الحرب غير النظامية في العقيدة العسكرية الأميركية.. هل استفادت واشنطن من تجاربها؟
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
تُميّز العقيدة العسكرية الأميركية بين نوعين من الحرب، الحرب التقليدية والحرب غير النظامية، فما المهام والعمليات الحربية التي تقوم عليها الحرب غير النظامية؟ وهل استفادت الولايات المتحدة من تجاربها؟
وتحت عنوان "الحرب المشتركة"، يصف منشور لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الحرب التقليدية بأنها "صراع عنيف تخوضه الدول أو التحالفات باستخدام القوات التقليدية، سعيا للهيمنة"، ويفرّق المنشور بينها وبين "الحرب غير النظامية".
ويعرف البنتاغون الحرب غير النظامية بأنها تلك التي تشن فيها الدول والجماعات الفاعلة غير الحكومية حملات لتطويع أو إكراه الجهات الأخرى، عبر اعتماد أساليب جديدة غير معتادة في الحروب، إما كنهج أساسي أو متناسق مع الحرب التقليدية.
ولا تقتصر عمليات الحرب غير النظامية على العمليات العسكرية الخاصة، بل تشمل أيضا العوامل والمستويات الاجتماعية والثقافية واللغوية والنفسية والتقنية والمادية، التي تؤثر على آلية فهم المؤشرات من المعلومات والتأثر بها والتصرف بناء عليها.
وقد تستخدم أطراف الحرب غير النظامية أساليب غير تقليدية، كحرب العصابات وعمليات التخريب، لكن كل ذلك يكون في إطار جهود جانبية لاستمالة المدنيين والسيطرة عليهم.
وفي هذا النوع من الحروب، يسعى خصم أقل قوة إلى عرقلة أو تعطيل القدرات والمزايا العسكرية لطرف آخر أكثر قوة. ولكونها تركز على التأثير على المدنيين، فإن إجراءات التأثير والسيطرة على "بيئة الخصم" تلعب دورا بارزا في الحرب غير النظامية.
تشمل الحرب غير النظامية أساليب وعمليات قتالية غير تقليدية، كالعمليات المعلوماتية -أو عمليات التأثير النفسي على ساحة الخصم- والحرب السيبرانية، ومكافحة الشبكات والأنشطة التي تهدد مصالح وحلفاء الولايات المتحدة، وتمويل المشاريع المضادة لها، وعمليات التنسيق العسكري والتعاون الأمني مع الشركاء المحليين، وغيرها مما يتعلق ببيئة المعلومات وكسب تأييد المدنيين.
ويُعرّف منشور وزارة الدفاع الأميركية رقم "جي بي 3- 13.2" العمليات المعلوماتية العسكرية بأنها "عمليات مخططة لنقل معلومات ومؤشرات مختارة إلى جماهير الخصم، للتأثير على عواطفهم ودوافعهم وتفكيرهم الموضوعي، والتأثير في نهاية المطاف على سلوك قيادة الخصم".
بدورها تسعى الحرب السيبرانية لتوظيف القدرات التقنية الإلكترونية لتحقيق أهداف محددة، عبر عمليات هجومية وأخرى دفاعية لتعطيل قدرات الخصم والحفاظ على القدرات المحلية.
أما عمليات مكافحة الشبكات التي تهدد المصالح الأميركية فهي -كما يعرفها منشور "العمليات الخاصة جي بي 3-05"- "أنشطة لمنع أو تعطيل أو تدمير مقدّرات الخصم وخطوط إمداده وترتيباته اللوجستية، ومنع تخزينها ونقلها واستخدامها في الأنشطة المعادية لمصالح الولايات المتحدة".
بينما عمليات التنسيق العسكري مع الشركاء المحليين فيعرّفها المنشور "جي بي 3-57" بأنها "إقامة العلاقات بين القوات العسكرية من جهة والمدنيين والمؤسسات المحلية من جهة أخرى، أو المحافظة والتأثير عليها واستغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة".
في حين يعرّف المنشور "جي بي 3-20" التعاون الأمني بكونه "تعاونا بين وزارة الدفاع الأميركية والمؤسسات الأمنية لدى الحلفاء لبناء علاقات تعزز المصالح الأمنية للولايات المتحدة، وتطوير القدرات العسكرية والأمنية للحلفاء للمشاركة في العمليات المتعددة الجنسيات، ودعم القوات الأميركية وقت الحاجة".
تتباين التعريفات الرسمية الأميركية للحرب غير المتكافئة، لكنها غالبا ما توصف في أدبيات الأمن القومي بأنها حرب بين أطراف متخاصمة لديها قوى عسكرية أو إستراتيجية أو تكتيكات متباينة، تُستخدم فيها أسلحة وتكتيكات غير تقليدية، كتلك المرتبطة بحرب العصابات.
وتعد الحرب غير المتكافئة شكلا من أشكال الحرب غير النظامية، لكن بسبب ارتباطها بالحرب غير النظامية وتشابهها معها، يُستخدم المصطلحان بشكل مترادف أحيانا.
وتقوم قيادة العمليات الخاصة الأميركية بتنظيم وتدريب وتجهيز قوات العمليات الخاصة (إس أو إف)، لتنفيذ المهام الخاصة وغيرها من المهام التي قد يحددها الرئيس الأميركي أو وزير الدفاع.
وتتطلب هذه المهام أنماطا فريدة من التوظيف والتقنيات التكتيكية والمعدات والتدريب، وغالبا ما تتم في بيئات معادية أو معارضة أو حساسة على المستوى السياسي. ولذلك يجري تنسيق وتنفيذ العديد من مهام الحرب غير النظامية عبر قيادة العمليات الخاصة وقواتها.
وتلعب الجيوش التقليدية أيضا دورا في الحرب غير النظامية، فقد حدد ملحق "الحرب غير النظامية" في إستراتيجية الدفاع الوطني الأميركية لعام 2018، الذي نشرته وزارة الدفاع في عام 2020، هدفا يتمثل في الحفاظ على الكفاءة الأساسية في الحرب غير النظامية لدى جميع وحدات الجيش الأميركي، وليس فقط قيادة العمليات الخاصة.
كما تتعاون قيادة العمليات الخاصة مع الشركاء والحلفاء والقوات المشتركة بين المؤسسات العسكرية لإنجاز مهمتها، فعلى سبيل المثال يعمل "مركز المشاركة العالمية" التابع لوزارة الخارجية الأميركية مع قيادة العمليات الخاصة كجزء من مهمته لمواجهة الدعاية الإعلامية والمعلومات المضللة التي ينشرها خصوم الولايات المتحدة.
تنص الفقرة 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني المالي لعام 2018 على أنه يجوز لوزير الدفاع، بموافقة قائد المهام المعني، إنفاق ما يصل إلى 10 ملايين دولار سنويا بين عامي 2018 و2020 لتقديم الدعم للحلفاء الأجانب، من القوات غير النظامية أو الجماعات أو الأفراد المشاركين في دعم أو تسهيل عمليات الحرب غير النظامية المستمرة والمصرح بها من قبل قوات العمليات الخاصة الأميركية.
وقد عدّل قانون العام 2022 المادة 1202 لتمديده حتى سنة 2025، مع طلب تقرير عن إستراتيجية الحرب غير النظامية المحددة في ملحق إستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018.
في حين حدد قانون تفويض الدفاع الوطني المالي لعام 2024 مخصصات الدعم، ورفع النفقات إلى ما يصل إلى 20 مليون دولار سنويا.
محور الجهد الرئيسي في الحروب غير النظامية
في تحليل لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول اعتماد إستراتيجيات جديدة للحرب على الإرهاب، يرى الجنرال المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية جون ألين أنه لا بد للقوات الأميركية من فهم السياقين الثقافي والسياسي لحلفائها وخصومها، وكيفية تأثيرهما على القوات.
كما يُقدّم كتاب "في ظل أسياد الحرب" لكاتبه دانيال غرين عددا من التوصيات لخوض الحروب غير النظامية، تشمل تدريب الوحدات العسكرية على المهارات الدبلوماسية، وتوجيهها للعمل في المنطقة ذاتها بصورة متكررة لبناء العلاقات وتوطيد الثقة مع الحلفاء المحليين.
بينما يرى المقدم المتقاعد من الجيش الأميركي جون ناجل، في تقديمه لكتاب دايفيد جاليولا "حرب مكافحة التمرد بين النظرية والتطبيق"، أن الأولوية في الحروب غير النظامية تكمن في استمالة المدنيين في ساحة النزاع.
ولذا، فإن مفتاح النجاح في مثل هذه الحروب بالنسبة للمقدم ناجل يكمن في "جمع المعلومات الاستخبارية المستمدة من السكان المحليين لتحديد العدو، وتكون الحرب خاسرة حين تغيب هذه المعلومات".
خاضت الولايات المتحدة العديد من الحروب غير النظامية، من فيتنام مرورا بـأفغانستان والعراق، ووصولا إلى مواجهتها الدائرة مع فصائل "محور المقاومة" في منطقة الشرق الأوسط، واستخلص محللوها ومنظروها العسكريون الكثير من الدروس من هذه التجارب، لكنها على ما يبدو أنها لم تستفد من دروسها بعد.
فقد خرجت من أفغانستان بعد حرب دامت عقدين من الزمن، وعاد الحكم في كابل لـحركة طالبان، ولم تستطع بناء الدولة العراقية التي بشّرت بها إبان الغزو عام 2003، حيث آل الأمر ميدانيا لفصائل قوية تدعمها إيران وتهدد المصالح الأميركية في المنطقة.
ورغم نصائح إدارة الرئيس جو بايدن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، قبيل بدء الحرب البرية على قطاع غزة، بعدم تكرار أخطاء الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، فقد واصلت واشنطن دعمها الدبلوماسي والعسكري لإسرائيل التي ترتكب مجازر يومية بحق أهالي غزة.
وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيلية وتعاطي البيت الأبيض معها، فإن ما يحدث سينعكس على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط كلها، حيث تتنامى مشاعر التنديد بسياسة واشنطن الداعمة للاحتلال على حساب دماء الأطفال والنساء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الجیش الأمیرکی الدفاع الوطنی عملیات الحرب جی بی 3
إقرأ أيضاً:
ماذا ستقول واشنطن؟ شهيدان في الضفة أحدهما يحمل الجنسية الأميركية
وصفت السلطة الفلسطينية جريمة القتل التي نفذها مستوطنون بحق فلسطينيين في رام الله وأدت إلى "استشهاد اثنين أحدهما يحمل الجنسية الأميركية" إنها "جريمة بشعة وإرهاب منظم".
اقرأ ايضاًوقال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، السبت، إن "الجريمة البشعة التي ارتكبتها ميليشيات المستعمرين الإرهابية تمثل تصعيدا خطيرا في الإرهاب المنظم الذي ترعاه وتحميه حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة"، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
واعتدى مستوطنون بالضرب المبرح أمس الجمعة على الشاب سيف الله كامل مصلط (23 عاما)، الذي يحمل الجنسية الأميركية، في بلدة سنجل شمال رام الله مما أدى لاستشهاده.
كما استشهد الشاب محمد الشلبي (23 عاما) في البلدة نفسها بعد أن أطلق مستوطنون النار عليه.
بدورها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن مصلط ولد في بورت شارلوت بفلوريدا وسافر إلى الضفة الغربية في يونيو/حزيران الماضي لزيارة عائلته في قرية المزرعة الشرقية شمال شرق رام الله.
من جهتها، قالت الخارجية الأميركية لقناة "الجزيرة" إنها "على علم بتقارير عن وفاة مواطن أميركي في الضفة الغربية".
وأضافت الوزارة أنه ليس لديها أي معلومات إضافية احتراما لخصوصية الأسرة في هذه الأوقات العصيبة، كما قالت إنه "ليست لدينا أولوية أعلى من سلامة وأمن المواطنين الأميركيين في الخارج".
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل سابقا عددا من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأميركية في الضفة الغربية، ولم تسفر التحقيقات عن أي إدانة أميركية لقتل هؤلاء المواطنين الأميركيين.
وهاجم مستوطنون مسلحون ليلة الجمعة/ السبت بلدة سنجل في رام الله، مما دفع عشرات الشبان للتصدي لهم.
بدورها، قالت وزارة الصحة الفلسطينية إنه بالإضافة للشهيدين أصيب 40 فلسطينيا خلال المواجهات مع المستوطنين في الأراضي الواقعة بين بلدتي سنجل والمزرعة الشرقية.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن هجوم المستوطنين الجديد على بلدة سنجل جرى تحت حماية قوات الاحتلال.
وقالت المصادر إن مجموعات المستوطنين منعت الطواقم الطبية من الوصول إلى شبان محاصرين في الأحراج المحيطة بسنجل.
من ناحيته، دعا فتوح إلى الانتفاض في كافة مناطق الضفة الغربية إلى الانتفاض في وجه الإرهاب الاستعماري، وتصعيد المقاومة الشعبية لردع عصابات المستعمرين التي باتت تتحرك كجيش موازٍ تحت حماية قوات الاحتلال.
ووجّه فتوح دعوة عاجلة إلى المجتمع الدولي والإدارة الأميركية لتحمل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، وفرض عقوبات فورية على دولة الاحتلال.
بموازاة ذلك، قالت مصادر فلسطينية إن قوات إسرائيلية اقتحمت كذلك بلدات في الخليل (جنوبي الضفة) بينها حلحول والسموع.
اقرأ ايضاًوشملت الاقتحامات الليلية أيضا بلدة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم.
ومنذ بدء الحرب على غزة، أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة عن استشهاد 996 فلسطينيا على الأقل وإصابة 7 آلاف واعتقال أكثر من 18 ألفا آخرين.
المصدر: وكالات
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محرر أخبار، كاتب وصانع محتوى عربي ومنتج فيديوهات ومواد إعلامية، انضممت للعمل في موقع أخبار "بوابة الشرق الأوسط" بعد خبرة 7 أعوام في فنونالكتابة الصحفية نشرت مقالاتي في العديد من المواقع الأردنية والعربية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن