقيا الوسطى.
هذه هي معضلة تشاد؛ فالبلاد فيها عرب، وأغلب سكانها من الشمال، دماؤهم عربية وحضارتهم إسلامية، ويتحدثون العربية، وقريبون من السودان أكثر من الكاميرون. إلا أن هناك سكانا في الجنوب يدينون بالمسيحية والوثنية، ويتشاركون في العرق والملامح والثقافة مع سكان الكاميرون وأفريقيا الوسطى.
لدينا أزمة هوية. المشكلة التي لا يعرفها الآخر، هي أن أفريقيا وحدها يعيش فيها 70% من الأعراق، وأنه في بلاد واحدة، ربما يعيش عدد من الأعراق لا تجمعهم ثقافة ولا دين ولا يتشابهون، لكن الاستعمار لا يرى سوى اللون، ولم يراع هذه الأمور. أعتقد أن علينا في أفريقيا أن نناضل من أجل تنوعنا كما نناضل من أجل توحيد كل هؤلاء الأعراق في لون، إذ لا يمكن أن تشكل هوية باللون وحده.
إعلانوأنا أجيب عن هذا السؤال، أترحم على روح نغوغي واثيونغو الذي ناضل من أجل الكتابة بلغته، لكني في الوقت نفسه أدرك أننا في أفريقيا نتحدث العديد من اللغات الأوروبية والشرقية، وهي معضلة لا أعرف كيف نجد لها حلا.
أعتقد أن دراسة القانون شيء يحفز الذاكرة والخيال ويدفع الإنسان إلى التفكير كشخص آخر؛ أعني يجعلك تضع نفسك في مكان الآخر ويقربك من الناس؛ لأنك تدرس سلوكياتهم وتشاهدهم في أضعف لحظاتهم، وهو شيء يساعد الكاتب في الغوص في الذات وفي فهم البشر. عدا ذلك، لم أستخدم معارفي القانونية في عمل حتى الآن. ربما سيحدث ذلك حين أصبح قاضيا.
"زمن الملل" صدرت عام (2021)، وكتب عنها بعض النقاد كرواية "تتناول القلق الوجودي والتشظي النفسي". هل باتت الرواية تلعب دور الأنثروبولوجي في استقصائها المجتمع والبيئة التي يعيش فيها الإنسان؟طبعا، ما الذي تفعله الرواية غير ذلك؟ إنها تتناول قصص الناس وترصد حياتهم وتسعى إلى فهم دوافع أفعالهم، بحثا عن أسئلة أو إجابات. زمن الملل، هي رواية تتحدث عني وعن أقراني وعن جيلي الذي عاش سنوات صعبة في البطالة بسبب أزمة اقتصادية ضربت البلاد، حيث طبقت الدولة إجراءات تقشفية، وغادرت الشركات، ولم يكن هناك من عمل يمكننا ممارسته، وكنا خريجين للتو.
هنا تبدأ المشاكل؛ أعني وجود آلاف الشباب الذين لا يجدون ما يفعلونه. كنا نحمل شهادات وآمالا كبيرة، لكن الواقع كان قاسيا معنا. تقريبا ست سنوات من الفاقة والتيه والملل والموت في البحر والغوص في عالم المخدرات وعوالم الجريمة عشناها مع جيلي. كنت محظوظا أنني خرجت منها سليما. رأيت أصدقائي يدخلون السجن، رأيت أشخاصا لعبت معهم يتسولون الناس وينامون تحت الجسور، ورأيت ما يفعله الفراغ والملل بالناس. وقفت على آثار هذا الفراغ وعلى ما تفعله نظرة المجتمع بالعاطل، والأذى النفسي الذي يتعرض له بسبب عجزه وقلة حيلته.
تقريبا ست سنوات من الفاقة والتيه والملل والموت في البحر والغوص في عالم المخدرات وعوالم الجريمة عشناها مع جيلي. كنت محظوظا أنني خرجت منها سليما. رأيت أصدقائي يدخلون السجن، رأيت أشخاصا لعبت معهم يتسولون الناس وينامون تحت الجسور، ورأيت ما يفعله الفراغ والملل بالناس. وقفت على آثار هذا الفراغ وعلى ما تفعله نظرة المجتمع بالعاطل، والأذى النفسي الذي يتعرض له بسبب عجزه وقلة حيلته
تقارب روايتك ارتدادات الذاكرة، الصادرة في (2023)، "حقبة الاستعمار الفرنسي لتشاد". ألا تتطلب كتابة الرواية الحذر كلما تعلق الأمر بالتاريخ؟التاريخ اليوم نكتبه نحن الروائيين. صحيح أن ما نكتبه لا يعد تاريخا بالمعنى الأكاديمي، وينبغي الحذر لأننا لا نكتب ما حدث فقط ونسرد وقائع معينة ورزنامة من التواريخ، وإنما نعيد كتابة التاريخ ونرمم الفراغات التي لم يتمكن المؤرخ من سدها. هناك اتفاق ضمني بين القارئ والروائي بأن ما منحه ليس تاريخا، وإنما يمكن أن يكون أو يفترض أنه وقع.
لكن الروائي ليس ملزما بأن يكون دقيقا في الترتيب الكرونولوجي أو يجعل السلطان بطلا للقصة؛ فالرواية تذهب أبعد من ذلك، وتركز على الناس العاديين، وتناقش هموم البسطاء، مع تقديم حياة كاملة ليعرف القارئ ما كان يأكله الناس وقتها، وماذا يرتدون، وكيف يتزاوجون، اتكاء على شذرات تركها مؤرخ أو اعتمادا على الخيال.
صحيح أن كتابة رواية تاريخية يحتاج إلى الحذر الشديد، خاصة حين تكتب عن حادثة تاريخية يعرفها آلاف الناس ويمكنهم مجادلتك في سير الأحداث وتواريخ الوقائع ومآلات الشخصيات؛ والأسوأ ألا يقتنعوا! لكننا نكتب تاريخا جديدا حين نكتب رواية تاريخية، نضيف سردية إلى السرديات القديمة، والهدف هو بناء جسر بين الأجيال القادمة وتاريخها ورموزها الوطنية.
لا وجود لسردية تاريخية موحدة عن تشاد، عدا أنه كانت هناك ممالك إسلامية معروفة بالاسم فقط، والناس يحفظون أسماء الملوك فقط، ولا يعرفون عن الشعب كيف كان يعيش. ثم إنني كتبت هذه الرواية كي لا ننسى
ورواية ارتدادات الذاكرة، هي إضافة للسرد التشادي، وإضافة للهوية التشادية، كذاكرة، وكشيء يجمع التشاديين ويوحدهم حول سردية تاريخية، فلا وجود لسردية تاريخية موحدة عن تشاد، عدا أنه كانت هناك ممالك إسلامية معروفة بالاسم فقط، والناس يحفظون أسماء الملوك فقط، ولا يعرفون عن الشعب كيف كان يعيش. ثم إنني كتبت هذه الرواية كي لا ننسى.
نعم، ولهذا السبب اخترت تقنية البوليفونية. الشخصيات التي تناولتها في الرواية هي شخصيات حقيقية وتاريخية يعرفها أغلب المتعلمين في تشاد. ليس كل الشخصيات، وإنما أهمهم؛ فهناك شخصيات اخترعتها من أجل تقوية القصة وتحريك الأحداث. لم أرد استخدام الروائي العليم لأتحدث عن شخصيات تاريخية حتى لا يظن القارئ أنني أفرض وجهة نظري في القصة أو أركز على سردية محددة من السرديات المكتوبة والمنتشرة بخصوص المذبحة.
تركت الشخصيات تتحدث وتقول رأيها عن بعضها بعضا، كما يفعل الناس عادة، كي أظهر سلبياتهم وأغوص في نفسياتهم وأبرز ضعفهم، ليدرك القارئ أنهم أشخاص مثلنا: يأكلون، ويخونون، ويتزاوجون، ويكذبون، ويصدقون، قبل أن يكونوا أبطالا في حادثة. استخدمت تقنية البوليفونية من أجل إظهار وجهات النظر المختلفة إبان فترة مهمة جدا، وتركت الجميع يتحدث كي يحكي ما كان يفكر فيه.
كما أن التقنية سمحت لي بإيراد وجهة نظر المستعمر على لسان "جيراد" الذي كان يرى أنه جاء للتنوير ولتعليم الناس وإيصالهم إلى الحضارة.
فرنسا كانت مسيطرة عسكريا على كامل الأراضي التي تسمى اليوم بتشاد، لكنها لم تكن تملك سيطرة ثقافية. ففي الجنوب وجد المستعمر أناسا بسطاء بلا دين، فكانت المهمة سهلة، رغم أن العديد منهم تمسك بوثنيته. بيد أن العلماء كانوا عقبة أمام الاستعمار الثقافي، فارتكبت المجزرة بعد جمع العلماء من كل أقطار البلاد للتخلص منهم، وهو ما حصل بالفعل؛ لأنه بموت العلماء وهروب التلاميذ أصبح الميدان فارغا لإنشاء المدارس الفرنسية وتعليم الناس.
وهو الذي أدى إلى غلبة وطغيان اللغة الفرنسية وإضعاف اللغة العربية التي واصلت تراجعها.
برأيك، ما كان دافع الاحتلال الفرنسي في جريمته اغتيال علماء يمثلون الثقافة العربية والإسلامية؟برأيي أن الدافع كان القضاء على أهم قوة سياسية تقف ضد أهداف المستعمر الذي جاء لاستعمار الأرض ولتنصير الناس. فالعلماء كانوا متعلمين، وهم من يقفون بين المستعمر والناس ويكافحون رغبات المستعمر من تنصير وبناء للمدارس الفرنسية وإغلاق للخلاوي وحلقات العلم.
فرنسا كانت مسيطرة عسكريا على كامل الأراضي التي تسمى اليوم بتشاد، لكنها لم تكن تملك سيطرة ثقافية. ففي الجنوب وجد المستعمر أناسا بسطاء بلا دين، فكانت المهمة سهلة، رغم أن العديد منهم تمسك بوثنيته. بيد أن العلماء كانوا عقبة أمام الاستعمار الثقافي، فارتكبت المجزرة بعد جمع العلماء من كل أقطار البلاد للتخلص منهم، وهو ما حصل بالفعل؛ لأنه بموت العلماء وهروب التلاميذ أصبح الميدان فارغا لإنشاء المدارس الفرنسية وتعليم الناس.
وهو الذي أدى إلى غلبة وطغيان اللغة الفرنسية وإضعاف اللغة العربية التي واصلت تراجعها.
الكتابة تحتاج إلى الشجاعة قبل كل شيء. لا بد من الشجاعة لقول رأيك بصوت عال عن السلطة والسياسة والواقع والمجتمع في بلادك. ولفعل ذلك تحتاج إلى الصبر والتحمل والجرأة؛ لأنك توجه رصاصتك تجاه جماعات تمتلك القدرة على تصفيتك ماديا ومعنويا. ككاتب روائي، أدري أنني أمارس الفن الأكثر قدرة على رصد التأثيرات التي تحدثها القرارات السياسية والسلطة.
الروائية الأمريكية توني موريسون قالت ذات مرة: "السياسة تطارد الروائي أينما ذهب، ولا يستطيع الفكاك منها". ولذا، ورغم أنك تمارس فنا ينبغي ألا يصبح بيانا سياسيا أو دعما لإيديولوجيا، إلا أنك تكتب عن الناس، والسياسة هي التي تقرر كيف يتصرف هؤلاء.
في النهاية، أنا روائي متمرد على التقاليد الفنية وعلى السلطة والمجتمع، ولتأكيد ذلك ينبغي أن تكون شجاعا وجريئا؛ لأن قول الحقيقة يحتاج إلى هاتين.
الروائية الأمريكية توني موريسون قالت ذات مرة: "السياسة تطارد الروائي أينما ذهب، ولا يستطيع الفكاك منها". ولذا، ورغم أنك تمارس فنا ينبغي ألا يصبح بيانا سياسيا أو دعما لإيديولوجيا، إلا أنك تكتب عن الناس، والسياسة هي التي تقرر كيف يتصرف هؤلاء.
هل تتعمد توظيف الخيال كأداة مثلى في الكتابة، بينما تقارب المدينة روائيا؟نعم، لا بد من الخيال لكتابة رواية. هو زادنا. لكن الخيال لا بد أن يصبح واقعيا حين تقارب مدينة. وهنا يأتي دور الذاكرة؛ تتذكر مدينتك وطفولتك، ما رأيته وجربته وسمعته، وترمم فجوات الذاكرة بالخيال لتكتب عن فضاء روائي.
لكن الواقع يبدو مختلفا في خيال الرواية التي تكتبها. هل تكون الغاية هنا ما ترومه من خلال تعبيرات الفن ذاته كهدف تتغياه في كتابة السرد؟كروائي من تشاد، لا أعتقد أنني أملك ترف "الفن للفن"؛ لأنني أكتب قضايا وتأثيرات، وعشت وأعيش في بلاد فقيرة تعرضت لعنف وحروب أهلية، وفيها الكثير من القضايا الاجتماعية التي أعتقد أنها تجذب الكاتب إلى تناولها. ولذا جاءت أغلب أعمالي متأثرة بالسياسة والعنف الاجتماعي والنضال.
لكن ذلك لا يمنع من وجود فصول أو قصص وشخصيات كتبتها لغاية المتعة ولأسباب فنية بحتة. فأحيانا نكتب لأننا نستمتع. لذا كتبت قصصا لأنني فقط كنت أستمتع بممارسة الكتابة، وبعد أن انتهيت تخلصت منها.
كروائي من تشاد، لا أعتقد أنني أملك ترف "الفن للفن"؛ لأنني أكتب قضايا وتأثيرات، وعشت وأعيش في بلاد فقيرة تعرضت لعنف وحروب أهلية، وفيها الكثير من القضايا الاجتماعية التي أعتقد أنها تجذب الكاتب إلى تناولها. ولذا جاءت أغلب أعمالي متأثرة بالسياسة والعنف الاجتماعي والنضال.
نعم، أعتبر الكتابة نضالا ومقاومة؛ لأنها سبيل إلى التوثيق والرفض والبقاء والمقاومة. لا تقدم الكتابة الكثير من النتائج الآنية لأن "السيف أصدق إنباء من الكتب"، لكن على المدى الطويل فهي أيضا سلاح فتاك.
ما يرتكبه العدوان الصهيوني تجاه غزة هو شيء فظيع، وأعتقد أننا جميعا سنسأل، والتاريخ سيعاقبنا جميعا على بقائنا مكتوفي الأيدي بينما مليون إنسان سجين يتم قصفهم وقتلهم بشكل يومي، وتنفذ ضدهم إبادة جماعية.
ما الذي يمثله لك التجريب؟ هل يحفز الكتاب الشبان؟ وهل يشترط التجريب الحرية؟ ويدعو إلى أدب جديد يتجاوز القوالب التقليدية؟يمثل لي التجريب الحرية. أعتقد أن أهم صفة يجب أن يمتلكها الكاتب هي الحرية. لا بد أن نجرب أساليب جديدة وفضاءات بعيدة لنبدع. لا بد من التمرد وتجريب الجديد لكي نبدع.
أغلب مدعي التجريب يكتبون أشياء غير مفهومة لعدم امتلاكهم قصة قوية تجبرهم على الكتابة؛ ولذا لم تعجبني أغلب الأعمال التي روج لها على أنها تجريبية.
برأيي، التجريب موجود في أغلب الروايات. فكسر التسلسل الزمني وتعدد الأصوات هي أفكار لها أكثر من نصف قرن ومقبولة. لكني لا أحب الكتابات التي تدور بلا هدف، والتي تشعر أن كاتبها لا يدري كيف ينهيها ولم بدأها.
كل كاتب يتمنى أن تقرأ أعماله من أكبر عدد ممكن من الناس. الجائزة الكبرى للكاتب هي أن تقرأ أعماله في أنحاء العالم وبمختلف اللغات. لكني أتمنى أن تحصل التفاتة إلى الأدب الإفريقي؛ لاعتقادي بأن ما نكتبه يستحق ذلك.
ما يرتكبه العدوان الصهيوني تجاه غزة هو شيء فظيع، وأعتقد أننا جميعا سنسأل، والتاريخ سيعاقبنا جميعا على بقائنا مكتوفي الأيدي بينما مليون إنسان سجين يتم قصفهم وقتلهم بشكل يومي، وتنفذ ضدهم إبادة جماعية.
إلى أي مدى تدرك تجربتك الروائية أهمية الكتابة كأداة لفهم الذات والمجتمع والأفراد؟الكتابة تعرية أيضا. هناك أفكار لا تأتيك إلا حين تجلس للكتابة. وحين نكتب فإننا نفكر بطريقة مختلفة تجعلنا شفافين وصادقين مع ذواتنا، وواضحين في سرد تجاربنا أو معارفنا أو ما نفكر فيه، وكأن الكتابة تزيل المكابح التي وضعت بين عملية التفكير وقرار القول أو الفعل.
الكتابة ممارسة صعبة، ولهذا سوف تعلمك أشياء كثيرة، من بينها الصبر والجدية والتحمل. لكن الأكيد أن من يكتب يقرأ، وإذا جمعت بين هذين فأنت ستزداد ذكاء وفهما لنفسك وللمجتمع وللأفراد الذين تفكر فيهم كثيرا وتراقبهم لتخلق منهم شخصيات.
تلقي رواياتك عند فحصها الضوء على قضايا العنف السياسي والهوية الثقافية في تشاد، وهو ما أضاف بعدا جديدا إلى الأدب العربي في أفريقيا؟أعتقد ذلك، فالمستعمر هو الذي خطط لهذا كي نكتوي بآثار أفعاله. تأثرت بهذه الأحداث التي انعكست على حياتنا اجتماعيا وسياسيا، فكتبت عنها. حتى يومنا هذا ينقسم التشاديون إلى جنوبيين مسيحيين وشماليين مسلمين، وينقسم الفريقان إلى عشائر وقبائل، ولم نتجاوز الانتماء القبلي حتى اليوم.