لجريدة عمان:
2025-06-25@11:38:30 GMT

لماذا النزوح العربي إلى الرواية التاريخية؟

تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT

لماذا النزوح العربي إلى الرواية التاريخية؟

سيطرت الرواية التاريخية على المشهد، فبعض الكتَّاب تخصَّصوا فيها، بشكل لا تعرف معه إن كان الكاتب قد وجد منطقته الفنية واستراح فيها، أم أن نجاحها ومبيعاتها الكبيرة قد أغرته بالبقاء في عالمها أطول مدة ممكنة؟ الأسئلة التي تتعلق بهذه القضية كثيرة ومتشعبة ويمكنها أن تفتح نقاشا مهما: لماذا النزوح العربي للرواية التاريخية والبُعد عن الحاضر؟ هل هو خوف من السلطة الآنية وتحاشياً لها؟ هل هو حنين للماضي؟ هل هي تقليعة؟ أم هي محاولة لإرضاء قراء يفضلونها؟ وما الفارق بين الرواية التاريخية التي يكتبها أدباء الآن والرواية التي كتبها الرواد؟ وما الفارق بين الرواية العربية التاريخية والغربية؟

في البداية يرى الكاتب الجزائري سعيد خطيبي أننا نحتاج إلى إعادة تعريف الرواية التاريخية، لأن ما حصل بالأمس يصير تاريخاً في اليوم التالي.

يستدرك: «لكن إذا سلَّمنا بما هو شائع، وأن الرواية التاريخية هي كل عمل يستعيد حدثاً من الماضي، فإن اللجوء إلى هذا النوع من الكتابة يعبِّر عن خيبة أمل من الوضع الذي نحيا فيه، وهو بيان على أن الراهن لا يطابق ما نرجوه. لذلك نلجأ إلى الرواية التاريخية من أجل التفكير في أحداث مضت، وبالتالي التفكير في الأسباب التي أوصلتنا إلى حاضرنا. لأن الرواية التاريخية تعود إلى زمن عربي كان فيه العيش المشترك ممكنا، كان فيه التسامح ثقافة، كان فيه الإنسان العربي ينعم في جنة الأحلام، قبل أن يتنازل عن الحق في الحلم إزاء صدمة الحاضر. وهذه الرواية التاريخية ليست حكرا على العرب فحسب، بل هي ظاهرة عالمية. من أمريكا إلى اليابان، مرورا بأوروبا صارت الرواية التاريخية هي النهج الأبرز في الكتابة الروائية. صارت عمادا في التخييل. لا يزال الفرنسيون مثل الألمان وكحال الإيطاليين كذلك يكتبون عن سني الحرب العالمية الثانية، ولا يزال اليابانيون يتذكرون قنبلة هيروشيما في كتاباتهم، وكذلك كتَّاب من جنوب إفريقيا يحكون عن سنين الفصل العنصري، أو في روسيا يكتبون عن زمن الثورة البولشيفية وما تلاها. صارت الرواية التاريخية هي ملجأ الإنسان في الزمن المعاصر، تعيده إلى طرح الأسئلة الضرورية عن الراهن الذي يتقلَّب فيه. صارت هذه الرواية هي مقصد القراء كذلك لفهم ما غاب عنهم».

الرواية التاريخية كذلك، بحسب سعيد خطيبي، مرآة نستعين بها في طرح أسئلة الحاضر. والرواية التاريخية تتطلب جهدا أكبر من غيرها من أجناس السرد الأخرى، ثم إنها أنواع، منها رواية تعيد تدوين الأحداث كما جرت، وكأن صاحبها يغربل مدونات مؤرخين، من غير تمحيص، وهناك رواية أخرى تستعير من التاريخ حدثاً يطابق ما يحصل في الراهن، وهي الرواية الأكثر شيوعا في الغرب كذلك. هي رواية استعارات وليست إعادة كتابة لما حدث. وهي رواية قد تهتم بالتفاصيل أكثر من شيء آخر، تماما مثلما فعل فلوبير، أو رواية تجمع بين التاريخي والمتخيل، مثلما فعل إيميل زولا أو أمبرتو إيكو. والرواية التاريخية هي أكثر الروايات إثارة للجدل كذلك، لأن من القراء من يتوقع أن يقرأ حدثا تاريخيا مثلما جاء في مدونات المؤرخين، أو مثلما سمع عنه من أفواه الآخرين، لكن الروائي له أفضلية التخييل، وله الحق في كسر أفق توقع القارئ، وبالتالي لا تكاد تصدر رواية تاريخية واحدة من غير إثارة جدل، وهذا عامل صحي، لأن الرواية التي لا تحدث جدلاً، تصير مثل كتاب مدرسي، نقرؤها ثم نطويها وننساها.

الخوف من السلطة

بعد إعادة تعريف الرواية التاريخية يمكننا الآن أن نتساءل عن أسباب الإقبال عليها عربياً؟ يقول الكاتب المصري أحمد المرسي: «لا أظن أن ذلك لخوف من السلطة أو حنين للماضي، فإن كانت الرواية التاريخية منبعها خوف من السلطة لدى الكاتب، فكيف نفسر أنها الأكثر طلباً بالنسبة للقراء؟!»

بذلك فإن رواج الرواية التاريخية بالنسبة للمرسي هو انعكاس للعصر المعرفي الحالي، ورغبة هذا الجيل – خاصة الشباب – في المعرفة، وعدم اقتناعهم بالسردية القديمة سواء السردية الوطنية أو الدينية للتاريخ، ولذلك هم يبحثون عن سردية جديدة، واقعية تناسب عقولهم المتطورة.

يسرد المرسي حوارا جمعه بالكاتب الدكتور محمد منسي قنديل إذ سأله عن رأيه في هذه القضية فقال له إن هذا «زيادة وعي من الجيل الحالي». يعلق المرسي: «الحقيقة أن الإجابة مقنعة بالنسبة لي وأستشعرها مع القراء كل يوم في الندوات وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي».

يرى المرسي أننا غرقنا لزمن طويل في روايات مغالطة للتاريخ مصبوغة بصبغات وطنية، دينية، اشتراكية، ثورية، إلخ. لكن أتاحت الكتب ووسائل المعرفة في عصر الإنترنت، خلال العقد الأخير، وفرة معلوماتية كبيرة، جعلت الكتَّاب والقراء يعيدون التفكير في تاريخهم وتراثهم المعرفي بالكامل. والشهرة الواسعة التي حصلت عليها رواية «أوراق شمعون المصري» لأسامة الشاذلي مثلا هي دليل كبير على محاولة فهم الآخر، وتاريخه، وعلاقته بنا؛ وأصل الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك يفاجئنا محمد سمير ندا هذا العام بسردية بديلة لسردية النكسة في رواية «صلاة القلق»، كما يقدم أشرف العشماوي سردية بديلة للملكية التي عرفناها من أفلام الستينيات والفترة الناصرية في رواية «السرعة القصوى صفر»، وقس على ذلك أعمال زهران القاسمي، وسعود السنعوسي، وريم بسيوني. إذن الرواية التاريخية ورواجها جزء من ثورة في عملية التثقيف العام، وليست نبتا شيطانيا».

وعي جديد

الناقد المصري عادل ضرغام يجيب عن سؤال حول ما هو الفارق بين الرواية التاريخية التي يكتبهت أدباء الآن والرواية التي كتبها الرواد؟

يرى ضرغام أن علينا غضَّ الطرف عن مرحلة جورجي زيدان، ومرحلة نجيب محفوظ، ليبدأ الحديث عن المرحلة الأخيرة التي تجلت بداية من «السائرون نياما» لسعد مكاوي، وأخذت شكلها الأقرب للاكتمال مع «الزيني بركات» لجمال الغيطاني، وبدأت تظهر بشكل جلي لدى مجموعة من الكتَّاب العرب، مثل بن سالم حميش وواسيني الأعرج ويوسف زيدان وآخرين بالرغم من وجود تفاوت فني بينهم. فكتَّاب الرواية التاريخية الجديدة يشتغلون في إطار مغاير، وتعكس أعمالهم وعياً مغايراً في التعامل مع الماضي، يرتبط بمراجعة ومساءلة التاريخ المستقر الذي نعرفه، فمع هؤلاء الكتَّاب أصبح مفهوم الحقيقة غائما أو غير موجود، وكذلك فكرة النسخة الوحيدة للتاريخ، فمع ميوعة فكرة الحقيقة، أصبح لدينا نسخ عديدة للحادثة الواحدة.

إذن، بحسب ضرغام، أصبحت لدينا خطابات عديدة، ولهذا نجد أن كثيرين من الباحثين ينظرون إلى الرواية التاريخية الجديدة، نظرة مغايرة، لأنها لا تسجل التاريخ بوصفه حقيقة تاريخية عليا، بل تخضعه للمراجعة والمعاينة، وفق وجهة نظر ناقدة تحرف سلطانه وهيمنته، ويتطور – طبقاً لذلك- الشكل التاريخي للرواية التاريخية، إلى أنماط عديدة، لا تطمس – بالضرورة – الشكل الكلاسيكي لها، وإنما تحور في تقاليده المؤسسة.

والجديد في هذا التصور الخاص بالرواية التاريخية – من خلال التساوق مع الرصيد الإبداعي في الرواية العربية – يتمثل في إعطاء قيمة واضحة للمتخيل الذي يغير في طبيعة المرجعية التاريخية من خلال المساءلة والمراجعة والإكمال لجزئيات لم يهتم بها خطاب التاريخ. فالمتأمل للرواية التاريخية في العقود الأخيرة يدرك أن هناك تحولا لافتا إلى حد بعيد، يتمثل في كون هذا النوع الأدبي بدأ في التحلل، ليأخذ شكلا جديدا بالتدريج، وهناك مظاهر عديدة لهذا التحول والتحلل. أولى هذه المظاهر تتجلى في أن التاريخ داخل الرواية لم يعد مقصورا على طبقة الحكام أو الطبقة العليا، وإنما أصبح مشدودا للبسيط والعادي والهامشي. واهتمام الروائي المعاصر بتلك الطبقات المهمشة جعل الجزء التاريخي أو الواقعي المسجل في كتب التاريخ ضئيلا، ويفقد فاعليته، ومن ثم كانت الحاجة ملحة لكاتب الرواية التاريخية الجديدة، إلى الاختراع. فيبدو عمله الأساسي- انطلاقا من دراسة العصر سياسيا وثقافيا وحضاريا- قائما على تنضيد الفجوات وإكمالها، من خلال خلق شخصيات غير موجودة في الحقيقة.

ففي رواية مثل رواية «هذا الأندلسي» لبن سالم حميش، يدرك القارئ أن النصوص التاريخية عن ابن سبعين لا تكفي الروائي للحركة، وبناء أطر معرفية واضحة المعالم، خاصة أن فلسفته بها الكثير من الغموض، بالإضافة إلى أن الخيط الفاعل في هذه الفلسفة يجعلها وثيقة الصلة بالغنوصي والإشراقي. فالخيط الفاعل يتمثل في الحركة من الأندلس للوصول إلى غار حراء بمكة، لتلقي الوحي، وهو خيط يفتح بابا للشد والجذب، ولمقاربة العلاقة بين الصوفي والنبي، ومقاربة فكرة ختام النبوة وانفتاحها.

فالإطار التاريخي بسياقاته الحضارية له دور مهم في تأطير وتشكيل الأطر المعرفية للرواية التاريخية، ومن ثم يشعر القارئ أن هناك فارقا بين إنجاز حميش في رواية «العلامة» - عن ابن خلدون- وإنجازه في رواية «هذا الأندلسي». فالمرصود عن ابن خلدون - نظرا لقيمته في مجال فلسفة التاريخ من خلال المقدمة، وعلاقته الوطيدة بالسلطة في المشرق والمغرب، بالإضافة إلى منجزه في كتابة سيرة ذاتية مبكرة خاصة به- كافٍ وواضح لكتابة رواية، فرواية «العلامة» - بالرغم من كونها لا تخلو من شخصيات مخترعة مثل حمو الحيحي، وشعبان السكيت- تكشف عن مناحٍ معرفية شبه جاهزة، ترتبط بالمثقف والسلطة، وتشظي الهوية العربية مشرقية كانت أو مغربية. ولكن في رواية «هذا الأندلسي» بالرغم من الجهد المبذول، ظل الهدف مشتتاً، وظلت المناحي المعرفية غير واضحة، وذلك لغياب الإطار الذي يكفل لها ميلادا طبيعيا بشكل تام.

الذيوع المغري

هل أغرى نجاح كاتب معين في الرواية التاريخية بقية الكتَّاب ليحذوا حذوه؟ تقول الكاتبة الكويتية باسمة العنزي: «نعم. هذا حقيقي. من وجهة نظري الشكل الأمثل للكتابة التاريخية تبلور في التسعينيات مع ترجمة أعمال الكاتب الفرانكفوني أمين معلوف. تجربته المغايرة التي نالت إعجاب القراء والنقاد، دشنت نمطاً جديداً من الكتابة التاريخية. بعد نجاح معلوف وعالميته جاءت بعض الروايات العربية محاولة الاصطفاف في خانة رواج الأعمال التاريخية. إلا أن الطفرة والنزوح الكبير للروايات التاريخية من المحيط إلى الخليج جاء بعد الربيع العربي»!

باسمة ترى أن الكتابة التاريخية تبدو ملاذا آمنا بعيدا عن مناطق شائكة تتطلب من المثقف موقفا نخبويا قد يدفع ثمنه باهظاً، رغم أن بعض الروايات التاريخية تحمل وعيا جميلا وتقدم أراء خافتة حول تقاطعات الماضي بالحاضر، وتجد مخارج سهلة للتعبير عن الاحتجاج والرفض ولو كان مواربا. وهي ترى أن توجه المبدعين المتزايد للرواية التاريخية سيحرم أجيالا قادمة القدرة على قراءة واقعنا اليوم وفهمه، واقعنا الذي نواجه جميعا تحدي تدوينه كشهود عليه دون أن نملك من أمر تغييره شيئا!

عين لمَّاحة

هل اللجوء إلى التاريخ يأتي بقرار مدروس أم أن تجربة الرواية تفرضه؟ يقول الكاتب العماني محمد العجمي: «اللجوء إلى التاريخ بالنسبة لي لم يكن قرارا مدروسا بقدر ما كان هروبا ناعما من ضجيج الحاضر. الحاضر مربك، مزدحم، وصعب الإمساك به. الحكايات المعاصرة تحتاج إلى عين لماحة ويقظة، وربما جرأة في اقتحام الواقع. أما التاريخ فعلى الرغم مما فيه من تعقيد؛ إلا أنه يمنحك تلك المسافة التي تسمح لك أن ترى، وتعيد تشكيل الصورة بهدوء أقل توترا. بعبارة أخرى التاريخ أكثر حيادية من الواقع. الغالب في الحكاية أنها لا تُكتب لأنه خُطط لها، بل لأنها جاءت. تفرض نفسها عليك، تهمس لك من فجوة في كتاب قديم أو من سؤال عالق منذ الطفولة. روايتي «سر الموريسكي» لم تكن مجرد مشروع روائي، وإنما استجابة لوخزة شعرت بها وأنا أمرُّ على حكايات انتقال الحضارة من الشرق إلى الغرب، وخصوصا كلما مررت بجملة عن أولئك الذين أُقصوا من الحكاية، أو اختفوا من كتب التاريخ الرسمية. شعرت أن هناك إنسانا ما، هناك، في طيات النصف الأول من القرن السابع عشر، يريد أن يُروى. وأنا فقط كنت الوسيط».

ورغم كثرة الحكايات من حول العجمي، إلا أنه يشعر بأن التاريخ يظل أخف من تعقيدات الحاضر. ربما لأنه لا يفرض عليك كل تلك الحساسيات المعاصرة، أو لأن الكتابة عن الراهن تتطلب مهارات أرهف؛ ملاحظة التفاصيل اليومية، التنقل بين الأصوات والروائح، التقاط الألم وهو لا يزال يتشكل. وهذا في نظره لا يأتي إلا بعد نضج التجربة. يكمل: «أنا أرى الرواية التاريخية كبداية طبيعية. كمن يتعلم الرسم أولا بالأبيض والأسود قبل أن يدخل عالم الألوان. هي ليست أقل شأنا، لكنها تسمح لك أن تتقن الظلال، وتفهم تكوين الوجه، قبل أن تتعامل مع فوضى الواقع. أكتب التاريخ لا لأهرب فقط، ولكن لأتدرب على قول الأشياء الصعبة بطريقة ملتوية قليلا، عبر شخصيات ماتت، لكنها ما زالت تتكلم بلغتنا. ثم هناك شيء لا أستطيع تفسيره بسهولة، وهو ذلك الشعور بأن بعض القصص تنتظر من يرويها. أنت لا تسعى وراءها، بل هي من تتسلل إليك وتستقر. وتبقى هناك، تلح، حتى تبدأ في كتابتها.

تراكم الخبرة

وبدوره يحكي الكاتب العماني سالم الغيلاني تجربته مع ثلاثية تاريخية تدور حول مدينة صور وعدن هي «حمر الغياب» و«الشتات» و«الغبش». سالم بدوره لم يخطِّط لكتابة عمل تاريخي. يقول: «لم تكن هناك دوافع معينة لكتابة العمل، وإنما جاءت الكتابة نتيجة تراكم سنوات طويلة من الاطلاع والقراءة في التاريخ والأدب الروائي العربي والعالمي. لم تكن لديَّ تجربة متسعة ولم أكن قد درست أساليب الرواية. وأتذكر أنني كنت في رحلة إلى أمريكا، وبما أني شخص يميل إلى المدرسة الرومانسية الكلاسيكية رغبت في كتابة عمل عن قصة حب تجمع شابا وشابة «أبناء عمومة» بينهما فارق سن كبير. ولكن عندما شرعت في الكتابة أخذني العمل إلى مسارات لم أفكر فيها من قبل، ابتعدت عن السياق الأصلي للرواية، واتجهت إلى التاريخ. وجدت نفسي مسكونا بمدينة «صور» وعاداتها وتقاليدها وخرافاتها وبحرها وطبقاتها، بدأت الشخصيات تتشكل أيضا وبعضها ظهر في وسط الرواية الأولى «حمرة الغياب» ثم تحولت إلى شخصيات رئيسية في الجزأين الثاني والثالث، ولم يكن ذلك في مخططي. وبعد صدور «حمرة الغياب» بدأ القراء يسألونني أين ذهب أحمد؟ ومن هنا بدأ مخاض جديد بكتابة جزء ثان بعنوان «الشتات». وجدت نفسي أتخيل أن أحمد توجه للبحر وانتهى به المطاف في مدينة عدن. وبالتالي اضطررتُ للقراءة في التاريخ حول عدن التي لم أحظ بزيارتها إلا مرة واحدة، وماذا كان يفعل بها الاحتلال الإنجليزي، ومحاولة التحرر، وتأثير ذلك على الحياة الاجتماعية، إذن لم أرسم خط سير الأحداث لكنها رسمت نفسها».

خطوط عريضة

الكاتب العماني ماجد شيخان له رواية تاريخية كذلك بعنوان «عماني في جيش موسوليني» فكيف جاءته فكرتها؟ يقول: «حدث أن مر بطل الرواية بطفولتي، وتشكَّلتْ بمعيته وما تبقى من ذكرياته الخطوط العريضة للقصة، ثم انتهى الأمر في حينه، بأنني وعدته بأن أقدم حكايته للعالم بصورة مختلفة. ومضت أكثر من عشرة أعوام وعنوان القصة يربض في مخيلتي إلى أن جاء القرار بأنه حان الوقت أن يرى النور، فكان قالب الرواية وشكله الفني هو الأنسب بالنسبة لي، فقررت أن أكتبها كما وعدته؛ لأقدمه مشروعا حيا للأجيال القادمة، عطاء لا ينضب. فرصا لا تنتهي وذاكرة لا تبلى».

ويضيف: «قد يكون لرواية «عماني في جيش موسوليني» خصوصيتها التاريخية بحكم أن الأحداث ارتبطت بوقائع تاريخية، لذا تشكل الإطار العام للرواية بحقبة تاريخية مهمة بدأت بظهور الفاشية ثم أحداث الحرب العالمية الثانية، وانتهاء بتفكك المستعمرات في قارة إفريقيا. إجمالا، العودة للتاريخ في النص الروائي له مبرراته، فهو يمنح الكاتب القدرة على أن يقول بلسان التاريخ ما لا يستطيع أن يقوله بلسان الواقع. كذلك فإن التاريخ بتناقضاته وتعدد سردياته يشكل مرتعا خصبا للروائي؛ ويطلق العنان لمخليته».

من الدراما للرواية

الكاتبة العمانية شيخة الفجرية تسرد بدورها كيف جاءتها فكرة رواية «تلك المائة عام» التي تدور أحداثها بين عمان وزنجبار: «الفكرة الأساسية واتتني وأنا أقرأ كتب التاريخ العماني، خاصة تلك الكتب القديمة التي تحدثت عن الصحافة العمانية في زنجبار. أخذتْ شخصية الصحفي العماني في المهجر تطاردني، وسيطرت عليَّ صورته في مشاهد متخيلة، ولم تتركني إلا حين بدأت كتابتها كسيناريو لمسلسل تلفزيوني. توالت المشاهد وتكونت الشخصيات وتزاحمت الأحداث، إلى أن اكتمل النص الدرامي، لكن بسبب الميزانية العالية لم يتم إنتاج المسلسل. ونظرا لأنني كنت أعمل على رسالة ماجستير بعنوان «النص الدرامي الإذاعي والتلفزيوني جنسا أدبيا» فقد أردت أن يكون الجانب الكبير في هذه الرسالة تطبيقيا، وقمت بتحويل النص التلفزيوني إلى هذه الرواية».

متى تقررين إذن اللجوء إلى التاريخ؟ تقول: «حين أجد نفسي بحاجة لفهم الواقع، التاريخ مرآة الواقع، واللجوء إليه محاولة لفهم ما يدور حولنا من أحداث؛ لأن المنطق يقول إن لكل شيء جذورا، يجب العودة إليها ووضعها في سياقها وتصريفها بما يتوافق والحالة الإنسانية والاجتماعية الراهنة التي نعيشها، وهو ما حدث في رواية «تلك المائة عام»، التي تطرقت إلى حالة عمان في قوتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمآلات التي عاشتها الشخصيات عبر الزمن الروائي».

التاريخ والخيال

هل أحد أدوار الرواية تصحيح التاريخ؟ يجيب الكاتب العراقي نزار عبد الستار: «نعم، وبما أن هذا التاريخ بالأساس كُتِب مزورا فبإمكان الخيال الروائي إعادة إنتاجه وسد ثغراته. طبيعة الرواية التاريخية تجعلها نابشة وغايتها تفسير الحاضر الملتبس. وأعتقد أن روايتي «ترتر» كانت بداية جديدة للرواية العربية للتعامل مع التاريخ بصياغته خياليا».

رأي الناشرين

أخيرا هل الناشرون يتجهون إلى الرواية التاريخية لأن الإقبال عليها وكذلك فوزها بالجوائز مضمون؟ تقول جنان جمعاوي مديرة العلاقات العامة في دار «هاشيت أنطوان» - دار نوفل: «نحن في الدار منحازون للرواية الجيدة، سواء كانت تاريخية أو فانتازية أو واقعية أو مفرطة في واقعيتها. وأعتقد أنه لا شيء مضمون في عالم النشر. فإن كنا نتحدث عن الإقبال، فهذا متعلق بالذوق العام، نرى العشرات لا بل المئات يتهافتون لشراء روايات الرعب، ولعل الروايات التاريخية تبدو عصية على الذوق العام. وكذلك تتعلق الجوائز بذوق أعضاء لجان التحكيم وما إذا كانوا يفضلون نوعا روائيّا على آخر».

انتهى التحقيق لكن الأسئلة تظل مفتوحة، فالمثقفون لم يتفقوا على أسباب محددة للجوء إلى التاريخ، كما أن بعضهم لم يخططوا لكتابة الرواية التاريخية ومع ذلك أصبحوا من أبرز كتَّابها. المؤكد فقط حتى هذه اللحظة أن هناك نزوحا جماعيا إلى الرواية التاريخية، لا أحد يعرف متى يخفت، وهل علينا أن نشعر بالقلق بسبب غياب التنوع لمصلحة لون روائي واحد أم أنها مجرد تقليعة سرعان ما تأتي تقليعة أخرى فيهرول الجميع وراءها !

حسن عبدالموجود صحفي وقاص مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى الروایة التاریخیة التاریخیة من کتب التاریخ إلى التاریخ اللجوء إلى فی روایة من خلال أن هناک إلى أن

إقرأ أيضاً:

بطولة محمد فراج.. ماندو العدل يبدأ تصوير مسلسل رواية أحدهم ورد وشوكولاتة

نشر المخرج ماندو العدل منشورا يكشف فيه انطلاق تصوير مسلسل في رواية أحدهم ورد وشوكولاتة الذى يقوم ببطولته محمد فراج. 

وكتب ماندو العدل : بسم الله الرحمن الرحيم، أول يوم تصوير مسلسل في رواية أحدهم ورد وشوكولاتة، 10 حلقات من تأليف محمد رجاء، وإنتاج جمال العدل.

محمد ثروت ضيف معتز التوني في سادس حلقات برنامج فضفضت أوى.. غداًهيئة الكتاب تصدر رواية «جبل الشوع» لـ زهران القاسميسارة نور الشريف: بابا كان بيحب الفنان سيد صادقأهل الفن والإعلام يشاركون فى تشييع جثمان والد تامر عبد المنعم.. صورمحمد فراج ينتظر مسلسل كتالوج 

طرحت إحدى المنصات  الإعلان التشويقي لمسلسل “كتالوج”، بطولة النجم محمد فراج وريهام عبد الغفور، والذى سيعرض على المنصة 17 يوليو المقبل، والمكون من 10 حلقات وسط توقعات بنجاح العمل بشكل كبير وقت عرضه نسبة للكيمياء التى تجمع بطليه.

قصة مسلسل “كتالوج”

مسلسل “كتالوج” دراما دافئة تجمع بين الفكاهة الهادئة والمشاعر، وتدور حول يوسف (محمد فراج)، رجل يجد نفسه فجأة مسئولًا عن تربية طفليه بعد وفاة زوجته أمينة (ريهام عبد الغفور)، حيث يكتشف سلسلة من مقاطع الفيديو التعليمية حول التربية التي كانت زوجته الراحلة قد سجلتها قبل موتها، وكل فيديو يصبح دليلا ومنارة تعيده إلى قلوب أولاده، حيث يكتشف قوة لم يكن يعلم بوجودها.

أبطال مسلسل “كتالوج”

مسلسل “كتالوج” بطولة محمد فراج، وظهور خاص للنجمة ريهام عبد الغفور، سماح أنور، تارا عماد، صدقى صخر، خالد كمال، بيومى فؤاد، دنيا سامى، الطفل على البيلى، أحمد عصام السيد، الطفلة ريتال عبد العزيز، إنتاج أحمد الجنايني وتأليف أيمن وتار وإخراج خالد الحلفاوي.

مسلسل كتالوج من إنتاج ماجيك بينز للمنتج أحمد الجنايني، والذى قدم الكثير من الأعمال الناجحة منها، مسلسل موضوع عائلي، وفيلم وقفة رجالة، وبرنامج فضفضت أوى الذى يعرض حالياً على منصة Watch it الرقمية ويحظى بالكثير من المشاهدات والنجاح الكبير لاختلافه عن البرامج الحوارية المعتادة.

طباعة شارك المخرج ماندو العدل ماندو العدل محمد فراج مسلسل في رواية أحدهم ورد وشوكولات مسلسل كتالوج

مقالات مشابهة

  • خطاب المفتتح والخاتمة قراءة في رواية «الروع»
  • قصة رواية بلغت العشرين
  • بدء تصوير مسلسل «في رواية أحدهم» لـ محمد فراج وزينة
  • الوطنية للصحافة تنعى الكاتب محمد عبد المنعم
  • وزير الثقافة ينعى الكاتب الصحفى الكبير محمد عبد المنعم
  • بطولة محمد فراج.. ماندو العدل يبدأ تصوير مسلسل رواية أحدهم ورد وشوكولاتة
  • تامر عبد المنعم يعلن وفاة والده الكاتب محمد عبد المنعم
  • التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقيا
  • قصف واسع لأماكن النزوح في قطاع غزة على وقع مجاعة طاحنة