مارسيل خليفة يُحيي ليلتين "تحيةً لفلسطين" بدار الأوبرا السلطانيّة
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
الرؤية- ريم الحامدية
تستضيف دار الأوبرا السلطانية مسقط في موسمها الحالي (2023- 2024) الموسيقار اللبناني الشهير وعازف العود البارع مارسيل خليفة؛ برفقة نجله الملحن رامي خليفة، في حفل موسيقي فريد بعنوان "تحية لفلسطين"، وذلك في دار الفنون الموسيقية يومي الخميس والجمعة الموافقين 22 و23 فبراير الجاري، الساعة السابعة مساء.
والحفل بمثابة تحية مؤثرة، تحمل رسالة تؤكّد نبل القضية الفلسطينية، وعدالتها، يبعثها الفنان مارسيل خليفة الذي يحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ليقدّم بعضًا من أشهر أغانيه بما في ذلك "ريتا والبندقية"، و"في البال أغنية"، و"يا نسيم الريح"، و"بغيبتك نزل الشتي"، وغيرها من الأغاني التي طالما ردّدتها حناجر الجماهير العربية.
مارسيل خليفة المولود عام 1950م في بلدة عمشيت في جبل لبنان، هو مؤلف موسيقي، ومغنّ، وعازف عود لبناني. يُعتبر مارسيل أحد أهم الفنانين العرب الملتزمين بالقضية الفلسطينية، معروف بأسلوبه الفريد، حيث اعتاد أن يمزج بين التقنيات العربية التقليدية، ومنهجه المبتكر، وكان لصوته الجميل والقوي وكذلك كلماته المشحونة سياسياً صدى لدى الناس في جميع أنحاء العالم، وتكمن جاذبيته المتجذّرة في قدرته على معالجة القضايا المعاصرة مثل العدالة والحرية والحب، التغيير الاجتماعي، وقد ألهمتْ أغانيه، وموسيقاه الأجيال الجديدة، مما جعل موسيقاه خالدة، تأسر المستمعين من جميع الأعمار بكلماته العميقة وألحانه العاطفية.
ويتميز أسلوب رامي خليفة الذي يسير على خطى والده، برحلة موسيقية جريئة ومنتقاة، برصانة الألحان، وروعتها، ليضيف بعدًا جديدًا إلى تراث العائلة. وهما يتشاركان معًا المسرح، ويمزجان البيانو والعود في عرض آسر للمواهب يعزّز التعاون بين الأجيال، من خلال لغة الموسيقى العالمية، ويشكلان جسرًا يتردّد صداه بعمق مع الجماهير في جميع أنحاء العالم، مما يعزّز التفاهم والتضامن.
يُشار إلى أن جزءًا من عائدات هذه البرامج يُخصّص لدعم الشعب الفلسطيني بالتنسيق مع الهيئة العمانية للأعمال الخيرية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني الشقيق.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عمدة نيويورك القادم المؤيد لفلسطين
كأنني أرى المشهد أمامي رأي العين: نتنياهو فـي مقر إقامته فـي نيويورك، يراجع كلمته الملأى بالأكاذيب قبل إلقائها على منصة الأمم المتحدة فـي المساء. فجأةً؛ تقتحم شرطة نيويورك المقر وتعتقله. يندهش رئيس الوزراء الإسرائيلي ويدور فـي ذهنه أن فـي الأمر خطأ ما؛ فقد تلقى قبل قليل مكالمة ترحيبية من الرئيس الأمريكي ودعوة إلى البيت الأبيض. يغضب ترامب حين يشاهد الخبر العاجل فـي «فوكس نيوز»، يطلب من مساعديه الاتصال بعمدة نيويورك ليسأله:
- لماذا تعتقل صديقي بيبي؟
- لأنه مجرم حرب، ومطلوب فـي محكمة الجنايات الدولية.
- هل تعرف أن الولايات المتحدة غير موقعة على معاهدة تسليم المطلوبين لهذه المحكمة؟
- أعرف. لكني أعرف أيضًا أن نيويورك مدينة تتماشى قيمها مع القانون الدولي.
- لا تنس أن لديه حصانة دبلوماسية، وعليك أن تحترم القانون، لأن سلطتك كعمدة لا تخولّك ارتكاب هذه الحماقة.
- وها قد ارتكبتُها. لقد آن الأوان لتتطابق أقوالُنا عن احترام القانون الدولي مع أفعالنا.
- أنا رئيس الولايات المتحدة وآمرك بإطلاق سراحه فورا.
- وأنا عمدة نيويورك، ولن أمتثل.
لا أستبعد أن يتحقق هذا السيناريو بحذافـيره، إن سولت لنتنياهو نفسه الذهاب إلى نيويورك فـي عهد عمدتها القادم زهران ممداني؛ الذي نجح يوم الثلاثاء الماضي فـي الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للعمودية، ولم يتبق له إلا أشهر قليلة لتسلُّم المنصب رسميًّا حال فوزه المتوقع فـي انتخابات نوفمبر المقبل. ما فعله هذا الشاب المسلم، ذو الأصول الهندية، الذي لم يُمنَح الجنسية الأمريكية إلا عام 2018، ولم يتجاوز عمره بعدُ الرابعةَ والثلاثين، يُعدّ إنجازًا سياسيًّا استثنائيًّا، فقد كانت نيويورك قبل صعوده إحدى أبرز الولايات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل وسياساتها العنصرية، وتحتضن أكبر تجمع يهودي فـي العالم بعد إسرائيل، فأنْ ينجح فـيها بفارق مريح عن أقرب منافسيه، شابٌّ مسلم، ومؤيد صريح للحق الفلسطيني قولًا وفعلًا، ومهاجم شرس لسياسات إسرائيل، هو أمر كان إلى وقت قريب أقرب إلى الخيال.
ولكن كيف استطاع زهران أن يخوض غمار السياسة دون أن يضطر، كما كثيرين، إلى تغيير مبادئه وتبديل قناعاته؟ الإجابة تكمن فـي العائلة. فهو نجل الأكاديمي الهندي محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية فـي جامعة كولومبيا، الذي يُعدّ من أبرز النقاد لما بعد الاستعمار، كما يُعدّ ناشطًا بارزًا فـي الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. من مواقفه البارزة: دعمه لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها التي تُعرف اختصارًا بحركة «BDS»، ومقارنته الصريحة بين نظام الأبارتهايد فـي جنوب إفريقيا – التي عاش فـيها مع أسرته فترة من الزمن - ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وهو مؤلف كتاب «المسلم الجيد، المسلم السيئ» الذي يخلص فـيه إلى أن هذه الثنائية ليس لها أي جذور ثقافـية، بل هي تصنيفات سياسية أمريكية نشأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن ما وُصِفَ بـ«الإرهاب الإسلامي» ليس نتاجًا للدين أو الحضارة، بل رد فعل على سياسات أمريكا الاستعمارية ودعمها للقلاقل والاضطرابات فـي العالم الإسلامي.
أما أم زهران فهي المخرجة السينمائية الهندية الشهيرة ميرا ناير، خريجة جامعة هارفارد، وصاحبة أفلام عالمية، مثل «ميسيسيبي ماسالا» (من بطولة دينزل واشنطن)، و«زفاف فـي موسم الأمطار» الحائز على جائزة الأسد الذهبي فـي مهرجان فـينيسيا. وقد زارت سلطنة عُمان عام 2018 مُشارِكةً فـي مهرجان مسقط السينمائي حيث عُرِضَ فـيلمها «ملكة كاتوي» فـي سينما «فوكس الشاطئ». عُرِفتْ هي الأخرى بمواقفها المؤيدة لفلسطين، ورفضت دعوة لحضور مهرجان حيفا السينمائي عام 2013 قائلة: «سأذهب إلى إسرائيل عندما ينتهي الاحتلال. حين ينتهي نظام الفصل العنصري».
من هذه الأسرة المناضلة ورث زهران نضاله الأخلاقي والسياسي، الذي بدأه منذ سنواته الجامعية، وتبلور تدريجيًّا فـي مواقف واضحة، لا لبس فـيها، ولا مساومة. كانت البداية أثناء دراسته فـي كلية بودوين، حين شارك فـي تأسيس فرع منظمة «طلاب من أجل العدالة فـي فلسطين»، ودعم - كما والده - حركة (BDS)، ورفع شعار «عولمة الانتفاضة»؛ أي تحويل الانتفاضة الفلسطينية إلى رمز عالمي للنضال والمقاومة ضد الظلم والاحتلال فـي أي بقعة من العالم. وبعد انتخابه عضوًا فـي الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عام 2020، كان زهران أحد أبرز الأصوات المؤيدة لفلسطين فـي هذه الجمعية، وسعى إلى سنّ تشريعات تمنع استخدام أموال الضرائب الأمريكية فـي دعم الشركات المتورطة فـي الأنشطة الاستيطانية فـي فلسطين، وقد وصف حرب إسرائيل على غزة بــ«الإبادة الجماعية»، ورفض فـي مايو الماضي التوقيع على بيان فاقع صادر عن جمعية نيويورك التشريعية يؤيد إسرائيل ويصفها بأنها «تواصل السعي لتحقيق السلام مع الأمن والكرامة لنفسها وجيرانها والعالم، لتُحقق نبوءة أن تكون نورًا للأمم»! وفـي عام 2023، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، شارك فـي مظاهرات تطالب بوقف الاعتداءات على أهل القطاع، واعتُقِل خلال وقفة احتجاجية أمام منزل السيناتور تشاك شومر، مؤكدًا حينها أن أحداث السابع من أكتوبر لا يمكن أن تكون ذريعة لقتل المدنيين الفلسطينيين بدم بارد. وقد شارك فـي ديسمبر من العام نفسه فـي إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض لمدة خمسة أيام للمطالبة بوقف دعم أمريكا العسكري لإسرائيل. وقبل ذلك بسنتين، أي فـي أعقاب حرب إسرائيل على قطاع غزة عام 2021 دعا إلى «وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين» الفلسطينيين، وقال: إن «العدالة لا يمكن أن تتحقق فـي نيويورك فـي وقت نغض فـيه الطرف عن الظلم فـي فلسطين». أما السيناريو الذي افتتحتُ به هذا المقال عن اعتقال نتنياهو فـي نيويورك، فهو لم يكن من بنات خيالي، وإنما مبني على تصريح لممداني فـي مقابلة تلفزيونية أجراها معه الصحفـي والمعلق السياسي الأمريكي مهدي حسن فـي ديسمبر 2024.
ومهما يكن مصير زهران ممداني فـي انتخابات بلدية نيويورك فـي نوفمبر المقبل، وسواءً انتُخِب عمدة كما هو متوقع، أم صارت مفاجآت أخرى، فإن مجرد صعوده السياسي يمثّل اختراقًا فـي جدار الصمت الأمريكي حول قضية فلسطين، ورسالةً بأن العالم يتغير، ولم يعد هو نفسه ذلك العالم المطبِّل لإسرائيل وجرائمها وانتهاكاتها.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني