الجزيرة:
2025-05-28@09:21:20 GMT

في وداع الثقافة الوطنية الحقيقيّة

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

في وداع الثقافة الوطنية الحقيقيّة

معرض القاهرة الدولي للكتاب انتهت دورته الخامسة والخمسون منذ أيام قليلة بحُلوها ومرّها، لكن المعرض ظهر في فضاء "القاهرة " ـ للمرة الأولى ـ في العام "1969"، بإشراف الراحلة الدكتورة سهير القلماوي، التي كانت تتولى رئاسة "الهيئة العامة للكتاب" الهيئة الكبرى والأضخم، التابعة لوزارة الثقافة، وهي التي تملك أكبر المطابع، ولها منافذ تسويق وتوزيع في جميع المدن المصريّة، وفي غالبية العواصم العربية.

وكان الزمن هو زمن "حرب الاستنزاف " التي كانت لها ظروف سياسيّة وعسكرية، لا مجال للحديث عنها هنا. فما قصدت قوله هنا؛ إن "معرض القاهرة الدولي للكتاب" كان خطوة طيبة، جعلت شرائح "الطبقة المتوسطة" تعتاد القراءة.

كانت أسعار الكتب رخيصة، وكان وقت هذه الطبقة يسمح لها بالقراءة، وجرت تحوّلات اقتصادية وسياسية، جعلت وزارة الثقافة تعتمد على "معرض القاهرة " في حشد جماعات الإبداع والفكر، في مديريات الثقافة في المحافظات، واستضافة المبدعين العرب الكبار للمشاركة في فعاليات المعرض، مثل: الشّاعر الفلسطيني "محمود درويش" و"أدونيس"، والروائي السوداني "الطيب صالح"، وغيرهم.

كان الجميع يأتون إلى القاهرة، فيجدونها مستعدة؛ الفنادق، والمواصلات العامة، وبرامج الإذاعة والتلفزيون، وكل هيئات وقطاعات الحكومة، وكانت الطبقات الشعبية في القاهرة والمحافظات تعتبر المعرض نزهة ورحلة، تكسر الملل من دون تكلفة مالية كبيرة.

وبمرور السنوات، تحول معنى "الثقافة الوطنية" من مشروع تتبناه "الدولة"، إلى "مشروع سياحي " يحقق الربح لوزارات الحكومة، والقصد هنا أن "الكتاب الورقي" كان أداة من أدوات تحقيق الحضور للدولة المصرية في الدوائر الثلاث التي تعمل في سياقها: الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، والدائرة الإسلامية.

وكانت "الحكومات المصرية" المتوالية تستضيف الدول العربية والإسلامية، وتقدم التسهيلات للناشرين العرب والأفارقة والمسلمين الذين يحرصون على التواجد في "القاهرة".

السياحة الثقافية

وغياب معنى "الثقافة الوطنية " من كونه عنصرًا من عناصر "القوة الناعمة " للدولة المصرية، وحضور معنى "السياحة الثقافية" جعل ذلك "الطبقات الشعبية " والمثقفين، ينسحبون من المشهد؛ لأن السياحة الثقافية، جعلت مشهد "معرض القاهرة " مشهدًا مكلفًا، يفوق الطاقة المالية لهذه الشرائح التي تعيش تحت وطأة التضخم، وانهيار قيمة "الجنيه" في السنوات الأخيرة.

وحسب طبيعة "الجمهور" تتغير مضامين "الكتب الورقية "، فالجمهور "الغني" تهمه المتعة والتسلية، فجرى التحول الكبير في سياسات دور النشر المصرية، فهجرت "الثقافة الجادة" التي تتناول الفكر والتاريخ والفلسفة، وكافة الفروع التي تبني "العقول"، وترسخ مفاهيم معادية للصهيونية والإمبريالية وتحدد أبعاد "الشخصية المصرية " بامتداداتها العربية والإسلامية والأفريقية.

وأغرقت الأسواق والمكتبات وأجنحة المعرض، بكتب تناسب الجمهور الجديد، الذي يشتري كتابًا سهلًا من نوعية " كيف تحب زوجتك وتصبح مليونيرًا في ساعتين".

ولم تكتفِ دور النشر بطباعة الكتب المسلية، بل لجأت إلى طباعة الكتب التي تتناول قصص ومذكرات المخرجين والفنانين من روّاد صناعة السينما، والكتب التي تحتوي مقالات روّاد الصحافة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وهذا التحول في سلوك دور النشر، القصد منه التهرّب من دفع المستحقات المالية للمؤلفين؛ لأن مرور خمسين سنة على نشر كتاب، تجعله مباحًا للجميع.

 جفاف الإبداع

وفي ظلّ الجفاف الإبداعي والفني الذي تعيشه مصر، أصبحت الكتب التي تحكي قصص حيوات "بديعة مصابني، ونجيب الريحاني، وكامل الشناوي، ومحمود السعدني " ملجأ ومهربًا، للذين يشعرون بالحنين إلى سنوات شبابهم والأيام التي كانوا فيها يشترون مجلات "روزاليوسف"، و "صباح الخير"، و "الهلال " ويقرؤُون مقالات كتّاب يمتلكون الصنعة والموهبة في آن.

وعمومًا، قصدت القول؛ إنني ذهبت إلى "معرض القاهرة الدولي للكتاب" المقام، في صحراء شرق القاهرة، في موقع لا أستطيع تحديد اسمه الرسمي، ورأيت ما أحزنني، رأيت وجوهًا لا أعرفها، وتجوّلت بين أجنحة دور النشر، فهالتني الأسعار الرهيبة، ولم أجد المثقّفين والمبدعين؛ لأنهم كانوا في الغرف المغلقة، أو "القاعات " الفخمة، التي قضت على الهدف من إقامة المعرض.

ففي السابق أيامَ كان المعرض يقام في "أرض المعارض " في " مدينة نصر" كان الزخم الثقافيّ يتحقق، وكان التواصل بين المبدعين المصريين والمبدعين القادمين من الدول العربية الشقيقة يتم ويؤتي ثماره الطيبة.

وكانت المناقشات في المخيّمات التي أُقيمت لفروع الفنّ والإبداع، تجعل "الثقافة الوطنية" حاضرةً في أذهان الناس، فكان المواطن المصري الفقير، بإمكانه مشاهدة فيلم سينمائي جديد، وكان بإمكانه شراء كتب رخيصة الثمن، وكان "المواطن" حاضرًا في أذهان القائمين على المعرض، وكما يقول الشاعر العربي الأندلسي: "لكل شيء إذا ما تمّ نقصان ".

جيش المثقفين

عدت من رحلتي إلى المعرض "الصحراوي" وأنا واثق من أن "الثقافة الوطنية " لم تعد تشغل القائمين على وزارة الثقافة، وأن كل مواطن مصري عليه أن يبحث عن مصادر هذه الثقافة، ويبني نفسه بنفسه، وأن وجود وزارة الثقافة يمثل عبئًا على الموازنة العامة للدولة.

وبالتالي فإن وزارة السياحة، يجب أن تستولي على مقرات وأملاك وأصول وزارة الثقافة، مادام مفهوم الثقافة أصبح قريبًا من مفهوم السياحة، وبالتالي، يجب أن تتولى وزارة السياحة مهمة تنظيم معرض الكتاب في القاهرة.

وليس من الضروري ـ لأسباب تسويقية ـ أن يكون قاصرًا على "الكتب"، يمكن أن يشمل عرض سلع تذكارية: "تماثيل فرعونية مستنسخة، أنتيكات وهدايا من خان الخليلي ".

وتبقى مشكلة "جيش المثقفين " الذي ارتبط "أكل عيشه" بوزارة الثقافة، وهذا الجيش من السهل استيعابه في وزارة التربية والتعليم والأوقاف والإدارة المحلية.

ورغم أن وجود وزارة الثقافة ضمن التشكيل الوزاري في مصر، قديم "منذ العام 1957″ وكان لهذه الوزارة أهمية في ترقية وجدان الشعب، فإن " التسويق السياحي " السائد والمهيمن على عقول كبار موظفي "الثقافة " يفرض قطع علاقاتهم بالكيان المسمّى "وزارة الثقافة " وإلحاقهم بأية هيئة أخرى معنية بالسياحة وتحقيق الأرباح، بعيدًا عن الثقافة الوطنية والكتب والصداع الذي لا طائل من ورائه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الثقافة الوطنیة وزارة الثقافة معرض القاهرة دور النشر

إقرأ أيضاً:

إقبال كبير على معرض “كنوز مطروح” بمحافظة الدقهلية

يواصل معرض “كنوز مطروح” "هدية مطروح للمحافظات" فعالياته بمدينة المنصورة أمام نادي جزيرة الورد، وسط إقبال جماهيري، وذلك في إطار التعاون المثمر بين محافظة مطروح ومحافظة الدقهلية، حيث تُقام النسخة الثانية من المعرض خلال الفترة من 22 حتى 31 مايو 2025.

ويشهد المعرض إقبالا كبيرا من المواطنين على الشراء والتسوق من المعرض والذى يضم باقة متنوعة من المنتجات المتميزة التي تشتهر بها محافظة مطروح، من بينها: الزيتون، وزيت الزيتون، والتمور، والأعشاب والنباتات الصحراوية والعطرية، إلى جانب الحرف اليدوية الفريدة التي أبدعها أبناء مطروح، وبخاصة من واحة سيوة.

كما يشهد المعرض مشاركة متميزة من أصحاب الحرف اليدوية بالدقهلية، الذين يعرضون منتجاتهم من الفخار والزجاج، في مشهد يعكس التنوع والإبداع التراثي المصري.

ويهدف المعرض إلى تعزيز التعاون بين المحافظات وتشجيع تسويق المنتجات المحلية، بما يسهم في دعم الصناعات الصغيرة، وفتح آفاق جديدة لأصحاب الحرف، والحفاظ على التراث المصري الأصيل.

ودعت محافظة الدقهلية أهالي المحافظة والزائرين لاغتنام الفرصة وزيارة المعرض للاستمتاع بتجربة تراثية فريدة والتعرّف على كنوز مصرية من قلب الصحراء إلى دلتا النيل.

من ناحية اخرى وفى وقت سابق تابع اللواء خالد شعيب محافظ مطروح استمرار تدفق السياحة الخارجية لمطار مرسى مطروح الدولي مع استقبال أولى الرحلات السياحية القادمة من بولندا لهذا العام ،اليوم السبت والقادمة من مطار كاتوفيتشي في خطوة مبشرة مع انطلاقة واعدة للموسم الجديد.

وكان في استقبال السياح الملاح مروان رمضان عبدالفتاح مدير المطار ، حيث نُظم حفل ترحيب و استقبال مميز لزوار المحافظة تضمن تقديم الورود وعروض فنية وتراثية قدّمتها فرقة مطروح للفنون الشعبية والتنورة.

وتُعد هذه الرحلة، التي سيرتها إحدى الشركات السياحية شركة "إنتر إير"، باكورة لعدد من الرحلات السياحية المنتظمة المتوقعة التى ستنظمها الشركة من الأسواق الأوروبية خلال صيف هذا العام، ضمن جهود مكثفة تهدف إلى تعزيز السياحة الوافدة إلى مدينة مرسى مطروح.

ويواصل المطار استعداداته المكثفة لاستقبال المزيد من الرحلات خلال الأسابيع القادمة، بالتعاون مع الجهات السياحية والفندقية، لضمان تقديم تجربة مميزة وخدمات متكاملة للسياح.

وتأتي هذه الخطوة في إطار خطة وزارة الطيران المدني لدعم حركة السفر وتنشيط السياحة، من خلال فتح خطوط طيران مباشرة بين المدن الأوروبية والمقاصد السياحية المصرية، بما يعكس الصورة الإيجابية لمصر عالمياً، ويسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني

طباعة شارك مطروح محافظة مطروح اخبار المحافظات اخبار محافظة مطروح سيوة

مقالات مشابهة

  • وزارة السياحة والآثار تروج للمتحف المصري الكبير في المعرض السياحي ITB China بشنجهاي
  • وزارة السياحة والآثار تشارك في المعرض السياحى الدولى ITB China بشنغهاى
  • نجاح باهر في ختام "أوبرا كارمن" على المسرح الكبير تحت رعاية وزارة الثقافة
  • المجمّع الثقافي يستضيف معرض ميثاء عبدالله حتى 30 أغسطس
  • رئيس جامعة المنصورة يفتتح معرض «بصمة خير للملابس»
  • إقبال كبير على معرض “كنوز مطروح” بمحافظة الدقهلية
  • حضور قوي في معرض بيروت الدولي للكتاب
  • الثقافة تفتتح الدورة الرابعة لمعرض الكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية
  • الرهوي يفتتح المعرض التشكيلي “مع غزة أعيادنا انتصارات”
  • وزارة السياحة والآثار أحد رعاة استضافة مصر لعروض "Disney ON Ice" بإستاد القاهرة الدولي