الفلافل والصراع العربي الإسرائيلي
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
يدرس علماء أنثروبولوجيا الطعام، وصفات الطعام ليس بصفتها غذاء فقط، بل باعتبارها تمثل مظهرا من مظاهر هوية الجماعات الاجتماعية القومية والدينية والطائفية، وقد تنتقل وصفة أكلة ما من مجتمع الى آخر لأسباب مختلفة، لكن الشائع هو اكتساب الوصفة المنتقلة بعض الإضافات أو الاختلافات التي تجعلها تتلاءم مع طبيعة المجتمع الجديد الذي انتقلت إليه.
إن التنافس وادعاء صناعة أصل الأطباق بات ملمحا متكررا في دراسات أنثروبولوجيا الطعام، وإن الصراع على حق ملكية أصل الطبخات عرفته الكثير من المجتمعات في مختلف دول العالم. وبما إن الشرق الأوسط منطقة احتكاك ثقافي وتنافس إثنيات وثقافات، فلا بد أن نجد الكثير من ادعاءات امتلاك أصل الأطباق والوصفات في المنطقة، يصاحبها اتهام المنافس بأنه سرق أو ادعى ملكية أصل الطبق.
وربما كانت الفلافل أحد أبرز النماذج لهذا الصراع، فهي أكلة بسيطة، قد تؤكل في ساندويش كوجبة خفيفة بعد إضافة السلطة والمخلل وصلصة طحينة السمسم للفلافل الملفوفة بخبز الراب أو البيتا.
كما تقدم الفلافل كمزات أو مقبلات مع الطعام، وهي طبق منخفض التكلفة وغني بالمواد الغذائية كالبروتينات والألياف والفيتامينات. وتتم صناعة الفلافل على شكل عجينة من البقول المهروسة والمخلوطة مع الخضراوات المختلفة والمتبلة بالثوم والبهارات، ومن ثم يتم عمل أقراص صغيرة من العجينة وتقلى بكمية كبيرة من الزيت المغلي.
أما الحديث عن أصل الفلافل، فيقودنا في البداية الى أصل الاسم، ومنه يمكننا أن نستشف معلومات عن أصل هذه الأكلة، اذ يشير مؤنس البخاري الباحث في انثروبولوجيا الطعام الى إن كلمة (فلفل) في الأصل هي كلمة آرامية ومعناها كرات صغيرة. مفردها پلپل وتفصيحها فِلْفِل.
ويضيف إن تسمية الفول نفسها هي في الأصل آسيوية هندوأوروپية وليست عربية، ومن نفس المصدر الذي قدّم كلمة پلپل الآرامية. إذ إن الكلمة الهندوأوروپية پُل بمعنى كرة صغيرة تحوّرت في الآرامية البابلية كذلك فصارت پولا بمعنى حبّة بقول وعنها اشتق العرب كلمة فول، أمّا تسمية الفول العربية في الأصل فهي باقلاء.
اما أصل الطبق، فإن الادعاءات متناثرة هنا وهناك، أبرزها أن أصل الفلافل مصري، ويدعي أصحاب هذا الرأي أن أصل الطبق يضرب عميقا في جذور الثقافة المصرية القديمة حيث يشيرون الى وجوده في المطبخ المصري الفرعوني، بينما يشير الشوام، وبينهم الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون أن أصل الفلافل شامي، ومن بلاد الشام انتقلت الى مختلف دول العالم، بينما أعلنت بطاقة بريدية أصدرتها إسرائيل عام 2004 أن الفلافل هي «الوجبة الخفيفة الوطنية لإسرائيل».
أما عن الأصل الفرعوني لقرص الفلافل فقد نفاه عدد من الباحثين مثل بول بالتا وفاروق مردم بك إذ أشارا الى معلومة مفادها أنه «لم تظهر الفلافل في الأدب المصري إلا بعد الاحتلال البريطاني لمصر بعد الثورة العرابية عام 1882»، وقد توقع بالتا ومردم بك أن «الضباط البريطانيين، بعد أن ذاقوا طعم كروكيت الخضار المقلية في الهند أو كما تسمى الباكورة الهندية، طلبوا من الطهاة المصريين إعداد نسخة مصرية من الباكورة باستخدام المكونات المحلية» طبعا لا يوجد دليل على ذلك؛ ولكن هذا الأمر يبدو منطقيا، إذ إن هناك الكثير من الأطباق الهندية التي تم إعدادها بطريقة مماثلة (مثل فادا وبوندا)، والتي كان من الممكن أن توفر الإلهام اللازم لصناعة الفلافل. وتشير بعض الأبحاث الى انتشار الفلافل المصرية المصنوعة من الفول، التي انتقلت عبر مدينة الاسكندرية، شمالا الى بلاد الشام وغربا الى ليبيا، وجنوبا عبر البحر الأحمر الى اليمن.
ثقافة الطعام الإسرائيلية تدين بالكثير من أسسها للعالم العربي وبضمنه فلسطين
وهنالك اختلافات في المواد الداخلة في وصفة قرص الفلافل، وشكله وطبيعته، وهذه الأمور كما أشرنا تعود لاختلاف المجتمعات في تقديم أطباقها، فالفلافل المصرية التي تعرف بـ (الطعمية) تصنع من الفول ذي الحبة الصغيرة الذي ينقع ثم يهرس ويخلط مع البقدونس والكراث وغيرها من الخضروات، وتتبل بالثوم والبهارات، وتأخذ قطع صغيرة باليد وتقلى في إناء عميق فيه زيت مغلي، وقد تطورت الطعمية بعدة اتجاهات عندما اجترح البعض الطعمية المحشية بأنواع الحشوات كالجبنة أو البيض المسلوق والتي باتت تعرف بعين الكتكوت، كما أن البعض اجترح طبقا آخر من عجينة الطعمية وذلك بخلطها بالبيض ثم قليها كقرص كبير يسمى (عجة الطعمية).
وتجدر الإشارة الى أن قرص الطعمية المصرية في كل الحالات يصنع باليد المجردة دون الاستعانة بقالب، ونتيجة المكونات الداخلة في صنع عجينة الطعمية يكون قرصها الساخن هش، ومقرمش، وذهبي اللون من الخارج، وأخضر زاهي من الداخل.
لكن الفلافل الشامية اكتسبت خصوصيتها حيث استبدل الشوام الفول المصري صغير الحبة بالحمص الذي كانت تكثر زراعته في بلاد الشام، وأصبحت حبة الفلافل الفلسطينية واللبنانية تصنع من عجينة الحمص المهروس والمخلوط ببعض الخضروات والمتبل بالبهارات، إذ يصار الى صنع حبة الفلافل بقالب صغير لتكون الحبات متساوية الحجم، بينما الفلافل السورية تصنع بقالب مفتوح من المركز فتكون على شكل حلقات مفتوحة الوسط وأشبه بالدونات.
ويشار الى أن أول محل لبيع الفلافل في لبنان افتتح في شارع دمشق قرب وسط البلد في العاصمة بيروت عام 1933 على يد مصطفى صهيون، وهو من عائلة فلسطينية سكنت بيروت، وبقي المحل عاملا حتى الحرب اللبنانية إذ أغلق عام 1978 لأنه كان عند خط التماس بين بيروت الشرقية والغربية. وأعيد افتتاحه مرة أخرى عام 1992، بعد نهاية الحرب الأهلية، لكن ولدي مصطفى صهيون اختلفا فتقاسما المحل ليصبح محلين متجاورين عام 2006 إذ انفصل فؤاد صهيون بمتجره الخاص عن أخيه زهير صهيون. وبقيا أشهر محلين للفلافل في قلب بيروت.
بينما يشير الباحث مؤنس البخاري الى مسار آخر لانتقال الفلافل التي يعتبر أن أصلها حديث في مطابخ الشرق الأوسط ولا يذهب بعيدا عن العصر الصناعي في القرن التاسع عشر، التي ظهرت نتيجة ظهور الحاجة إلى توفير أكلات عمّال منخفضة الكلفة وذات قيمة غذائية عالية لأنه لم يعثر على أي ذكر لها في كتب الطبيخ العباسي أو الأندلسي وحتى الفترات المتأخرة من العهد المملوكي. ويرى أن أصل الفلافل كانت تُصنع بداية من البرغل بصورة كرات كبّة غير محشية، ثم لمّا انتشرت زراعة الحمص في الشام استبدل الناس البرغل بالحمص، ثم هبطت وصفة الفلافل مع أهل فلسطين إلى مصر، واستُبدل الحمص الشامي بالفول المصري، وخرجت وصفة الطعمية التي لم تعرفها مصر في العهد القبطي القديم.
أما فيما يخص مصطلح «المطبخ الإسرائيلي» فيرى الباحثون أنه مصطلح مثير للجدل لأن الكثير من الطعام المقدم على أنه «إسرائيلي» يمكن إرجاع أصوله الى وصفات حملها اليهود الشرقيين الذين جلبوها من أطباق الشرق الأوسط إلى إسرائيل، وأن ثقافة الطعام الإسرائيلية تدين بالكثير من أسسها للعالم العربي وبضمنه فلسطين.
وفيما يخص الفلافل، فبإمكاننا القول إنه ليس طبقا يهوديا بالقطع، ولا يوجد ضمن وصفات الطعام التقليدية لدى اليهود الشرقيين أو الغربيين، ولم يكن اليهود، الذين قدموا إلى فلسطين من أوروبا الشرقية، وخاصة فيما يعرف بالموجة العالية الخامسة (1929-1939)، عدوانيين ومرتابين من أي شيء يعتبرونه «عربيا»، فالتزموا بإصرار بمطبخهم الخاص، وتجنبوا الفلافل باعتبارها طبقا «غريبا» وحتى «غير نظيف». مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948، كانت الفلافل لا تزال بعيدة عن أن تكون مقبولة كطعام يهودي، ناهيك عن كونها طعاما «وطنيا». على الرغم من أن الوصفات التي تمجد صفاتها المغذية ظهرت بشكل متكرر في الصحف الإسرائيلية مثل هآرتس، إلا أن شعبيتها كانت غير مكتملة.
بعد حرب عام 1948، عانت إسرائيل من شح المواد التموينية، ومع تدفق للمهاجرين الجدد من يهود الشرق الأوسط، أدخلت الحكومة الإسرائيلية برنامجا صارما للتقشف عام 1949. وتم تقنين الأطعمة الأساسية مثل السمن والسكر؛ بينما كان استهلاك اللحوم محدودا. وهذا ما عزز شعبية الفلافل، التي لم تكن مصدرا جيدا للبروتين فحسب، بل كانت مكوناتها متاحة بسهولة حتى لأفقر الأسر.
وعلى الرغم من أن البعض استمر في التعامل معها على أنها أكلة «أجنبية» إلى حد ما، إلا أن عددا متزايدا من كتب الطبخ بدأ يعرض وصفاتها. كما أن وصول أعداد متزايدة من اليهود الشرقيين من اليمن وتركيا وشمال أفريقيا ساعد في نقل الفلافل من بلدانهم الأصلية إلى إسرائيل دون أن يرى القادمون الجدد في الأمر أي شيء غريب.
وكان لسلوك وتقاليد اليهود الشرقيين في إسرائيل تأثير فوري، لم يساعد فقط في إقناع اليهود الغربيين الذين ما زالوا متشككين بأن الفلافل كانت حقا طعاما مناسبا لليهود، ولكنه سمح أيضا للفلافل بالتخلص من ارتباطاتها بالشعوب العربية. وهذا أمر كان من دواعي سرور الحكومة الإسرائيلية أن تشجعه. ففي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية 1948-1949، كانت هناك جهود متضافرة لتعزيز الشعور المميز بالهوية الوطنية الإسرائيلية وفصل ثقافتها ومطبخها عن ثقافة جيرانها حيث قام العديد من اليمنيين بفتح أكشاك الفلافل. وقد روّجت الحكومة الإسرائيلية بشدة فكرة أن الفلافل لم يتم استيرادها من مصر، بل من يهود اليمن. وقد كان ذلك كذبة واضحة، لكنها خدمت غرضها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصراع الفلافل الفلسطينيون كذبة فلسطين الفلافل الصراع كذبة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط الکثیر من أن أصل
إقرأ أيضاً:
مجاعة غزة أجبرت الأهالي على مقايضة ما يملكون من أجل الطعام
تحت حصار إسرائيلي خانق مستمر منذ أكثر من شهرين، يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث، مع تحذيرات متزايدة من اقتراب المجاعة الشاملة وسط ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية ونفاد المساعدات، ما يهدد حياة أكثر من 2.4 مليون إنسان، غالبيتهم من النساء والأطفال.
في أسواق غزة، التي باتت شبه خالية من الزبائن، تسجل أسعار الخضروات والحبوب والوقود أرقاماً فلكية تفوق القدرة الشرائية لأغلب المواطنين.
يقول المواطن حسن رسمي لوكالة "الأناضول": "سعر كيلو البطاطا بلغ 10.80 دولارات، والبصل كذلك، أما الطماطم فتباع بـ7.30 دولارات، والباذنجان بـ8.10، في حين ارتفع سعر كيلو الدقيق إلى 9.45 دولارات".
كيلو الدقيق بـ10 دولارات ولتر الوقود بـ27
ويضيف أن كيس الطحين الذي يزن 50 كيلوغراماً تجاوز حاجز 400 دولار، أي ما يعادل راتب شهر كامل، بل أكثر، بالنسبة لغالبية سكان القطاع.
يؤكد رسمي أن الارتفاع المهول في الأسعار لم يعد صادماً للفقراء وحدهم، بل إن حتى العائلات التي كانت تُعد ميسورة لم تعد تقوى على شراء الحد الأدنى من احتياجاتها، مضيفاً أن معظم السكان باتوا يعتمدون على ما تبقى لديهم من مؤن، أو يلجأون إلى المقايضة إذا ما توفرت لهم سلع يمكن مبادلتها.
وفي أحد الأسواق القليلة التي لا تزال قائمة وسط الركام والدمار، تنقّل المواطن أحمد إبراهيم بين البسطات القليلة المتبقية بحثاً عن كيلو طحين يناسب ما تبقى في جيبه.
ويروي إبراهيم مشهداً مؤلماً شاهده بأم عينه: "رجل يقايض ربع كيلو من القهوة التي كان يحتفظ بها في بيته مقابل كيلو طحين". مشهد يلخص انهيار المنظومة المعيشية والاقتصادية في القطاع المحاصر.
ويحكي خالد عبد الرحمن أنه اضطر لشراء كيلو طحين مقابل 35 شيكلاً، وهو كل ما تبقى له من مال، ليكتشف لاحقاً أنه مملوء بالسوس. يقول بحزن: "رغم فساده، نأكله لأنه الخيار الوحيد. نخلطه مع الأرز أو المعكرونة حتى نشبع الأطفال، المهم أن يناموا دون بكاء".
أما سعر الوقود فقد بلغ مستويات لا تُصدق، إذ تجاوز سعر اللتر الواحد 27 دولاراً، ما اضطر السكان إلى التخلّي عن استخدام السيارات واللجوء إلى وسائل بدائية كالدراجات الهوائية والعربات التي تجرها الحيوانات.
"جريمة تجويع منهجية"
ومنذ الثاني من آذار/مارس الماضي، أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابر القطاع بشكل كامل، مانعة دخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود، في ما وصفته تقارير دولية بأنه "جريمة تجويع منهجية"، حيث حذرت منظمات حقوقية وحكومية من كارثة إنسانية متسارعة، مع تعمّق معاناة السكان الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الخارجية منذ اندلاع العدوان المستمر منذ 19 شهراً.
وتُقدّر بيانات البنك الدولي أن الغالبية الساحقة من سكان القطاع باتوا تحت خط الفقر، بعدما دمّرت الحرب المتواصلة مصادر الدخل وفرص العمل والبنية التحتية.
وفي ظل نزوح أكثر من 90 بالمئة من السكان من منازلهم، يعيش كثيرون في ملاجئ مكتظة أو يفترشون العراء دون مأوى، ما فاقم من تفشي الأمراض ونقص الرعاية الصحية.
ويقول محمد جميل، وهو أب لخمسة أطفال، إن "المخزون لا يكفي لأيام، والأطفال وكبار السن يواجهون الموت البطيء بصمت"، مضيفاً أن "وجبة اليوم باتت ترفاً نادراً". وتابع بحزن: "نقتات على خليط من الرز والدقيق الفاسد... بعض أكياس الطحين تفوح منها رائحة عفن، لكننا مضطرون لأكله، فقط كي لا ينام الأطفال جياعاً".
"المطبخ المركزي العالمي" خارج الخدمة
وفي ضربة جديدة للجهود الإنسانية، أعلنت منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الأربعاء الماضي أنها لم تعد قادرة على تقديم وجبات الطعام في غزة، بعد نفاد الإمدادات الغذائية وشحنات الوقود الضرورية للطهي وإعداد الخبز.
وقالت المنظمة إنها وزّعت خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية أكثر من 130 مليون وجبة و26 مليون رغيف خبز في القطاع، لكنها أصبحت عاجزة الآن عن الاستمرار في ظل الحصار الإسرائيلي.
"الصليب الأحمر": العمل الإنساني انهار
وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الخميس الماضي، من "انهيار وشيك للعمل الإنساني"، واصفة الأوضاع في غزة بـ"الجحيم على الأرض".
وقال المتحدث باسم اللجنة هشام مهنا إن "الحياة اليومية تحوّلت إلى معركة من أجل البقاء في ظل نزوح جماعي وفقدان الأحبّة وحرمان تام من الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى".
65 ألف طفل مهددون بالموت جوعا
من جهتها، أعلنت حكومة غزة أمس الجمعة أن أكثر من 65 ألف طفل في القطاع باتوا مهددين بالموت جوعاً نتيجة سوء التغذية، محذرة من أن "الاحتلال الإسرائيلي يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين"، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي.
وأوضح البيان أن الاحتلال الإسرائيلي منع دخول أكثر من 39 ألف شاحنة تحمل مساعدات غذائية وطبية ووقود منذ أكثر من 70 يوماً، ما أدى إلى توقف جميع المخابز في القطاع عن العمل منذ 40 يوماً، وحرمان السكان من الخبز، الغذاء الأساسي، مما فاقم المجاعة، خاصة بين الفئات الأضعف كالأطفال وكبار السن.
وفي خطوة اعتبرها مراقبون مثيرة للريبة، أعلن السفير الأمريكي في الاحتلال الإسرائيلي عن عملية "ستبدأ قريباً" لتوزيع مساعدات غذائية في قطاع غزة دون تدخل من الحكومة الإسرائيلية، بحسب ما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست".
لكن البيان لم يتطرق إلى أماكن مراكز التوزيع، ما أثار الشكوك حول أهداف المبادرة، خاصة في ظل ترويج الاحتلال الإسرائيلي لمخطط يهدف إلى "إفراغ شمال غزة من سكانه".
وتحت غطاء الدعم الأمريكي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تنفيذ واحدة من أفظع الجرائم ضد الإنسانية، بحسب وصف منظمات حقوقية، حيث أسفرت الحرب عن سقوط أكثر من 172 ألف بين شهيد وجريح، أغلبهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار غير مسبوق للبنى التحتية والمرافق الحيوية.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، تبدو المجاعة في غزة ليست مجرد خطر مستقبلي، بل واقع يطرق أبواب عشرات آلاف الأسر، بينما تواصل إسرائيل منع الغذاء عن المحاصرين، والعالم يكتفي بالتنديد دون تحرك فعلي لوقف الجريمة المستمرة.