النمسا.. صور تذكارية لطبيعة ساحرة وعمارة مذهلة
تاريخ النشر: 21st, July 2023 GMT
عبد الكريم البليخ النمسا بلد رائع يخاطب كل الحواس بما يزخر به من مناظر طبيعية ساحرة وأماكن جذّابة، سواء مصادر المياه العذبة التي تتمثل في 5000 بحيرة تحوي أعذب المياه الصالحة للشرب في العالم، أو الأنهار الجليدية المذهلة، وأكبر الكهوف الجليدية في العالم، وأعلى الشلالات في أوروبا، أو الرحلات الاستكشافية بواسطة القوارب، وعوالم المغامرات المثيرة، أو ممارسة الرياضات الشتوية المتنوعة وغيرها كثير.
والجميل في الأمر أن النمسا تتيح للمرء القيام بكل هذه الأنشطة في أحضان طبيعة ساحرة وعمارة مذهلة. النمسا تفاخر بكونها واحدة من البلدان الأكثر خضرةً في العالم. حيث تزخر بأنهار جليدية وبحيرات متلألئة ومناظر طبيعية خلاّبة، مانحة الزوّار الكثير من المواقع الرائعة لالتقاط الصور التذكارية للمتزوجين حديثاً، ولأولئك الباحثين عن وجهة توثّق أجمل الذكريات وأمتع الأوقات في شهر العسل. عند تخيّل المرء صورة العاصمة النمساوية “فيينا”، فلا بد من أن تكون عربات “فياكر” جزءاً من هذه الصورة، لذا، احرص على تجربتها، لا سيما أنك ستجد مواقف متعدّدة للعربة في مناطق متنوعة في المدينة: “شتيفانس بلاتس”، و “هيلدن بلاتس”، و “ألبرتينا بلاتس”، و “بيترز بلاتس”، و “بورغتياتر”.
وإذا ما راق لك الذهاب في رحلة رومانسية، فعليك القيام ما يسمى بـ “الجولة الخزفية”، وهي عبارة عن رحلة هادئة وبطيئة. هذا النوع من الرحلات كان مخصصاً في قديم الزمان لنقل الخزف الثمين في شكل آمن من مكان إلى آخر. في يومنا هذا، يُعتبر هذا النوع من الرحلات طريقة مثالية لفتنة قلوب الأشخاص الذين نحبهم. كما تحتضن النمسا عدداً من الحدائق الساحرة، إذ تمثل حدائق “ميرابل” المشهورة على سبيل المثل تحفة فنية حقيقية في عالم البستنة تعود إلى العهد الباروكي. فقد صُمِمَت الحدائق عام 1690، ثم أعيد تنظيمها في شكلٍ كلي عام 1730. وأقيمت نافورة “بيجازوس” عام 1913. ونحت “أوتافيو موستو” مجموعة التماثيل الأربعة المتربعة على محيط النافورة، وهي ترمز إلى العناصر الأربعة: النار والهواء والأرض والماء.
وتتساقط مياه الشلال الواقع على نهر “جاشتاينير أخيه” من ارتفاع يبلغ 341 متراً على ثلاث مراحل. ويعتبر الشلال واحداً من أكثر الوجهات العلاجية أهمية في البلدة، ولطالما كان محور اهتمام الكثير من الشعراء والرسامين المشهورين. أما البلدة القديمة من “كيتسبوهل”، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 700 سنة، فتتمتع مع ما تضمّه من بيوت ملونة بسحر خاص يجعلها وجهة مفضلة لدى الكثير من السياح. كما تُخفي أزقتها وشوارعها التاريخية العريقة بعضاً من متاجر الأزياء الفاخرة ومجموعة كبيرة من الحانات والمطاعم المميزة. ربما تكون البلدة القديمة المعبّدة بالحصى غريبة بعض الشيء، غير أنها تمتلك في الوقت عينه الكثير من مفردات الجمال والأناقة اللافتة. فلا تفوّت التوقف عند أحد المقاهي ومحال الخبز والمعجنات، فهي تُقدم أشهى وألذّ الحلويات. ويمكن إيجاد مجموعة متنوعة من الأطعمة الشهية في الكثير من محال البقالة، بينما تمرُّ في الخارج، وعلى مدار اليوم، عربات رومانسية تجرّها الجياد. وتستضيف الطرقات والأزقة في هذه البلدة القديمة بعضاً من أفخر العلامات التجارية في العالم أمثال: لويس فويتون، دولتشي آند غابانا، برادا، بوغنر، والكثير غيرها.
ولن تقتصر متعتك في النمسا على أجمل اللحظات الرومانسية، بل يمكنك إكمالها بأجمل المشاهد البانورامية، لا سيما عند زيارة إنسبروك عاصمة إقليم تيرول الواقعة وسط جبال الألب. فهي المكان الوحيد في العالم الذي يمكنك من خلاله التسوّق في مركز مدينة تاريخي يعود إلى القرون الوسطى، والانتقال منه خلال 20 دقيقة فقط إلى مطعم جبلي يقع على ارتفاع 2000 متر. وهناك، بإمكانك الاستمتاع باحتساء بعض القهوة، وأنت تتأمل تلك الإطلالات البانورامية على جبال الألب. وكل ما تحتاج فعله هو ركوب ذلك التلفريك المُسمى “نورد كيتين بان”، الذي صممته المهندسة المعمارية المعروفة زها حديد. وبما أن إنسبروك هي المكان الوحيد في العالم الذي استضاف الألعاب الأولمبية الشتوية مرتين، فبإمكانك أن تتوقع مشاهدة مناظر مذهلة حقاً هناك في الأعالي. كما تُعرف قرية “زيفيلد” الألبية أيضاً بإطلالاتها البانورامية وهوائها النقي وأنسامها العليلة ومحيطها الجميل. فقد حباها الخالق مزايا عدة، لعل من أهمها موقعها أمام سلسلة من الجبال البهية التي تضفي على المكان بعداً جمالياً آسراً. ستأخذك عربات التلفريك في “روسهوته” إلى ارتفاع 2000 متر خلال دقائق معدودة، لتثري مخيلتك بطيف واسع من الإطلالات البانورامية المثيرة. وتعتبر قمة الجبل عند “هيرميله كوبف”، والتي تتربع على ارتفاع 2050 متر، بمثابة إطلالة مثالية على المشاهد الآسرة في الأسفل، وهي كذلك نقطة الانطلاق لنزهة على الأقدام وممارسة رياضة التسلق في فصل الصيف. وتوجد في “روسهوته” على ارتفاع 1760 متر شرفة مشمسة وحديقة ألعاب خاصة بالأطفال، فضلاً عن مطعم وممرات للقيام بنزهة على الأقدام. وتتمثل إحدى ميزات المنطقة أيضاً في “التكييف الطبيعي”، وذلك بسبب موقعها في الجبال على ارتفاع 1200 متر عن مستوى البحر، وذلك يفضي أيضاً إلى طقس معتدل من جهة، وإتحاف الزائر هذا المكان بطيف واسع من المشاهد البانورامية، من جهة أخرى.
ومن يبحث عن رحلة تزخر بالمناظر الأخاذة والإطلالات التي تحبس الأنفاس، فلا ينبغي عليك تفويت القيام بجولة على طريق أعالي جبال الألب “جروسجلوكنر” الذي يمر من أمام أعلى جبل في النمسا إلى قلب حديقة هوه تاورن الوطنية، حيث تمكن مشاهدة نباتات وحيوانات نادرة. فعبر نحو 36 منعطفاً، يقودك ذلك الطريق إلى ارتفاع يناهز 2571 متراً، لينتهي بك المطاف عند أطول نهر جليدي في جبال الألب الشرقية، ألا وهو “باستيرز”. يوفر هذا النهر الجليدي الأطول في جبال الألب الشرقية نقاطاً تتيح فرصة اختبار الجليد. فمن النادر أن تكون قريباً من هذا العالم الساحر، والذي يتمثل بعناصر عدّة هي: “جليد وأنهار جليدية ساحرة”، السينما الجليدية، أعلى معرض سيارات في العالم، إضافة إلى معرض الفن والثقافة “عشق جبال الألب – جمال وعاطفة”. إنها رحلة لا تُنسى في أكبر حديقة وطنية من نوعها. فهنا تشاهد شلالات تتساقط بسرعة، نظرات فضولية من عيون حيوان المرموط، ثلوجاً في فصل الصيف، سمات لا تجتمع إلا في هذا المكان الرائع. و يضم فندق “بارك حياة فيينا”، الواقع في وسط فيينا، 143 غرفة فاخرة، منها 35 جناحاً، حيث تتراوح مساحة الغرف بين 35 و170 متراً مربعاً. ويمكن الضيوف الاختيار بين أربعة أماكن لتناول الطعام أو الاسترخاء في المنتجع الصحي الواسع.
أما نهر الدانوب الذي يمر في العاصمة “فيينا” فيكتنفه السحر من كل جانب، حيث يُعد الوجهة المثلى لأغراض السباحة ومختلف الرياضات المائية. وينقسم هذا النهر الرائع إلى ثلاثة أقسام: الدانوب الرئيسي والدانوب القديم والدانوب الجديد. فالدانوب الرئيسي هو حيث تُبحر سفن الرحلات النهرية. أما الدانوب القديم فمحاط بالحدائق والمتنزهات والمطاعم ذات التراسات المُطلة على المياه والمتنزهات ذات ممرات المشاة والدراجات الهوائية. في حين ينفصل الدانوب الجديد عن الدانوب الرئيسي بواسطة جزيرةٍ من صنع الإنسان يبلغ طولها 21 كيلومتراً، وتُعدُّ بحق جنةً استجماميةً حقيقية، إذ تزخر بالكثير من الشواطئ، فضلاً عن 180 هكتاراً من المساحات الخضر الساحرة والعديد من البارات والمطاعم والمقاهي. وتستضيف هذه الجزيرة كلَّ عامٍ أكبر حفلة في الهواء الطلق في أوروبا، تتمثل في مهرجان جزيرة الدانوب المجاني الذي يستقطب 3 ملايين زائر على مدى 3 أيام. كما تكمن الإثارة الحقيقية عند زيارة حديقة حيوانات “شونبرون”، إذ تعد بلا منازع أقدم حديقة حيوانات في العالم، وهي تقف مثالاً حيّاً على روّعة الهندسة المعمارية في عصر الباروك (أسلوب أوروبي في الهندسة المعمارية والموسيقى والفن يعود إلى القرنين الـ 17 والـ 18 ويتسم بتفاصيل مزخرفة ومنمقة). واليوم تصنف هذه الحديقة ضمن أكثر حدائق الحيوانات حداثة في ما يتعلق بتربية الحيوانات والبحث العلمي. وتكمن المتعة الحقيقية هنا في الذهاب في جولة خاصة لاستكشاف أغوار الحديقة ومراقبة الحيوانات الغريبة خلال الليل، برفقة دليل سياحي، وباستخدام مناظير تعمل بالأشعة تحت الحمراء. صحافي سوري مقيم في فيينا
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
مصير قاتم ينتظر العالم في ظل التغير المناخي الحاصل
#سواليف
كشفت دراسة جديدة أن نحو 40% من #الأنهار_الجليدية الموجودة اليوم محكوم عليها بالذوبان بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري المسببة للاحتباس الحراري.
ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 75% إذا وصل ارتفاع درجة #حرارة_الأرض إلى 2.7 درجة مئوية، وهو المسار الحالي للعالم.
وحذر الباحثون من أن الخسارة الهائلة للجليد ستؤدي إلى ارتفاع منسوب #مياه_البحار، ما يعرض ملايين الأشخاص للخطر ويزيد من موجات الهجرة الجماعية، كما سيؤثر بشكل كبير على المليارات الذين يعتمدون على الأنهار الجليدية في تنظيم موارد المياه اللازمة للزراعة.
مقالات ذات صلة انقلاب شاحنة يتسبب بفرار 250 مليون نحلة من خلاياها 2025/06/02ومع ذلك، فإن خفض الانبعاثات الكربونية والحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، كما هو متفق عليه دوليا، يمكن أن ينقذ نصف كمية الجليد المتبقية. ورغم أن تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال مع استمرار ارتفاع الانبعاثات، إلا أن العلماء أكدوا أن كل جزء من الدرجة المئوية يتم تجنبه سيوفر 2.7 تريليون طن من الجليد.
وأظهرت الدراسة أن الأنهار الجليدية في غرب الولايات المتحدة وكندا من بين الأكثر تضررا، حيث أن 75% منها محكوم عليها بالفناء. أما الأنهار الجليدية في جبال هندوكوش وكراكورام المرتفعة والباردة، فهي أكثر مقاومة، لكنها ستتقلص بشكل كبير مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
واعتمدت هذه الدراسة على نمذجة متطورة لمسار 200 ألف نهر جليدي حول العالم، باستثناء غرينلاند وأنتاركتيكا. واستخدم الباحثون ثمانية نماذج محاكاة مختلفة، تم معايرتها بدقة باستخدام بيانات واقعية، لتتبع مصير هذه الكتل الجليدية العملاقة تحت سيناريوهات مناخية متباينة.
وما يثير القلق أن الخسائر الجليدية لن تقتصر على القرن الحالي، بل ستستمر لآلاف السنين حتى لو توقف #الاحتباس_الحراري اليوم. وهذا التأخر الزمني الكبير بين سبب الذوبان ونتائجه الكاملة يجعل من الأنهار الجليدية مؤشرا فريدا على عمق الأزمة المناخية التي نواجهها.
وأوضح الدكتور هاري زيكولاري، أحد قادة الفريق البحثي، أن “كل جزء من الدرجة المئوية التي نتمكن من تجنبها ستنقذ مليارات الأطنان من الجليد”. وهذه الحقيقة العلمية تضع البشرية أمام مسؤولية أخلاقية، حيث أن القرارات التي نتخذها اليوم ستحدد شكل العالم الذي سيعيش فيه أحفادنا بعد قرون.
وكان معروفا سابقا أن 20% من الأنهار الجليدية ستختفي بحلول عام 2100، لكن النظرة طويلة الأجل كشفت أن 39% من الجليد العالمي قد حكم عليه بالفناء بالفعل. وتمتد العواقب المتوقعة لهذا الذوبان الجليدي إلى مختلف مناحي الحياة. فبالإضافة إلى مساهمته في ارتفاع منسوب مياه البحار، سيتسبب اختفاء الأنهار الجليدية في اضطراب الأنظمة البيئية، وزيادة مخاطر انهيار البحيرات الجليدية، وتأثيرات خطيرة على المجتمعات التي تعتمد على هذه المصادر المائية للزراعة والشرب.
وفي هذا السياق، تحذر الدكتورة ليليان شوستر من جامعة إنسبروك من أن “ما نراه اليوم من تراجع للأنهار الجليدية هو مجرد بداية لقصة أطول بكثير”. وتضيف أن “الأنظمة الجليدية تتأخر في استجابتها للتغير المناخي، ما يعني أن الأسوأ لم يأت بعد”.
ورغم هذه الصورة القاتمة، تترك الدراسة باب الأمل مفتوحا. فبحسب النماذج، يمكن لالتزام العالم بحدود اتفاقية باريس للمناخ (1.5 درجة مئوية) أن ينقذ نصف كمية الجليد المهددة. هذا الهدف الذي يبدو بعيد المنال في ظل المسار الحالي، يبقى ممكنا مع الإرادة السياسية والتحول الجذري في سياسات الطاقة.
ويلخص البروفيسور أندرو شيبرد من جامعة نورثمبريا الموقف بقوله: “نحن أمام خيارين: إما أن نستمر في مسارنا الحالي لنشهد اختفاء معظم الأنهار الجليدية خلال القرون القادمة، أو نتحرك الآن لإنقاذ جزء مهم من هذا التراث الطبيعي”.
ومع انعقاد المؤتمر الدولي رفيع المستوى لحماية الأنهار الجليدية في طاجيكستان، تبرز هذه الدراسة كنداء استغاثة عاجل للبشرية. فمصير هذه العمالقة الجليدية، التي صمدت لعصور جيولوجية، أصبح الآن بين أيدينا.